هلاك المتوكل
و هلك المتوكل العباسي، فقد مزقته سيوف الأتراك هو و الفتح بن خاقان في مؤامرة رهيبة دبرها ولده المنتصر مع وصيف و بغا التركيين، فهجموا عليه ليلا، و قطعوه بسيوفهم اربا اربا، و لم يعرف لحمه من لحم رئيس وزرائه الفتح بن خاقان.
و قد وافته المنية و بطنه مليئة بالخمر، و قد رثاه شاعره البحتري بهذه الأبيات:
هكذا فلتكن منايا الكرام
بين ناي و مزهر و مدام
بين كأسين أورثاه جميعا
كأس لذاته و كأس الحمام
لم يذل نفسه رسول المنايا
بصنوف الأوجاع و الأسقام [1] .
[ صفحه 281]
و كان الملوك قبل ذلك يرثون بفقد العدل و خسارة الأمة، و افول نجمها بموتهم، أما المتوكل فقد رثي بخسارة الناي و المزهر و سائر آلات الطرب بموته.
و علي أي حال، فقد انطوت أيام المتوكل، و انطوت معه الخلاعة و المجون، و سائر ما يضر الناس في سلوكهم من الفساد و الظلم.
و من نوادر حياته التافهة ما رواه المؤرخون أنه قال لأبي العنبس: أخبرني عن حمارك و وفاته و ما كان من شعره في الرؤيا التي رأيتها.
قال: نعم يا أميرالمؤمنين، كان أعقل من القضاة، و لم يكن له جريرة و لا زلة فاعتل علي غفلة فمات منها، فرأيته فيما يري النائم فقلت له: يا حماري، ألم أبرد لك الماء، و انق لك الشعير، و أحسن اليك جهدي، فلم مت علي غفلة، و ما خبرك؟
قال: نعم، لما كان في اليوم الذي وقفت علي فلان الصيدلاني تكلمه في كذا و كذا، مرت بي أتان حسناء فرأيتها، فأخذت بمجامع قلبي فعشقتها، و اشتد وجدي بها فمت كمدا متأسفا.
فقلت له: يا حماري، فهل قلت في ذلك شعرا؟
قال: نعم، و أنشدني:
هام قلبي بأتان
عند باب الصيدلاني
تيمتني يوم رحنا
بثناياها الحسان
و بخد ذي دلال
مثل خد الشيفران
فبها مت ولو عشت
اذا طال هواني
قال: قلت: يا حماري، فما الشيفران؟
فقال: هذا من غريب الحمير.
[ صفحه 282]
فطرب المتوكل، و أمر الملهين و المغنين أن يغنوا ذلك اليوم بشعر الحمار، و فرح في ذلك اليوم فرحا و سرورا لم ير مثله، و زاد في تكرمة أبي العنبس و جائزته [2] .
اف للزمان، و تعسا للدهر، أمثل هذا الانسان التافه في سلوكه يكون واليا علي المسلمين و حاكما عليهم، و يبعد عن الساحة الامام أبومحمد عليه السلام الذي كان مثالا للفكر و العلم و التقي و الصلاح؟!
[ صفحه 283]
پاورقي
[1] روضةالأعيان: 108.
[2] مروج الذهب: 4: 43.