بازگشت

سعد بن عبدالله بن أبي خلف، الأشعري، القمي


يكني أباالقاسم، قال النجاشي - في شأنه -: شيخ هذه الطائفة و فقيهها،



[ صفحه 135]



و وجهها و لقي مولانا أبامحمد (عليه السلام) و رأيت بعض أصحابنا يضعفون لقاءه لأبي محمد، و يقولون: هذه حكاية موضوعة عليه و الله أعلم... و صنف سعد كتبا كثيرة... الي آخره.

أقول: ان مؤلفات سعد بن عبدالله بعضها في أبواب الفقه، و بعضها في الردود، و بعضها في القرآن، و بعضها في الفضائل و المثالب، و غير ذلك.

و حول لقائه بالامام العسكري (عليه السلام) أقوال بين علماء الرجال من اثبات و تكذيب أو تضعيف، أو توقف، و لعل سبب التضعيف هو متن الحديث الذي يروي عن الامام العسكري (عليه السلام)، و نحن نذكر الحديث، ثم ننظر في نقاط الضعف من هذا الحديث لنري هل تصلح هذه النقاط لتضعيف حديث سعد؟ و الحديث طويل، نقتطف منه بعض النقاط المهمة رعاية لاسلوب الكتاب، و نلخص شيئا من صدر الحديث حتي لا يورث السأم و الملل في القاري ء، فنقول:

روي الشيخ الصدوق في الجزء الثاني من (اكمال الدين) عن محمد بن علي بن محمد بن حاتم النوفلي المعروف بالكرماني قال: حدثنا أبوالعباس أحمد بن عيسي الوشاء البغدادي قال: حدثنا أحمد بن طاهر القمي قال: حدثنا محمد بن بحر بن سهل الشيباني قال: حدثنا أحمد بن مسرور، عن سعد بن عبدالله القمي...

و خلاصة الحديث: ان سعد بن عبدالله كان يحب جمع الكتب، و كان شديد التعصب في مذهبه و هو التشيع، و كان كثير الجدل مع الأعداء.

و في بعض محاوراته مع رجل من اعداء أهل البيت (عليهم السلام) قال له ذلك الناصبي:

«تبا لك يا سعد، و لأصحابك (معاشر الرفضة) تقصدون علي المهاجرين و الأنصار بالطعن عليهما (أي الشيخين) و تجحدون من رسول الله (صلي الله عليه و آله) و لايتهما و امامتهما.

هذا الصديق (يعني أبابكر) الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته؛



[ صفحه 136]



أما علمتم أن رسول الله (صلي الله عليه و آله) ما أخرجه مع نفسه الي الغار الا علما منه بأن الخلافة له من بعده، و أنه المقلد لأمر التأويل، و الملقي اليه أزمة الامة، و عليه المعول في شعب الصدع، و لم الشعث، و سد الخلل، و اقامة الحدود، و تسريب (أي ارسال) الجيوش لفتح بلاد الشرك؟

و كما أشفق علي نبوته أشفق علي خلافته، اذ ليس من حكم الاستتار و التواري أن يروم - الهارب من البشر - مساعدة الي مكان يستخفي فيه؛

و لما رأينا النبي (صلي الله عليه و آله) متوجها الي الانحجاز، و لم تكن الحال توجب الستدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله (صلي الله عليه و آله) بأبي بكر للغار للعلة التي شرحناها.

و انما أبات عليا علي فراشه لما لم يكن ليكترث (أي يهتم) به، و لم يحفل به لاستثقاله، و لعلمه بأنه ان قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه، للخطوب التي كان يصلح لها!!

قال سعد: فاختلست عليه أجوبة شتي، فما زال يقصد كل واحد منها بالنقض و الرد.

ثم قال: يا سعد! دونكها اخري، بمثلها تحطم آناف الروافض:

ألستم تزعمون أن الصديق (يعني أبابكر) المبرء من دنس الشكوك، و الفاروق (يعني عمر بن الخطاب) المحامي عن بيضة الاسلام كانا يسران النفاق؟ و استدللتم بليلة العقبة؟

أخبرني عن الصديق و الفاروق أسلما طوعا أو كرها؟

قال سعد: فاختلست لدفع هذه المسألة عني، خوفا و حذرا من أني ان أقررت له بطوعهما للاسلام احتج بأن بدء النفاق و نشوه في القلب لايكون الا عند هبوب روائح القهر و الغلبة، و اظهار البأس الشديد في حمل المرء علي من ليس ينقاد له قلبه نحو قول الله عزوجل: «فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده، و كفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا» [1] .



[ صفحه 137]



فان قلت: أسلما كرها كان يقصدني بالطعن اذ لم يكن - ثمة - سيوف منتضاة كانت تريهم البأس.

و أخيرا قصد سعد دار أحمد بن اسحاق حتي يتعلم منه الجواب لهذه الترهات التي استدل بها ذلك الناصبي.

و كان أحمد بن اسحاق قد خرج نحو مدينة سر من رأي لزيارة الامام العسكري (عليه السلام) و التشرف بلقائه، فالتحق به سعد، و رافقه الي سر من رأي، و اخيرا دخل معه علي الامام العسكري (عليه السلام).

قال سعد: و كان علي عاتق أحمد بن اسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري، فيه ستون و مائة صرة من الدنانير و الدراهم، علي كل صرة ختم صاحبها.

قال سعد: فما شبهت مولانا أبامحمد (العسكري) - حين غشينا نور وجهه - الا بدرا قد استوفي من لياليه اربعا بعد عشر، و علي فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري (اسم كوكب مضي ء) في الخلقة و المنظر، علي رأسه فرق بين و فرتين، كأنه ألف بين واوين، و بين يدي مولانا (العسكري) رمانة ذهبية، تلمع بدائع نقوشها، وسط غرائب الفصوص المركبة عليها، قد كان أهداها اليه بعض رؤساء أهل البصرة، و بيده (أي الامام العسكري) قلم، اذا أراد أن يسطر به علي البياض قبض الغلام علي أصابعه، فكان مولانا يد حرج الرمانة بين يديه، و يشغله بردها، كيلا يصده عن كتبة ما اراد.

فسلمنا عليه، فألطف في الجواب، و أومي الينا بالجلوس، فلما فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده، أخرج أحمد بن اسحاق جرابه من طي كسائه، فوضعه بين يديه، فنظر أبومحمد - العسكري - عليه السلام الي الغلام (و هو الامام المهدي) و قال له: يا بني! فض الخاتم عن هدايا شيعتك و مواليك.

فقال (الامام المهدي): يا مولاي! أيجوز أن أمد يدا طاهرة الي هدايا نجسة، و اموال رجسة!؟؟ قد شيب (أي أختلط) أحلها بأحرمها؟



[ صفحه 138]



فقال مولاي: يابن اسحاق! استخرج ما في الجراب، ليميز ما بين الحلال و الحرام منها؛

فأول صرة بدأ أحمد اخراجها قال الغلام: هذه لفلان بن فلان، من محلة كذا بقم، تشتمل علي اثنين و ستين دينارا، فيها ثمن حجرة باعها صاحبها، و كانت ارثا له عن أبيه خمسة و اربعون دينارا، و من أثمان تسعة أثواب، أربعة عشر دينارا، و فيها من اجرة الحوانيت ثلاثة دنانير؛

فقال مولانا: صدقت يا بني، دل الرجل علي الحرام منها.

فقال: فتش عن دينار، رازي السكة، تاريخه سنة كذا [2] ، قد انطمس - من نصف احدي صفحتيه - نقشه، و قراضة آملية [3] و زنها ربع دينار.

و العلة في تحريمها: أن صاحب هذه الجملة وزن في شهر كذا علي حائك من جيرانه من الغزل منا و ربع من [4] فأتت علي ذلك مدة، قيض [5] انتهاءها لذلك الغزل سارقا فأخبر به الحايك صاحبه (أي صاحب الغزل) فكذبه، و استرد منه بدل ذلك منا و نصف من غزلا أدق مما كان دفعه اليه، و اتخذ منه ثوبا، كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه.

فلما فتح (أحمد بن اسحاق) رأس الصرة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه، و بمقدارها علي حسب ما قال؛

و استخرج الدينار و القراضة بتلك العلامة.

ثم أخرج (أحمد بن اسحاق) صرة اخري، فقال الغلام (عليه السلام): هذه لفلان بن فلان، من محلة كذا، بقم، تشتمل علي خمسين دينارا، لا يحل لنا مسها (لمسها خ ل).



[ صفحه 139]



قال (الامام العسكري): و كيف ذاك؟

قال (الامام المهدي): لأنها ثمن حنطة حاف (أي ظلم) صاحبها علي أكاره (أي فلاحه) في المقاسمة؛

و ذلك: انه قبض حصته منها بكيل واف، و كال ما خص الأكار بكيل بخس؛

فقال مولانا: صدقت يا بني؛

ثم قال: يابن اسحاق! احملها بأجمعها لتردها، أو توصي بردها علي اربابها، فلا حاجة لنا في شي ء منها، و ائتنا بثوب العجوز!

قال أحمد: و كان الثوب في حقيبة لي، فنسيته.

فلما انصرف أحمد بن اسحاق ليأتيه بالثوب نظر الي مولانا أبومحمد (عليه السلام) فقال: ما جاء بك يا سعد؟

فقلت: شوقني أحمد بن اسحاق الي لقاء مولانا.

قال: فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها؟

قلت: علي حالها.

قال: فاسأل قرة عيني (و أومأ الي الغلام) عما بدالك منها.

فقلت له (أي للامام المهدي): مولاي و ابن مولاي! انا روينا عنكم: أن رسول الله (صلي الله عليه و آله) جعل طلاق نسائه بيد أميرالمؤمنين (عليه السلام) حتي أرسل - يوم الجمل - الي عائشة: «انك قد رهجت [6] علي الاسلام و أهله بفتنتك، و أوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فان كففت غربك [7] و الا طلقتك».

و نساء رسول الله (صلي الله عليه و آله) قد كان طلاقهن وفاته [8] .

فقال (عليه السلام) لي: و ما الطلاق؟



[ صفحه 140]



قلت: تخلية السبيل.

قال: و اذا كان بوفات رسول الله (صلي الله عليه و آله) خلالهن السبيل، فلم لا يحل لهن الأزواج؟

قلت: لأن الله (تبارك و تعالي) حرم الأزواج عليهن.

قال: كيف و قد خلي الموت سبيلهن؟

قلت: فأخبرني - يابن مولاي - عن معني الطلاق الذي فوض رسول الله (صلي الله عليه و آله) حكمه الي أميرالمؤمنين (عليه السلام).

قال: ان الله (تبارك و تعالي) عظم شأن نساء النبي (صلي الله عليه و آله) فخصهن بشرف الامهات، فقال رسول الله (صلي الله عليه و آله): «يا أباالحسن ان هذا الشرف باق لهن ما دمن لله علي الطاعة، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك، فأطلق لها في الأزواج و أسقطها من شرف امومة المؤمنين».

قلت: فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي اذا أتت بها في أيام عدتها حل للزوج أن يخرجها؟

قال: الفاحشة المبينة هي السحق [9] دون الزنا، فان المرأة اذا زنت و اقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد؛

و اذا سحقت وجب عليها الرجم، و الرجم خزي، و من قد أمر الله برجمه فقد أخزاه، و من اخزاه فقد أبعده، و من أبعده فليس لأحد أن يقربه.

قلت: فأخبرني - يابن رسول الله - عن أمر الله (تبارك و تعالي) لنبيه: موسي (عليه السلام): «فاخلع نعليك انك بالواد المقدس طوي) فان فقهاء الفريقين يزعمون انها (أي نعله) كانت من اهاب (أي جلد) الميتة!!

فقال (عليه السلام): من قال ذلك فقد افتري علي موسي (عليه السلام) و استجهله في نبوته، لأنه ما خلا الأمر من خطبين [10] .



[ صفحه 141]



1 - اما أن تكون صلاة موسي (عليه السلام) فيها جايزة، أو غير جايزة، فان كان صلاته جايزة جاز له لبسهما في تلك البقعة، و ان كانت مقدسة مطهرة فليس بأقدس و أطهر من الصلاة.

2 - و ان كانت صلاته غير جايزة فيهما فقد أوجب علي موسي انه لم يعرف الحلال من الحرام، و علم ما لم تجز فيه الصلاة و ما تجوز، و هذا كفر.

قلت: فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما؟

قال: ان موسي (عليه السلام) ناجي ربه بالواد المقدس، فقال: يا رب اني قد أخلصت لك المحبة مني، و غسلت قلبي عمن سواك، و كان شديد الحب لأهله.

فقال الله (تبارك و تعالي): «اخلع نعليك» أي انزع حب أهلك من قلبك، ان كانت محبتك لي خالصة، و قلبك من الميل الي من سواي مغسولا.

قلت: فأخبرني (يابن رسول الله) عن كهيعص؟

قال: هذه الحروف من أنباء الغيب، أطلع الله عليها عبده زكريا (عليه السلام) ثم قصها علي محمد (صلي الله عليه و آله)، و ذلك:

أن زكريا سأل ربه أن يعلمه الأسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل (عليه السلام) فعلمه اياها، فكان زكريا اذا ذكر محمدا و عليا و فاطمة و الحسن (عليهم السلام) سري عنه و انجلي كربه، و اذا ذكر الحسين (عليه السلام) خنقته العبرة، و وقعت عليه البهرة [11] .

فقال - ذات يوم -: الهي! ما بالي اذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي، و اذا ذكرت الحسين تدمع عيني، و تثور زفرتي؟؟

فأنبأه الله (تعالي) عن قصته، و قال: كهيعص.

فالكاف اسم كربلا، و الهاء: هلاك العترة، و الياء: يزيد (لعنه الله) و هو ظالم الحسين، و العين: عطشه، و الصاد: صبره.



[ صفحه 142]



فلما سمع ذلك زكريا (عليه السلام) لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، و منع فيها الناس من الدخول عليه، و أقبل علي البكاء و النحيب، و كانت ندبته:

الهي! أتفجع خير خلقك بولده؟

أتنزل بلوي هذه الرزية بفنائه؟

الهي! أتلبس عليا و فاطمة ثياب هذه المصيبة؟

الهي! أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟

ثم كان يقول: الهي! ارزقني ولدا تقربه عيني علي الكبر،... ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده؛

فرزقه الله يحيي (عليه السلام) و فجعه به، و كان حمل يحيي ستة أشهر، و حمل الحسين (عليه السلام) كذلك، و له قصة طويلة؛

قلت: فأخبرني - يا مولاي - عن العلة التي تمنع القوم عن اختيار امام لأنفسهم.

فقال: مصلح أو مفسد؟

قلت: مصلح.

قال: فهل يجوز (أي يمكن) أن تقع خيرتهم علي المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟

قلت: بلي.

قال: فهي العلة، أوردها ببرهان يثق به عقلك:

أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله، و انزل الكتب عليهم، و أيدهم بالوحي و العصمة، اذ هم أعلا الامم، و أهدي الي الاختيار منهم، مثل موسي و عيسي (عليهم السلام) هل يجوز - مع وفور عقلهما، و كمال علمهما، اذا هما بالاختيار - أن تقع خيرتهما علي المنافق، و هما يظنان أنه مؤمن؟

قلت: لا.

فقال: ان موسي، كليم الله مع وفور عقله، و كمال علمه، و نزول الوحي



[ صفحه 143]



عليه، اختار من أعيان قومه، و وجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا، ممن لا يشك في ايمانهم و اخلاصهم، فوقعت خيرته علي المنافقين؛

قال الله - عزوجل -: «و اختار موسي قومه سبعين رجلا لميقاتنا... الي قوله: لن نؤمن لك حتي نري الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة بظلمهم» [12] .

فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا علي الأفسد دون الأصلح، و هو يظن انه الأصلح، علمنا: أن لا اختيار الا لمن يعلم ما تخفي الصدور و تكن الضمائر، و تتصرف عليه السرائر.

و أن لا خطر (اعتبار) لاختيار المهاجرين و الأنصار - بعد وقوع خيرة الأنبياء علي - ذوي الفساد.

ثم قال مولانا - المهدي - (عليه السلام): يا سعد!

و حين قال خصمك: ان رسول الله (صلي الله عليه و آله) ما أخرج معه مختار هذه الامة (يعني ابابكر) الي الغار الا علما منه أن الخلافة له من بعده، و أنه هو المقلد امور التأويل، و الملقي اليه أزمة الامة، المعول عليه في لم الشعث، و سد الخلل و اقامة الحدود، و تسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر فكما أشفق علي نبوته أشفق علي خلافته، اذ لم يكن حكم الاستتار و التواري أن يروم الهارب من البشر مساعدة من غيره الي مكان يستخفي فيه. و أنما أبات عليا علي فرشه لما لم يكن يكترث له و لا يحفل به، و لاستثقاله اياه، و علمه بأنه ان قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها».

فهلا نقضت عليه دعواه بقولك: اليس قال رسول الله (صلي الله عليه و آله): «الخلافة بعدي ثلاثون سنة» فجعل هذه (المدة) موقوفة علي أعمار الأربعة



[ صفحه 144]



الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم، و كان لا يجد (أي الناصبي) بدا من قوله: بلي.

فكنت تقول له - حينئذ -: أليس كما علم رسول الله (صلي الله عليه و آله) أن الخلافة بعده لأبي بكر، علم أنها من بعد أبي بكر لعمر، و من بعد عمر لعثمان و من بعد عثمان لعلي؟

فكان (الناصبي) أيضا لا يجد بدا من - قولك له - نعم.

ثم كنت تقول له: فكان الواجب علي رسول الله (صلي الله عليه و آله) أن يخرجهم جميعا علي الترتيب الي الغار، و يشفق عليهم كما اشفق علي أبي بكر، و لا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه اياهم، و تخصيصه أبابكر باخراجه مع نفسه دونهم؟؟

و لما قال (الناصبي): أخبرني عن الصديق و الفاروق: أسلما طوعا أو كرها لم لم تقل له: بل أسلما طمعا، لأنهما كانا يجالسان اليهود، و يستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة، و ساير الكتب المتقدمة، الناطقة بالملاحم، من حال الي حال، من قصة محمد (صلي الله عليه و آله)، و من عواقب أمره؛

فكانت اليهود تذكر أن محمدا (صلي الله عليه و آله) يسلط علي العرب، كما كان بخت النصر مسلطا علي بني اسرائيل، و لابد له من الظفر بالعرب، كما ظفر بخت النصر ببني اسرائيل، غير انه كاذب في دعواه.

فأتيا محمدا (صلي الله عليه و آله) فساعداه علي شهادة ان لا اله الا الله، و بايعاه طمعا في أن ينال كل واحد منهما من جهته ولاية بلد، اذا استقامت اموره، و استتبت أحواله، فلما أيسا من ذلك تلثما، و صعدا العقبة مع أمثالهما من المنافقين علي أن يقتلوه، فدفع الله كيدهم، و ردهم بغيظهم لم ينالوا خيرا؛

كما أتي طلحة و الزبير عليا (عليه السلام) فبايعاه، و طمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية، فلما أيسا نكثا بيعته، و خرجا عليه، فصرع الله كل واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين؛



[ صفحه 145]



قال (سعد): ثم قام مولانا الحسن بن علي الهادي (عليه السلام) الي الصلاة مع الغلام، فانصرفت عنهما، و طلبت أثر أحمد بن اسحاق، فاستقبلني باكيا، فقلت: ما أبطأك؟

قال: فقدت الثوب الذي سألني مولاي احضاره.

فقلت: لا عليك، فأخبره.

فدخل عليه، و انصرف من عنده مبتسما و هو يصلي علي محمد و آله.

فقلت: ما الخبر؟

قال: وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا، يصلي عليه.

قال سعد: فحمدنا الله (جل ذكره) علي ذلك، و جعلنا نختلف بعد ذلك الي منزل مولانا أياما، و الغلام (الامام المهدي) بين يديه.

فلما كان يوم الوداع دخلت انا و (رجلان) كهلان من أرضنا، و انتصب أحمد بن اسحاق بين يديه قائما، و قال: يابن رسول الله! قد دنت الرحلة، و اشتدت المحنة، و نحن نسأل الله أن يصلي علي المصطفي جدك، و علي المرتضي أبيك، و علي سيدة النساء امك، و علي سيدي شباب أهل الجنة: عمك و أبيك، و علي الأئمة الطاهرين من بعدهما: أبائك، و أن يصلي عليك و علي ولدك؛

و نرغب الي الله أن يعلي كعبك [13] و يكبت عدوك، و لا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك.

قال (سعد): فلما قال (أحمد بن اسحاق) هذه الكلمات، استعبر مولانا (عليه السلام) حتي استهلت دموعه و تقاطرت عبراته، ثم قال: يابن اسحاق! لا تكلف في دعائك شططا فانك ملاقي الله في صدرك [14] هذا.

فخر أحمد مغشيا، فلما افاق قال: سألتك بالله، و بحرمة جدك الا شرفتني بخرقة أجعلها كفنا.

فأدخل مولانا (عليه السلام) يده تحت البساط، فأخرج ثلاثة عشر



[ صفحه 146]



درهما، فقال: خذها، و لا تنفق علي نفسك غيرها، فانك لم تعدم ما سألت (أي الكفن) فان الله تبارك و تعالي لا يضيع أجر من أحسن عملا؛

قال سعد: فلما صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا (عليه السلام) من حلوان علي ثلاثة فراسخ، حم أحمد بن اسحاق (أي أصابته الحمي)، و صارت عليه علة متعبة ايس من حياته فيها.

فلما وردنا حلوان، و نزلنا في بعض الخانات دعي أحمد بن اسحاق برجل من أهل بلده، كان قاطنا بها، ثم قال: تفرقوا عني هذه الليلة، و اتركوني وحدي.

فانصرفنا عنه، و رجع كل واحد منا الي مرقده، فلما حال أن ينكشف الليل عن الصبح، أصابتني فكرة، و فتحت عيني فاذا أنا بكافور الخادم: خادم مولانا أبي محمد (عليه السلام) و هو يقول: أحسن الله بالخير عزاءكم، و جبر بالمحبوب رزيتكم!

قد فرغنا من غسل صاحبكم و تكفينه، فقوموا لدفنه، فانه من أكرمكم محلا عند سيدكم.

ثم غاب عن أعيينا، فاجتمعنا علي رأسه (أي عند جثمان أحمد) بالبكاء و العويل، حتي قضينا حقه، و فرغنا من أمره [15] .

أقول: هذا الحديث ذكرناه بطوله، مع تلخيص بعض مواضعه، و انت تري انه لا يوجد فيه ما يناقض العقل أو النقل، أو الكتاب أو السنة.

و اما المواضع التي اعتبرها بعض الأعلام من نقاط الضعف في هذا الحديث فهي كما يلي:

1 - ان الامام العسكري (عليه السلام) كان يد حرج الرمانة الذهبية علي الأرض حتي يلعب به الامام المهدي (عليه السلام) لأنه كان يمسك علي القلم في يد والده، و يمنعه عن كتابة الكتاب، بينما نري الامام المهدي (عليه السلام)



[ صفحه 147]



يخبر أحمد بن اسحاق عن الأموال التي جاء بها و غير ذلك من الامور المذكورة في الحديث، و هذا - و لا شك - اخبار بالمغيبات، فكيف ينسجم اللعب بالرمانة مع علم الامام و مقام الامامة؟

هذه احدي نقاط الضعف في هذا الحديث، مع العلم أن أمثال هذه الامور توجد في حياة الأئمة (عليهم السلام) كثيرة جدا.

فقد وردت أحاديث كثيرة في كتب الفريقين ان الامام الحسن أو الامام الحسين (عليهماالسلام) كان يركب ظهر رسول الله (صلي الله عليه و آله) و هو ساجد في حال الصلاة، فكان رسول الله يطيل سجوده حتي ينزل عن ظهره.

و هكذا وردت أحاديث كثيرة ان الامام الحسين (عليه السلام) بال في حجر رسول الله (صلي الله عليه و آله) و هو رضيع.

مع العلم أن رسول الله (صلي الله عليه و آله) قال في حقهما: «الحسن و الحسين امامان، قاما أو قعدا» و قال (صلي الله عليه و آله): «ألا: ان الحسين مصباح الهدي و سفينة النجاة» و قد احضرهما رسول الله معه حين المباهلة مع النصاري، و هكذا نزلت آية التطهير في حقهما فهل تنسجم تلك الأعمال مع مقام الامام و الامامة؟

و مما لا شك فيه أن للأئمة الطاهرين (عليهم السلام) حالات في أيام صغرهم و أياهم كبرهم، فقد تكون حالاتهم طبيعية، عادية كسائر الناس، فيتجاهلون تجاهل العارف، و كأنهم لا يعلمون من الامور سوي الظاهر.

و قد تكون حالاتهم غير عادية، كاخبارهم عن المغيبات، و اجابتهم عن الأحكام الشرعية و هم في سن الطفولة، و الأمثلة كثيرة، ولو اردنا ذكر بعضها لطال الكلام و خرج الكتاب عن اسلوبه.

النقطة الثانية من نقاط الضعف في هذا الحديث هي وفاة أحمد بن اسحاق في حلوان و في زمن الامام العسكري (عليه السلام) مع العلم أن في بعض الأحاديث أن أحمد بن اسحاق مات سنة مائتين و ثمانين من الهجرة، أي



[ صفحه 148]



عشرين سنة بعد وفاة الامام العسكري (عليه السلام) و قيل: أكثر. و لم يمت في حياة الامام العسكري (عليه السلام).

و يمكن أن نجيب علي هذا ان محمد بن جرير الطبري الامامي ذكر في (دلائل الامامة) هذا الخبر بسنده عن أبي القاسم عبدالباقي بن يزداد بن عبدالله البزاز، قال: حدثنا أبومحمد عبدالله بن محمد الثعالبي - قراءة - في يوم الجمعة مستهل رجب سنة سبعين و ثلاثمائة، قال: أخبرنا أبوعلي: أحمد بن محمد بن يحيي العطار، عن سعد بن عبدالله بن خلف القمي: قال...

و لا يوجد في آخره توديع سعد بن عبدالله مع الامام العسكري (عليه السلام) و وفاته في تلك السنة في حلوان، و انما آخر الحديث هكذا:

«و جعلنا نختلف الي مولانا أياما، فلا نري الغلام (عليه السلام) [16] .

هذا، و قد ذكر المرحوم المامقاني في ترجمة سعد بن عبدالله، ردودا كثيرة علي الأقوال التي تضعف هذا الخبر، و الله العالم.

النقطة الثالثة: ضعف السند، و هذا الضعف ينجبر بذكر الشيخ الصدوق لهذا الحديث في كتابه: (اكمال الدين).

ثم ان هناك أحاديث كثيرة، رواتها ضعفاء، أو متهمون بالغلو أو ماشابه ذلك ولكن أحاديثهم مقبولة عند الأصحاب كالأحاديث المروية من ابن أبي حمزة البطائني، و الشلمغاني، و بني فضال، و أمثالهم مما يطول الكلام بذكرهم، فليكن هذا الحديث - من ناحية السند - كالأحاديث الصحيحة المروية عن بعض الغلاة.

ذكرت هذه التعليقة علي هذا الحديث بصورة موجزة، مع العلم أن الحديث يتطلب المزيد من الشرح لرد نقاط الضعف المتصورة في هذا الحديث، و في هذا المقدار كفاية.



[ صفحه 149]




پاورقي

[1] سورة غافر 40: 84.

[2] رازي: منسوب الي الري، أي الدينار المسكوك في الري، و عليه تاريخه سنة كذا.

[3] المقصود من القراضة - هنا -: قطعة من المسكوك في آمل، بلدة في مازندران.

[4] المن: من الأوزان المتعارفة في ذلك الزمان، يستعمل هذا الوزن في زماننا في بعض البلاد.

[5] قيض الله له كذا أي قدر له ان سارقا سرق ذلك الغزل.

[6] رهجت: شغبت.

[7] غرب اللسان: حدته.

[8] هذا كلام سعد بن عبدالله.

[9] السحق: المساحقة و هي ان تدلك المرأة فرجها بفرج امرأة اخري.

[10] أي حكم لبس النعل واحد من اثنين: اما جايز و اما غير جايز.

[11] البهرة: تتابع النفس.

[12] أقول: هذه الآية بهذه الكيفية لا توجد في القرآن و انما صدر الآية مذكورة في سورة الأعراف آية 155، و آخرها في سورة النساء آية 153، و بناء علي صحة الخبر فاما أن جمع الامام المهدي (عليه السلام) بين الآيتين من السورتين، و اما حصلت الزيادة من الراوي أو النساخ و الله العالم.

[13] معناه: الشرف و الرفعة.

[14] صدرك: رجوعك.

[15] اكمال الدين / 454 باب 43 حديث 21.

[16] دلائل الامامة / 274 - 281.