بازگشت

دفع شبهة


اقول: قد وقعت داهية عظمي، وفتنة كبري، في سنة ست ومائة بعد الالف من الهجرة في الروضة المنورة بسرمن رأي، وذلك أنه لغلبة الاروام وأجلاف العرب علي سر من رأي، وقلة اعتنائهم، باكرام الروضة المقدسة، وجلاء السادات والاشراف لظلم الاروام [1] عليهم منها وضعوا ليلة من الليالي سراجا داخل الروضة المطهرة في غير المحل المناسب له فوقعت من الفتيلة نار علي بعض الفروش أو الاخشاب ولم يكن أحد في حوالي الروضة فيطفيها.

فاحترقت الفروش والصناديق المقدسة والاخشاب والابواب وصار ذلك فتنة لضعفاء العقول من الشيعة والنصاب من المخالفين جهلا منهم بأن أمثال ذلك لايضر بحال هؤلاء الاجلة الكرام، ولا يقدح في رفعة شأنهم عند الملك العلام، وإنما ذلك غضب علي الناس، ولا يلزم ظهور المعجز في كل وقت، وإنما هو تابع للمصالح الكلية والاسرار في ذلك خفية، وفيه شدة تكليف، افتتان وامتحان للمكلفين وقد وقع مثل ذلك في الروضة المقدسة النبوية بالمدينة أيضا صلوات الله علي مشرفها وآله.



[ صفحه 338]



قال الشيخ الفاضل الكامل السديد يحيي بن سعيد قدس الله روحه في كتاب جامع الشرائع في باب اللعان أنه إذا وقع بالمدينة يستحب أن يكون بمسجدها عند منبره عليه السلام.

ثم قال: وفي هذه السنة وهي سنة أربع وخمسين وست مائة في شهر رمضان احترق المنبر وسقوف المسجد ثم عمل بدل المنبر.

وقال صاحب كتاب عيون التواريخ من أفاضل المخالفين في وقايع السنة الرابع والخمسين والستمائة: وفي ليلة الجمعة أول ليلة من شهر رمضان احترق مسجد رسول الله صلي الله عليه وآله في المدينة، وكان ابتداء حريقه من زاوية الغربية من الشمال، وكان أحد القومة قد دخل خزانة ومعه نار فعلقت في بعض الالات، ثم اتصلت بالسقف بسرعة، ثم دبت في السقوف آخذة مقبلة فأعجلت الناس عن قطعها.

فما كان إلا ساعة حتي احترق سقوف المسجد أجمع، ووقع بعض أساطينه وذاب رصاصها، وكل ذلك قبل أن ينام الناس، واحتراق سقف الحجرة النبوية علي ساكنها أفضل الصلاة والسلام، ووقع ما وقع منه بالحجرة، وبقي علي حاله، وأصبح الناس يوم الجمعة فعزلوا موضع الصلاة انتهي.

والقرامطة هدموا الكعبة، ونقلوا الحجر الاسود، ونصبوها في مسجد الكوفة وفي كل ذلك لم تظهر معجزة في تلك الحال، ولم يمنعوا من ذلك علي الاستعجال، بل ترتب علي كل منها آثار غضب الله تعالي في البلاد والعباد بعدها بزمان، كما أن في هذا الاحتراق ظهرت آثار سخط الله علي المخالفين في تلك البلاد، فاستولي الاعراب علي الروم وأخذوا منهم أكثر البلاد، وقتلوا منهم جما غفيرا وجمعا كثيرا، وتزداد في كل يوم نائرة الفتنة.

والنهب والغارة، في تلك الناحية، اشتعالا وقد استولي الافرنج علي سلطانهم مرارا وقتلوا منهم خلقا كثيرا وكل هذه الامور من آثار مساهلتهم في امور الدين.

وقلة اعتنائهم بشأن أئمة الدين سلام الله عليهم أجمعين.



[ صفحه 339]



وكفي شاهدا لما ذكرنا من أن هذه الامور من آثار غضب الله تعالي استيلاء بخت نصر علي بيت المقدس، وتخريبه إياه، وهتك حرمته له، مع أنه كان من أبنية الانبياء والاوصياء عليهم السلام، وأعظم معابدهم ومساجدهم، وقبلتهم في صلاتهم وقتل آلافا من أصفياء بني إسرائيل، وصلحائهم وأخيارهم، ورهبانهم.

وكل ذلك لعدم متابعتهم للانبياء عليهم السلام وترك نصرتهم، والاستخفاف بشأنهم وشتمهم وقتلهم.

ثم إن هذا الخبر الموحش لما وصل إلي سلطان المؤمنين، ومروج مذهب آبائه الائمة الطاهرين، وناصرالدين المبين، نجل المصطفين، السلطان حسين برأه الله من كل شين ومين، عد ترميم تلك الروضة البهية، وتشييدها فرض العين فأمر باتمام صناديق أربعة في غاية الترصيص والتزيين، وضريح مشبك كالسماء ذات الحبك، زينة للناظرين، ورجوما للشياطين، وفقه الله تعالي لتأسيس جميع مشاهد آبائه الطاهرين، وترويج آثارهم في جميع العالمين.

- وقدكان [2] تم المجلد الثاني عشرمن كتاب بحار الانوار علي يدي مؤلفه أفقر عباد الله إلي رحمة ربه الغني محمد باقر بن محمد تقي عفي الله عن جرائمهما، وحشرهما مع أئمتهما، في يوم الجمعة سابع عشر شهر ذي الحجة الحرام من شهور سنة سبع وسبعين بعد الالف من الهجرة المقدسة، والحمدلله أو لا وآخرا وصلي الله علي محمد وأهل بيته الطاهرين.


پاورقي

[1] يريد رجال دولة الروم.

[2] هذه الشبهة وجوابها مما ألحقه المؤلف بعد ثلاثين (ما بين سنة 1077 وسنة 1106) من تمام الكتاب - أقلا - بهذا الموضع، ولذلك يقول: قد كان تم " راجع الصفحة الفتو غرافية من الاصل في مقدمة هذا الكتاب.