بازگشت

الامام العسكري في حياة والده


لقد رافق الامام العسكري (عليه السلام) أباه: الامام الهادي (عليه السلام) في ترحيله، و ابعاده من المدينة المنورة الي سامراء، و عمره سنتان أو أربع سنوات، و عاش مع والده في سر من رأي أحدي و عشرين سنة، و قد خيمت علي حياة والده سحائب المآسي و الآلام.

فهو (عليه السلام) يري والده العظيم يعيش في أجواء الاضطهاد و الكبت، من ابعاده من مدينة جده الأقدس (صلي الله عليه و آله) و مسقط رأسه، و وطن آبائه الطاهرين، و اقامة جبرية في بيته، و في معترك الفتن و المشاغبات و المؤامرات.

و من الواضح أن المشاكل التي عاناها الامام الهادي من اولئك الطواغيت شملت ابنه الامام العسكري أيضا، لأنه عاصر تلك القضايا و الحوادث في حياة والده.



[ صفحه 17]



فالسلطات الغاشمة - بدء بالمتوكل الي المنتصر، الي المستعين، الي المعتز - ما كان يهدؤ لهم بال من وجود الامام الهادي (عليه السلام).

فالمتوكل الذي جلب الامام الهادي الي سامراء (بأنواع الحيلة و المكر) ليكون تحت الرقابة المشددة، ممنوعا عن كل تصرف، و لتكون حركاته و سكناته، و لقاءاته، بمرأي و مسمع من السلطة و ليكون في متناول يد المتوكل متي ما شاء أن يقتله قتله، مع ذلك كان ينزعج هو و حاشيته من وجود الامام الهادي. و قد ذكرنا بعض ما يتعلق بهذه المواضيع في كتاب (الامام الهادي).

و لهذا من الصحيح أن نقول: ان الامام العسكري (عليه السلام) منذ نعومة أظفاره كان يعيش مع والده العظيم حياة مشفوعة بأنواع المآسي و الآلام، و الحرمان عن أبسط حقوق الانسان؛

و اخيرا: فجع بوالده الذي قضي نحبه مسموما، و منعت السلطات من تشييع جثمانه الطاهر بسبب كثرة بكاء الناس و ضجيجهم، و أجبروا أولاده أن يدفنوه في بيته. و قد ذكرنا هذه الامور في الكتاب المذكور.

و لما استقل بأعباء الامامة بعد شهادة ابيه: الامام الهادي (عليه السلام) توجهت سهام الأعداء اليه مباشرة، وقام المناوئون بمحاولات شيطانية، و جهود كافرة لاطفاء نور الله.

و ستقرأ - في هذا الكتاب - أن الكثيرين من الناس ما كانوا يستطيعون الحضور و المثول عند الامام في بيته بسبب الرقابة المشددة عليه من قبل السلطة، بل كان أرباب الحوائج يقفون في أثناء طريق الا مام لعلهم يستطيعون بيان حوائجهم، و السؤال عن قضايا دينهم و دنياهم و آخرتهم!

و قد فرضت السلطة عليه أن يحضر في دار الخلافة في كل اسبوع مرتين، لا لشي ء سوي اثبات وجوده في سامراء، كما تفرض السلطات - اليوم علي المحكوم عليه بالابعاد عن بلده، و الاقامة الجبرية في بلد آخر - الحضور في دائرة الشرطة يوميا، مرة أو أكثر، ليوقع - هناك - اثباتا لوجوده في تلك البلدة.



[ صفحه 18]



و في نفس الوقت كان الامام في مسيره الي دار الخلافة محاطا بالجواسيس الذين يراقبون حركاته و اتصال الناس به، الي درجة أن الذي كان يسلم علي الامام كان يخاطر بحياته.

و كان الامام يكتب في ورقة: «ألا: لا يسلمن علي أحد، و لا يشير الي بيده، و لا يومي ء فانكم لا تومنون علي انفسكم» و يرسلها الي الذين ينتظرون خروجه من بيته ليلتقوا به في أثناء الريق؛

و بالرغم من ذلك الجو المكهرب المكفهر، و مع وجود ذلك الضغط و الكبت المنبعث من تلك القلوب المليئة بالحقد و العداء، بالرغم من هذه الامور كان الامام العسكري (عليه السلام) ينتهز كل فرصة ليؤدي بعض متطلبات الامامة الكبري، و لوازم القيادة العظمي التي القيت علي كاهله في حدود القدرة و الاستطاعة، و مع التحفظ علي جميع الجوانب التي ينبغي مراعاتها.

فمثلا: كان أكثر الناس (بما فيهم العباسيون) قد سمعوا الكثير أو القليل من الأحاديث المروية عن رسول الله (صلي الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) حول الامام المهدي (عليه السلام) و أنه الثاني عشر من أئمة أهل البيت، و أنه الذي يملأ الدنيا قسطا و عدلا، بعد أن تملأ ظلما و جورا.

و كان اولئك الظالمون الجائرون يعرفون أنفسهم و أعمالهم، و يعلمون ان الامام المهدي الموعود هو الذي يقوض عروشهم، و يدمر كيانهم، و يحطم حكوماتهم.

فكان اولئك المساكين المجانين يبذلون أقصي جهودهم و مساعيهم للحيلولة دون ذلك.

فتارة: كان الحاكم العباسي يأمر بحبس الامام في السجون العامة، و تارة كان يسلمه الي جلاوزته ليحبسوه في بيوتهم كيلا يري أحدا و لا يراه أحد، و تارة كان يأمر بتسيير الامام الي الكوفة و اغتياله في أثناء الطريق تغطية للجريمة، و خوفا من نقمة الشعب الموالي للامام (عليه السلام).



[ صفحه 19]



كل ذلك للحيلولة دون ولادة الامام المهدي (عليه السلام).