بازگشت

المعتمد


بايع الناس المعتمد العباسي، و ما خلت ايامه من اضطرابات و حروب داخلية، من الخوارج، و صاحب الزنج، و اضيف اليهم يعقوب بن الليث الصفار الذي تمرد - أيضا - علي النظام و تبعه جماعة كثيرة، و اظهروا أنواع الفساد في الأماكن و المناطق التي وصلوا اليها مما يطول الكلام بذكره.

و هكذا هجم النصاري علي البلاد الاسلامية، فكانت الدماء - هنا و هناك تراق، و النفوس تزهق حرقا و غرقا، و الأموال تنهب، و النساء تسلب، و الأطفال المساكين كانوا لا ينجون من شرور تلك الحوادث.

و عاش المعتمد الي سنة تسع و سبعين و مائتين، و في يوم من الأيام شرب المعتمد شرابا كثيرا، و تعشي فأكثر فمات ليلا، و انتهت حياته بشرب الخمور و الافراط من الأكل.

نقلنا هذه الحوادث من تاريخ الطبري مع الاختصار و التلخيص [1] .

و سوف تقرأ في هذا الكتاب ان المعتمد تضرع الي الامام العسكري (عليه السلام) و سأله أن يدعو له أن يبقي في الحكم عشرين سنة، لأنه رأي من سبقه من أسلافه من الحكام العباسيين كيف كانت أيام حكمهم قصيرة، و كيف خلعوا و قتلوا شر قتله؟!

فدعا له الامام العسكري (عليه السلام) و استجاب الله دعاء الامام [2] ، فكان جزاؤ الامام من المعتمد أن قام بما قام ضد الامام العسكري من الحبس



[ صفحه 48]



و الاهانة، و اخيرا دس اليه السم و قتله في ريعان شبابه، و غضارة عمره؛ أقول: انما تطرقنا الي ذكر هؤلاء الحكام المعاصرين للامام العسكري (عليه السلام) حتي يظهر للقاري ء الذكي ان الامام العسكري كان يعيش تحت سيطرة الحكومات التي كانت بمعزل عن الدين و انما كان همهم و همتهم اشباع غرائزهم، و امتصاص دماء شعوبهم، و تسليم امور المسلمين الي النصاري أو أمثالهم ممن لا يعبأون بالاسلام و لا بالمسلمين.

و في تلك الظروف مع تلك الاضطرابات الداخلية، و الحروب الدامية كان الحكام العباسيون لا ينفكون من ايذاء الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) و لا يهتمون بعواطف الشعب، و كرامة المجتمع، و لا يغيثون من استغاث بهم من ظلم الولاة، و لا يفسحون المجال للناس أن يرفعوا شكاواهم و ظلامتهم الي السلطة؛ و اما الملاهي و المناهي و المنكرات فقد أصبحت مباحة عندهم، و قصورهم كانت تشبه حانات الخمارين و الخلافة الاسلامية انقلبت الي ملوكية مترفة، يحيط بها الفجور و الدعارة؛ اذن، فمن الطبيعي ان ينتشر - بين الناس - التذمر و الانزجار من السلطة، و عن كل من يدور في فلكهم، فأنتجت تلك الأعمال استياءا عاما في شرق الأرض و غربها من البلاد التي كانت تحت سيطرتهم؛ و لهذا كان اذا قام أحد ضد السلطة ثائرا اتبعه خلق كثير من الناس؛ و الا، فكيف استطاع صاحب الزنج أو يعقوب الصفار، أو الخوارج أو أمثالهم أن يثوروا ضد النظام، و يجدوا التجاوب و التعاون من الناس؟

و ان كانت تلك الثورات تبوء بالفشل، ولكن بعد اراقة دماء الآلاف من الناس و زهق الأرواح و نهب الأموال، و تدمير المساكن و غير ذلك من المفاسد التي عم شرها و شؤمها أكثر طبقات الناس؛ و من الواضح: ان الخط الشيعي - الذي لم يعترف بتلك الأنظمة من أول



[ صفحه 49]



يوم - كان يزداد غيظا و حنقا علي تلك الأنظمة، بسبب مواقفها العدائية لأهل البيت (عليهم السلام) بصورة عامة و للأئمة الطاهرين بصورة خاصة؛ و كانوا يعيشون حياة الخوف و الضغط و الحرمان بسبب انتمائهم الي الأئمة الطاهرين و تعاطفهم معهم؛ و ستقرأ - في هذا الكتاب - شيئا عن هذه القضايا بالرغم من كونها ملخصة و موجزة.



[ صفحه 50]




پاورقي

[1] تاريخ الطبري ج 7.

[2] بناء علي صحة الحديث، لعل الحكمة في دعاء الامام (عليه السلام) للمعتمد بطول العمر اتمام الحجة عليه لانه كان يعتقد بأن دعاء الامام مستجاب، فاذا امتنع الامام عن الدعاء له فلعله كان يبرر قتل الامام بسبب امتناعه عن الدعاء له.