بازگشت

سياسة المهتدي تجاه معارضيه


أ ـ الخليفة وأمراء الجند: كانت سياسة المهتدي تجاه الأتراك تتمثل بالحذر والحيطة والخشية من انقلابهم عليه كما فعلوا بالمتوكل والمعتز، لذا أمر بقتل موسي ومفلح من اُمراء جنده الأتراك الذين كانوا يتمتّعون بنفوذ كبير وتأثير فاعل في مجريات الأحداث، غير أن (بكيال) الذي أمره المهتدي بقتلهما توقّف عن قتل موسي بن بغا، لإدراكه أن للمهتدي خطة للحد من نفوذ الأتراك وتقليص الدور الذي كانوا يتمتعون به، وقال بكيال: إنّي لست أفرح بهذا وإنما هذا يعمل علينا كلنا، فأجمعوا علي قتل المهتدي فكان بين الأتراك ومناصري الخليفة قتال شديد وقُتل في يوم واحد أربعة آلاف من الأتراك ودام القتال إلي أن هزم جيش الخليفة المؤلّف من المغاربة والفراغنة والأشروسنية، ومن ثم اُمسك الخليفة فعصر علي خصيتيه فمات في عام (256 هـ) [1] .

ومن الأحداث المهمة في عصر المهتدي:

1 ـ انتفاضة أهل حمص بقيادة ابن عكار علي محمد بن إسرائيل.

2 ـ اخراجه ام المعتز وأبا أحمد وإسماعيل ابني المتوكل وابن المعتزّ إلي مكّة ثم ردّهم إلي العراق.

3 ـ نفي وإبعاد بعض الشيعة من بلدانهم إلي بغداد كما فعل بجعفر ابن محمود.

4 ـ إعطاؤه الأمان لمعارضيه.

5 ـ الحرب بين عيسي بن شيخ الربعي وأماجور التركي عامل دمشق وهزيمة الأول [2] .

ب ـ المهتدي وأصحاب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): لم تكن الظروف المحيطة بالإمام العسكري وأصحابه في عهد المهتدي أحسن مما كانت عليه من الشدة والنفي والتهجير والقتل إبّان عهود المعتز والمتوكل ومن سبقهما من خلفاء الدولة العباسية، بل كانت سياسة المهتدي امتداداً للمنهج العباسي في التصديّ للإمام وشيعته وخاصته والنكاية بهم، والتجسس عليهم ومصادرة أموالهم ومطاردتهم.

لقد قاسي الشيعة والإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في عهد المهتدي الكثير من الظلم والتعسّف، ويمكن أن نقف علي ذلك من خلال ما رواه أحمد بن محمد حيث قال: كتبت إلي أبي محمد (عليه السلام) ـ حين أخذ المهتدي في قتل الموالي ـ ياسيدي الحمد لله الذي شغله عنك، فقد بلغني أنّه يتهدّدك ويقول: «والله لأخلينّهم عن جديد الأرض» فوقّع أبو محمد (عليه السلام) بخطه: «ذاك أقصر لعمره، وعد من يومك هذا خمسة أيّام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف بموته»، فكان كما قال (عليه السلام)، وقد سبق أن أوضحنا ذلك [3] .

ومن مظاهر اضطهاد الشيعة ومصادرة أملاكهم وأموالهم ما روي عن عمر بن أبي مسلم حيث قال: قدم علينا (بسرّ من رأي) رجل من أهل مصر يقال له سيف بن الليث يتظّلم الي المهتدي في ضيعة له قد غصبها إياه شفيع الخادم وأخرجه منها، فأشرنا عليه أن يكتب إلي أبي محمد (عليه السلام) يسأله تسهيل أمرها، فكتب إليه أبو محمد (عليه السلام): «لا بأس عليك ضيعتك تردّ عليك فلا تتقدّم الي السلطان وألق الوكيل الذي في يده الضيعة وخوّفه بالسلطان الأعظم الله ربّ العالمين»، فلقيه، فقال له الوكيل الذي في يده الضيعة قد كُتب إليّ عند خروجك من مصر أن أطلبك وأردّ الضيعة عليك، فَرَدَّها عليه بحكم القاضي ابن أبي الشوارب وشهادة الشهود ولم يحتج الي أن يتقدّم الي المهتدي [4] .

ويمكن الاستدلال من خلال النص علي اتساع القاعدة الشعبية للإمام(عليه السلام) وصلته بهم وعمق الأواصر التي كانت تصله بهم، فهو يتفقّد ما يحتاجونه، ويساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في قضاء حوائجهم، وإن لبعض أصحابه في الأمصار تأثيراً وعلائق بالولاة ومن يديرون الاُمور في الولايات، فكانت أخبار شيعته تصله أوّلاً بأول، ويحاول إبعادهم عن الوقوع في حبائل السلطان وشركه كما في قصة سيف بن الليث المصري.

ج ـ سجن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ولما رأي المهتدي أنّ وسائل النفي والإبعاد والمصادرة، لم تكن لتحدّ من نشاط الإمام (عليه السلام) وشيعته، واتّساع حركته، لما كان لتعليمات الإمام (عليه السلام) ورقابته لشيعته من أثر في إفشال محاولات السلطة العباسيّة لم تجد السلطة بُدّاً من اعتقال الإمام (عليه السلام) والتضييق عليه في السجن، وكان المتولي لِسجنه صالح بن وصيف الذي أمر المهتدي موسي بن بغا التركي بقتله، وقد جاءه العباسيّون إبان اعتقال الإمام (عليه السلام) فقالوا له: ضيّق عليه ولا توسّع، فقال صالح: «ما أصنع به قد وكّلت به رجلين، شرّ من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلي أمر عظيم»، ثمّ أمر بإحضار الموكلين فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ ـ يعني الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ـ فقالا له: ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظر إلينا ارعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فلمّا سمع العباسيّون ذلك انصرفوا خائبين [5] .

لقد كان المهتدي يهدّد الإمام بالقتل وقد بلغ النبأ بعض أصحاب الإمام(عليه السلام) فكتب إليه: يا سيدي الحمدلله الذي شغله عنك فقد بلغني أنه يتهددك. وذلك حين انشغل المهتدي بفتنة الموالي، وعزم علي استئصالهم. وهنا نجد الإجابة الدقيقة من الإمام(عليه السلام) حول مستقبل المهتدي حيث كتب الجواب مايلي: ذاك أقصر لعمره، عدّ من يومك هذا خمسة ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به [6] وكان كما قال فقد انهزم جيشه ودخل سامراء وحده مستغيثاً بالعامة منادياً يامعشر المسلمين: أنا أميرالمؤمنين قاتلوا عن خليفتكم، فلم يجبه أحد [7] .

وقال أبو هاشم الجعفري: كنت محبوساً مع الحسن العسكري في حبس المهتدي بن الواثق فقال لي: في هذه الليلة يبتر الله عمره، فلمّا أصبحنا شغب الأتراك وقُتل المهتدي وولّي المعتمد مكانه [8] .


پاورقي

[1] تاريخ الخلفاء، السيوطي: 424.

[2] تاريخ اليعقوبي: 2 / 505، 506.

[3] اُصول الكافي: 1 / 510 ح 16 وعنه في الارشاد: 2 / 331 وفي اعلام الوري: 2 / 144، 145 وعن الارشاد في كشف الغمة: 3 / 204.

[4] اُصول الكافي: 1 / 511 ح 18.

[5] اُصول الكافي: 1 / 512 ح 23 وعنه في الارشاد: 2 / 334 وفي اِعلام الوري: 2 / 150 وعن الارشاد في كشف الغمة: 3 / 204.

[6] اعلام الوري: 356.

[7] الكامل في التاريخ: 5 / 356.

[8] المناقب: 2 / 462.