بازگشت

امامته


أما الامامة فانها القاعدة الصلبة للتطور السياسي و الاجتماعي في الاسلام، و هي من أهم الركائز التي تبتني عليها حضارة الانسان و أمنه و رخاؤه. و تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع. انها هي التي توفر له الحياة الكريمة التي ينعم في ظلالها، و تنعدم فيها جميع الفوارق العرقية و الطبيعية، و انما الامتياز في الاسلام بمقدار ما يسديه الانسان من الخدمات الاجتماعية للامة، و بما يقر به الي الله زلفي.

الامامة - بمعناها الصحيح - لطف من ألطاف الله، و نفحة من رحماته، نتحدث عنه بايجاز:

أولا: ان من يتصدي لهذا المنصب الخطير لا بد أن تتوفر فيه الصفات الرفيعة، و التي منها ما يلي:

1- الاحاطة التامة بأحكام الدين و شؤون الشريعة لتكون تصرفاته السياسية علي ضوئها.

2- علم ما يحتاج اليه الامة في شؤونها الادارية.

3- الدراية التامة بالوسائل التي تحقق التنمية الاقتصادية للامة.

4- نكران الذات، و معاملة القريب و البعيد علي حد سواء، فقد عامل الامام أميرالمؤمنين رائد العدالة الاجتماعية في الأرض الحسن و الحسين سبطي رسول الله صلي الله عليه و آله كبقية أبناء شعبه، لم يؤثرهما بأي شي ء من متع الدنيا و رغباتها.

5- الشجاعة في تنفيذ الخطط الاسلامية التي تتصادم مع النفعيين و الانتهازيين و ذوي الأطماع. ان الشجاعة عنصر أساسي في الامام، فانه اذا كان جبانا فانه يعرض الامة للأزمات و الأخطار.



[ صفحه 68]



6- أن يملك الامام رصيدا من التقوي و الايمان يمنعه من اقتراف أي ذنب.

ثانيا: ان الواجبات و المسؤوليات الملقاة علي عاتق الامام تنحصر في ما يلي:

1- نشر الايمان بالله الذي تبتني عليه قوي الخير و السلام في الأرض، فانه لم يكن هناك عامل أقوي من ضبط سلوك الانسان، و منعه من الاعتداء علي الغير سوي الايمان بالله.

2 نشر الوعي العلمي و الثقافي، و القضاء التام علي الجهل الذي يعتبره الاسلام الأداة المدمرة لحياة الشعوب.

3- العمل علي ازدهار الاقتصاد العام لتنجو الامة من ويلات الفقر و كوارث البؤس.

4- توفير الأمن و الاستقرار لجميع أبناء المجتمع.

5- القضاء علي جميع ألوان العنصريات و سائر العوامل المؤدية الي تفكك المجتمع و انحلاله.

6- ايجاد مجتمع متطور تسوده المحبة و الالفة و الرخاء.

7- توفير الحريات العامة لأبناء المجتمع، ونعني بها حرية العقيدة و القول و العمل، و هذه الحريات من أهم الحقوق الشعبية التي يجب علي الامام توفيرها للناس.

8- تحقيق المساواة العادلة بين أبناء المجتمع، و القضاء علي جميع ألوان المحسوبيات التي تؤدي الي الغبن، و نشر التذمر بين أبناء الامة.

هذه بعض المسؤوليات و الواجبات التي يسأل الامام عن تنفيذها و تحقيقها بين الناس.

ثالثا: ان الشيعة قد آمنت بأئمة أهل البيت عليهم السلام، و اعتبرت ذلك جزءا من حياتها



[ صفحه 69]



العقائدية، و السبب في ذلك ما يلي:

1- النصوص المتواترة عن النبي صلي الله عليه و آله في لزوم اتباع أهل البيت، و جعلهم كالكتاب العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه. قال صلي الله عليه و آله: «اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء الي الأرض، و عترتي أهل بيتي، و لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» [1] .

و يدل علي هذا الحديث دلالة صريحة واضحة علي حصر الامامة في أهل البيت عليهم السلام، و علي عصمتهم من الآثام؛ لأن النبي صلي الله عليه و آله قرنهم بكتاب الله العظيم.

و من الطبيعي أن أي انحراف منهم عن الدين يعتبر افتراقا عن الكتاب العزيز، و قد صرح النبي صلي الله عليه و آله بعدم افتراقهما حتي يردا عليه الحوض.

و قال صلي الله عليه و آله: «انما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، و من تخلف عنها غرق، و انما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل، من دخله غفر له» [2] .

و في هذا الحديث الشريف دعوة ملزمة الي التمسك بالعترة الطاهرة، فانه ضمان للنجاة و السلامة، و البعد عنهم ضلالة و غواية.

يقول الامام شرف الدين: «و أنت تعلم أن المراد من تشبيههم عليهم السلام بسفينة نوح أن من لجأ اليهم في الدين فأخذ فروعه و اصوله عن أئمته نجا من عذاب النار، و من تخلف عنهم كان كمن أوي «يوم الطوفان» الي جبل ليعصمه من أمر الله، غير أن ذاك غرق في الماء، و هذا في الحميم - و العياذ بالله - و الوجه في تشبيههم عليهم السلام بباب حطة



[ صفحه 70]



هو أن الله تعالي جعل ذلك الباب مظهرا من مظاهر التواضع لجلاله، و البخوع لحكمه، و بهذا كان سببا للمغفرة. هذا وجه الشبه.

و قد حاول ابن حجر اذ قال - بعد أن أورد هذه الأحاديث و غيرها من أمثالها -: و وجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبهم و عظمهم شكرا لنعمة شرفهم، و أخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، و من تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم، و هلك في مفاوز الطغيان - الي أن قال -: و باب حطة - يعني و وجه تشبيههم بباب حطة - أن الله جعل دخول ذلك الباب الذي هو باب أريحا أو بيت المقدس مع التواضع و الاستغفار سببا للمغفرة، و جعل لهذه الامة مودة أهل البيت سببا لها» [3] .

و كثير من أمثال هذه الأحاديث المتواترة عن النبي صلي الله عليه و آله في لزوم مودة الأئمة الطاهرين، و قد رواها الحفاظ و الثقات، و دونتها الصحاح، و ليس لها معارض و لا ناسخ - ان صح هذا التعبير -، و قد آمنت بها الشيعة لأنها حجة يجب التعبد بها.

2- ان الشيعة انما دانت بالولاء لأئمة أهل البيت عليهم السلام لأنهم نسخة من الشرف و الكرامة لا ثاني لهم في تاريخ الانسانية علي امتداد التاريخ، فليس أحد في العالم الاسلامي يشابههم في هديهم و سلوكهم و التزامهم بحرفية الاسلام.

يقول الكميت شاعر الاسلام فيهم:



للقريبين من ندي و البعيدين

من الجور في عري الأحكام



و المصيبين باب ما أخطأ الناس

و مرسي قواعد الاسلام



و الحماة الكفاة في الحرب

ان لف ضراما وقود ما بضرام



و الغيوث الذين ان أمحل الناس

فمأوي حواضن الأيتام



راجحي الوزن كاملي العدل في السيرة

طبين بالأمور الجسام





[ صفحه 71]





ساسة لا كمن يري رعية الناس

سواء و رعية الأنعام



و يأخذ الكميت في وصفهم، و بيان مآثرهم التي شاهدها فيقول:



راجحي الوزن كاملي العدل في

السيرة ملبين بالامور العظام



فضلوا الناس في الحديث حديثا

و قديما في أول القدام [4] .



و الكميت من أصدق الناس حديثا، و من أكثرهم تحرجا في الدين، فهو لم يضف علي أهل البيت عليهم السلام هذه النعوت الكريمة و الأوصاف العظيمة، الا بعد أن اتصل بهم اتصالا وثيقا، فرأي من فضائلهم و مآثرهم ما ملأ نفسه اعجابا و اكبارا، فهام في حبهم، و نظم فيهم هاشمياته التي هي من مناجم الأدب العربي، و من ذخائر الفكر الاسلامي.

و علي أي حال، فان ايمان الشيعة بأهل البيت عليهم السلام لم يكن منبعثا عن هوي أو عاطفة، و انما كان منبعثا عن وعي أصيل و دراسة جادة لواقعهم المشرف.

3- ان الشيعة لم تؤمن بامامة ملوك الأمويين و العباسيين، و ذلك لافلاس أكثرهم من القيم الأخلاقية و الانسانية، فقد عانت الامة في ظلال حكمهم ألوانا رهيبة من الظلم و الجور، و نهب ثروات الامة، و انفاقها بسخاء علي شهواتهم و ملاذهم، و اشاعة الفسق و الفجور بين المسلمين، و من ثم قامت الشيعة و غيرهم بثورات مسلحة ضدهم من أجل اقامة العدل بين الناس.. و بهذا ينتهي بنا الحديث عن الامامة.


پاورقي

[1] صحيح الترمذي: 2: 308.

[2] مجمع الزوائد: 9: 168. مستدرك الحاكم: 2: 43. تاريخ بغداد: 2: 19.

[3] المراجعات: 78.

[4] الهاشميات: 22 و 23.