بازگشت

الامام العسكري و الحكومات المعاصرة


ولكن هذه المحاولات أكثرها كانت تبوء بالفشل، و استمع الي الامام العسكري (عليه السلام) الذي يصرح بهذه الحقيقة:

عن الفضل بن شاذان قال: حدثنا عبدالله بن الحسين بن سعد الكاتب قال:

قال أبومحمد (عليه السلام): «قد وضع بنوامية و بنوالعباس سيوفهم علينا لعلتين:

احداهما: أنهم كانوا يعلمون انه ليس لهم في الخلافة حق، فيخافون من ادعائنا اياها و تستقر في مركزها.

و ثانيهما: أنهم قد وقفوا [علموا] من الأخبار المتواترة علي أن زوال ملك الجبابرة و الظلمة علي يد القائم منا، و كانوا لا يشكون أنهم من الجبابرة و الظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و ابادة نسله، طمعا منهم في الوصول الي منع تولد القائم (عليه السلام) أو قتله، فأبي الله أن يكشف أمره لواحد منهم، الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون» [1] .

في تلك الظروف القاسية ولد مولانا صاحب الزمان، الامام المهدي (سلام الله عليه).

و بولادة الامام المهدي (عليه السلام) صار الامام العسكري (عليه السلام) بين محذورين شديدين، و أمرين خطيرين:

1 - الاعلان عن ولادة الامام المهدي (عليه السلام) بصورة واسعة؛

قد ذكرنا - قبل قليل - ان الأعداء كانوا يعلمون ان الامام المهدي سيولد من الامام العسكري، اذن، فمن الطبيعي أنه كان قد قرب وقت ولادة الامام المهدي الذي يخافه الجبابرة.

و ذكرنا ان محاولاتهم - للحيلولة دون ولادة الامام المهدي - فشلت.



[ صفحه 20]



فلو علموا بأن الذي كانوا يخافونه قد ولد، فما الذي كانوا يصنعون؟

ان نتيجة الاعلان عن ولادة الامام المهدي هي ايقاظ الأعداء، و التمهيد لقتله (حسب الظاهر) و معني ذلك - فرضا - ان الامام العسكري (عليه السلام) يسبب (معاذ الله) قتل الامام المهدي، و قطع خط الامامة، و تفنيد عشرات الآيات القرآنية المأولة بالامام المهدي، و كذا تفنيد مئات الأحاديث المبشرة بالامام المهدي، المروية عن رسول الله (صلي الله عليه و آله) و الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)و غير ذلك من المضاعفات و النتائج غير المرضية.

2 - كتمان ولادته، و هذا يكون مشكلة كبري، و مصيبة عقائدية عظمي، لأن الأوامر الالهية، تفرض علي كل امام أن ينص علي الامام الذي بعده، و يعرفه - في حدود الامكان - للخط الموالي، حفظا للامة الاسلامية في الضياع و الضلال.

و قد قام الأئمة الطاهرون (عليهم السلام)بهذه المهمة، بالرغم من ظروفهم الصعبة، و كثرة المخاوف (كما هو مذكور في محله).

و ظروف الامام العسكري (عليه السلام) أصعب من ظروف أجداده حول النص علي الامام الذي بعده للسبب المذكور.

ثم ان كتمان ولادة الامام يكون تعتيما علي الشيعة، و اهدارا لأهم اصول المذهب، فقد ورد في الحديث - المتفق عليه بين الفريقين - عن رسول الله (صلي الله عليه و آله) انه قال: «من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية» [2] .

اليس معني ذلك أن يترك الامام العسكري (عليه السلام) طائفة اسلامية كبري تعيش في حيرة، و تموت في ضلال و ميتة جاهلية؟

لقد اختار الامام العسكري (عليه السلام) الحد الوسط، فلا اعلان عام، و لا كتمان تام.



[ صفحه 21]



و هذا هو الحل الوحيد لهاتين المشكلتين؛

فقد أخبر الامام العسكري بعض شيعته بولادة الامام المهدي، و نص عليه بالامامة، بمحضر من ثقاة شيعته، بل و أراهم ولده و هو في سن الطفولة.

كل ذلك اداء للواجب الشرعي المقدس، و اتماما للحجة، و بيانا للحقيقة.

و ستجد في خلال هذا الكتاب النصوص و التصريحات من الامام العسكري حول امامة ولده الامام المهدي (عليه السلام) و اليك بعض تلك النصوص:

روي الشيخ الصدوق في (اكمال الدين) بسنده عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري قال: حدثني معاوية بن حكيم، و محمد بن ايوب بن نوح، و محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) قالوا: عرض علينا أبومحمد: الحسن بن علي (عليهماالسلام) ابنه، و نحن في منزله، و كنا اربعين رجلا، فقال: «هذا امامكم من بعدي، و خليفتي عليكم، أطيعوه و لا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا؛

أما: انكم لا ترونه بعد يومكم هذا.

قالوا: فخرجنا من عنده، فما مضت الا أيام قلائل حتي مضي أبومحمد (عليه السلام) [3] .

و روي الشيخ الطوسي في (الغيبة) بسنده عن الحسين بن أحمد [حمدان] الخصيبي قال: حدثني محمد بن اسماعيل و علي بن عبدالله الحسنيان (السجستاني) قالا:

دخلنا علي أبي محمد الحسن (عليه السلام) بسر من رأي، و بين يديه جماعة من أوليائه و شيعته، حتي دخل عليه بدر: خادمه، فقال: يا مولاي! بالباب قوم شعث غبر [4] فقال [الامام] لهم [للحاضرين]: «هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن».



[ صفحه 22]



الي أن قال الحسن (عليه السلام) لبدر: «فامض فأتنا بعثمان بن سعيد العمري» فما لبثنا الا يسيرا حتي دخل عثمان، فقال له سيدنا أبومحمد (عليه السلام): «امض يا عثمان، فانك الوكيل و الثقة المأمون علي مال الله، و اقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال».

(ثم ساق الحديث) الي أن قالا: ثم قلنا - بأجمعنا -:

«يا سيدنا، و الله ان عثمان لمن خيار شيعتك، و لقد زدتنا علما بموضعه من خدمتك، و أنه وكيلك و ثقتك علي مال الله تعالي».

قال: «نعم، و أشهدوا علي أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي، و أن ابنه محمدا وكيل ابني: مهديكم» [5] .

و روي أيضا بسنده عن جماعة من الشيعة (ذكر اسماءهم) قالوا جميعا:

اجتمعنا الي أبي محمد: الحسن بن علي (عليهماالسلام)نسأله عن الحجة من بعده، و في مجلسه أربعون رجلا، فقام اليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري فقال له: يابن رسول الله! اريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به مني، فقال له: اجلس يا عثمان.

فقام [الامام] مغضبا ليخرج فقال: «لا يخرجن أحد» فلم يخرج منا أحد، الي أن كان بعد ساعة، فصاح بعثمان، فقام علي قدميه فقال [الامام]: اخبركم بما جئتم به؟

قالوا: نعم، يابن رسول الله. قال: «جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي» قالوا: نعم.

فاذا غلام كأنه قطع قمر، أشبه الناس بأبي محمد (عليه السلام) فقال: «هذا امامكم من بعدي، و خليفتي عليكم، أطيعوه، و لا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم.

ألا: و انكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتي يتم له عمر،

فاقبلوا من عثمان [بن سعيد] ما يقوله. و انتهوا الي أمره، و اقبلوا قوله، فهو خليفة امامكم، و الأمر اليه» [6] .



[ صفحه 23]




پاورقي

[1] اثبات الهداة ج 570 / 3 عن (اثبات الرجعة) للفضل بن شاذان.

[2] مصادر هذا الحديث في كتب العامة كثيرة جدا، منها: صحيح مسلم ج 6 / 22 سنن البيهقي ج 8 / 156 مسند أحمد بن حنبل ج 3 / 446 و غيرها.

[3] الكمال الدين / 435 باب من شاهد القائم حديث 2.

[4] شعث غبر: جمع أشعث و أغبر أي عليهم آثار السفر من التراب و الغبار و غيرهما.

[5] غيبة الطوسي / 215.

[6] غيبة الطوسي / 217.