ابطال الامام لشبه الكندي
كان اسحاق الكندي فيلسوف العراق قد راودته بعض الشبه حول القرآن الكريم، فأشاع في الأوساط العلمية أنه ألف كتابا أسماه (تناقض القرآن)، و قد أشغل نفسه بذلك.
و انتهي الخبر الي الامام أبي محمد عليه السلام، فالتقي ببعض تلامذة الكندي، فقال عليه السلام له: أما فيكم رجل رشيد يردع استاذكم الكندي عما أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟
فقال التلميذ: نحن من تلامذته، كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره.
[ صفحه 259]
فقال له الامام عليه السلام: أتؤدي اليه ما ألقيه اليك؟
- نعم.
و أدلي الامام عليه السلام بالحجة القاطعة، و الدليل الحاسم الذي ينسف جميع شبه الكندي، فقال لتلميذه: صر اليه، و تلطف في مؤانسته، و معونته علي ما هو بسبيله، فاذا وقعت الأنسة فقل: قد حضرتني مسألة أسألك عنها، فانه يستدعي ذلك منك فقل له: ان أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت اليها، فانه سيقول لك: انه من الجائز لأنه رجل يفهم اذا سمع، فاذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعله أراد غير هذا الذي ذهبت أنت اليه، فيكون واضعا لغير معانيه.
و نسف الامام عليه السلام بهذه الحجة الدامغة شبهة الكندي، و سد فيها كل ثغرة يسلك منها لاثبات التناقض في كتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، فان ايهام ذلك انما يكون حسب ما يفهمه الكندي من المعني، و يجوز أن يكون له معني آخر لم يفهمه، و لم يتوصل الي معرفته يرتفع به التناقض، و لا يبقي حينئذ أي مجال للاشكال.
و سار الرجل حتي التقي باستاذه الكندي، و تلطف معه، و ألقي عليه ما تفضل به الامام عليه السلام، و أخذ يفكر و يطيل النظر في الأمر أي في الحق و الصواب في ذلك، فانه أمر محتمل، و سائغ في اللغة، و التفت الي تلميذه فقال له: أقسمت عليك الا ما أخبرتني من أين لك هذا؟
- انه شي ء عرض بقلبي فأوردته عليك.
- كلا ما مثلك من يهتدي الي هذا.. عرفني من أين لك هذا؟
- أمرني به الامام أبومحمد.
- الآن جئت به، و ما كان ليخرج مثل هذا الا من ذلك البيت.
[ صفحه 260]
و عمد الكندي الي كتابه فأحرقه و أتلفه [1] ، فقد رأي المنطق و الصواب في كلام الامام عليه السلام.
پاورقي
[1] مناقب آل أبي طالب: 4: 424.