بازگشت

من دلائل امامته


و أمد الله تعالي الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام بالمعاجز التي يعجز البشر عن الاتيان بمثلها، لتكون شاهد صدق علي صحة ما جاءوا به من خير و هدي الي الناس، و لولا ذلك لفشلوا في أداء رسالتهم، و ما صدقهم أحد في ما جاءوا به.

و من جملة ما أمدهم الله به أن جعلهم يعلمون بما انطوت عليه نفوس الناس، و بما يضمرون في دخائل قلوبهم، و ما سيقع من الملاحم و الأحداث، و قد منح الله ذلك أئمة الهدي عليهم السلام و من بينهم الامام الزكي أبومحمد عليه السلام.

و نلمح الي بعض النوادر التي اثرت عنه في ذلك:

1- روي الحسن النصيبي، قال: «خطر في قلبي عرق الجنب، هل هو طاهر؟



[ صفحه 75]



فأتيت الي باب أبي محمد الحسن لأسأله، و كان ليلا، فنمت.

فلما طلع الفجر خرج من داره، فرآني فأيقظني، و قال: ان كان حلالا فنعم، و ان كان حراما، فلا» [1] .

2- روي اسماعيل بن محمد العباسي، قال: «شكوت الي أبي محمد الحاجة، و حلفت له أنه ليس عندي درهم فما فوقه، فقال لي: أتحلف بالله كاذبا، و قد دفنت مائتي دينار؟ و ليس قولي لك هذا دفعا عن العطية. أعطه يا غلام ما معك، فأعطاني مائة دينار.

ثم أقبل علي، فقال: انك تحرم الدنانير التي دفنتها في أحوج ما تكون اليها.

يقول: و اضطررت ففتشت عنها فلم أجدها، فنظرت فاذا ابن لي قد عرفها فسرقها و هرب» [2] .

3- شكا محمد بن حجر الي الامام أبي محمد عليه السلام ما يلقاه من ظلم عبدالعزيز، و من جور يزيد بن عيسي.

فأجابه عليه السلام: أما عبدالعزيز فقد كفيته، و أما يزيد فلك و له مقام بين يدي الله عزوجل، و لم تمض الا أيام يسيرة حتي هلك عبدالعزيز، و أما يزيد فقد قتل محمد بن حجر، و له مقام معه بين يدي الله تعالي» [3] .

4- روي محمد بن حمزة الدوري، قال: «كتبت الي الامام أبي محمد عليه السلام أسأله أن يدعو الله لي بالغني، و كنت قد أملقت، و خفت الفضيحة.

فخرج الجواب منه: أبشر، فقد أتاك الغني من الله تعالي، مات ابن عمك يحيي بن



[ صفحه 76]



حمزة، و خلف مائة ألف درهم، و لم يترك وارثا سواك، و هي واردة عليك عن قريب، فاشكر الله، و عليك بالاقتصاد، و اياك و الاسراف.

و ورد علي المال و الخبر بموت ابن عمي، كما قال بعد أيام قلائل، و زال عني الفقر، و أديت حق الله، و بررت اخواني، و تماسكت بعد ذلك، و كنت قبلا مبذرا» [4] .

5- قال محمد بن الحسن بن ميمون: «كتبت الي مولاي العسكري عليه السلام أشكو الفقر، ثم قلت في نفسي: أليس قال أبوعبدالله عليه السلام: الفقر معنا خير من الغني مع غيرنا، و القتل معنا خير من الحياة مع عدونا.

فرجع الجواب: ان الله عزوجل محص أولياءنا اذا تكاثفت ذنوبهم بالفقر، و قد يعفو عن كثير منهم كما حدثتك نفسك: الفقر معنا خير من الغني مع عدونا، و نحن كهف لمن التجأ الينا، و نور لمن استبصر بنا، و عصمة لمن اعتصم بنا. من أحبنا كان معنا في السنام الأعلي، و من انحرف عنا فالي النار هوي» [5] .

6- قال أبوجعفر الهاشمي: «كنت في الحبس مع جماعة، فحبس أبومحمد عليه السلام و أخوه جعفر فخففنا اليه، و قبلت وجه الحسن، و أجلسته علي مضربة كانت تحتي، و جلس جعفر قريبا منه، و كان المتولي لحبسه صالح بن وصيف، و كان معنا في الحبس رجل جحمي يقول انه علوي.

فالتفت الينا أبومحمد قائلا: لولا أن فيكم من ليس منكم لأعلمتكم حتي يفرج الله عنكم، و أومأ عليه السلام الي الجحمي، و قال: ان هذا الرجل ليس منكم و احذروه، فان في ثيابه سجلا يكتب فيه الي السلطان ما تقولونه.



[ صفحه 77]



فانبري بعض المسجونين ففتشه، فوجد فيه كتابا اتهم فيه الجماعة بكل عظيمة، و افتري عليهم بأنهم يريدون ثقب السجن و الهرب منه» [6] .

7- روي أحمد بن محمد، قال: «كتبت الي أبي محمد عليه السلام حين أخذ المهتدي العباسي في قتل الموالي - أي الشيعة - و قلت: يا سيدي، الحمدلله الذي شغله عنك، فقد بلغني أنه يتهددك، و يقول: والله لأجلينهم من جديد.

فوقع أبومحمد بخطه: ذاك أقصر لعمره، عد من يومك هذا خمسة أيام، و يقتل في اليوم السادس بعد هوان و استخفاف يمران به، فكان كما قال» [7] .

8- روي شاهويه بن عبد ربه، قال: «كان أخي صالح محبوسا، فكتبت الي سيدي أبي محمد عليه السلام أسأله عن أشياء.

فأجابني عنها و كتبت: ان أخاك صالحا يخرج من الحبس يوم يصلك كتابي هذا، و كنت أردت أن تسألني عن أمره فنسيت.

فبينما أنا أقرأ كتابه اذ أقبل بعض الناس فبشرني باطلاق سراح أخي فتلقيته، و قرأت عليه الكتاب» [8] .

9- روي أبوهاشم، قال: «شكوت الي أبي محمد عليه السلام ضيق الحبس، و ثقل القيد. فكتب الي: تصلي الظهر اليوم في منزلك، و تحقق ذلك، فخرج من الحبس وقت الظهر و صلي في منزله» [9] .

10- روي الثقة الأمين أبوهاشم، قال: «سمعت أبامحمد عليه السلام يقول: ان في



[ صفحه 78]



الجنة لبابا يقال له المعروف، لا يدخله الا أهل المعروف، فحمدت الله في نفسي، و فرحت مما أتكلفه من حوائج الناس.

فنظر الي أبومحمد، و قال: نعم، قد علمت ما أنت عليه، و أن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، جعلك الله منهم يا أباهاشم و رحمك» [10] .

11- روي أبوهاشم، قال: «سأل الفهفكي الامام أبامحمد عليه السلام، عن السبب في أخذ الرجل سهمين و المرأة تأخذ سهما واحدا في الميراث.

فأجابه الامام عليه السلام: ان المرأة ليس عليها جهاد، و لا نفقة، و لا معقلة.

يقول أبوهاشم: فخطر في نفسي أن هذه المسألة عين المسألة التي سأل بها ابن أبي العوجاء الامام الصادق عليه السلام، و قد أجابه بمثل هذا الجواب.

فأقبل علي الامام أبومحمد، و قال: نعم، هذه مسألة ابن أبي العوجاء، و الجواب منا واحد اذا كان معني المسألة واحدا، جري لآخرنا ما جري لأولنا، و أولنا و آخرنا في العلم، و الأمر سواء، و لرسول الله، و أميرالمؤمنين صلوات الله عليهما فضلهما» [11] .

12- روي أبوهاشم، قال: «كتب الي أبي محمد بعض مواليه يسأله شيئا من الدعاء.

فكتب اليه: ادع بهذا الدعاء: يا أسمع السامعين، و يا أبصر المبصرين، و يا أنظر الناظرين، و يا أسرع الحاسبين، و يا أرحم الراحمين، و يا أحكم الحاكمين، صل علي محمد و آل محمد، و أوسع لي في رزقي، و مد لي في عمري، و امنن علي برحمتك، و اجعلني ممن تنتصر به لدينك،



[ صفحه 79]



و لا تستبدل بي غيري.

قال أبوهاشم: فقلت في نفسي: اللهم اجعلني في حزبك و في زمرتك.

فأقبل علي أبومحمد، فقال: أنت في حزبه، و في زمرته ان كنت بالله مؤمنا، و لرسوله مصدقا» [12] .

13- روي أبوهاشم، قال: «خطر بنفسي أن القرآن مخلوق أم غير مخلوق؟

فنظر الي الامام أبومحمد، و قال: يا أباهاشم، الله خالق كلق شي ء، و ما سواه مخلوق» [13] .

14- روي أبوهاشم، قال: «دخلت علي أبي محمد عليه السلام و أنا اريد أن أسأله عن فص أصوغ به خاتما أتبرك به، فجلست و نسيت ما جئت له.

فلما ودعته و أردت الانصراف ناولني خاتما و تبسم، و قال: أردت فصا فأعطيناك خاتما، فربحت الفص و الكري، هنأك الله يا أباهاشم، فتعجبت من ذلك و قلت: يا سيدي، انك ولي الله و امامي الذي ادين الله بفضله و طاعته.

فقال لي: غفر الله لك يا أباهاشم» [14] .

15- روي أبوهاشم، قال: «سمعت أبامحمد عليه السلام يقول: ان الله ليعفو يوم القيامة عفوا لا يخطر علي بال العباد، حتي يقول أهل الشرك: و الله ما كنا مشركين.

فذكرت في نفسي حديثا حدثني به رجل من أصحابنا من أهل مكة: أن رسول الله صلي الله عليه و آله قرأ: (ان الله يغفر الذنوب جميعا) [15] .



[ صفحه 80]



فقال رجل: و من أشرك، فأنكرت ذلك و أضمرته في قلبي، و أنا أقوله في نفسي اذ أقبل علي أبومحمد، و تلا قوله تعالي: (ان الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [16] ، بئس ما قال هذا، و بئس ما روي» [17] .

16- روي أبوهاشم، قال: «كنت مضيقا، فأردت أن أطلب من الامام أبي محمد عليه السلام، فاستحييت، فلما صرت الي منزلي وجه لي مائة دينار، و كتب الي: اذا كانت لك حاجة فلا تستح، و لا تحتشم، فانك تري ما تحب» [18] .

لقد روي المؤرخون نوادر كثيرة من علم الامام أبي محمد عليه السلام بخفايا النفوس، و عن اخباره عن الملاحم و مجريات الأحداث، و كل ذلك تعتبره علامات مؤشرة علي الامامة، فغير الامام لا علم له، و لا دراية له بذلك.

و من الجدير بالذكر أن أكثر هذه النوادر قد رواها الثقة الدين أبوهاشم، و هو من خيار العلماء، و قد اختص بالامامين أبي الحسن و أبي محمد، و شاهد الكثير من معجزاتهما، و قد قال: «اني ما دخلت علي أبي الحسن و أبي محمد عليهماالسلام يوما الا رأيت برهانا و دلالة تدلل علي امامتهما» [19] .

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن عبادة الامام أبي محمد عليه السلام و بعض مثله.



[ صفحه 83]




پاورقي

[1] مرآة الزمان: 6، الورقة 192.

[2] نور الأبصار: 153.

[3] مناقب آل أبي طالب: 4: 433.

[4] نورالأبصار: 152. الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة: 282.

[5] كشف الغمة: 3: 217 و 218.

[6] الدر النظيم في مناقب الأئمة: 743.

[7] اعلام الوري: 2: 375.

[8] مناقب آل أبي طالب: 4: 438.

[9] اعلام الوري: 2: 372.

[10] نورالأبصار: 152.

[11] مناقب آل أبي طالب: 4: 437. اعلام الوري: 2: 374.

[12] اعلام الوري: 2: 374.

[13] مناقب آل أبي طالب: 4: 436.

[14] اعلام الوري: 2: 375. مناقب آل أبي طالب: 4: 437.

[15] الزمر 39: 53.

[16] النساء 4: 48.

[17] الدر النظيم: 744. بحارالأنوار: 6: 6، الحديث 12.

[18] الثاقب في المناقب: 241.

[19] اعلام الوري: 2: 375.