بازگشت

في مقره الأخير


وجي ء بالجثمان الطاهر تحت هالة من التكبير و التعظيم تحف به كتل من البشر كأنها الموج الي مقره الأخير، و قد حفر له قبر في داره التي أعدها مقبرة له و لأولاده و أفراد اسرته، و أنزله في ملحودة قبره ولده الامام الحسن عليه السلام، و دموعه تجري علي



[ صفحه 34]



خديه الشريفين، فواراه في قبره، و قد واري معه القيم الانسانية و المثل العليا [1] .

و بعد الفراغ من دفن الجثمان الطاهر هرعت جماهير المشيعين الي الامام أبي محمد عليه السلام، و هي ترفع له تعازيها الحارة، و تواسيه بمصابه الأليم، و الامام مع أفراد اسرته يشكرهم علي ذلك [2] .

و وفد محمد بن اسماعيل الصيرفي علي الامام أبي محمد عليه السلام، و هو يذرف الدموع علي الفقيد العظيم، معزيا أبامحمد، و قد رثي الامام عليه السلام بقصيدة جاء فيها:



الأرض حزنا زلزلت زلزالها

و أخرجت من جزع أثقالها



عشر نجوم أفلت في فلكها

و يطلع الله لنا أمثالها



بالحسن الهادي أبي محمد

تدرك أشياع الهدي آمالها



و بعده من يرتجي طلوعه

يظل جواب الفلا جوالها



ذو الغيبتين الطول الحق التي

لا يقبل الله من استطالها



يا حجج الرحمن احدي عشرة

آلت بثاني عشرها آمالها [3] .



و عرض الشاعر بهذه الأبيات الي الامام المصلح العظيم قائم آل محمد صلي الله عليه و آله الذي يخرج آخر الزمان فينشر العدل السياسي و الاجتماعي، و يقضي علي جميع أفانين الجور و الظلم في الأرض، و كان عمر الامام أبي محمد عليه السلام حينما فجع



[ صفحه 35]



بأبيه عشرين سنة [4] .

و قيل: ثلاثا و عشرين سنة [5] .

و قد تقلد الامام المرجعية العامة للمسلمين و هو في شرخ الشباب، و قد عرض عليه الفقهاء و العلماء امهات المسائل و أدقها، فأجاب عنها جواب العالم المتخصص، فآمنوا بفضله، و دانوا بامامته.

و توفرت في الامام الزكي أبي محمد عليه السلام جميع عناصر التقوي و الصلاح، و اجتمعت به جميع فضائل الدنيا، فقد تحلي بآداب النبوة، و محاسن الامامة، و لم ير في عصره من هو أفضل و أتقي منه، و نشير بايجاز الي بعض مظاهر عبادته التي تميز بها.


پاورقي

[1] كانت وفاة الامام الهادي عليه السلام في سنة (254 ه) يوم الاثنين لخمس ليال بقين من جمادي الآخرة، جاء ذلك في كشف الغمة: 3: 174، و في نورالأبصار: 150، و مروج الذهب: 4: 169، و قيل غير ذلك.

[2] حياة الامام علي الهادي عليه السلام: 419.

[3] مقتضب الأثر في النص علي الأئمة الاثني عشر: 52 و 53.

[4] بحرالأنساب: 2.

[5] بحارالأنوار: 50: 236.