بازگشت

الإمام الهادي والمتوكل العباسي


لقد سعي جماعة بالامام (عليه السلام) إلي المتوكل، وأخبروه بأن في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها وأنه يطلب الأمر لنفسه، فارسل المتوكل مجموعة من الأتراك ليلاً ليهجموا علي منزله علي حين غفلة، فلمّا باغتوا الإمام (عليه السلام) وجدوه وحده، مستقبل القبلة وهو يقرأ القرآن، وليس بينه وبين الأرض بساط فأخذ علي الصورة التي وجد عليها، وحمل إلي المتوكل في جوف الليل، فمثُل بين يدي المتوكل وهو في مجلس شرابه وفي يده كأس، فلمّا رآه أعظمه وأكبره وأجلسه إلي جانبه ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل عنه ولم تكن للمتوكّل حجة يتعلّل بها علي الإمام (عليه السلام). فناول المتوكل الإمام (عليه السلام) الكأس الذي في يده.

فقال الإمام (عليه السلام): ياأمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط، فأعفني، فأعفاه، فقال المتوكل: أنشدني شعراً أستحسنه.

قال الإمام (عليه السلام): إنّي لقليل الرواية للشعر.

قال المتوكل: لا بدّ أن تنشدني شيئاً. فأنشده الإمام (عليه السلام):



باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فما أغنتهم القلل



واستنزلوا من بعد عز من معاقلهم

فاُودعوا حفراً يابئس ما نزلوا



ناداهم صارخ من بعد ما قبروا

أين الأسرة والتيجان والحلل



أين الوجوه التي كانت منعمة

من دونها تضرب الأستار والكلل



فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل



قد طالما أكلوا يوماً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد اُكلوا



وطالما عمّروا دوراً لتحصنهم

ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا



وطالما كنزوا الأموال وادّخروا

فخلّفوها علي الأعداء وارتحلوا



أضحت منازلهم قفراً معطَّلَةً

وساكِنوها الي الأجداث قد رحلوا



فبكي المتوكل بكاء كثيراً حتي بلّت دموعه لحيته، وبكي من حضر ثم أمر برفع الشراب، ثم قال ياأبا الحسن، أعليك دين؟ قال الإمام (عليه السلام): نعم، أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها إليه، وردّه إلي منزله مكرّماً. [1] .

فمواقف الإمام (عليه السلام) كانت تنسجم مع موقع الإمامة أوّلاً وتنسجم مع الظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط بالإمام(عليه السلام) وشيعته ثانياً.

وكان الإمام (عليه السلام) يحاول إتمام الحجة وإقامة الحق كلما سمحت الفرصة بذلك، فقد روي أن نصرانيّاً جاء الي دار الإمام (عليه السلام) حاملاً إليه بعض الأموال، فخرج إليه خادمه وقال له: أنت يوسف بن يعقوب؟ فقال: نعم، قال: فانزل واقعد في الدهليز، فتعجّب النصراني من معرفته لاسمه واسم أبيه، وليس في البلد من يعرفه، ولا دخله قط. ثم خرج الخادم وقال: المئة دينار التي في كمك في الكاغد هاتها، فناولها إيّاه ثم دخل علي الإمام (عليه السلام) وطلب منه أن يرجع الي الحق وأن يدخل في الإسلام فلما قال له الإمام: يايوسف أما آن لك؟ فقال يوسف يامولاي قد بان لي من البرهان ما فيه الكفاية لمن اكتفي، فقال له الإمام (عليه السلام): هيهات انك لا تسلم ولكنه سيسلم ولدك فلان وهو من شيعتنا [2] .


پاورقي

[1] مروج الذهب: 4 / 11 عن المبرّد، ولعلّ عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان: 2 / 434 وعن المسعودي السبط في تذكرة الخواص: 323.

[2] الخرائج والجرائح: 1 / 396 ح 3 ب 11 وعنه في كشف الغمة: 3 / 182.