بازگشت

المعتز العباسي


(252 ـ 255 هـ)

لقد ازداد نفوذ الأتراك بعد قتلهم المتوكل عام (247هـ) وتنصيب ابنه المنتصر بعده، حتي أن الخليفة العباسي أصبح مسلوب السلطة ضعيف الإرادة ويتضح ذلك مما رواه ابن طباطبا حيث قال:

«.. لما جلس المعتز علي سرير الخلافة فقد حضر خواصه وأحضروا المنجّمين وقالوا لهم: انظروا كم يعيش وكم يبقي في الخلافة، وكان بالمجلس بعض الظرفاء، فقال: أنا أعرف من هؤلاء بمقدار عمره وخلافته، فقالوا: فكم تقول انه يعيش وكم يملك؟ قال: مهما أراد الأتراك، فلم

يبق أحد إلاّ ضحك» [1] .

يعكس لنا هذا النص ما كان للأتراك من نفوذ ودور في إرادة الدولة وعزل الخلفاء والتحكّم في الاُمور العامة. فقد استولوا علي المملكة واستضعفوا الخلفاء، فكان الخليفة في أيديهم كالأسير إن شاءوا خلعوه وإن شاءوا قتلوه، وكان المعتز يخاف الأتراك ويخشي بأسهم ولا يأمن جانبهم وكان بُغا الصغير ـ وهو أشدّ هؤلاء خطراً ـ أحد قوّاد الجيش الذي أسهم في قتل المعتز مع جماعة من الأتراك بعد أن أشهدوا عليه بأنه قد خلع نفسه.

لقد عاصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أواخر خلافة المعتز الذي كان استشهاد الإمام الهادي (عليه السلام) علي يده بدس السمّ إليه فكانت سياسة المعتز امتداداً لسياسة المتوكّل في محاربة الإمام الحسن العسكري ـ والشيعة ـ بل ربما ازدادت ظروف القهر في هذه الفترة حتي أنّ المعتز أمر بتسفير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) الي الكوفة حين رأي خطر وجود الإمام(عليه السلام) واتّساع دائرة تأثيره وكثرة أصحابه.

قال محمّد بن بلبل: تقدّم المعتز الي سعيد الحاجب أن أخرج أبا محمد الي الكوفة ثم اضرب عنقه في الطريق [2] .

وكتب إلي الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أبو الهيثم ـ وهو أحد أصحاب الإمام (عليه السلام) ـ يستفسر عن أمر المعتز بإبعاده الي الكوفة قائلاً:

«جُعلت فداك بلغنا خبرٌ أقلقنا وبلغ منا»، فكتب الإمام (عليه السلام): «بعد ثلاث يأتيكم الفرج» فخلع المعتز بعد ثلاثة أيام وقتل [3] .

فلم تكن العلاقة بين الإمام(عليه السلام) والمعتز إلاّ تعبيراً عن الصراع والعداء الذي ابتدأ منذ أن استلم بنو العبّاس الخلافة بعد سقوط الدولة الاُموية وامتدّ علي طول عمر الدولة إلاّ في فترات قصيرة جدّاً، فكان كيد السلطة ورصدها لتحرّك الإمام (عليه السلام) دائماً ومستمراً وذلك لما عرفه الخلفاء من المكانة السامية والدور الفاعل للأئمّة في الاُمة وما كانوا يخشونه منهم علي سلطتهم وكيانهم الذي أقاموه بالسيف والدم علي جماجم الأبرياء والأتقياء من أبناء الاُمة الإسلامية.

ويروي لنا محمد بن علي السمري توقّع الإمام الحسن العسكري هلاك المعتزّ قائلاً: «دخلت علي أبي أحمد عبيد الله بن عبد الله وبين يديه رقعة أبي محمد ـ العسكري ـ (عليه السلام)، فيها: إني نازلت الله في هذا الطاغي يعني الزبيري ـ لقب المعتز ـ وهو آخذه بعد ثلاث، فلما كان في اليوم الثالث فعل به ما فعل» [4] فقد قتل شرّ قتلة.

ويصف ابن الأثير قتل المعتز الذي ورد في هذه العبارة قائلاً عنه:

«دخل إليه جماعة من الأتراك فجرّوه برجله إلي باب الحجرة وضربوه بالدبابيس وخرقوا قميصه، وأقاموه في الشمس في الدار، فكان يرفع رجلاً ويضع اُخري لشدّة الحر، وكان بعضهم يلطمه وهو يتّقي بيده وأدخلوه حجرة، وأحضروا ابن أبي الشوارب وجماعة أشهدوهم علي خلعه، وشهدوا علي صالح بن وصيف أن للمعتز وأمه وولده وأخته الأمان، وسلّموا المعتز إلي من يعذّبه، فمنعه الطعام والشراب ثلاثة أيّام، فطلب حسوة من ماء البئر فمَنَعَه ثم أدخلوه سرداباً وسدّوا بابه، فمات» [5] .

وكان سبب خلعه أنه منع الأتراك أرزاقهم ولم يكن لديه من المال وقد تنازلوا له إلي خمسين ألف دينار، فأرسل إلي أمه يسألها أن تعطيه مالاً فأرسلت إليه: «ما عندي شيء»، فتآمروا عليه وقتلوه.

وهذه القصة خير مؤشّر علي ضعف السلطة العباسية وخروج الأمر من يد الخليفة، فالكتّاب المسؤولون علي الأموال يتصرّفون بها كيف ما كانوا يشاءون ولا يطيعون الخليفة في شيء فكانت تلك النهاية المخزية للمعتز علي أيدي أعوانه، وحرّاسه من الأتراك.


پاورقي

[1] الفخري في الآداب السلطانية: 221.

[2] كشف الغمة: 3 / 206.

[3] الخرائج والجرائح: 1 / 451 ح 36.

[4] كشف الغمة: 3 / 207 عن كتاب الدلائل.

[5] الكامل في التاريخ: 7 / 195، 196.