اضطهاد العلويين
لقد امتحن العلويون كأشد ما يكون الامتحان، و ارهقوا ارهاقا شديدا في أكثر فترات الحكم العباسي، اذ قام ملوك العباسيين باضطهادهم رسميا و ملاحقتهم و مطاردتهم، و انزال أقصي العقوبة بهم.
يقول عيسي بن زيد:
الي الله أشكو ما نلاقي و اننا
نقتل ظلما جهرة و نخاف
و يسعد أقوام بحبهم لنا
و نشقي بهم و الأمر فيه خلاف [1] .
[ صفحه 238]
و حكي هذا الشعر ما كان يعانيه العلويون من القتل و التنكيل ظلما و عدوانا من قبل العباسيين الذين ما نالوا الملك و السلطان الا باسم العلويين الذين قدموا المزيد من التضحيات في سبيل تحرير الشعوب الاسلامية من نير الاستبداد الأموي.
و من الاجراءات القاسية التي اتخذها العباسيون ضد العلويين أنهم فرضوا عليهم الحصار الاقتصادي، فكانوا في ضائقة مالية مؤلمة.
يقول يحيي بن عمر العلوي مخاطبا العباسيين:
أبلغ بني العباس قول امرئ
ما مال من حق الي ظلم
ان كانت الدنيا لهم فاسمحوا
منها بقوت لبني العم
و أوسعونا القوت من مالكم
فانه أعدل في الحكم [2] .
و معني هذا الشعر أن العباسيين لم يسمحوا بالقوت، بل و لا بسد الرمق للعلويين، و تركوا الفقر جاثما عليهم ينهش أجسادهم، و تشير بعض المصادر الي أن العلويين في أيام الطاغية المتوكل قد عانوا من الضيق و الحرمان ما لا يوصف لفظاعته و مرارته، فكانوا لا يملكون الا عباءة واحدة، فاذا أراد العلوي الخروج من البيت لبسها، و كذلك اذا أرادت العلوية لبستها، و قد تحاشي الناس من الاتصال بهم خوفا من السلطة العاتية، فقد سأل محمد بن صالح الحسين ابراهيم بن المدبر كريمة عيسي بن موسي الحربي و مضي اليه خاطبا، فأبي أن يجيبه و قال له: لا اكذبك و الله اني لا أرده لأني لا أعرف أشرف و أشهر منه، لمن يصاهره، ولكني أخاف المتوكل و ولده بعده علي نعمتي و نفسي، و الي غير ذلك يشير محمد في أبيات نظمها:
خطبت الي عيس بن موسي فردني
فلله والي مرة و عتيقها
لقد ردني عيسي و يعلم أنني
سليل بنات المصطفي و عريقها
[ صفحه 239]
و ان لنا بعد الولادة بيعة
بني الاله صنوها و شقيقها [3] .
و قد امتنع المسلمون من الاتصال بالعلويين، بل حتي من السلام عليهم، فان السلطة العباسية تنزل أقصي العقوبات بمن يقابلهم بأي لون من ألوان الحفاوة و التكريم.
و أشد الفترات المظلمة التي مرت علي العلويين كانت أيام المتوكل، فقد صب عليهم جام غضبه، و قابلهم بمزيد من القسوة و التنكيل، و قد هاموا علي وجوههم في المدن و القري [4] خوفا من أن تلقي السلطة عليهم القبض فتسوقهم الي المقابر أو السجون.
پاورقي
[1] سر السلسلة العلوية: 65.
[2] سر السلسلة العلوية: 63.
[3] مقاتل الطالبيين: 604.
[4] مقاتل الطالبيين: 615.