بازگشت

الحالة الاجتماعية


تحدثنا فيما سبق عن الظرف السياسي وملابساته: من عدم الاستقرار وفقدان الأمن وذلك لتعدد الحركات السياسية والمذهبية، الخارجة علي الدولة العباسية في مختلف الأمصار الإسلامية فضلاً عن دور الأتراك البارز في خلع وتولية الخليفة العباسي، وهذا دون شك ينعكس سلبياً علي الظروف الاجتماعية التي كان يعيشها أبناء الاُمة المسلمة ورعايا الدولة الاسلامية فينجم عنه توتّر في علاقة السلطة بالشعب، وعدم استقرار الوضع الاجتماعي نتيجة لذلك، كما أن اختلال الظروف السياسية يتسبب في التفاوت الاجتماعي وظهور الطبقية أو الفئات المتفاوتة في المستوي المعيشي والمتباينة في الحقوق والواجبات تبعاً لولائها وقربها أو بعدها من البلاط ورجاله، فانقسم أبناء الاُمة وأتباع الدين الذي كان يركّز علي الاُخوّة الايمانية والمساواة والعدل والانصاف [1] ، إلي جماعة قليلة مترفة ومتمتعة بقوّة السلطان واُخري واسعة ـ تمثل غالبية أبناء الاُمة الاسلامية ـ وهي معدمة ومسحوقة أنهكها الصراع وزجّها في النّزاعات والحروب والتي ما تخمد إحداها حتي تتأجّج الثانية وتتسع لتشمل مساحة أوسع من أرض الدولة الاسلامية [2] ، ثم لتنفصل بعض أجزائها فتكون دولة مستقلة عن مركزية الدولة وغير خاضعة لها، وأطلق المؤرخون عليها مرحلة (إمرة الاُمراء) [3] ، إضافة الي الدولة المستقلة كما هو الحال بالنسبة لأمارة الحمدانيين والبويهيين والدولة الصفارية (254هـ) والدولة السامانية (261 ـ 389هـ) وغيرها... ممّا أدّي الي تفكّك وسقوط الدولة العباسية فيما بعد سنة (656هـ).

لقد كان المجتمع الإسلامي في أواخر العصر العباسي الأوّل يتألف من عدة عناصر. هي: العرب والفرس والمغاربة وظهر العنصر التركي أيضاً علي مسرح السياسة في عهد المعتصم الذي اتّخذهم حرساً له، وأسند إليهم مناصب الدولة وأهمل العرب والفرس، ولما رأوا الخطر المحدق بهم من قبل الأتراك استعانوا بالمغاربة والفراغنة وغيرهم من الجنود المرتزقة. [4] .

كما نلاحظ انقسام المسلمين في هذا العصر الي شيع وطوائف وتعرّض المجتمع الاسلامي إلي أنواع التنازع المذهبي المؤدي إلي التفكّك أيضاً، فهناك أهل السُنة الذين كانوا يشكلون السواد الأعظم ويتمتّعون بقسط وافر من الحرية المذهبية والطمأنينة النفسية في عهد نفوذ الأتراك، وهناك الشيعة الذين كانوا يقاسون كثيراً من العنت والاضطهاد. [5] .

وهذا لا يعني الالتزام الديني من قبل حكام الدولة العباسية بالمذهب السني بقدر ما يوضح لنا أن موقفهم هذا كان من أجل التصدي لحركة الأئمة في الاُمة ومحاصرتها بمختلف الوسائل والطرق والتي منها: دعم ومساندة فرق وحركات تحمل توجهات السلطة وتري السلطة فيها استتباب الوضع لها ولا تخشي من تمرّدها. فهي تعيش علي فتات موائدها وبذلها وبذخها لهم من أجل ديمومة الحكم واستمرار السلطة للخلفاء. ولم يكن هذا ليدوم بدخول العنصر التركي الذي كان يميل إلي البذخ والسيطرة وعدم الخضوع الي سلطة الخليفة العباسي كما أوضحنا.

أما بالنسبة الي التفكك الاجتماعي في هذا العصر فيمكن ملاحظته من خلال طبقات المجتمع في هذا العصر، وهي:

1 ـ طبقة الرقيق، وكانت مصر وشمالي أفريقية وشمالي جزيرة العرب من أهم أسواق الرقيق الأسود، وقد جُلب كثير من الزنجيات والزنوج لفلاحة الأرض وحراسة الدور. وإنّ كثرة الزنج في العراق أدّت إلي قيام ثورة الزنج التي دامت أكثر من أربع عشرة سنة (255 ـ 270هـ). [6] .

وكلفت هذه الثورة الدولة والاُمة الكثير من الأموال والدماء لإخمادها مما أسهم بشكل كبير في إضعافها.

2 ـ أهل الذمة، وهم اليهود والنصاري، ولم تتدخل الدولة في شعائرهم بل علي العكس كان يبلغ من تسامح الحكّام أنهم كانوا يحضرون مواكبهم واحتفالاتهم ويأمرون بحمايتهم. [7] .

3 ـ رجال البلاط والملاّك وغيرهم ممن لهم نفوذ كبير في سياسة الدولة وتأثير واسع في الوضع الاقتصادي والاجتماعي.

4 ـ عامة الناس والذين أجهدتهم الضرائب والحروب والخلافات والمنازعات الداخلية.

5 ـ ونشأت طبقة واسعة من الرقيق وغيرهم ـ من المغنيات ـ اللائي كن يُحيين ليالي اللهو للخلفاء، وغيرهم، وقد ارتفعت أسعارهن بشكل ملفت للنظر. [8] مما أدي أخيراً الي إضعاف العلاقة داخل البلاط نفسه بين البلاط وبين قواد الجيش من أتراك وغيرهم، فضلاً عن آثاره السلبية علي المجتمع عامة.


پاورقي

[1] قال تعالي في سورة الحجرات الآية: 13 (إنّما المؤمنون إخوة) وقال (صلي الله عليه وآله): الناس سواسية كأسنان المشط المبسوط للسرخسي: 5 / 23، لسان الميزان: 2 / 43، باختلاف يسير.

[2] الكامل لابن الأثير: 4 أحداث السنين (248 ـ 322هـ).

[3] تاريخ الإسلام السياسي د. حسن ابراهيم حسن: 3 / 26 وما بعدها.

[4] تاريخ الإسلام السياسي: 3 / 422 ـ 423.

[5] تأريخ الإسلام السياسي: 3 / 423.

[6] تاريخ الطبري 7، احداث السنين (255 ـ 270 هـ).

[7] الحضارة الاسلامية: 268، راجع تاريخ الإسلام السياسي: 3 / 424.

[8] تاريخ الإسلام السياسي: 3 / 435.