بازگشت

في بعض مناظراته و احتجاجاته من علوم الدين


روي الشيخ السعيد أبومنصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج بأسناده عن أبي محمد العسكري في قوله تعالي: (و منهم أميون لا يعلمون الكتاب الا أماني) ان الأمي منسوب الي أمه أي هو كما خرج من بطن أمه لا يقرأ و لا يكتب، لا يعلمون الكتاب المنزل من السماء، و لا متكلم به، و لا يميزون بينهما الا أماني، أي الا أن يقرأ عليهم، و يقال لهم: ان هذا كتاب الله و كلامه لا يعرفون ان قري ء من الكتاب خلاف ما فيه، و أنهم ألا يظنون ما يقرأ عليهم و ساؤهم من تكذيب محمد صلي الله عليه و آله و سلم في نبوته و امامة علي عليه السلام سيد عترته، و هم يقلدونهم مع أنه محرم عليهم تقليدهم، فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا.

قال عليه السلام: قال الله تعالي: هذا لقوم من اليهود كتبوا صفة زعموا أنها صفة محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و هي خلاف صفته، و قالوا للمستضعفين منهم: هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان، عظيم البدن و البطن، أهدف أصهب الشعر، و محمد صلي الله عليه و آله و سلم بخلافه، و هو يجي ء بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة، و انما أرادوا بذلك لتبقي لهم علي



[ صفحه 198]



ضعفائهم رياستهم، و تدوم لهم اصاباتهم، و يكفوا أنفسهم مؤنة خدمة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و خدمة علي عليه السلام و أهل بيته و خاصته.

فقال الله عزوجل: (فويل لهم مما كتبت أيديهم و ويل لهم مما يكسبون) من هذه الصفات المحرمات المخالفات لصفة محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي عليه السلام، الويل: الشدة لهم من العذاب الأليم في أسوأ بقاع جهنم، و ويل لهم: الشدة من العذاب ثانية مضافة الي الأولي مما يكسبونه من الأموال التي يأخذونها اذا أثبتوا عوامهم علي الكفر بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم و الجحد لوصيه و أخيه علي بن أبي طالب ولي الله.

ثم قال عليه السلام: قال رجل للصادق عليه السلام: فاذا كان هؤلاء القوم من اليهود لا يعرفون الكتاب الا بما يسمعونه من علمائهم و هل عوام اليهود الا كعوامنا يقلدون علمائهم؟.

فقال عليه السلام: بين عوامنا و علمائنا و بين عوام اليهود و علمائهم فرق من جهة و تسوية من جهة، أما من حيث الاستواء فان الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علمائهم كما ذم عوامهم، و أما من حيث افترقوا فلا.

قال: بين لي يابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

فقال عليه السلام: ان عوام اليهود و كانوا قد عرفوا علمائهم بالكذب الصراح، و بأكل الحرام و الرشا و بتغير الأحكام عن واجبها بالشفاعات و العنايات و المصانعات، و عرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم، و أنهم اذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه، و أعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم، و ظلموهم من أجلهم، و عرفوهم أنهم يفارقون المحرمات، و أضمروا بمعارف قلوبهم ان من فعل ما يفعلونه فهو فاسق، و لا يجوز أن يصدق علي الله و لا علي الوسائط بين الخلق و بين الله، فلذلك ذمهم لما قلدوا من قد عرفوه، و من قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره، و لا تصديقه في حكايته، و لا العمل بما يؤديه اليهم عمن لم يشاهده،



[ صفحه 199]



و وجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اذ كانت دلائله واضحة أوضح من أن تخفي، أو أشهر من أن لا يظهر لهم.

و كذلك عوام أمتنا اذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر و العصبية الشديدة، و التكالب علي حطام الدنيا و حرامها، و اهلاك من يتعصبون عليه، و ان كان لا صلاح أمره مستحقا، و بالترفوف بالبر و الاحسان علي من تعصبوا له، و ان كان للاذلال و الاهانة مستحقا، فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء منهم مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقه فقهائهم، فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا علي هواه مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، و ذلك لا يكون الا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فان من ركب من القبائح و الفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا و لا كرامة، و انما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك، لأن الفسقة يتحملون عنا فيحرفوه بأسره لجهلهم، و يضعون الأشياء علي غير وجهها لقلة معرفتهم، و آخرون يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم الا نار جهنم. و منهم قوم نصاب لا يقدرون علي القدح فينا يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا و ينتقضون لنا به عند نصابنا، ثم يضيفون اليه أضعافه و أضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن براء منها، فتقبله المستسلمون من شيعتنا علي أنه من علومنا، فضلوا و أضلوا و هم أضر علي ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد علي الحسين بن علي عليهماالسلام و أصحابه، فانهم يسلبونهم الأرواح و الأموال، و هؤلاء علماء السوء الناصبون المتشبهون بأنهم لنا موالون، و لأعدائنا معادون، يدخلون الشك و الشبهة علي ضعفاء شيعتنا، فيضلونهم و يمنعونهم عن قصد الحق المصيب، لا جرم أن من علم الله من قلبه من هؤلاء العوام أنه لا يريد الا صيانة دينه و تعظيم وليه لم يترك في يد هذه المتلبس الكافر ولكنه يقيض له مؤمنا يقف به علي الصواب، ثم يوفقه الله للقبول



[ صفحه 200]



منه، فيجمع الله له بذلك خير الدنيا و الآخرة، و يجمع علي من أضله لعن الدنيا و عذاب الآخرة.

ثم قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: شرار علماء أمتنا المضلون عنا، القاطعون للطرق الينا، المسمون أضدادنا بأسمائنا، الملقبون أندادنا بألقابنا، يصلون علينا و هم للعن مستحقون، و يلعنوننا و نحن بكرامات الله مغمورون، و بصلوات الله و صلوات ملائكته المقربين علينا عن صلواتهم علينا مستغنون.

ثم قال عليه السلام: قيل لأميرالمؤمنين عليه السلام من خير خلق الله من بعد أئمة الهدي عليهم السلام و مصابيح الدجي؟ قال: العلماء اذا أصلحوا.

قيل: فمن شرار خلق الله بعد ابليس و فرعون و نمرود و بعد المتسمين بأسمائكم و المتلقبين بألقابكم، و الآخذين لأمكنتكم، و المتآمرين في ممالككم؟.

فقال: العلماء اذا فسدوا و هم المظهرون الأباطيل، الكاتمون للحقائق، و فيهم قال الله عزوجل: (أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون الا الذين تابوا) الآية.

و في كتاب التفسير المنسوب الي الامام أبي محمد العسكري عليه السلام يرويه الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه رحمه الله عن محمد بن القاسم المفسر الاسترآبادي الخطيب عن أبي يعقوب يوسف بن محمد بن زياد، و أبي الحسن علي بن محمد بن سيار، و كانا من الشيعة الامامية، ان أبامحمد العسكري عليه السلام قال في قوله عزوجل: (ختم الله علي قلوبهم و علي سمعهم و علي أبصارهم غشاوة و لهم عذاب عظيم) أي و سمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته اذا نظروا اليها بأنهم الذين لا يؤمنون و علي سمعهم كذلك بسمات و علي أبصارهم غشاوة و ذلك أنهم لما أعرضوا عن النظر فيما كلفوه و قصروا فيما أريد منهم و جهلوا ما لزمهم الايمان به فصاروا كمن علي عينه غطاء



[ صفحه 201]



لا يبصر ما أمامه، فان الله عزوجل يتعالي عن العبث و الفساد، و مطالبته العباد بما قد منعهم بالقهر منه، فلا يأمرهم بمغالبته، و لا بالمصير الي ما قد صدهم بالعجز عنه.

ثم قال: و لهم عذاب عظيم، يعني في الآخرة العذاب المعد للكافرين و في الدنيا أيضا يريد أن يستصلحه بما ينزل به من عذاب الاستصلاح لينبهه لطاعته أو من عذاب الاصطلاح ليصيره الي عدله و حكمته.

و بهذا الاسناد عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهماالسلام أنه قال في تفسير قوله تعالي: (الذي جعل لكم الأرض فراشا) جعلها ملائمة لطبائعكم موافقة لأجسادكم، لم يجعلها شديدة الحمي و الحرارة فتحرقكم، و لا شديدة البرد و البرودة فتجمدكم، و لا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم، و لا شديدة النتن فتعطبكم، و لا شديدة اللبن كالماء فتغرقكم، و لا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في حروثكم و أبنيتكم، و دفن موتاكم ولكنه جعل فيها من المناعة ما تنتفعون به و تتماسكون و تتماسك عليها أبدانكم و بينانكم و جعل فيها من اللين ما تنقاد به لحروثكم و بينانكم و قبوركم و كثير من منافعكم، فكذلك جعل الأرض فراشا لكم، و السماء بناء سقفا من فوقكم، محفوظا يدير فيها شمسها و قمرها و نجومها لمنافعكم، ثم قال: و أنزل من السماء ماء يعني المطر ينزله من علو ليبلغ قلل جبالكم و تلالكم و هضابكم و أوهادكم، ثم فرقه رذاذا و وابلا و هطلا و طلا لتنشقه أراضيكم و لم يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة فتقد أراضيكم و أشجاركم و زروعكم و ثماركم ثم قال: فاخرج به من الثمرات رزقا لكم يعني مما يخرجه من الأرض رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا أشباها و أمثالا من الأصنام التي لا تعقل و لا تسمع و لا تبصر و لا تقدر علي شي ء و أنتم تعلمون أنها لا تقدر علي شي ء من هذه النعم الجليلة التي أنعمها علكيم ربكم.



[ صفحه 202]



و بالاسناد المقدم ذكره عن أبي يعقوب يوسف بن محمد بن زياد و أبي الحسن علي بن محمد بن سيار أنهما قالا: قلنا للحسن أبي القائم عليهماالسلام: ان قوما عندنا يزعمون أن هاروت و ماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم، فأنزلهما الله مع ثالث لهما الي الدنيا، و أنهما افتتنا بالزهرة، و أرادا الزنابها، و شربا الخمر، و قتلا النفس المحرمة، و أن الله يعذبهما ببابل، و أن السحرة منهما يتعلمون السحر، و أن الله مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزهرة.

فقال الامام عليه السلام: معاذ الله من ذلك، ان ملائكة الله معصومون من الخطأ، محفوظون من الكفر و القبائح بالطاف الله تعالي، فقال عزوجل فيهم: «لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون»، و قال تعالي: «و له من في السموات و الأرض و من عنده» يعني الملائكة لا يستكبرون عن عبادته و لا يستحسرون يسبحون الليل و النهار، لا يفترون. و قال في الملائكة: «بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون» الي قوله: «مشفقون»، ثم قال: لو كان كما يقولون كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاء علي الأرض، و كانوا كالأنبياء في الدنيا و كالأئمة، أفيكون من الأنبياء و الأئمة قتل النفس و شرب الخمر و الزنا، ثم قال عليه السلام: أو لست تعلم أن الله لم يخل الدنيا قط من نبي أو امام من البشر أو ليس الله تعالي يقول: «و ما أرسلنا قبلك» يعني الي الخلق «الا رجالا يوحي اليهم من أهل القري» فأخبر أنه لم يبعث الملائكة الي الأرض ليكونوا أئمة و حكاما، و انما أرسلوا الي أنبياء الله.

قالا: قلنا له عليه السلام: فعلي هذا لم يكن ابليس أيضا ملكا، فقال عليه السلام: لابل كان من الجن، أما تسمعان الله تعالي يقول: «و اذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس كان من الجن» فأخبر أنه كان من الجن، و هو الذي قال الله تعالي: «و الجان خلقناه من قبل من نار السموم».



[ صفحه 203]



فقال الامام: حدثني أبي عن جدي عن الرضا عن آبائه عن علي عليهم السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن الله اختارنا معاشر آل محمد و اختار النبيين و اختار الملائكة المقربين، و ما اختارهم الا علي علم منه تعالي بهم أنهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته، و ينقطعون به عن عصمته، و ينضمون به الي المستحقين لعذابه و نقمته.

قالا: فقلنا له: فقد روي لنا أن عليا عليه السلام لما نص عليه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بالامامة عرض الله في السموات ولايته علي فئام و قئام من الملائكة فأبوهما فمسخهم الله ضفادع، فقال: معاذ الله هؤلاء المكذبون علينا الملائكة هم رسل الله، فهم كسائر أنبياء الله الي الخلق، أفيكون منهم الكفر بالله، و قلنا لا. قال: فكذلك الملائكة ان شأن الملائكة عظيم و ان خطبهم جليل.

و في البحار عن المناقب عن أبي القاسم الكوفي في كتاب التبديل: أن اسحاق الكندي كان فليسوف العراق في زمانه، أخذ في تأليف تناقض القرآن و شغل نفسه بذلك، و تفرد به في منزله، و أن بعض تلامذته دخل يوما علي الامام الحسن العسكري عليه السلام، فقال له أبومحمد عليه السلام: أما فيكم رجل رشيد يردع استاذكم الكندي عما أخذ فيه من تشاغله بالقرآن.

فقال التلميذ: نحن من تلامذته كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره؟.

فقال له أبومحمد: أتؤدي اليه ما ألقيه اليك. قال: نعم، قال: فسر اليه و تلطف في مؤانسته و معونته علي ما هو بسبيله، فاذا وقعت المؤانسة في ذلك فقل: قد حضرتني مسألة أسألك عنها فانه يستدعي ذلك منك، فقل له: ان أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلم به منه غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت اليها فانه سيقول انه من الجائز لأنه رجل يفهم اذا سمع، فاذا



[ صفحه 204]



أوجب ذلك فقل له فما يدريك لعله قد أراد غير الذي ذهبت اليه، فتكون واضعا لغير معانيه فصار الرجل الي الكندي و تلطف الي أن ألقي عليه هذه المسألة فقال له: أعد علي فأعاد عليه، فتفكر في نفسه و رأي ذلك محتملا في اللغة و سائغا في النظر.

و في تفسير الامام عليه السلام بالاسناد الذي تكرر ذكره عن أبي يعقوب يوسف بن محمد بن زياد و أبي الحسن علي بن محمد بن سيار أنهما قالا: حضرنا عند الحسن بن علي أبي القائم عليهم السلام فقال له بعض أصحابه: جاءني رجل من اخواننا الشيعة قد امتحن بجهالة العامة يمتحنون في الامامة و يحلفونه، و قال: كيف نصنع حتي نتخلص منهم؟ فقلت له: كيف يقولون؟ فقال: يقولون لي أتقول ان فلانا هو الامام بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلا بد لي من أن أقول نعم، والا أثخنوني ضربا. فاذا قلت: نعم قالوا لي: قل والله، فقلت لهم: نعم و أريد به نعما من الابل و البقر و الغنم، قلت: فاذا قالوا والله فقل ولي أي ولي تريد عن أمر كذا فانهم لا يميزون، و قد سلمت. فقال لي: فان حققوا علي و قالوا قل والله و بين الهاء، فقلت: قل والله برفع الهاء فانه لا يكون يمينا اذا لم تخفض الهاء فذهب ثم رجع الي فقال: عرضوا علي و حلفوني و قلت كما لقتنتي، فقال له الحسن عليه السلام: أنت كما قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: الدال علي الخير كفاعله، لقد كتب الله لصاحبك تقية بعدد كل حرف ممن استعمل التقية من شيعتنا و موالينا و محبينا حسنة و بعدد كل من ترك التقية منهم حسنة أدناها حسنة لو قوبل بها ذنوب مائة سنة لغفرت ذلك، و لك بارشادك اياه مثل ماله.

و روي ثقة الاسلام في أصول الكافي عن سهل بن زياد قال: كتبت الي أبي محمد عليه السلام سنة خمس و خمسين و مائتين قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد منهم من يقول هو جسم و منهم من يقول صورة فان رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه و لا أجوزه فعلت متطولا علي عبدك.



[ صفحه 205]



فوقع بخطه عليه السلام: سألت عن التوحيد و هذا عنكم معزول، الله واحد أحد، لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد، خالق و ليس بمخلوق، يخلق تبارك و تعالي ما يشاء من الأجسام و غير ذلك و ليس بجسم، و يصور ما يشاء و ليس بصورة، جل ثناؤه و تقدست أسماؤه أن يكون له شبه هو لا غيره، ليس كمثله شي ء و هو السميع البصير.

و روي فيه أيضا عن محمد بن أبي عبدالله عن علي بن أبي القاسم، عن يعقوب بن اسحاق قال: كتبت الي أبي محمد عليه السلام أسأله كيف يعبد العبد ربه و هو لا يراه، فوقع عليه السلام: يا أبايوسف جل سيدي و مولاي و المنعم علي و علي آبائي أن يري. قال: و سألته هل رأي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ربه، فوقع عليه السلام ان الله تبارك و تعالي أري رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحبه.

و رواه الصدوق قدس سره في كتاب التوحيد عن علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، عن محمد بن أبي عبدالله الكوفي و الذي قبله عن أحمد بن محمد بن يحيي العطار، عن أبيه، عن سهل بن زياد مثله.

و روي الشيخ الفاضل حسن بن سليمان بن محمد الحلي تلميذ الشهيد رحمهما الله في كتاب منتخب البصائر من كتاب أبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني باسناده الي أبي هاشم قال: كنت عند أبي محمد يعني العسكري عليه السلام فسأله محمد بن صالح الأرمني عن قول الله عزوجل: (و اذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم و أشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي شهدنا علي أنفسنا)، قال أبومحمد عليه السلام؛ ثبتت المعرفة و نسوا الموقف و سينكرونه و لو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه و لا من رازقه.

و روي علي بن عيسي الأربلي في كشف الغمة عن الحافظ عبدالعزيز الجنابذي، عن رجاله قال القاضي أبوعبدالله الحسين بن



[ صفحه 206]



علي بن هارون الضبي املاء قال: وجدت في كتاب والدي: حدثنا جعفر بن محمد بن حمزة العلوي، قال: كتبت الي أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام أسأله لم فرض الله تعالي الصوم؟ فقال عليه السلام: ليجد الغني من الجوع ليحنو علي الفقير.

و روي الصدوق في معاني الأخبار عن محمد بن القاسم الأسترآبادي المعروف أبي الحسن الجرجاني المفسر رضي الله عنه قال: حدثني أبويعقوب يوسف بن محمد بن زياد و أبوالحسن علي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه قال: كذبت قريش و اليهود بالقرآن، و قالوا: سحر مبين تقوله، فقال الله تعالي: (ألم ذلك الكتاب) أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك هو بالحروف المقطعة التي منها ألف لام ميم، و هو بلغتكم و حروف الهجاء لكم، (فأتوا بمثله ان كنتم صادقين) و استعينوا علي ذلك بسائر شهدائكم، ثم بين أنهم لا يقدرون عليه بقوله: (قل لئن اجتمعت الانس و الجن علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا)، ثم قال الله تعالي: «ألم» هو القرآن الذي افتتح بألم، هو ذلك الكتاب الذي أخبرت به موسي، و من بعده من الأنبياء، فأخبروا بني اسرائيل أني سأنزل عليك يا محمد كتابا عربيا عزيزا لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد لا ريب فيه و لا شك فيه لظهوره عندهم كما أخبره به أنبياءهم أن محمدا ينزل عليه كتاب لا يمحوه الباطل، يقرأ هو و أمته علي سائر أحوالهم، هدي بيان من الضلالة للمتقين، الذين يتقون الموبقات و يتقون تسليط السفه علي أنفسهم حتي اذا علموا ما يجب عليهم علمه علموا بما يوجب لهم رضاء ربهم.

قال عليه السلام: و قال الصادق عليه السلام، ثم الألف حرف من حروف قولك الله، دل بالألف علي قولك الله، و دل باللام علي قولك الملك



[ صفحه 207]



العظيم القاهر للخلق أجمعين، و دل بالميم علي أنه المجيد المحمود في كل فعاله، و جعل هذا القول حجة علي اليهود، و ذلك أنه الله تعالي لما بعث موسي بن عمران ثم من بعده من الأنبياء الي بني اسرائيل لم يكن فيهم قوم الا أخذوا عليهم العهود و المواثيق ليؤمنن بمحمد العربي الأمي المبعوث بمكة، الذي يهاجر الي المدينة، يأتي بكتاب بالحروف المقطعة، افتتاح بعض سوره يحفظه الله فيقر أونه قياما و قعودا و مشاة و علي كل حال من الأحوال يسهل الله عزوجل حفظه عليهم، و يقرنون بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم أخاه و وصيه علي بن أبي طالب عليه السلام الآخذ عنه علومه التي علمها، و المتقلد عنه التي قلدها و مذلل كل من عاند محمدا صلي الله عليه و آله و سلم بسيفه الباتر و يفحم كل من جادله و خاصمه بدليله القاهر، يقاتل عباد الله علي تنزيل كتاب الله حتي يقودهم الي قبوله طائعين و كارهين.

ثم اذا صار محمد صلي الله عليه و آله و سلم الي رضوان الله عزوجل و ارتد كثير من كان أطاع و أعطاه ظاهر الايمان و حرفوا تأويلاته و غيروا معانيه و وضعوها علي خلاف وجوهها قاتلهم بعد تأويله حتي يكون ابليس الغاوي لهم هو الخاسر الذليل المطرود و المغلول.

قال: فلما بعث الله محمدا صلي الله عليه و آله و سلم و أظهره بمكة ثم سيره منها الي المدينة و أظهره بها ثم أنزل عليه الكتاب و جعل افتتاح سورته الكبري بألم يعني ألم ذلك الكتاب، و هو ذلك الكتاب الذي أخبرت به أنبيائي السالفين أني سأنزله عليك يا محمد لا ريب فيه، فقد ظهر كما أخبرهم به أنبيائهم أن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم ينزل عليه كتاب مبارك لا يمحوه الباطل، يقرؤه هو و أمته علي سائر أحوالهم، ثم اليهود يحرفونه عن جهته و يتأولونه علي غير وجهه و يتعاطون التوصل الي علم ما قد طواه الله عنهم من حال آجال هذه الأمة، و كم مدة ملكهم، فجاء الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم منهم جماعة فولي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليا عليه السلام مخاطبتهم، فقال قائلهم: ان كان ما يقول محمد حقا لقد علمناكم قدر ملك أمته هو



[ صفحه 208]



احدي و سبعون سنة الألف واحد و اللام ثلاثون و الميم أربعون.

فقال علي عليه السلام: فما تصنعون ب (ألمص)، و قد أنزلت عليه، قالوا: هذه احدي و ستون و مائة سنة، قال: فما تصنعون بالراء و قد أنزلت عليه؟ فقالوا: هذه أكثر من هذه مائتان و احدي و ثلاثون سنة، فقال علي عليه السلام: فما تصنعون بما أنزل اليه (ألمر) قالوا: هذه مائتان و احدي و سبعون سنة، فقال علي عليه السلام: فواحدة من هذه له أو جميعها له؟ فاختلط كلامهم فبعضهم قال له واحدة منها، و بعضهم قال بل يجمع له كلها، و ذلك سبعمائه و أربع سنين، ثم يرجع الملك الينا يعني الي اليهود.

فقال علي عليه السلام: أكتاب من كتب الله نطق بهذا أم آرائكم دلتكم عليه؟ فقال بعضهم: كتاب الله نطق به، و قال آخرون: بل آراؤنا دلت عليه.

فقال علي عليه السلام: فأتوا بالكتاب من عند الله ينطق بما تقولون فعجزوا عن ايراد ذلك، و قال الآخرين: فدلونا علي صواب هذا الرأي، فقالوا: صواب رأينا دليله أن هذا حساب الجمل.

فقال علي عليه السلام: كيف دل علي ما تقول، و ليس في هذه الحروف الا ما اقترحتم بلا بيان، أرأيتم ان قيل لكم ان هذه الحروف ليست دالة علي هذه المدة لملك أمة محمد صلي الله عليه و آله و سلم، ولكنها دالة علي أن كل واحد منكم قد لعن بعدد هذا الحساب، أو أن عدد ذلك لكل واحد منكم و منا بعدد هذا الحساب دراهم أو دنانيز أو أن علي كل واحد منكم دين عدد ماله مثل عدد هذا الحساب.

فقالوا: يا أباالحسن ليس شي ء مما ذكرته منصوص عليه في ألم و ألمص و ألر و ألمر.

فقال علي عليه السلام: و لا شي ء مما ذكرتموه منصوصا عليه شي ء في ألم و ألمص و ألر و ألمر فان بطل قولنا لما قلنا بطل قولك لما قلت،



[ صفحه 209]



فقال خطيبهم و منطيقهم لا تفرح يا علي بأن عجزنا عن اقامة حجة فيما نقول علي دعوانا، فأي حجة لك علي دعواك الا أن تجعل عجزنا حجتك، فاذا ما لنا حجة فيما نقول و لا لكم حجة فيما تقولون.

قال علي عليه السلام: لا سواء ان لنا حجة هي المعجزة الباهرة، ثم نادي جمال اليهود يا أيها الجمال أشهد لمحمد و لوصيه فبادره الجمال صدقت صدقت يا وصي محمد، و كذب هؤلاء اليهود.

فقال علي عليه السلام: هؤلاء جنس من الشهود يا ثياب اليهود التي عليهم اشهدي لمحمد و لوصيه، فنطقت ثيابهم كلها صدقت صدقت يا علي نشهد أن محمدا رسول الله حقا، و أنك ياعلي وصيه حقا، لم يثبت محمد قدما في مكرمة الا وصليت علي موضع قدمه بمثل مكرمته، فأنتما شقيقان من أشرف أنوار الله تعالي تميزهما اثنين، و أنتما في الفضائل شريكان، الا انه الا نبي بعد محمد صلي الله عليه و آله و سلم.

فعند ذلك خرت اليهود و آمن بعض النظارة منهم برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و غلب الشقاء علي اليهود و سائر النظارة الآخرين، فذلك ما قال الله لا ريب فيه، انه كما قال محمد و وصي محمد عن قول محمد، عن قول رب العالمين.

ثم قال: هدي بيان و شفاء للمتقين من شيعة محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي عليه السلام أنهم اتقوا أنواع الكفر فتركوها، و اتقوا الذنوب الموبقات فرفضوها، و اتقوا اظهار أسرار الله تعالي و أسرار أذكياء عباده و الأوصياء بعد محمد صلي الله عليه و آله و سلم فكتموها، و اتقوا ستر العلوم عن أهلها المستحقين لها و فيهم نشروها.

و في تفسير الامام بهذا الاسناد مثله.

و روي الصدوق قدس الله روحه في كتاب معاني الأخبار بالاسناد المقدم ذكره عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن



[ صفحه 210]



جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام في قول الله تعالي: (اهدنا الصراط المستقيم).

قال: أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ماضي أيامنا حتي نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا، و الصراط المستقيم هو صراطان صراط في الدنيا و صراط في الآخرة.

فأما الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلو و ارتفع عن التقصير، و استقام فلم يعدل الي شي ء من الباطل.

و أما الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين الي الجنة الذي هو مستقيم لا يعدلون عن الجنة الي النار و لا الي غير النار سوي الجنة.

قال: و قال جعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام في قوله عزوجل: (اهدنا الصراط المستقيم) قال: يقول أرشدنا الي الصراط المستقيم، أرشدنا للزوم الطريق المؤدي الي محبتك، و المبلغ الي دينك، و المانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب أو نأخذ بآرائنا فنهلك.

ثم قال عليه السلام: فان من ابتع هواه و أعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء العامة تعظمه و تصفه فأحببت لقائه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره و محله، فرأيته قد أحدق به خلق كثير من غثار العامة، فوقفت منتبذا عنهم متغشيا بلثام انظر اليه و اليهم، فما زال يراوغهم حتي خالف طريقهم و فارقهم، و لم يقر فتفرقت عنه العوام لحوائجهم، و تبعته أقتفي أثره، فلم يلبث أن مر بخباز فتغفله فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة فتعجبت منه ثم قلت في نفسي لعله معامله، ثم مر بعده بصاحب رمان فما زال به حتي تغفله، فأخذ من عنده رمانتين مسارقة فتعجبت منه.

ثم قلت في نفسي معامله، ثم أقول: و ما حاجته اذا الي المسارقة، ثم لم أزل أتبعه حتي مر مريض فوضع الرغيفين و الرمانتين بين يديه و مضي، و تبعته حتي استقر في بقعة من الصحراء، فقلت له:



[ صفحه 211]



يا عبدالله لقد سمعت بك و أحببت لقائك، فلقيتك ولكني رأيت منك ما شغل قلبي، و اني أسألك عنه ليزول به شغل قلبي.

قال: ما هو؟ قلت: رأيتك مررت بخباز و سرقت منه رغيفين، ثم بصاحب الرمان و شرقت منه رمانتين.

قال: فقال لي قبل كل شي ء حدثني من أنت؟ قلت: رجل من ولد آدم من أمة محمد صلي الله عليه و آله و سلم، قال: حدثني ممن أنت؟ قلت: رجل من أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قال: أين بلدك؟ قلت: المدينة، قال: لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام؟ قلت: بلي، فقال لي: فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به و تركك علم جدك و أبيك لئلا تنكر ما يجب أن يحمد و يمدح عليه فاعله.

قلت: و ما هو؟ قال: القرآن كتاب لله، قلت: و ما الذي جهلت منه؟ قال: قول الله تعالي: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها و من جاء بالسيئة فلا يجزي الا مثلها) و اني لما سرقت الرغيفين كانتا سيئتين، و لما سرقت الرمانتين كانتا سيئتين فهذه أربع سيئات، فلما تصدقت بكل واحد منها كان لي بها أربعين حسنة، فانتقص من اربعين حسنة أربع بالأربع سيئات بقي لي ست و ثلاثون حسنة. قلت: ثكلتك أمك أنت الجاهل بكتاب الله أما سمعت الله يقول: (انما يتقبل الله من المتقين) انك لما سرقت رغيفين كانتا سيئتين، و لما سرقت الرمانتين كانتا أيضا سيئتين و لما دفعتهما الي غير صاحبهما بغير أمر صاحبهما كنت انما أضفت أربع سيئات الي أربع سيئات و لم تضف أربعين حسنة الي أربع سيئات، فجعل يلاحظني فانصرفت و تركته.

قال الصادق عليه السلام: بمثل هذا التأويل القبيح المستكره يضلون و يضلون، و هذا نحو تأويل معاوية لما قتل عمار بن ياسر، فارتعدت فرائص خلق كثير و قالوا: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: عمار تقتله الفئة



[ صفحه 212]



الباغية، فدخل عمرو علي معاوية و قال: يا أميرالمؤمنين قد هاج الناس و اضطربوا، قال: لماذا؟ قال: قتل عمار، فقال معاوية: قتل عمار، فماذا؟، قال: أليس قد قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عمار تقتله الفئة الباغية، فقال له معاوية: رخصت في قولك أنحن قتلناه انما قتله علي بن أبي طالب لما ألقاه بين رماحنا، فاتصل ذلك بعلي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: اذا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قتل حمزة لما ألقاه بين رماح المشركين.

ثم قال الصادق عليه السلام: طوبي للذين هم كما قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين.

و روي فيه أيضا بالاسناد الذي مضي ذكره عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام في قول الله عزوجل: (صراط الذين أنعمت عليهم) أي قولوا أهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك و طاعتك، و هم الذين قال الله عزوجل: (و من يطع الله و الرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا).

و حكي هذا بعينه عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال: ثم قال هؤلاء المنعم عليهم بالمال و صحة البدن، و ان كان كل هذا نعمة من الله ظاهرة ألا ترون أن هؤلاء قد يكونون كفارا و فساقا، فما ندبتم الي أن تدعوا بأن ترشدوا الي صراطهم، و انما أمرتم بالدعاء بأن ترشدوا الي صراط الذين أنعم عليهم بالايمان بالله و تصديق رسوله، و بالولاية لمحمد و آله الطيبين و أصحابه الخيرين المنتجبين و بالتقية الحسنة التي يسلم بها من شر عباد الله و من الزيادة في آثام أعداء الله و كفرهم بأن تداريهم و لا تغريهم بأذاك و أذي المؤمنين، و بالمعرفة بحقوق الاخوان من المؤمنين، فانه ما من عبد و لا أمة والي محمد و آل محمد، و عادي



[ صفحه 213]



من عاداهم الا كان قد اتخذ من عذاب الله حصنا معينا، و جنة حصينة، و ما من عبد و لا أمة داري عباد الله فأحسن المداراة فلم يدخل بها في باطل و لم يخرج بها من حق الا جعل الله عزوجل نفسه تسبيحا و زكي عمله و أعطاه الله بصيرة علي كتمان سرنا و احتمال الغيظ ما يسمعه من أعدائنا ثواب المتشحط بدمه في سبيل الله و ما من عبد أخذ نفسه بحقوق اخوانه فوفاهم حقوقهم جهده و أعطاهم ممكنه و رضي عنهم بعفوهم و ترك الاستقصاء عليهم فيما يكون من زللهم و اغتفرها لهم، الا قال الله تعالي له يوم يلقاه: يا عبدي قضيت حق اخوانك و لم تستقص عليهم فيما لك عليهم، فأنا أجود و أكرم و أولي بمثل ما فعلته من المسامحة و الكرم، فأنا أقضيك اليوم علي حق وعدتك به، و أزيدك من فضلي الواسع، و لا أستقصي عليك في تقصيرك في بعض حقوقي. قال: فيلحقهم بمحمد و آله و يجعله في خيار شيعتهم (الخبر).

و في تفسير الامام عليه السلام بالاسناد الذي تكرر عن أبي يعقوب يوسف بن محمد بن زياد و أبوالحسن علي بن محمد بن سيار أيضا أنهما قالا: اجتمع قوم من الموالي و المحبين لآل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بحضرة الحسن بن علي العسكري عليهماالسلام فقالوا: يابن رسول الله ان لنا جارا من النصاب يؤذينا و يحتج علينا في تفضيل الأول و الثاني و الثالث علي أميرالمؤمنين عليه السلام، و يردد علينا حججا لا ندري كيف الجواب عنها و الخروج منها.

فقال الحسن عليه السلام: أنا أبعث اليكم من يفحمه عنكم و يصغر شأنه لديكم، فدعا عليه السلام برجل من تلامذته و قال: مر بهؤلاء اذا كانوا مجتمعين يتكلمون فتسمع فسيستدعون منك الكلام فتكلم و افحم صاحبهم و اكسر عزته و قل حدته، و لا تبق له باقية.

فذهب الرجل و حضر الموضع و حضروا، فكلم الرجل فافحمه و صيره لا يدري في السماء هو أو في الأرض، قالوا: و وقع علينا من الفرح و السرور ما لا يعلمه الا الله تعالي، و علي الرجل و المتعصبين له



[ صفحه 214]



من الحزن و الغم مثل ما لحقنا من السرور.

فلما رجعنا الي الامام عليه السلام قال لنا: ان الذي في السموات من الفرح و الطرب بكسر هذا العدو لله كان أكثر مما كان بحضرتكم و الذي كان بحضرة ابليس و عتاة مردته من الشياطين من الحزن و الغم أشد مما كان بحضرتهم و لقد صلي علي هذا الكاسر له ملائكة السماء و الحجب و الكرسي و قابلها الله بالاجابة و أكرم ايابه و عظم ثوابه و لقد لعنت تلك الأملاك عدو الله المكسور و قابلها الله بالاجابة فشدد حسابه و أطال عذابه.

و فيه أيضا بالاسناد المتقدم ذكره عنهما أيضا قالا: حضرنا ليلة علي غرفة الحسن بن علي بن محمد عليهماالسلام و كان ملك الزمان له معظما و حاشيته له مبجلين اذ مر علينا والي البلد و الي الجسرين و معه رجل مكتوف و الحسن بن علي عليهماالسلام مشرف في روزنته، فلما رآه الوالي ترجل عن دابته اجلالا له فقال له الحسن بن علي عليهماالسلام: عد الي موضعك فعاد و هو معظم له، و قال: يابن رسول الله أخذت هذا في هذه الليلة علي باب حانوت صيرفي فاتهمته بأنه يريد أن ينقبه و يسرق منه فقبضت عليه، فلما هممت أن أضربه خمسمائة و هذه سبيلي فيمن اتهمه ممن آخذه ليكون قد ينقي ببعض ذنوبه قبل أن يأتيني و يسألني فيه من لا أطيق مدافعته، فقال لي: اتق الله و لا تتعرض لسخط الله فاني من شيعة علي بن ابي طالب و شيعة هذا الامام القائم بأمر الله فكففت عنه و قلت أنا مار بك عليه فان عرفك بالتشيع أطلقت عنك و الا قطعت يدك و رجلك بعد أن أجلدك ألف سوط، و قد جئتك به يابن رسول الله فهل هو من شيعة علي عليه السلام كما ادعي؟.

فقال الحسن بن علي عليهماالسلام: معاذ الله ما هذا من شيعة علي عليه السلام، و انما ابتلاه الله في يدك لاعتقاده في نفسه أنه من شيعة علي عليه السلام.



[ صفحه 215]



فقال الوالي: الآن كفيتني مؤنته أن أضربه خمسمائة ضربة لا حرج علي فيها، فلما نحاه بعيدا قال: ابطحوه فبطحوه و أقام عليه جلادين واحد عن يمينه و آخر عن شماله، فقال: أوجعاه فأهويا اليه بعصيهما فكانا لا يصيبان استه شيئا انما يصيب الأرض فضجر من ذلك و قال: ويلكما تضربان الأرض اضربا استه، فذهب يضربان استه فعدلت أيديهما فجعلا يضرب بعضهما بعضا و يصيح و يتأوه، فقال: و يحكما أمجنونان أنتما يضرب بعضكما بعضا اضربا الرجل، فقالا: ما نضرب الا الرجل و ما نقصد سواه، ولكن تعدل أيدينا حتي نضرب بعضنا بعضا، فقال: يا فلان و يا فلان حتي دعا أربعة و صاروا مع الأولين ستة و قال: أحيطوا به فأحاطوا به فكانت تعدل بأيديهم و ترفع عصيهم الي فوق، فكانت لا تقع الا بالوالي فسقط عن دابته و قال: قتلتموني قتلكم الله ما هذا؟ فقالوا: ما ضربنا الا اياه، ثم قال لغيرهم: تعالوا فاضربوا هذا، فجاؤا فضربوه بعد فقال: ويلكم اياي تضربون! قالوا: لا والله لا نضرب الا الرجل. قال الوالي: فمن أين لي هذه الشجات برأسي و وجهي و بدني اذا لم تكونوا تضربوني؟ فقالوا: شلت أيماننا ان كنا قد قصدناك بضرب، فقال الرجل للوالي: يا عبدالله أما تعتبر بهذه الألطاف التي تصرف عني هذا الضرب ويلكم ردوني الي الامام و أمتثل في أمره، قالا: فرده الوالي بعد بين يدي الحسن بن علي عليهماالسلام.

فقال: يابن رسول الله عجبا لهذا أنكرت أن يكون من شيعتكم و من لم يكن من شيعتكم فهو من شيعة ابليس و هو في النار و قد رأيت له من المعجزات ما لا يكون الا للأنبياء. فقال الحسن بن علي عليهماالسلام: قل أو للأوصياء، فقال: أو للأوصياء.

فقال الحسن بن علي عليهماالسلام للوالي: يا عبدالله انه كذب في دعواه أنه من شيعتنا كذبة لو عرفها، ثم تعمدها لابتلي بجميع عذابك له و لبقي في المطبق ثلاثين سنة، ولكن الله رحمه لاطلاق كلمته علي ما



[ صفحه 216]



عني لا علي تعمد كذب، و أنت يا عبدالله فاعلم أن الله عزوجل قد خلصه من يديك خل عنه فانه من موالينا و محبينا و ليس من شيعتنا.

فقال الوالي: ما كان هذا كله عندنا الا سواء فما الفرق؟.

قال له الامام عليه السلام: الفرق أن شيعتنا هم الذين يتبعون آثارنا و يطيعوننا في جميع أوامرنا و نواهينا، فأولئك من شيعتنا، فأما من خالفنا في كثير مما فرض الله فليسوا من شيعتنا.

ثم قال الامام عليه السلام للوالي: و أنت فقد كذبت كذبة لو تعمدتها و كذبتها لا بتلاك الله بضرب ألف سوط و سجن ثلاثين سنة في المطبق. قال: و ما هي يابن رسول الله؟ قال عليه السلام: بزعمك أنك رأيت له معجزات انما المعجزات ليست له انما هي لنا أظهرها الله تعالي فيه آياته لحجتنا و أيضا لجلالتنا و شرفنا، و لو قلت شاهدت فيه المعجزات لم أنكره عليك أليس احياء عيسي عليه السلام الميت معجزة، أفهي للميت أم لعيسي، أو ليس خلق باذن الله من الطين كهيئة الطير فطار طيرا باذن الله، أهي للطائر أو لعيسي، أو ليس الذين جعلوا قردة خاسئين معجزات أفهي معجزة للقردة أو لنبي ذلك الزمان؟.

فقال الوالي: أستغفر الله و أتوب اليه.

ثم قال الحسن بن علي عليهماالسلام للرجل الذي قال انه من شيعة علي عليه السلام: يا عبدالله لست من شيعة علي عليه السلام، انما أنت من محبيه، و انما من شيعة علي عليه السلام الذين قال الله فيهم: (و الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون).

هم الذين آمنوا بالله و وصفوه بصفاته و نزهوه عن خلاف صفاته، و صدقوا محمدا صلي الله عليه و آله و سلم في أقواله، و صوبوه في كل أفعاله، و رأوا عليا بعده سيدا اماما، وقر ما قرهما لا يعدله من أمة محمد أحد، و لا كلهم اذا جمعوا في كفة يوزنون بوزنه، بل يرجح عليهم كما ترجح السماء و الأرض علي الذرة و شيعة علي عليه السلام هم الذين لا يبالون في سبيل الله



[ صفحه 217]



أوقع الموت عليهم أو وقعوا علي الموت و شيعة علي عليه السلام هم الذين يؤثرون اخوانهم علي أنفسهم و لو كان بهم خصاصة و هم الذين لا يراهم الله حيث نهاهم، و لا يفقدهم من حيث أمرهم، و شيعة علي عليه السلام هم الذين يقتدون بعلي عليه السلام في اكرام اخوان المؤمنين ما عن قولي أقول لك هذا، بل أقوله عن قول محمد صلي الله عليه و آله و سلم، فذلك قوله تعالي: (و اعملوا الصالحات) قضوا الفرائض كلها بعد التوحيد و اعتقاد النبوة و الامامة و أعظمها فرضا قضاء حقوق الاخوان في الله و استعمال التقية من أعداء الله عزوجل.

و فيه أيضا بالاسناد المتقدم قال الحسن بن علي عليهماالسلام: أعرف الناس بحقوق اخوانه، و أشدهم قضاء لها أعظمهم عند الله شأنا، و من تواضع في الدنيا لاخوانه فهو عند الله من الصديقين، و من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام حقا.

و لقد ورد علي أميرالمؤمنين عليه السلام اخوان له مؤمنان أب و ابن فقام اليهما و أكرمهما و أجلسهما في صدر مجلسه و جلسوا بين أيديهما، ثم أمر بطعام فأحضر، فأكلا منه، ثم جاء قنبر بطشت و ابريق من خشب و منديل لليبس و جاء ليصب علي يد الرجل ماء، فوثب أميرالمؤمنين عليه السلام، فأخذ الابريق ليصب علي يد الرجل فتمرغ الرجل في التراب، و قال: يا أميرالمؤمنين الله يراني و أنت تصب الماء علي يدي.

قال عليه السلام: اقعد واغسل يدك فان الله عزوجل يراك و أخوك الذي لا يتميز منك، و لا ينفصل عنك، يريد بذلك الخدمة في الجنة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا، و علي حسب ذلك في ممالكه فيها، فقعد الرجل.

فقال له علي عليه السلام: أقسمت عليك بعظيم حقي الذي عرفته، و تبجلته، و تواضعك لله حتي جازاك عنه، بأن ندبني لما شرفك به من



[ صفحه 218]



خدمتي لك، لما غسلت يدك مطمئنا كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبرا ففعل الرجل ذلك، فلما فرغ ناول الابريق محمد بن الحنفية و قال: يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت الماء علي يده، ولكن الله عزوجل يأبي أن يسوي بين ابن و أبيه اذا جمعهما في مكان، لكن قد صب الأب علي الأب فليصب الابن علي الابن، فصب محمد بن الحنفية علي الابن. قال الحسن بن علي عليهماالسلام: فمن اتبع عليا عليه السلام علي ذلك فهو الشيعي حقا.

و فيه أيضا بالاسناد المذكور قال الحسن بن علي عليهماالسلام: ان رجلا جاع عياله فخرج يبغي لهم ما يأكلون، فكسب درهما فاشتري به خبزا واداما، فمر برجل و امرأة من قرابات محمد و علي عليهماالسلام، فوجدهما جائعين، فقال: هؤلاء أحق من أقربائي، فأعطاهما اياهما و لم يدر بماذا يحتج في منزله، فجعل يمشي رويدا يتفكر فيما يعتل به عندهم، و يقول لهم ما فعل الدرهم اذ لم يجيئهم بشي ء من الطعام، فاذا برجل يطلبه، فدل عليه، فأوصل اليه كتابا من مصر و خمسمائة دينار في صرة، و قال: هذا بقية مالك حملته اليك من مال ابن عمك مات بمصر و خلف مائة ألف دينار علي تجار مكة و المدينة و عقارا كثيرا و مالا بمصر بأضعاف ذلك، فأخذ الخمسمائة دينار و وسع علي عياله.

و نام ليلته فرأي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و عليا عليه السلام في منامه، و قالا له: كيف تري اغنائنا لك لما أثرت قرابتنا علي قرابتك ثم لم يبق بالمدينة و لا بمكة مما عليه من المائة ألف دينار الا أتاه محمد و علي عليهماالسلام في منامه و قالا له: أما بكرت بالغداة علي فلان بحقه من ميراث ابن عمه و الا بكرنا عليك بهلاكك و اصطلامك و ازالة نعمك و ابانتك من حشمك، فأصبحوا كلهم و حملوا الي الرجل ما عليهم حتي حصل عنده مائة ألف دينار و ما ترك أحد بمصر ممن له عنده مال الا و أتاه محمد و علي عليهماالسلام في منامه و أمراه أمر تهدد بتعجيل مال الرجل أسرع ما يقدر عليه، و أت محمد و علي عليهماالسلام هذا المؤثر لقرابة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في



[ صفحه 219]



منامه فقالا له: كيف رأيت صنع الله لك قد أمرنا من في مصر أن يعجل اليك مالك، و أمرنا حاكمها بأن يبيع عقارك و أملاكك و يستفتح اليك لتشتري بدلها في المدينة. قال: بلي.

فأتي محمد و علي عليهماالسلام حاكم مصر في منامه، فأمراه ببيع عقاره و يستفتح اليه بثمنه، فحمل اليه من تلك الأثمان بثلاث مائة ألف دينار، فصار أغني من بالمدينة، ثم أتاه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يا عبدالله هذا جزاؤك في الدنيا علي ايثار قرابتي علي قرابتك، و لأعطينك في الآخرة بدل كل حبة من هذا المال في الجنة ألف قصر أصغرها أكبر من الدنيا مغرز ابرة منها خير من الدنيا و ما فيها.

فقال الامام عليه السلام: و اما قوله عزوجل: (و اليتامي) فان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: حث عزوجل علي بر اليتامي لأنقط عنهم عن آبائهم فمن صانهم صانه الله و من أكرمهم أكرمه الله تعالي، و من مسح يده برأس يتيم رفقا به جعل الله له الجنة بكل شعرة مرت تحت يده قصرا أوسع من الدنيا بما فيها، و فيها ما تشتهي الأنفس و تلذ الأعين و هم فيها خالدون.

و قال الامام عليه السلام: و أشد من يتم هذا اليتيم من ينقطع عن امامه لا يقدر علي الوصول اليه و لا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا هذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره، ألا فمن هداه و أرشده و علمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلي، حدثني بذلك أبي عن آبائه عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

و فيه أيضا بالاسناد قال الحسن بن علي عليهماالسلام: يأتي علماء شيعتنا القوامون بضعفاء محبينا و أهل ولايتنا يوم القيامة و الأنوار تسطع من تيجانهم علي رأس كل واحد تاج بها قد انبثت تلك الأنوار في عرصات القيامة و دورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة، فشعاع تيجانهم بنبث فيها



[ صفحه 220]



كلها، فلا يبقي هناك يتيم قد كلفوه، و من ظلمة الجهل قد علموه، و من حيرة التيه قد أخرجوه الا تعلق بشعبة من أنوارهم فرفعتهم الي العلو حتي تحاذي بهم فوق الجنان، ثم تنزلهم علي منازلهم المعدة لهم في جوار استاذيهم و معلمهم و بحضرة أئمتهم الذين كانوا اليهم يدعون، و لا يبقي ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان الا عميت عينه و أصمت أذناه، و أخرس لسانه، و تحول عليه أشد من لهب النيران، فيجلبهم حتي يدفعهم الي الزبانية، فيدعوهم الي سواء الجحيم.

و أما قوله عزوجل: (و المساكين) فهو من سكن الضر و الفقر حركته، ألا فمن و اساهم بحواشي ماله وسع الله عليه جنانه و أناله غفرانه و رضوانه.

قال الامام عليه السلام: و ان من محبي محمد و علي عليهماالسلام مساكين مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقراء، و هم الذين سكنت جوارحهم وضعفت قواهم عن مقابلة أعداء الله، الذين يعيرونهم بدينهم و يسفهون أحلامهم، ألا فمن قواهم بفقهه و علمه حتي أزال مسكنتهم، ثم سلطهم علي الأعداء الظاهرين من النواصب و علي الأعداء الباطنين ابليس و مردته حتي يهزموهم عن دين الله و يذودوهم عن أولياء آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم حول الله تلك المسكنة الي شياطينهم، فأعجزهم عن اضلالهم قضي الله تعالي بذلك قضاء حقا علي لسان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

و فيه أيضا بالاسناد الذي مضي ذكره عن أبي محمد عليه السلام أنه قال في تفسير قوله تعالي: (بلي من كسب سيئة و أحاطت به خطيئة) الآية، السيئة المحيطة و هي التي تخرجه عن حملة دين الله، و تنزعه عن ولاية الله و ترميه في سخط الله الي الشرك بالله والكفر به والكفر بنبوة محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، والكفر بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، كل واحدة من هذه السيئة تحيط به أي تحيط بأعماله فتبطلها و تمحقها، فأولئك الذين علموا هذه السيئة المحيطة أصحاب النار هم فيها خالدون. تم و الحمد لله أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.