بازگشت

نصه علي الامام المهدي


أما الامام المهدي عليه السلام، فهو الأمل لا للاسلام فحسب، و انما للبشرية المعذبة التي ترزح تحت وطأة العبودية و القهر و الاستغلال، فهو الفاتح العظيم الذي يحرر ارادة الانسان و ينقذ الامم و الشعوب من جور المبادئ و النظم الفاسدة التي حولت



[ صفحه 303]



الحياة الي جحيم لا يطاق.

ان الامام المهدي عليه السلام في جميع مراحل حياته معجزة من معجزات الاسلام الكبري، فقد أخفي الله ولادته كما أخفي ولادة نبيه موسي عليه السلام، و ذلك لصعوبة الوقت، و شدة طلب السلطة العباسية له، كما أن في بقائه حيا عبر الأجيال الصاعدة معجزة للاسلام، و في ظهوره و اعلانه للمبادئ المشرقة التي جاء بها الاسلام أيضا معجزة، عجل الله فرجه، وأتحف البشرية بظهوره.

و علي كل حال، فانا نعرض لبعض النصوص التي اثرت عن الامام الحسن الزكي عليه السلام في النص علي امامة ولده المهدي عليه السلام، و في ما يلي ذلك:

1- روي الثقة أحمد بن اسحاق بن سعيد الأشعري، قال: «دخلت علي أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام و أنا اريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئا: يا أحمد بن اسحاق، ان الله تبارك و تعالي لم يخل الأرض منذ خلق آدم، و لا يخليها الي أن تقوم الساعة من حجة لله علي خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، و به ينزل الغيث، و به يخرج بركات الأرض.

فقلت له: يابن رسول الله، فمن الامام و الخليفة بعدك؟

فنهض عليه السلام مسرعا فدخل البيت، ثم خرج و علي عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين، فقال: يا أحمد، لولا كرامتك علي الله عزوجل و علي حججه ما عرضت عليك ابني هذا، انه سمي باسم رسول الله صلي الله عليه و آله و كنيته، الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.

يا أحمد، مثله في هذه الامة مثل الخضر، و مثل ذي القرنين، و الله ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها الا من ثبته الله علي القول بامامته، و وفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه.

فقال أحمد بن اسحاق: فهل من علامة يطمئن اليها قلبي؟



[ صفحه 304]



فنطق الغلام بلسان عربي فصيح، فقال عليه السلام: أنا بقية الله في أرضه، و المنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثرا بعد عين، يا أحمد بن اسحاق.

فقال أحمد: فخرجت مسرورا فرحا، فلما كان في الغد عدت اليه، فقلت له: يابن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت به علي، فما السنة الجارية في الخضر و ذي القرنين؟

فقال: طول الغيبة يا أحمد.

قلت: يابن رسول الله، و ان غيبته لتطول؟

قال: اي و ربي حتي يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، و لا يبقي الا من أخذ الله عزوجل منه عهدا لولايتنا، و كتب في قلبه الايمان، و أيده بروح منه.

ياأحمد، هذا أمر من أمر الله، و سر من سر الله، و غيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك و اكتمه، و كن من الشاكرين تكن معنا غدا في عليين» [1] .

أما محتويات هذا الحديث الشريف، فهي:

أولا: ان الله تعالي منذ خلق الانسان علي هذه الأرض و الي أن تفني لا بد و أن يقيم الحجة علي عباده و ذلك ببعثه للأنبياء و المرسلين و الأوصياء ليبلغوا رسالة ربهم التي تتضمن نجاتهم و سلامتهم، و هذا من باب اللطف، و هو قاعدة عقلية أقامها المتكلمون علي لزوم اقامة الحجة من الله حتي يحيا من حيي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، و لتكون الحجة من الله علي عباده لا لهم عليه، و بالاضافة لذلك فان في وجود الحجة من الثمرات و البركات ما لا يحصي، و التي منها دفع البلاء عن أهل الأرض، و انزال الغيث من السماء، و اخراج بركات الأرض.

ثانيا: ان الانسانية تظفر بمكاسب هائلة بخروج الامام المنتظر عليه السلام، و من أهمها



[ صفحه 305]



أنه يملأ الأرض قسطا و عدلا بعدما ملئت ظلما و جورا، و ما أعظم هذه الفائدة و العائدة علي البشرية.

ثالثا: ان الله تعالي يمد في عمر الامام المنتظر، و ليس ذلك بعسير عليه، فقد أمد في عمر الخضر و ذي القرنين.

رابعا: ان الله تعالي يمتحن عباده بطول غيبة وليه، و ناصر دينه الامام المنتظر عليه السلام، فلا يثبت علي ولايته و امامته كلها الا من امتحن قلبه للايمان.

هذه بعض محتويات هذا الحديث الشريف.

2- روي الثقة الجليل محمد بن عثمان العمري، عن أبيه، يقول: «سئل أبومحمد الحسن بن علي و أنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه أن الأرض لا تخلو من حجة الله علي خلقه الي يوم القيامة، و ان من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية، ان هذا حق كما أن النهار حق.

و انبري اليه شخص فقال له: يابن رسول الله، فمن الحجة و الامام بعدك؟

ابني محمد هو الامام و الحجة بعدي، من مات و لم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما ان له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، و يكذب فيها الوقاتون، ثم يخرج فكأني أنظر الي البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة» [2] .

و هذا الحديث الشريف كالحديث السابق في عطائه و مضمونه.

3- قال الامام أبومحمد عليه السلام: «الحمدلله الذي لم يخرجني من الدنيا حتي أراني الخلف من بعدي، أشبه الناس برسول الله صلي الله عليه و آله خلقا و خلقا، يحفظه الله تبارك و تعالي في غيبته، ثم يظهره فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما» [3] .



[ صفحه 306]



لقد أعرب الامام عليه السلام في هذا الحديث عن سروره البالغ بمولوده العظيم الذي يشابه جده الرسول صلي الله عليه و آله في جمال صورته و بهاء منظره، مما يشابهه في سمو آدابه و معالي أخلاقه التي امتاز بها علي سائر النبيين.

4- روي موسي بن جعفر البغدادي، قال: «سمعت أبامحمد الحسن بن علي العسكري يقول: كأني بكم قد اختلفتم بعدي في الخلف مني، ألا ان المقر بالأئمة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله المنكر لولدي، كمن أقر بجميع أنبياء الله و رسله ثم أنكر نبوة رسول الله صلي الله عليه و آله؛ لأن طاعة آخرنا كطاعة أولنا، و المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا. أما أن لولدي غيبة يرتاب فيها الناس الا من عصمه الله» [4] .

هذه بعض الأخبار التي اثرت عن الامام أبي محمد عليه السلام في النص علي امامة ولده الامام المنتظر عليه السلام.


پاورقي

[1] اكمال الدين: 216 و 217.

[2] كفايةالأثر: 296.

[3] اكمال الدين: 228. كفايةالأثر: 295.

[4] كفايةالأثر: 295 و 296.