ابوفرعون الساسي
و افتقر أبوفرعون الساسي، و ضاقت به الأرض بما رحبت، فوفد علي الحسن بن سهل وزير المأمون و مدحه بقصيدة عرض فيها سوء حاله، و تعاسة أبنائه، يقول:
اليك أشكو صبية و امهم
لا يشبعون و أبوهم مثلهم
قد أكلوا اللحم و لم يشبعهم
و شربوا الماء فطال شربهم
و امتذقوا المذق فما أغناهم
و المضغ ان نالوه فهو عرسهم [1] .
لا يعرفون الخبز الا باسمه
و التمر هيهات فليس عندهم
و ما رأوا فاكهة في سوقها
و ما رأوها و هي تنحو نحوهم
زعر الرؤوس قرعت هاماتهم
من البلا و استك منهم سمعهم
كأنهم جناب أرض مجدب
محل فلو يعطون أوجي سهمهم [2] .
بل لو تراهم لعلمت أنهم
قوم قليل ريهم وشبعهم
و جحشهم أجرب منقور القري
و مثل أعواد الشكاعي كلبهم [3] .
[ صفحه 234]
كأنهم كانوا - و ان وليتهم
طرا - موالي و كنت عبدهم
مجتهدا بالنصح لا آلوهم
أدعو لهم س يا رب سلم امهم [4] .
أرأيتم هذا الاستجداء المقيت الذي ألم بالشاعر فجعله يصور نفسه و أبناءه بهذه الصورة المحزنة من الجوع و الفقر.
و اشتد الفقر بأبي فرعون، فكتب الي بعض قضاة البصرة يسألهم العون، و جاء في رسالته هذه الأبيات:
يا قاضي البصرة ذا الوجه الأغر
اليك أشكو ما مضي و ما غبر
عفا زمان و شتاء قد حضر
ان «أباعمرة» في بيتي انحجر [5] .
يضرب بالدف و ان شاء زمر
فاطرده عني بدقيق ينتظر [6] .
ان من العار علي اولئك الملوك الذين كانت بأيديهم خزائن الدنيا يتركون شعوبهم تشيع فيهم الحاجة و الحرمان.
پاورقي
[1] المذق: اللبن الممزوج بالماء.
[2] الجناب: الناحية. وجي سهمهم: أي أخطأ و لم يصب الهدف.
[3] القري: الظهر. الشكاعي: نبت دقيق العيدان.
[4] طبقات الشعراء: 378.
[5] أبوعمرة: من أسماء الجوع و الفقر.
[6] الامتاع و المؤانسة: 3: 34.