بازگشت

الحكام المعاصرون للامام العسكري


لقد عاصر الامام العسكري (عليه السلام) - في حياة والده: الامام الهادي (عليه السلام) - كلا من الواثق و المتوكل و المنتصر و المستعين و المعتز؛

و عاصر في أيام امامته شهورا من ايام المعتز، ثم المهتدي، ثم المعتمد.

و قد ذكرنا في كتاب (الامام الهادي من المهد الي اللحد) شيئا من تراجم المعتصم و الواثق و المتوكل و المنتصر و المستعين و المعتز، و نذكر - هنا - شيئا من ترجمة المستعين و المعتز و المهتدي و المعتمد:

لما مات المنتصر ابن المتوكل، قرر بعض النصاري الذين كانوا في جهاز الدولة و الأتراك - و هم قواد الجيش، و قد استولوا علي شؤون الدولة في البلاد، و امور العباد - أن لا ينتخبوا أحدا من أولاد المتوكل للخلافة، لئلا ينتقم منهم و يأخذ بثار أبيه المتوكل.

فانتخبوا أحمد بن المعتصم، و لقبوه بالمستعين بالله، و وقع الخلاف و الاختلاف بين الأتراك، و شرع بعض يشاغب علي بعض، و يتهم بعضهم الآخر بالمؤامرة ضد الخليفة؛

و كان باغر التركي - و هو الذي قتل المتوكل - قد قويت شوكته، فقرر بعض الأتراك ازالته عن القدرة، فعرف باغر ذلك، فعزم علي قتل المستعين و بعض رؤساء الأتراك؛



[ صفحه 42]



لكن الأتراك قتلوه قبل أن يقتلهم، فوقعت الفتنة، و هاجت الأتراك، فخرج المستعين مع خواص أصحابه الأتراك بالسفينة من سامراء الي بغداد؛

و اصبح الصباح، و انتشر الخبر، فهجم الأتراك علي بيوت النصاري - الذين كانوا في الحكم - و شرعوا بالقتل و النهب و الافساد؛

و جاء الي بغداد بقية رؤساء الجيش من الأتراك، و اجتمعوا بالمستعين، و اعتذروا اليه عن نواياهم السيئة و مشاغباتهم، فعاتبهم المستعين عتابا لاذعا، فطلبوا منه العفو فعفا عنهم، و طلبوا منه الرجوع الي سامراء فلم يجبهم، فرجعوا الي سامراء آيسين، و قرروا خلع المستعين و البيعة للمعتز، و هو محمد بن جعفر المتوكل؛

و كان المعتز و اخوه المؤيد مسجونين، فأخرجوهما من السجن، و بايعوا المعتز باخلافة، و لابراهيم المؤيد بولاية العهد، و أخذوا لهما البيعة من الناس في سامراء.

و وصل الخبر الي المستعين و هو في بغداد، فأمر محمد بن عبدالله بن طاهر باتخاذ التدابير اللازمة، فكتبوا الي البلاد يجمعون الجيوش و العساكر لتحصين بغداد، و قطعوا ارسال المواد الغذائية الي سامراء، و شرعوا بحفر الخنادق، و نصب الوسائل الدفاعية المتعارفة في ذلك الزمان، و بنوا علي باب من أبواب مدينة بغداد سورا، و صرفوا مئات الآلاف من الدنانير في هذه الامور، و وزعوا الجيوش علي مداخل بغداد، و نصبوا المنجنيق علي كل باب من أبواب البلد، و كتبوا الي أتراك سامراء يأمرونهم بالطاعة و الانقياد للمستعين، و نقض بيعة المعتز؛

و كتب كل من المستعين و المعتز كتبا الي البلاد، و كل منهما يأمر الناس بالبيعة له و عدم الاعتراف بالبيعة للآخر.

فاضطربت الأحوال، و اختلت الامور، و شرع بعض الناس بالنهب و السلب و هدم المنازل و غير ذلك من المفاسد، بسبب ضعف الدولة و اختلاف الكلمة.



[ صفحه 43]



و خرج جيش من سامراء الي بغداد لمحاربة المستعين، و اقترب الجيش الي بغداد و اشتعلت نار الحرب، و استعمل البغداديون الاسلحة و المعدات و الوسائل الدفاعية لحراسة بغداد، وقام الجيش القادم من سامراء باحراق خيام الجيش، و الأماكن التي كمن فيها البغداديون، و طالت المدة علي هذا المنوال، و الفريقان بين كر و فر، و في كل يوم كان يسقط عدد من القتلي من الفريقين.

و لما نزح الجيش من سامراء الي بغداد ضعف جانب المعتز، فقام - هناك - اناس من السفلة بنهب الأسواق، و محلات بيع الذهب و غير ذلك.

و هكذا انتشر الفوضي في البلاد، و اضطربت الأحوال، و زال الأمن و الأمان من الناس.

و حاول محمد بن عبدالله بن طاهر الصلح مع المعتز، ولكن محاولاته باءت بالفشل.

و أخيرا أجبروا المستعين علي أن يخلع نفسه، فخلع نفسه من الخلافة، و اراد المستعين أن يخرج الي مكة فمنعوه عن ذلك، فاختار أن ينزل البصرة؛

و أخذوا منه الأحجار الكريمة التي لا تثمن بثمن من الجواهر و اليواقيت و امثالها، و أخذوا منه البردة و القضيب و الخاتم، و كانوا يزعمون أنها بردة رسول الله (صلي الله عليه و آله) و هكذا القضيب و الخاتم؛

و أخيرا ارسلوا المستعين مع اربعمائة رجل الي مدينة واسط، و خلا الجو للمعتز و مدحه الشعراء، و ذموا المستعين بأقبح هجاء؛

و بعد فترة: قتل المعتز أخاه ابراهيم المؤيد، ثم أمر بالقاء القبض علي المستعين و ارساله الي سامراء، و في أثناء الطريق قتلوا المستعين بعد التعذيب، و جائوا برأس المستعين الي المعتز و هو يلعب بالشطرنج! و لما فرغ من اللعب نظر الي رأس المستعين و أمر بدفنه و دفع الي قاتله خمسين الف درهم،!!

و كانت أيام حكم المعتز أربع سنوات و ستة أشهر و أياما، و خلعوه ثم قتلوه، و السبب في ذلك كما ذكره الطبري:



[ صفحه 44]



ان ام المعتز و جماعة من حاشيته كانوا يستلمون الأموال الواصلة من البلاد من الخراج و الغنائم و الهدايا، فكانت تحمل الي بيوت أموالهم، منهم: أحمد بن اسرائيل، و الحسن بن مخلد، و أبونوح عيسي بن ابراهيم، و كانت لام المعتز حصة الأسد. من الذهب و افخر الأمتعة و نفائس الجواهر و الدراهم و الدنانير و غير ذلك، و كان اسمها قبيحة، و كانت قد اتخذت في الطابق من تحت الأرض من بيتها خزانة لجمع تلك الأموال؛

و كان الجيش يطالبون برواتبهم، و لم يوجد في بيت المال ما يكفيهم، و تبين أن الأموال قد اجتمعت عند هؤلاء، فالقي القبض علي الثلاثة المذكورة اسماؤهم، و ضربوهم و عذبوهم بأنواع التعذيب حتي يعترفوا بالأموال و يردوها، ولكنهم لم يعترفوا بذلك.

و اجتمع الأتراك و هم الجيوش علي باب دار المعتز يطالبون بأرزاقهم، فأرسل المعتز الي امه يطلب منها خمسين الف دينار للانفاق علي الجيوش، و يخبرها بالخطر المتوجه الي حياته ولكنها قالت: ما عندي مال!!

و أخيرا هجم الجيش علي المعتز، و جروه برجله الي باب الحجرة، و تناولوه بالضرب، و خرقوا قميصه، و لطموه، و احضروا القاضي، و أجبروا المعتز علي أن يخلع نفسه، فخلع نفسه، و كتبوا كتاب الخلع، و دفعوا المعتز الي من يعذبه، فمنعوه الطعام و الشراب ثلاثة أيام، ثم وضعوه في سرداب و بنوا عليه، فأصبح ميتا، و كان عمره اربعا و عشرين سنة.

و بايع الناس محمد بن الواثق، و سموه المهتدي بالله.