بازگشت

داود بن القاسم (أبوهاشم الجعفري)


كان من أصحاب الامام الرضا و الامام الجواد و الامام الهادي و الامام العسكري و صاحب الأمر (عليهم السلام) و قد ذكرناه في كتاب (الامام الجواد) و (الامام الهادي).

كان من أهل بغداد، و كان جليل القدر، عظيم المنزلة عند الأئمة (عليهم السلام) و يروي عن الأئمة الذين عاصرهم أحاديث و كرامات و معاجز كثيرة.

و في التهذيب: بسنده عن أبي هاشم الجعفري قال: قال لي أبومحمد: الحسن بن علي (العسكري) عليه السلام: قبري بسر من رأي أمان لأهل الجانبين [1] .

و في (الكافي) بسنده عن ابي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي محمد [الحسن] (عليه السلام): جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟ فقال: سل، قلت: يا سيدي هل لك ولد؟ فقال: نعم، فقلت: فان حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال: بالمدينة [2] .

و في (الكافي) أيضا بسنده عن أبي هاشم الجعفري قال: شكوت الي أبي محمد (عليه السلام) الحاجة، فحك بسوطه الأرض، قال: و أحسبه غطاه بمنديل، و أخرج خمسمائة دينار فقال: يا اباهاشم خذ، و اعذرنا [3] .



[ صفحه 123]



و في (الكافي) أيضا: عن اسحاق قال: حدثني أبوهاشم الجعفري قال: شكوت الي أبي محمد ضيق الحبس، و كتل القيد [4] فكتب الي: أنت تصلي اليوم الظهر في منزلك.

فاخرجت وقت الظهر، فصليت في منزلي كما قال (عليه السلام)؛

و كنت مضيقا فأردت أن أطلب منه دنانير في الكتاب، فاستحييت، فلما صرت الي منزلي وجه الي بمائة دينار، و كتب الي: اذا كانت لك حاجة فلا تستحي و لا تحتشم، و اطلبها، فانك تري ما تحب ان شاء الله [5] .

و أما أحاديثه عن الامام العسكري (عليه السلام) فقد روي في الكافي بسنده عن أبي هاشم الجعفري قال: دخلت علي أبي محمد (العسكري) يوما، و أنا اريد أن أسأله ما أصوغ به خاتما أتبرك به، فجلست، و انسيت ما جئت له؛

فلما ودعت و نهضت، رمي الي بالخاتم، فقال: أردت فضة فأعطيناك خاتما، ربحت الفص و الكرا (أي اجرة الصائغ).

هناك الله يا اباهاشم، فقلت: يا سيدي، أشهد أنك ولي الله و امامي الذي أدين الله بطاعته. فقال: غفر الله لك يا اباهاشم [6] .

و في الكافي أيضا: بسنده عن اسحاق بن محمد النخعي عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال: كنت عند أبي محمد (العسكري) عليه السلام، فاستؤذن لرجل - من أهل اليمن - عليه، فدخل رجل عبل (أي ضخم) طويل، جسيم، فسلم عليه بالولاية (أي قال: السلام عليك يا ولي الله) أو (السلام عليك يا مولاي) فرد عليه بالقبول، و أمره بالجلوس، فجلس ملاصقا لي.

فقلت - في نفسي -: ليت شعري من هذا؟ فقال أبومحمد (عليه السلام): هذا من ولد الأعرابية، صاحبة الحصاة التي طبع آبائي (عليهم السلام) فيها بخواتيمهم فانطبعت، و قد جاء بها، معه، يريد أن أطبع فيها؛



[ صفحه 124]



ثم قال: هاتها. فأخرج حصاة، و في جانب منها موضع أملس، فأخذها أبومحمد (عليه السلام) ثم أخرج خاتمه، فطبع فيها فانطبع، فكأني اري نقش خاتمه الساعة: «الحسن بن علي».

فقلت - لليماني -: رأيته قبل هذا قط؟ قال: لا والله، و اني لمنذ دهر حريص علي رؤيته، حتي كأن الساعة أتاني شاب لست أراه فقال لي: قم فادخل. فدخلت؛

ثم نهض اليماني، و هو يقول: «رحمة الله و بركاته عليكم أهل البيت، ذرية بعضها من بعض، أشهد بالله أن حقك لواجب كوجوب حق أميرالمؤمنين (عليه السلام) و الأئمة من بعده، صلوات الله عليهم أجمعين» [7] .

ثم مضي، فلم أره بعد ذلك.

قال: اسحاق: قال أبوهاشم الجعفري: و سألته عن اسمه؟ فقال: اسمي: مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم بن أم غانم، و هي الأعرابية اليمانية، صاحبة الحصاة التي طبع فيها أميرالمؤمنين (عليه السلام) و السبط، الي وقت أبي الحسن (أي الامام الهادي) عليه السلام [8] .

و في اعلام الوري:

و قال ابوهاشم الجعفري في ذلك:



بدرب الحصا مولي لنا يختم الحصي

له الله أصفي بالدليل و أخلصا



و أعطاه آيات الامامة كلها

كموسي، و فلق البحر و اليد و العصا



و ما قمص الله النبيين حجة

و معجزة، الا الوصيين قمصا



[ صفحه 125]



فمن كان مرتابا بذاك فقصره

من الأمر: أن يتلو الدليل و يفحصا



قال أبوعبدالله بن عياش: هذه ام غانم صاحبة الحصاة غير تلك صاحبة الحصاة، و هي ام الندي، حبابة بنت جعفر الوالبية الأسدية، و هي غير صاحبة الحصاة الاولي التي طبع فيها رسول الله (صلي الله عليه و آله) و أميرالمؤمنين، فانها ام سليم، و كانت وارثة الكتب، فهن ثلاث، و لكل واحدة منهن خبر، قد رويته و لم اطل الكتاب بذكره [9] .

و عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي محمد (عليه السلام) فقال:

«اذا قام القائم [الامام المهدي] أمر بهدم المنائر و المقاصير التي في المساجد» فقلت: - في نفسي -: لأي معني هذا؟ فأقبل علي فقال: «معني هذا أنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي و لا حجة [امام]». [10] .

و عن ابي هاشم الجعفري أيضا قال: سمعت أبامحمد (عليه السلام) يقول:

«من الذنوب التي لا تغفر: قول الرجل: «ليتني لا اؤاخذ الا بهذا».

فقلت - في نفسي -: ان هذا لهو الدقيق [11] و قد ينبغي للرجل أن يتفقد من نفسه كل شي ء.

فأقبل علي فقال: صدقت - يا أباهاشم - الزم ما حدثتك نفسك، فان الاشراك - في الناس - أخفي من دبيب النمل علي الصفاء [12] في الليلة الظلماء، و من دبيب الذر علي المسح الأسود [13] [14] .



[ صفحه 126]



و عن أبي هاشم الجعفري أيضا قال: سمعت أبامحمد يقول:

«ان في الجنة لبابا يقال له: (المعروف) لا يدخله الا أهل المعروف».

فحمدت الله - في نفسي - و فرحت بما أتكلفه من حوائج الناس: فنظر الي أبومحمد و قال:.

«نعم، فدم [15] علي ما أنت عليه، فان أهل المعروف - في الدنيا - هم أهل المعروف في الآخرة، جعلك الله منهم - يا اباهاشم - و رحمك» [16] .

و عن أبي هاشم أيضا قال: سمعت أبامحمد يقول: «بسم الله الرحمن الرحيم: أقرب الي اسم الله الأعظم من سواد العين الي بياضها» [17] .

و عن أبي هاشم أيضا: سئل أبومحمد: ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا [في الارث] و يأخذ الرجل سهمين؟

فقال: «ان المرأة ليست عليها جهاد و لا نفقة، و لا عليها معقلة [18] انما ذلك علي الرجل».

فقلت - في نفسي -: قد كان قيل لي: ان ابن أبي العوجاء سأل أباعبدالله [الصادق] عن هذه المسألة، فأجابه بهذا الجواب.

فأقبل - أبومحمد - علي فقال: «نعم، هذه مسألة ابن أبي العوجاء، و الجواب منا واحد، اذا كان معني المسألة واحدا، جري لآخرنا ما جري لأولنا، و أولنا و آخرنا في العلم سواء، و لرسول الله (عليه و آله السلام) و لأميرالمؤمنين فضلهما» [19] .

و عن أبي هاشم الجعفري قال: كتب بعض مواليه [الامام العسكري]



[ صفحه 127]



يسأله أن يعلمه دعاء فكتب اليه: ادغ بهذا الدعاء:

«يا أسمع السامعين، و يا أبصر المبصرين، و يا عز الناظرين، و يا أسرع الحاسبين و يا أرحم الراحمين، و يا أحكم الحاكمين، صل علي محمد و ال محمد، و أوسع لي في رزقي، و مد لي في عمري، و امنن علي برحمتك، و اجعلني ممن تنتصر به لدينك، و لا تستبدل بي غيري».

قال أبوهاشم: فقلت - في نفسي -: اللهم اجعلني في حزبك و في زمرتك.

فأقبل علي أبومحمد فقال: «أنت في حزبه و في زمرته، اذ كنت بالله مؤمنا و لرسوله مصدقا، و لأوليائه عارفا، و لهم تابعا، فابشر ثم ابشر» [20] .

و قال أبوهاشم: سمعت أبامحمد يقول: «ان لكلام الله فضلا علي الكلام كفضل الله علي خلقه، و لكلامنا فضل علي كلام الناس كفضلنا عليهم» [21] .

و عن أبي هاشم - داود بن القاسم - الجعفري قال: سألت أبامحمد عن قول الله (عزوجل): «ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات باذن الله» [22] قال [الامام]: كلهم من آل محمد؛

الظالم لنفسه الذي لا يقر بالامام؛

فدمعت عيني، و جعلت افكر في نفسي في عظم ما أعطي الله آل محمد (علي محمد و اله السلام) فنظر الي أبومحمد فقال: «الأمر أعظم مما حدثتك نفسك من عظيم شأن آل محمد فاحمد الله، فقد جعلت متمسكا بحبلهم، تدعي يوم القيامة بهم، اذا دعي كل اناس بامامهم، فابشر يا أباهاشم فانك علي خير» [23] .



[ صفحه 128]



و عن أبي هاشم قال: سأل محمد بن صالح الأرمني [من] أبي محمد عن قول الله: «يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب»؟ [24] .

فقال أبومحمد: «هل يمحو الا ما كان، و هل يثبت الا ما لم يكن؟».

فقلت - في نفسي -: هذا خلاف ما يقول هشام بن الحكم: لا يعلم [الله] الشي ء حتي يكون! فنظر الي أبومحمد فقال: «تعالي الجبار الحاكم العالم بالأشياء قبل كونها، الخالق اذ لا مخلوق، و الرب اذ لا مربوب، و القادر قبل المقدور عليه».

فقلت: «أشهد أنك ولي الله و حجته، و القائم بقسطه، و أنك علي منهاج أميرالمؤمنين و علمه» [25] .

و عن أبي هاشم أيضا: قال: كنت عند أبي محمد فسأله محمد بن صالح الأرمني عن قول الله: «و اذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، و أشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي شهدنا» [26] قال أبومحمد: «ثبتت المعرفة، و نسوا ذلك الموقف، و سيذكرونه، و لولا ذلك لم يدر أحد من خالقه و لا من رازقه».

قال أبوهاشم: فجعلت أتعجب - في نفسي - من عظيم ما أعطي الله وليه، و جزيل ما حمله، فأقبل - أبومحمد - علي فقال:

«الأمر أعجب مما عجبت منه - يا أباهاشم - و أعظم! ما ظنك بقوم من عرفهم عرف الله، و من أنكرهم أنكر الله، فلا مؤمن الا و هو بهم مصدق، و بمعرفتهم موقن» [27] .

و عن أبي هاشم ايضا قال: سأل محمد بن صالح الأرمني [من] أبي محمد عن قول الله: «لله الأمر من قبل و من بعد»؟ [28] فقال أبومحمد:



[ صفحه 129]



«له الأمر من قبل أن يأمر به، و له الأمر من بعد أن يأمر بما يشاء».

فقلت - في نفسي -: هذا قول الله: «ألا: له الخلق و الأمر تبارك الله رب العالمين» [29] قال: فنظر الي و تبسم ثم قال: «ألا: له الخلق و الأمر تبارك الله رب العالمين» قلت: أشهد أنك حجة الله و ابن حجته في خلقه» [30] .

و حدث أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري قال: كنت في الحبس المعروف بحبس حسيس في الجوسق الأحمر، أنا و الحسن بن محمد العقيقي، و محمد بن ابراهيم العمري، و فلان و فلان، اذ دخل علينا أبومحمد: الحسن و أخوه جعفر [الكذاب] فخففنا له [31] .

و كان المتولي لحبسه صالح بن وصيف، و كان معنا في الحبس رجل جمحي [32] يقول [يدعي] انه علوي.

قال [أبوهاشم]: فالتفت أبومحمد فقال: «لولا أن فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متي يفرج عنكم» و أومأ الي الجمحي أن يخرج، فخرج.

فقال أبومحمد: هذا ليس منكم [من الشيعة] فاحذروه، فان في ثيابه قصة [تقريرا] قد كتبها الي السلطان، يخبره فيها بما تقولون فيه [السلطان].

فقام بعضهم ففتش ثيابه فوجد القصة [التقرير] يذكرنا فيها بكل عظيمة!! «و يعلمه [السلطان] أنا نريد أن ننقب الحبس و نهرب» [33] .

و كان الحسن (عليه السلام) يصوم، فاذا أفطر أكلنا معه من طعام كان يحمله غلامه اليه في جونة [34] مختومة، و كنت أصوم معه؛

فلما كان ذات يوم ضعفت [عن الصوم] فأفطرت في بيت [مكان] آخر علي كعكة [35] و ما شعر - و الله - به أحد، ثم جئت فجلست معه.



[ صفحه 130]



فقال [الامام] لغلامه: أطعم أباهاشم شيئا فانه مفطر! فتبسمت فقال: ما يضحكك يا أباهاشم؟ اذا أردت القوة فكل اللحم، فان الكعك لا قوة فيه.

فقلت: صدق الله و رسوله و أنتم. فقال لي: افطر ثلاثا، فان المنة [36] لا ترجع - اذا انهكها الصوم - في أقل من ثلاث [ايام].

فلما كان اليوم الذي اراد الله أن يفرج عنه جاء الغلام فقال: يا سيدي! أحمل فطورك؟ [37] فقال: احمل، و ما أحسب أنا نأكل منه!

فحمل الغلام الطعام للظهر، و اطلق عنه عند العصر - و هو صائم - فقال: كلوا هنأكم الله [38] .

و عن أبي هاشم: خطر ببالي أن القرآن مخلوق أم غير مخلوق؟ فقال أبومحمد (عليه السلام): يا أباهاشم! الله خالق كل شي ء، و ما سواه مخلوق [39] .

اقول: لقد ذكرنا في (كتاب الامام الهادي) بحثا حول هذه المحنة العقائدية التي ابتلي بها بعض المسلمين.

و عن أبي هاشم الجعفري قال: لما مضي أبوالحسن [الهادي] عليه السلام صاحب العسكر اشتغل أبومحمد: ابنه بغسله و شأنه.

و أخرج بعض الخدم الي أشياء احتملوها من ثياب و دراهم و غيرهما.

فلما فرغ أبومحمد من شأنه [أبيه] صار الي مجلسه فجلس، ثم دعا اولئك الخدم فقال: ان صدقتموني فيما أسألكم عنه فأنتم آمنون من عقوبتي، و ان أصررتم علي الجحود دللت علي كل ما أخذه كل واحد منكم، و عاقبتكم عند ذلك بما تستحقونه مني؛

ثم قال: يا فلان أخذت كذا و كذا، و أنت يا فلان أخذت كذا و كذا قالوا: نعم.

قالوا فردوه، فذكر لكل واحد منهم ما أخذه و صار اليه، حتي ردوا



[ صفحه 131]



جميع ما أخذوه [40] .

و في (الخرائج): روي أبوهاشم أنه ركب أبومحمد [العسكري] عليه السلام يوما الي الصحراء فركبت معه، فبينما يسير قدامي و أنا خلفه، اذ عرض لي فكر في دين كان علي، قد حان أجله [حضر وقت أدائه] فجعلت افكر في أي وجه قضاؤه؟ [كيفية اداء الدين] فالتفت [الامام] الي و قال: «الله يقضيه».

ثم انحني علي قربوس سرجه، فخط بسوطه خطة في الأرض فقال: يا أباهاشم انزل فخذه، و اكتم.

فنزلت و اذا سبيكة ذهب. قال: فوضعتها في خفي، و سرنا.

فعرض لي الفكر فقلت: ان كان فيها تمام الدين، و الا فاني ارضي صاحبه بها [السبيكة] و يجب أن ننظر في وجه نفقة الشتاء، و ما نحتاج اليه فيه من كسوة و غيرها، فالتفت الي، ثم انحني ثانية، فخط بسوطه مثل الاولي، ثم قال: انزل و خذ، و اكتم.

قال: فنزلت، فاذا سبيكة [فضة] فجعلتها في الخف الآخر، و سرنا يسيرا ثم انصرف الي منزله، و انصرفت الي منزلي؛

فجلست و حسبت ذلك الدين، و عرفت مبلغه، ثم وزنت سبيكة الذهب فخرج بقسط ذلك الدين، ما زادت و لا نقصت، ثم نظرت ما نحتاج اليه لشتوتي [41] من كل وجه، فعرفت مبلغه الذي لم يكن بد منه علي الاقتصاد بلا تقتير و لا اسراف ثم وزنت سبيكة الفضة، فخرجت علي ما قدرته ما زادت و لا نقصت [42] [43] .

و روي السيد ابن طاووس في (مهج الدعوات) عن علي بن محمد بن



[ صفحه 132]



زياد الصيمري، عن أبي هاشم قال: كنت محبوسا عند أبي محمد، في حبس المهتدي، فقال لي:«يا أباهاشم ان هذا الطاغي أراد أن يعبث بالله عزوجل في هذه الليلة، و قد بتر الله عمره، و جعله للمتولي بعده، و ليس لي ولد، و سيرزقني الله ولدا بكرمه و لطفه».

فلما أصبحنا شغب (سعت خ ل) الأتراك علي المهتدي، و أعانهم العامة لما عرفوا من قوله بالاعتزال و القدر، و قتلوه، و نصبوا مكانه المعتمد، و بايعوا له؛

و كان المهتدي قد صحح العزم علي قتل أبي محمد (عليه السلام) فشغله الله بنفسه حتي قتل و مضي الي أليم عذاب الله [44] .

و في كتاب (حديقة الشيعة) قال:

حدثنا سيدنا المرتضي ابن الداعي الحسيني الرازي (رحمة الله عليه) عن الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) عن أحمد بن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن أبيه محمد بن الحسن، عن سعيد (سعد) بن عبدالله عن عبدالجبار: ان الامام العسكري (عليه السلام) خاطب أباهاشم الجعفري فقال:

يا أباهاشم! سيأتي زمان علي الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة، و قلوبهم مظلمة منكدرة السنة فيهم بدعة، و البدعة فيهم سنة، المؤمن بينهم محقر، و الفاسق بينهم موقر، امراؤهم جاهلون جائرون، و علماؤهم في أبواب الظلمة سائرون؛

أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء، و أصاغرهم يتقدمون علي الكبراء، و كل جاهل عندهم: خبير، و كل محيل عندهم: فقير، لا يتميزون [45] بين المخلص و المرتاب، و لا يعرفون الضأن من الذئاب؛

علماؤهم: شرار خلق الله علي وجه الأرض، لأنهم يميلون الي الفلسفة و التصوف، و أيم الله! انهم من أهل العدول و التحرف.



[ صفحه 133]



يبالغون في حب مخالفينا، و يضلون شيعتنا و موالينا، فان نالوا منصبا لم يشبعوا عن الرشاء، و ان خذلوا عبدوا الله علي الرياء.

ألا: انهم قطاع طريق المؤمنين، و الدعاة الي نحلة الملحدين، فمن أدركهم فليحذرهم، و ليصن دينه و ايمانه».

ثم قال: يا أباهاشم! هذا ما حدثني أبي عن آبائه، عن جعفر بن محمد (عليهم السلام) و هو من اسرارنا، فاكتمه الا عن أهله» [46] .

و روي الشيخ الطوسي في (الغيبة) عن سعد بن عبدالله قال:

حدثني جماعة منهم: - أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري، و القاسم بن محمد العباسي و محمد بن عبيدالله، و محمد بن ابراهيم العمري، و غيرهم ممن كان حبس بسبب قتل عبدالله بن محمد العباسي - أن أبامحمد (عليه السلام) و أخاه جعفرا دخلا عليهم ليلا قالوا:

كنا ليلة من الليالي جلوسا نتحدث ان سمعنا حركة باب السجن، فراعنا ذلك و كان أبوهاشم عليلا، فقال - لبعضنا -: اطلع و انظر ما تري؟

فاطلع الي موضع الباب، فاذا الباب قد فتح، و اذا هو برجلين قد ادخلا الي السجن، و رد الباب و اقفل.

فدنا منهما فقال: من أنتما؟ [47] فقال: انا الحسن بن علي، و هذا جعفر بن علي فقال لهما: جعلني الله فداكما! ان رأيتما أن تدخلا البيت [الذي في السجن].

و بادر [الرجل] الينا و الي أبي هاشم، فأعلمنا، و دخلا [الامام و اخوه] فلما نظر اليهما أبوهاشم قام عن مضربة [48] كانت تحته، فقبل وجه أبي محمد (عليه السلام) و أجلسه عليها، و جلس جعفر قريبا منه، فقال جعفر: و اشطناه - بأعلي



[ صفحه 134]



صوته - يعني جارية له [يقصد جارية له اسمها شطن].

فزجرة أبومحمد (عليه السلام) و قال له: اسكت.

و انهم رأوا فيه آثار السكر، و أن النوم غلبه و هو جالس معهم، فنام علي تلك الحال [49] .


پاورقي

[1] التهذيب ج 6 / 93 حدث 176.

[2] الكافي ج 1 / 328.

[3] الكافي ج 1 / 507.

[4] و في نسخة (كلب القيد) و هو مسماره الذي يشد به.

[5] الكافي ج 1 / 508.

[6] الكافي ج 1 / 512.

[7] و في (اعلام الوري): و اليك انتهت الحكمة و الامامة، و انك ولي الله الذي لا عذر لأحد في الجهل به.

[8] الكافي ج 1 / 347.

[9] اعلام الوري للطبرسي / 302.

[10] غيبة الطوسي / 123.

[11] لعل المقصود من الدقيق - هنا -: الشي ء الخفي الذي لا يكاد يفهمه الأذكياء، أو التدقيق في المحاسبة.

[12] الصفاء: الحجر الأملس.

[13] المسح - بكسر الميم -: كساء معروف.

[14] غيبة الطوسي / 123.

[15] أمره بالمداومة.

[16] كشف الغمة ج 2 / 420.

[17] كشف الغمة ج 2 / 420.

[18] المعقلة و العقل: دية المقتول خطأ و العاقلة هم أقارب القاتل عن طريق أبيه كالاخوة و الأعمام و أولادهم، و هم يتحملون دية المقتول خطا عن القاتل.

[19] كشف الغمة ج 2 / 421 و (اعلام الوري) 355.

[20] كشف الغمة ج 2 / 421.

[21] كشف الغمة ج 2 / 421.

[22] سورة فاطر 35: 32.

[23] كشف الغمة ج 2 / 419.

[24] سورة الرعد 13: 39.

[25] كشف الغمة ج 2 / 419.

[26] سورة الأعراف 7: 172.

[27] كشف الغمة ج 2 / 419.

[28] سورة الروم 30: 4.

[29] سورة الأعراف 7: 54.

[30] كشف الغمة ج 2 / 420 و الخرائج.

[31] خففنا له: أسرعنا الي خدمته. و في نسخة: فحففنا به.

[32] جمحي: منسوب الي جمح و هو ابوبطن من قريش.

[33] بين القوسين من كتاب (الخرائج).

[34] الجونة: السفط المغشي بالجلد.

[35] الكعكة: مفردة الكعك.

[36] المنة - بضم الميم -: القوة.

[37] الفطور - بفتح الفاء - ما يفطر به.

[38] كشف الغمة ج 2 / 432.

[39] مناقب ابن شهرآشوب ج 4 / 436.

[40] الخرائج و الجرائح ج 1 / 420.

[41] أي لشتائي.

[42] أي كان وزن السبيكة و قيمتها بمقدار المال الذي قدرته لتكاليف الشتاء.

[43] الخرائج و الجرائح ج 1 / 421، ح 2.

[44] مهج الدعوات / 275.

[45] هكذا وجدنا في المصدر، و لعل الأصح: لا يميزون.

[46] حديقة الشيعة / 592.

[47] في المصدر: فقال أحدهما: نحن قوم من الطالبية، حبسنا فقال: من أنتما.

[48] المضربة - بفتح الميم - فرش مصنوع من القطن.

[49] غيبة الطوسي / 136.