بازگشت

المعتمد والإمام العسكري


سعي المعتمد جاهداً في التخلص من الإمام العسكري (عليه السلام) أي انّه سارَ علي ذات المنهج الذي اتّبعه أسلافه من الخلفاء الأمويين والعباسيين مع الأئمة المعصومين (عليهم السلام) غير أنّ موقفه هذا سرعان ما تغيّر ظاهراً، وقدّم الاعتذار للإمام(عليه السلام) بعد محاولة لتصفيته برميه مع السباع كما عمل مثل ذلك المتوكّل مع أبيه علي الهادي(عليه السلام) وذلك حين سلّم الإمام العسكري(عليه السلام) إلي يحيي بن قتيبة الذي كان يضيّق علي الإمام (عليه السلام) حيث رمي به إلي مجموعة من السباع ظنّاً منه أنها سوف تقتل الإمام (عليه السلام)، مع العلم بأن امرأة يحيي كانت قد حذّرته من أن يمس الإمام بسوء بقولها له: «اتقّـِ الله فإني أخاف عليك منه».

وروي أن يحيي بن قتيبة قد أتاه بعد ثلاث مع الاستاذ فوجده يصلّي، والاُسود حوله، فدخل الاُستاذ الغيل ـ أي موضع الأسد ـ فمزّقته الاُسود وأكلته وانصرف يحيي إلي المعتمد وأخبره بذلك، فدخل المعتمد علي العسكري (عليه السلام) وتضرّع إليه... [1] .

واستمر المعتمد في التضييق علي الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فيما بعد حتي ألقي به في سجن علي بن جرين وكان يسأله عن أخباره فيجيبه: إنّه يصوم النهار ويقوم الليل. [2] .

وقال ابن الصباغ المالكي: حدث أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري قال: كنت في الحبس الذي بالجوشق أنا والحسن بن محمد العتيقي ومحمد بن ابراهيم العمري وفلان وفلان خمسة ستة من الشيعة، إذ دخل علينا أبو محمد الحسن بن علي العسكري(عليهما السلام) وأخوه جعفر فخففنا بأبي محمد، وكان المتولي لحبسه صالح بن الوصيف الحاجب، وكان معنا في الحبس رجل جمحي.

فالتفت إلينا أبو محمد وقال لنا سرّاً: لولا انّ هذا الرجل فيكم لأخبرتكم متي يفرج عنكم وتري هذا الرجل فيكم قد كتب فيكم قصته الي الخليفة يخبره فيها بما تقولون فيه وهي مدسوسة معه في ثيابه يريد أن يوسع الحيلة في ايصالها الي الخليفة من حيث لا تعلمون، فاحذروا شرّه.

قال أبو هاشم: فما تمالكنا أن تحاملنا جميعاً علي الرجل، ففتشناه فوجدنا القصة مدسوسة معه بين ثيابه وهو يذكرنا فيها بكل سوء فأخذناها منه وحذرناه، وكان الحسن يصوم في السجن، فإذا أفطر أكلنا معه ومن طعامه وكان يحمله إليه غلامه في جونة مختومة.

قال أبو هاشم: فكنت أصوم معه فلمّا كان ذات يوم ضعفت من الصوم، فأمرت غلامي فجاءني بكعك فذهبت الي مكان خال في الحبس، فأكلت وشربت، ثم عدت الي مجلسي مع الجماعة ولم يشعر بي أحد، فلمّا رآني تبسّم وقال: افطرت، فخجلت، فقال: لا عليك يا أبا هاشم، إذا رأيت انّك قد ضعفت واردت القوّة فكل اللحم، فإنّ الكعك لا قوّة فيه، وقال: عزمت عليك أن تفطر ثلاثاً فإنّ البنية إذا انهكها الصوم لا تقوي إلاّ بعد ثلاث.

قال أبو هاشم: ثم لم تطل مدّة أبي محمد الحسن في الحبس إلاّ أن قحط الناس بسرّ من رأي قحطاً شديداً، فأمر الخليفة المعتمد علي الله ابن المتوكّل بخروج الناس الي الاستسقاء فخرجوا ثلاثة أيام يستسقون ويدعون فلم يسقوا، فخرج الجاثليق في اليوم الرابع الي الصحراء وخرج معه النصاري والرهبان وكان فيهم راهب كلّما مدّ يده الي السماء ورفعها هطلت بالمطر.

ثم خرجوا في اليوم الثاني وفعلوا كفعلهم أول يوم فهطلت السماء بالمطر وسقوا سقياً شديداً، حتي استعفوا، فعجب الناس من ذلك وداخلهم الشك وصفا بعضهم الي دين النصرانية فشقّ ذلك علي الخليفة، فانفذ الي صالح بن وصيف ان اخرج أبا محمد الحسن بن علي من السجن وائتني به.

فلمّا حضر أبومحمد الحسن عند الخليفة قال له: ادرك اُمة محمد فيما لحق في هذه النازلة، فقال أبو محمد: دعهم يخرجون غداً اليوم الثالث، قال: قد استعفي الناس من المطر واستكفوا فما فايدة خروجهم؟ قال: لأزيل الشك عن الناس وما وقعوا فيه من هذه الورطة التي أفسدوا فيها عقولاً ضعيفة.

فأمر الخليفة الجاثليق والرهبان أن يخرجوا أيضاً في اليوم الثالث علي جاري عادتهم وان يخرجوا الناس، فخرج النصاري وخرج لهم أبومحمد الحسن ومعه خلق كثير، فوقف النصاري علي جاري عادتهم يستسقون إلاّ ذلك الراهب مدّ يديه رافعاً لهما الي السماء، ورفعت النصاري والرهبان ايديهم علي جاري عادتهم، فغيمت السماء في الوقت ونزل المطر.

فأمر أبو محمد الحسن القبض علي يد الراهب وأخذ ما فيها، فإذا بين أصابعها عظم آدمي، فأخذه أبو محمد الحسن ولفه في خرقة وقال: استسقِ فانكشف السحاب وانقشع الغيم وطلعت الشمس فعجب الناس من ذلك، وقال الخليفة: ماهذا يا أبا محمد؟! فقال: عظم نبي من أنبياء الله عزّ وجل ظفر به هؤلاء من بعض فنون الأنبياء وما كشف نبي عن عظم تحت السماء إلاّ هطلت بالمطر، واستحسنوا ذلك فامتحنوه فوجدوه كما قال.

فرجع أبو محمد الحسن الي داره بسرّ من رأي وقد أزال عن الناس هذه الشبهة وقد سرّ الخليفة والمسلمون ذلك وكلّم أبومحمد الحسن الخليفة في اخراج أصحابه الذين كانوا معه في السجن، فاخرجهم وأطلقهم له، وأقام أبومحمد الحسن بسر من رأي بمنزله بها معظماً مكرّماً مبجلاً وصارت صلات الخليفة وانعامه تصل اليه في منزله الي أن قضي تغمّده الله برحمته [3] .


پاورقي

[1] مناقب آل أبي طالب: 4 / 430.

[2] مهج الدعوات: 275.

[3] الفصول المهمة: 286.