بازگشت

شهادته


كان خلفاء بني العباس و عمال حكومتهم قد سمعوا ان عدد أئمة اهل البيت عليهم السلام هو اثنا عشر اماما و ان الثاني عشر منهم سوف يظهر بعد غيبته و يطوي سجل الظالمين و يقضي علي حكومات الباطل و يملأ العالم بالقسط و العدل.

و العلم بهذا الموضوع و لا سيما في هذه الأواخر (زمان الامام الهادي و الامام العسكري) كان يؤدي الي اضطراب الخلفاء، و لهذا كانوا يراقبون الامام العسكري بشدة، و يحبون كثيرا ان لا يولد للامام مولود، و جيمع شؤون الامام كانت مراقبة بطرق مختلفة، و حتي



[ صفحه 35]



انهم سجنوا الامام عدة مرات، و اخيرا لما رأي المعتمد العباسي ان اهتمام الناس و اقبالهم علي الامام يزداد يوما بعد يوم و ان السجن و الاضطهاد و الرقابة قد أدت الي تأثير معكوس فهو لم يتحمل ذلك و اتخذ قرارا بقتله فدس السم الي الامام خفية و استشهد صلوات الله عليه و علي آبائه الطاهرين في الثامن من ربيع الأول سنة (260) هجرية.

و مدي نفوذ الامام في المجتمع و الخوف من تمرد الشيعة و العلويين قد اشاع الاضطراب في قلب المعتمد العباسي من احتمال انكشاف قضية دس السم للامام، و من هنا فانه كان يحاول اخفاء هذه الجريمة بأية طريقة، ينقل ابن صباغ المالكي في كتابه «الفصول المهمة» عن عبدالله بن خاقان، و هو احد اعضاء البلاط العباسي، قوله:

لقد ورد علي الخليفة المعتمد علي الله احمد بن المتوكل في وقت وفاة ابي محمد الحسن بن علي العسكري ما تعجبنا منه و لا ظننا ان مثله يكون من مثله، و ذلك انه لما اعتل ابومحمد ركب خمسة من دارالخليفة من خدامه و ثقاته و خاصته، كل منهم نحرير فقه و امرهم بلزوم دار ابي الحسن و تعرف خبره و مشاركتهم له بحاله و جميع ما يحدث له في مرضه، و بعث اليه من خدام المتطببين و امرهم بالاختلاف اليه و تعهده صباحا و مساء فلما كان بعد ذلك بيومين او ثلاثا اخبروا الخليفة بان قوته قد سقطت و حركته قد ضعفت و بعيد ان يحي منه شي ء فأمر المتطببين بملازمته و بعث الخليفة الي القاضي بن بختيار ان يختار عشرة ممن يثق بهم و بدينهم و امانتهم يأمرهم الي



[ صفحه 36]



دار ابي محمد الحسن و بملازمته ليلا و نهارا فلم يزالوا هناك الي ان توفي بعد ايام قلايل، و لما رفع خبر وفاته ارتجت سر من رأي و قامت ضجة واحدة و عطلت الأسواق و غلقت ابوب الدكاكين و ركب بنوهاشم و الكتاب و القواد و القضاة و المعدلون و ساير الناس الي ان حضروا الي جنازته، فكانت سر من رأي في ذلك شبيها بالقيامة، فلما فرغوا من تجهيزه بعث الخليفة الي عيسي بن المتوكل اخيه بالصلاة عليه، فلما وضعت الجنازة للصلاة دني عيسي منه و كشف عن وجهه و عرضه علي بني هاشم من العلوية و العباسية و علي القضاة و الكتاب و المعدلين فقال: هذا ابومحمد العسكري مات حتف انفه علي فراشه و حضره من خدام اميرالؤمنين فلان و فلان ثم غطي وجهه و صلي عليه و أمر بحمله و دفنه، و كانت وفاة ابي محمد الحسن بن علي بسر من رأي في يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين و مائتين للهجرة، و دفن في البيت الذي دفن فيه ابوه بدارهما من سر من رأي و له يومئذ من العمر ثمان و عشرون سنة [1] .

مما نقلناه يتضح مدي ما كان للامام من مكانة رفيعة في المجتمع، و لماذا كانت الحكومة خائفة منه، و يعرف ايضا لماذا كان الخليفة خائفا من انكشاف قضية دس السم للامام و قتله و لماذا كان يعد الأرضية من قبل ليصور شهادة الامام بصورة انه موت طبيعي.



[ صفحه 37]



اجل ان الظالمين يرون وجود الأئمة المعصومين خطرا علي سلطانهم و يبذلون اقصي جهودهم لاطفاء نور هؤلاء القادة الحقيقيين، و لهذا يفرضون عليهم رقابة شديدة و يحاولون ما امكنهم ان يفصلوهم عن المجتمع و بالتالي يقدمون علي قتلهم.

و بعد شهادة الامام العسكري عليه السلام أقدم - في الظاهر - المعتمد العباسي علي تقسيم ميراث الامام بين ام الامام و اخيه جعفر ليوحي للناس ان الامام العسكري لم يخلف وراءه ولدا حتي ييأس الشيعة من وجود الامام اللاحق، و اما في الباطن فقد وظف جواسيسه ليبحثوا و يدققوا و اذا ظفروا بولد له فليلقوا القبض عليه، وراح موظفوا الخليفة يسلطون الضغوط الشديدة علي اقارب الامام ولكنهم فشلوا في الظفر بالامام القائم عليه السلام،و الله سبحانه و تعالي قد حفظه و جعله في امان من كيد الظالمين، و صحيح ان الامام الحجة بن الحسن المهدي عليه السلام قد كف عن الاتصال الواضح بالناس و الحضور المعلن في المجتمع و اختار الغيبة بأمر الله لكي يأمن من شر الظالمين، الا ان الشيعة و خواص الامام العسكري - الذين طالما شاهدوا الامام القائم في صغره - كانوا مطمئنين بوجوده، و عند وفاة الامام العسكري عليه السلام ظهر الامام القائم أيضا في ساحة دار والده وقام بتنحية عمه جعفر الذي كان يريد الصلاة علي جثمان الامام العسكري و أدي هو بنفسه الصلاة علي جنازة والده الكريم [2] ، و خلال فترة الغيبة الصغري كان الشيعة



[ صفحه 38]



متصلين بالامام عن طريق نوابه الخاصين، و كان الامام يجيب علي اسئلة شيعته بواسطة اولئك النواب، و قد جرت كرامات و معاجز كثيرة علي أيدي هؤلاء النواب ساهمت في تقوية عقيدة المحببين و زيادة اطمئنانهم، و سوف نبين جانبا منها في الكراسة اللاحقة التي تتضمن شرح حياة الامام الثاني عشر ان شاء الله تعالي.

و الحمدلله رب العالمين.


پاورقي

[1] الفصول المهمة، طبعة النجف، ص 288.

[2] كمال الدين، طبعة الآخوندي، ص 475.