اللهو و الطرب
و ظاهرة اخري في عصر الامام أبي محمد عليه السلام، و هي أنه قد ساد فيه اللهو و الطرب، فكانت بغداد و سامراء تعجان بالدعارة و المجون، و قد جر المجتمع الي هذه الحياة العابثة ملوك بني العباس الذين استسلموا للذاتهم و شهواتهم، فكانت لياليهم الحمراء حافلة بجميع صنوف الآثام و المنكرات.
ان معظم ملوك بني العباس قد خلدوا الي الطرب و اللهو، و لنستمع الي بعض ما اثر عنهم. فهذا المهدي، و هو أول من فتح باب الطرب لملوك العباسيين، كان
[ صفحه 262]
يقضي لياليه بالغناء و العزف و الخمر، و كان مشغوفا بجارية مغنية تسمي جوهر، و فيها يقول:
ألا يا جوهر القلب
لقد زدت علي الجوهر
و قد أكملك الله
بحسن الدل و المنظر [1] .
اذا ما صلت يا أحسن
خلق الله بالمزهر [2] .
و غنيت، ففاح البيت
من ريحك بالعنبر
فلا و الله ما المهدي
أولي منك بالمنبر
فان شئت ففي كفك
خلع ابن أبي جعفر [3] .
لقد بلغت الشهوة بالمهدي الي مستوي سحيق، فقد جعل هذه المغنية أولي بالخلافة، و أحق بها منه، فأي استهتار مثل هذا الاستهتار؟ و أي مضيعة لحقت بالمسلمين مثل هذه المضيعة؟ و مثل المهدي حاكم و وال عليهم.
أما الرشيد فهو من أشهر ملوك بني العباس في اللهو و الطرب، و قد حفلت لياليه بجميع ضروب العزف و الغناء و الرقص و تعاطي الخمر، و كان كلفا بجارية تسمي «ذات الخال»، فحلف لها يوما أن لا تسأله شيئا الا قضاه، فسألته أن يولي رجلا الحرب و الخراج بفارس سبع سنين، ففعل ذلك، و كتب عهده، و شرط علي ولي العهد من بعده أن يتمها له ان لم تتم له في حياته [4] .
أما المأمون الذي يقال عنه انه كان متوازنا في سلوكه، فانه قضي الكثير من لياليه
[ صفحه 263]
في الطرب و المجون، و كان مغرما بجارية يقال لها «عريب»، و قد قال فيها:
أنا المأمون و الملك الهمام
علي أني بحبك مستهام
أترضي أن أموت عليك وجدا
و يبقي الناس ليس لهم امام [5] .
و خرج المأمون في يوم الشعانين، و هو من أعياد النصاري، فخرجت بين يديه عشرون وصيفة رومية قد زين بالديباج الرومي، مزنرات الأوساط، قد علقن في أعناقهن صلبان الذهب و في أيديهن سعفات النخل و أغصان الزيتون، فقال:
ضباء كالدنانير
ملاح في المقاصير
جلاهن الشعانين
علينا في الزنانير
و قد زرفن أصداغا
كأذناب الزرازير
و أقبلن بأوساط
كأوساط الزنابير [6] .
أما المتوكل الذي كان معاصرا للامام أبي محمد عليه السلام، فقد كان مائعا منسابا وراء شهواته، و هو أخلع بني العباس، و سوف نتحدث عن هذه الظاهرة و غيرها من معالم حياته في البحوت الآتية.
و بهذا ينتهي بنا الحديث عن عصر الامام عليه السلام، و قد بحثنا عن الكثير من مظاهر هذا العصر.
[ صفحه 267]
پاورقي
[1] الدل: حسن الحديث.
[2] المزهر: العود الذي يضرب به.
[3] ابن أبي جعفر: المهدي محمد بن أبي جعفر المنصور. البيان و التبيين: 3: 371.
[4] الأغاني: 19: 116.
[5] محاضرةالأبرار: 1: 126.
[6] الألحان: 298.