بازگشت

يراها الطبيب المسيحي منه في حال قصده اذ لم ير لغيره مما رأي حتي ينظره بالمسيح و


(قال القطب الراوندي في الخرايج»: حدث (فطرس) (بطريق خ ل) رجل متطبب [1] و قد أتي عليه مائة سنة و نيف [2] فقال: كنت تلميذ «بختيشوع» [3] طبيب المتوكل، و كان يصطفيني.

فبعث اليه الحسن العسكري عليه السلام أن يبعث اليه بأخص أصحابه عنده، ليفصده، فاختارني و قال: قد طلب مني الحسن عليه السلام من يفصده، فسر اليه و هو أعلم في يومنا هذا ممن هو تحت السماء، فاحذر أن تتعرض عليه فيما يأمرك به.

فمضيت اليه فأمرني الي حجرة، و قال: كن ها هنا الي أن أطلبك.

قال: و كان الوقت الذي أتيت اليه فيه عندي جيدا محمودا للفصد، فدعاني في وقت غير محمود له، فأحضر طستا كبيرا عظيما،



[ صفحه 97]



ففصدت الأكحل، فلم يزل الدم يخرج حتي امتلأ الطست.

ثم قال لي اقطع الدم، فقطعته و غسل يده و شدها وردني الي الحجرة و قدم لي من الطعام الحار و البارد شيئا كثيرا، و بقيت الي العصر، ثم دعاني و قال: سرح [4] و دعا بذلك الطست، فسرحت و خرج الدم الي أن امتلأ الطست، فقال: اقطع، فقطعت و شد يده وردني الي الحجرة فبت فيها.

فلما أصبحت و ظهرت الشمس، دعاني و أحضر ذلك الطست و قال: سرح، فسرحت و خرج من يده مثل اللبن الحليب [5] الي أن امتلأ الطست، ثم قال: اقطع، فقطعت و شد يده و تقدم الي بتخت ثياب و خمسين دينارا، و قال: خذ هذا و اعذر و انصرف.

فأخذت ذلك و قلت: يأمرني السيد بخدمه؟

قال: نعم، بحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول.

فصرت الي «بختيشوع» فقلت له القصة.

فقال: أجمعت الحكماء علي أن أكثر ما يكون في بدن الانسان سبعة أمنان من الدم، و هذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجبا، و أعجب ما فيه اللبن.

ففكر ساعة ثم مكث ثلاثة أيام بلياليها يقرأ الكتب علي أن يجد في هذه القصة ذكرا في العالم، فلم يجد، ثم قال: لم يبق اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول [6] .



[ صفحه 98]



فكتب اليه كتابا يذكر فيه ما جري، فخرجت و ناديته، فأشرف علي و قال: من أنت؟ قلت: صاحب «بختيشوع» قال: معك كتابه؟ قلت: نعم. فأرخي الي زنبيلا، فجعلت الكتاب فيه فرفعه و قرأ الكتاب، فنزل من ساعته، فقال: أنت الرجل الذي فصدت؟ قلت: نعم.

قال: طوبي لأمك، و ركب بغلا و مر في فيافي [7] سر من رأي، و قد بقي من الليل ثلثه، قلت: أين تحب دار أستاذنا أو دار الرجل؟

فقال: دار الرجل، فصرنا الي بابه قبل الأذان، ففتح الباب، فخرج الينا خادم أسود، و قال: أيكما صاحب دير العاقول؟

فقال الراهب: أنا، جعلت فداك، فقال: انزل، و قال لي الخادم:احفظ البغلين، و أخذ بيده و دخلا، فأقمت الي أن أصبحنا و ارتفع النهار.

ثم خرج الراهب و قد رمي ثياب الرهابين (بثياب الرهبانية خ ل)، و لبس ثيابا بيضاء و قد أسلم، و قال: خذ بي الآن الي دار أستاذك، فسرنا الي باب «بختيشوع»، و لما رآه بادر يعد و اليه، ثم قال: ما الذي أزالك عن دينك؟ قال: وجدت المسيح فأسلمت علي يده.

قال: وجدت المسيح؟ فقال: نعم أو نظيره فان هذه الفصدة لم يفعلها في العالم الا المسيح و هذا نظيره في آياته و براهينه.

ثم عاد الي الامام عليه السلام و لزم خدمته الي أن مات [8] .


پاورقي

[1] امتطبب علي بناء الفاعل: التاء فيه للمبالغة.

[2] نيف بالتشديد و التخفيف: كلما زاد عن العقد الثاني، مثلا يقال: عشرة و نيف و مئة و نيف.

[3] و هو من أشهر أطباء الدولة العباسية. استخدمه الرشيد و اشتهر بالدربة في صناعته، و قد استحضره الهادي قبل من «جنديسابور» لمعالجته، و له حكاية مع الرشيد حين امتحنه، و له ولد يسمي بجبرائيل، فاق أقرانه.

[4] يقال: سرح، اذا أجراه جريا سهلا.

[5] الحليب: اللبن المحلوب، يقال: حلب الشاة: اذا أخرج ما في ضرعها من اللبن.

[6] دير العاقول بين مداين كسري و النعمانية: موضع بين واسط و بغداد (منه) أقول و لزيادة الايضاح، أنظر «مراصد الاطلاع».

[7] جمع فيفاء و هي المفازة لا ماء فيها أو المكان المستوي.

[8] الأنوار البهية للشيخ عباس القمي ص 257 - 255.