بازگشت

الامام العسكري في وفات والده


فجع الامام العسكري (عليه السلام) بمصيبة وفاة والده: الامام الهادي (عليه السلام) و كانت صدمة مؤلمة، و فاجعة عظمي، و كارثة كبري، و انتهت تلك الحياة المقدسة مشفوعة بالآلام و الضغط.

و مما زاد في أبعاد المصيبة، و كانت تأثيرها - علي قلب الامام العسكري - أشد و أوجع هو:

1 - ان الامام الهادي قضي نحبه مسموما.

2 - و خاصة و ان الامام العسكري لم يستطع أن يخبر أحدا عن سبب وفاة والده نظرا للظروف القاهرة.

و قد ذكرنا بعض ما يتعلق بهذا الموضوع في كتاب (الامام الهادي من المهد الي اللحد).

و من اللازم أن نذكر - هنا - أيضا، رعاية لاسلوب الكتاب:

قضي الامام الهادي (عليه السلام) نحبه مسموما و هو ابن اربعين سنة. أو احدي و اربعين سنة، في أوائل سن الكهولة، و لم يبلغ من الكبر عتيا.

و من الواضح ان السلطة العباسية الغاشمة كانت - و هي تقوم بهذه الجرائم و الجنايات - تبذل كل ما في وسعها في كتمان الجريمة، و أن تقع في منتهي السرية، خوفا من نقمة الشعب الموالي للامام، فقد كان في جهاز الدولة



[ صفحه 37]



العباسية، و حتي في البلاط العباسي رجال يحملون الولاء لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) و يتعاطفون معهم، بالرغم من المناصب و الأعمال التي فوضت اليهم، و كان العباسيون يعلمون ذلك، و لا حول لهم و لا قوة، لأنهم ما كانوا يستغنون عن اولئك الرجال، بل كانوا يستعينون بهم في مهام الدولة، و نظام الحكومة بسبب مواهبهم و كفاءاتهم.

لهذا السبب و لغيره من الأسباب كانت الجناية تقع في جو من الكتمان و التقية مشفوعة بالتهديد الشديد فيما اذا انكشفت المؤامرة و انتشر الخبر!

أليست هذه مصيبة، ان الانسان يقتل ابوه ظلما و عدوانا، و لا يستطيع الابن أن يتكلم أو يتظلم أو يشكو مصيبته الي أحد؟؟

و لهذا خفيت علينا كيفية دس السم الي الامام الهادي (عليه السلام).

و أما قضايا وفات الامام الهادي (عليه السلام):

في اليوم الثالث من شهر رجب (علي المشهور) سنة مائتين و اربع و خمسين من الهجرة فارق الامام الهادي الحياة مسموما و قد صرح الكثيرون من المؤرخين و المحدثين بذلك، منهم:

1 - المسعودي في (مروج الذهب): و قيل: انه مات مسموما [1] .

2 - الشبلنجي في (نور الأبصار): يقال: انه مات مسموما [2] .

3 - ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة)... لأنه يقال: انه كان مات مسموما [3] .

4 - الطبري في (دلائل الامامة)... و في آخر ملكه [المعتز] استشهد ولي الله... مسموما... الي آخره [4] .

و روي الراوندي في (الخرائج) بسنده عن أبي هاشم الجعفري قال: لما مضي أبوالحسن [الهادي] عليه السلام صاحب العسكر، اشتغل أبومحمد:



[ صفحه 38]



ابنه بغسله و شأنه، و أسرع بعض الخدم الي أشياء احتملوها من ثياب و دراهم و غيرها... الي آخره.

أقول: قد ذكرنا في كتاب (الامام الجواد من المهد الي اللحد) بحثا حول تغسيل الامام و الصلاة عليه، و أن الامام لا يغسله و لا يصلي عليه الا الامام.

قال المسعودي: حدثنا جماعة، كل واحد منهم يحكي: انه دخل الدار [دار الامام الهادي] يوم وفاته، و قد اجتمع فيها جلة بني هاشم: من الطالبيين، و العباسيين، و اجتمع خلق من الشيعة، و لم يكن ظهر عندهم أمر أبي محمد [5] و لا عرف خبره الا الثقات الذين نص أبوالحسن [الهادي] عندهم، عليه؛

فحكوا: أنهم كانوا في مصيبة و حيرة، فهم في ذلك - اذ خرج من الدار الداخلة خادم، فصاح بخادم آخر: يا رياش! خذ هذه الرقعة، و امض بها الي دار أميرالمؤمنين، و ادفعها الي فلان، و قل له: هذه رقعة الحسن بن علي؛

فاستشرف الناس لذلك، ثم فتح - من صدر الرواق - باب، و خرج خادم أسود، ثم خرج - بعده - أبومحمد (عليه السلام) حاسرا، مكشوف الرأس، مشقوق الثياب، و عليه مبطنة [6] بيضاء، و كأن وجهه وجه أبيه (عليه السلام) لا يخطي ء منه شيئا؛

و كان - في الدار - أولاد المتوكل، و بعضهم ولاة العهود، فلم يبق أحد الا قام علي رجليه، و وثب اليه أبومحمد [الموفق] فقصده أبومحمد [العسكري] عليه السلام، فعانقه، ثم قال له: مرحبا بابن العم!

و جلس بين بابي الرواق، و الناس كلهم بين يديه.

و كانت الدار كالسوق بالأحاديث [7] فلما خرج [الحسن العسكري] أمسك الناس، فما كنا نسمع الا العطسة و السعلة!!



[ صفحه 39]



و خرجت جارية تندب أباالحسن [الهادي] عليه السلام، فقال أبومحمد (عليه السلام):

«ما ههنا من يكفي مؤنة هذه الجاهلة؟!». [8] .

فبادر الشيعة اليها، فدخلت الدار، ثم خرج خادم فوقف بحذاء [9] أبي محمد (عليه السلام) فنهض (صلي الله عليه) و اخرجت الجنازة، و خرج يمشي حتي اخرج بها الي الشارع الذي بازاء دار موسي بن بغا.

و كان أبومحمد [الحسن] صلي عليه قبل أن يخرج الي الناس، و صلي عليه - لما اخرج - المعتمد، ثم دفن في دار من دوره؛

و اشتد الحر علي أبي محمد (عليه السلام) و ضغط عليه الناس في طريقه و منصرفه من الشارع بعد الصلاة عليه، فصار - في طريقه - الي دكان لبقال، رآه مرشوشا، فسلم و استأذنه في الجلوس فاذن له و جلس، و وقف الناس حوله.

و خرج - في تلك العشية الي الناس - ما كان يجري عن أبي الحسن [الهادي] عليه السلام، حتي لم يفقدوا منه الا الشخص؛ [10] .

و تكلمت الشيعة في شق ثيابه، و قال بعضهم [11] : أرايتم أحدا من الأئمة شق ثوبه في مثل هذا الحال؟

فوقع - الي من قال ذلك -: يا أحمق! ما يدريك ما هذا؟ قد شق موسي [بن عمران] علي هارون (عليهماالسلام) [12] .

فبينا نحن كذلك اذ أتاه شاب حسن الوجه، نظيف الكسوة، علي بغلة



[ صفحه 40]



شهباء، فنزل عنها و سأله أن يركبها، فركبها حتي أتي الدار و نزل؛.

أقول: ربما يتبادر الي الذهن أنه لماذا دفن الامام الهادي في داره؟ و لماذا لم يدفن في المقابر العامة كما هي العادة؟

و السبب في ذلك - علي ما ذكره المؤرخون، و منهم اليعقوبي -: أن اجتماع الناس في دار الامام الهادي و خارجها كان عظيما جدا، و لم تتسع الدار لاقامة الصلاة علي جثمان الامام، و لهذا تقرر أن يخرجوا الجثمان الطاهر الي الشارع المعروف بشارع أبي أحمد، و هو من أطول شوارع سامراء و أعرضها، حتي يسع المكان لأداء الصلاة.

فلما أخرجوا الجثمان الشريف ارتفعت أصوات الناس بالبكاء و الضجيج؛

و كان أبوأحمد ابن هارون الرشيد، المبعوث من قبل المعتز العباسي للصلاة علي جثمان الامام، لما رأي اجتماع الناس و ضجتهم أمر برد النعش الي الدار حتي يدفن هناك [13] .

كل ذلك لمنع الناس عن مراسم التشييع، و التجليل عن جثمان الامام، و خوفا من هياج عواطف الناس، و تعبيرهم عن ولائهم للامام؛



[ صفحه 41]




پاورقي

[1] مروج الذهب ج 4 / 86.

[2] نور الأبصار / 166.

[3] الفصول المهمة / 282.

[4] دلائل الامامة / 216.

[5] أي لم يشتهر أمر امامته بين الناس.

[6] نوع من الثياب له بطانة.

[7] أي كان الناس يتحدث بعضهم مع بعض بأصوات مرتفعة كما هو شأنهم في الأسواق.

[8] ذكر المسعودي - أيضا - في ج 4 / 84: و سمع في جنازته جارية تقول: «ماذا لقينا من يوم الاثنين قديما و حديثا؟» اشارة منها الي يوم وفاة النبي (صلي الله عليه و آله) و ما تبعها من مؤامرة السقيفة و قضاياها.

[9] أي وقف بجنبه.

[10] أي قال الامام العسكري (عليه السلام) بأعمال أبيه التي كان يقوم بها تجاه الشيعة من الاجابة علي المسائل و غير ذلك.

[11] الذي اعترض علي الامام العسكري هو ابوعون الأبرش.

[12] اثبات الوصية / 205.

[13] تاريخ اليعقوبي ج 3 / 240.