بازگشت

عصر الإمام الحسن العسكري


لقد أمضي الإمام الحسن العسكري الجزء الأكبر من عمره الشريف في العاصمة العباسية ـ سامراء ـ وواكب جميع الظروف والملابسات والمواقف التي واجهت أباه الإمام علياً الهادي (عليه السلام)، ثم تسلّم مركز الإمامة وقيادة الاُمة الاسلامية سنة (254هـ) بعد وفاة أبيه (عليه السلام) وعمره الشريف آنذاك (22) عاماً.

وكانت مواقفه امتداداً لمواقف أبيه (عليه السلام) بوصفه المرجع الفكري والروحي لأصحابه وقواعده وراعياً لمصالحهم العقائدية والاجتماعية بالاضافة الي تخطيطه وتمهيده لغيبة ولده الإمام المهدي المنتظر(عليه السلام) [1] .

وبالرغم من الضعف الذي كان قد أحاط بالدولة العباسية في عصر الإمام(عليه السلام) لكن السلطة القائمة كانت تضاعف اجراءاتها التعسفيّة في مواجهة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) والجماعة الصالحة المنقادة لتعاليمه وارشاداته(عليه السلام). فلم تضعف في مراقبته ولم تترك الشدة في التعامل معه بسجنه أو محاولة تسفيره إلي الكوفة خشية منه ومن حركته الفاعلة في الاُمة وتأثيره الكبير فيها.

ثم إن المواجهة من الإمام كقيادة للحركة الرسالية لم تكن خاصة بالخلفاء العباسيين الذين عاصرهم الإمام (عليه السلام) إذ كان هناك أيضاً خطر النواصب وهم الذين نصبوا العداء لأهل البيت النبوي (عليهم السلام) ووقفوا ضد اطروحتهم الفكرية والسياسية المتميزة التي كانت تتناقض مع اطروحة الحكم القائم والطبقة المستأثرة بالحكم والمنحرفة عن الإسلام النبوي. [2] .

والنواصب ـ الاُمويون منهم أو العباسيون ـ كانوا يعلمون جيّداً أن أهل البيت النبوي هم ورثة النبي الحقيقيون، ولا يمكنهم أن يسيطروا علي السلطة إلاّ بإبعاد أهل البيت (عليهم السلام) عن مصادر القدرة وذلك بتحديد الأئمة المعصومين وشيعتهم وشلّ حركتهم وعزلهم عن الاُمة والتضييق عليهم بمختلف السبل وبما يتاح لهم من وسائل قمعية.

وقد يكون لطبيعة هذه الظروف والملابسات التي عاني منها الإمام العسكري وشيعته الدور الأكبر في ما كان يتّخذه الإمام(عليه السلام) من مواقف سلبية أو إيجابية إزاء الأحداث والظواهر التي منيت بها الاُمة الاسلامية والتي ستعرفها فيما بعد.

لقد عاصر الإمام العسكري (عليه السلام) ثلاثة من خلفاء الدولة العباسية، فقد عاش (عليه السلام) شطراً من خلافة المعتز والذي هلك علي أيدي الأتراك، ليخلفه المهتدي العباسي الذي حاول أن يتخذ من سيرة عمر بن عبد العزيز الاُموي مثلاً يحتذي به إغراء للعامّة ولينقل أنظارهم المتوجهة صوب الإمام العسكري(عليه السلام) لزهده وتقواه وورعه، وما كان يعيشه من همومهم وآلامهم التي كانوا يعانونها من السلطة وتجاوزاتها في الميادين المختلفة.

ولم يفلح المهتدي بهذا السلوك لازدياد الاضطراب في دائرة البلاط العباسي نفسه مما أثار الأتراك عليه فقتلوه عام (256هـ)، وقد اعتلي العرش العباسي من بعده المعتمد الذي استمر في الحكم حتي عام (270 هـ) [3] .


پاورقي

[1] الأئمة الاثنا عشر: 235، دار الأضواء، 1404هـ.

[2] الأئمة الاثنا عشر: 235.

[3] الفخري في الآداب السلطانية، ابن طباطبا: 221.