بازگشت

السيرة النبوية في تراث الإمام العسكري


وقد وردت مجموعة من النصوص عن الإمام العسكري (عليه السلام) فيما يخص سيرة النبي(صلي الله عليه وآله) وسيرة أهل بيته (عليهم السلام) ممّا يشير إلي ضرورة اهتمامه(عليه السلام) بهذا الجانب في عصره.

وإليك بعض هذه النصوص:

1 ـ روي الطبرسي عن أبي محمّد الحسن العسكري (عليهما السلام) أنه قال: قلت لأبي، علي بن محمّد(عليهما السلام) هل كان رسول الله(صلي الله عليه وآله) يناظر اليهود والمشركين اذا عاتبوه ويحاجّهم؟ قال: بلي مراراً كثيرة، منها ما حكي الله من قولهم: (وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك ـ إلي قوله ـ رجلاً مسحوراً)وقالوا: (لولا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم). وقوله عزوجل:

(وقالوا لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعاً) إلي قوله (كتاباً نقرؤه) م قيل له في آخر ذلك: لو كنت نبياً كموسي أنزلت علينا كسفاً من لسماء ونزّلت علينا الصاعقة في مسألتنا إليك لأن مسألتنا أشد من مسائل قوم موسي لموسي (عليه السلام).

قال: وذلك أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان قاعداً ذات يوم بمكة بفناء الكعبة اذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم الوليد بن المغيرة المخزومي وأبو البختري ابن هشام وأبو جهل والعاص بن وائل السهمي وعبد الله بن أبي اُمية المخزومي، وكان معهم جمع ممن يليهم كثير ورسول الله(صلي الله عليه وآله) في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ويؤدي إليهم عن الله أمره ونهيه.

فقال المشركون بعضهم لبعض: لقد استفحل أمر محمّد وعظم خطبه، فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه والاحتجاج عليه وإبطال ما جاء به ليهون خطبه علي أصحابه ويصغر قدره عندهم، فلعله ينزع عما هو فيه من غيه وباطله وتمرده وطغيانه، فان انتهي وإلاّ عاملناه بالسيف الباتر.

قال أبو جهل: فمن ذا الذي يلي كلامه ومجادلته؟ قال عبد الله بن أبي اُمية المخزومي: أنا إلي ذلك، أفما ترضاني له قرناً حسيباً ومجادلاً كفيّاً؟ قال أبو جهل: بلي، فأتوه بأجمعهم فابتدأ عبد الله بن أبي اُمية المخزومي، فقال: يامحمّد لقد ادعيت دعوي عظيمة وقلت مقالاً هائلاً، زعمت انك رسول الله رب العالمين، وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشر مثلنا تأكل كما نأكل وتشرب كما نشرب وتمشي في الأسواق كما نمشي.

فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولاً إلاّ كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام، وربّ العالمين فوق هؤلاء كلّهم فهم عبيده، ولو كنت نبياً لكان معك ملك يصدقك ونشاهده، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبياً لكان انما يبعث إلينا ملكاً لا بشراً مثلنا، ما أنت يامحمّد إلاّ رجلاً مسحوراً ولست بنبي.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): هل بقي من كلامك شيء؟ قال: بلي، لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولاً لبعث أجل من فيما بيننا أكثره مالاً وأحسنه حالاً، فهلا أنزل هذا القرآن الذي تزعم ان الله أنزله عليك وابتعثك به رسولاً علي رجل من القريتين عظيم إما الوليد بن المغيرة بمكة وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): هل بقي من كلامك شيء ياعبد الله؟ فقال: بلي لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعاً بمكة هذه، فانها ذات أحجار وعرة وجبال، تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون، فاننا الي ذلك محتاجون أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا فتفجر الأنهار خلالها خلال تلك النخيل والأعناب تفجيراً أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً فانك قلت لنا (وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم) فلعلنا نقول ذلك.

ثم قال: أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً، تأتي به وبهم وهم لنا مقابلون، أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلنا نطغي، وانك قلت لنا: (كلا إن الإنسان ليطغي - أن رآه استغني).

ثم قال: أو ترقي في السّماء أي تصعد في السّماء ولن نؤمن لرقيك أي لصعودك حتي تنزل علينا كتاباً نقرؤه من الله العزيز الحكيم الي عبد الله بن أبي اُمية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمّد بن عبد الله بن عبد المطلب فإنه رسولي وصدقوه في مقاله انه من عندي، ثم لا أدري يامحمّد اذا فعلت هذا كله اُؤمن بك أو لا اُؤمن بك، بل لو رفعتنا الي السماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا انما سكرت أبصارنا وسحرتنا.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): ياعبد الله أبقي شيء من كلامك؟ قال: يامحمّد أو ليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ، ما بقي شيء فقل ما بدا لك وأفصح عن نفسك إن كان لك حجة وأتنا بما سألناك به.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): اللهم أنت السامع لكل صوت والعالم بكل شيء تعلم ما قاله عبادك، فأنزل الله عليه، يامحمّد (وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام)الي قوله (رجلاً مسحوراً) ثم قال الله تعالي: (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً).

ثم قال: يامحمّد (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً) وأنزل عليه: يامحمّد (فلعلك تارك بعض ما يوحي إليك وضائق به صدرك) الآية، وأنزل الله عليه: يامحمّد (وقالوا لولا انزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر) الي قوله (وللبسنا عليهم ما يلبسون).

فقال له رسول الله (صلي الله عليه وآله): ياعبد الله أما ما ذكرت من اني آ كل الطعام كما تأكلون وزعمت انه لا يجوز لأجل هذا أن أكون لله رسولاً فانما الأمر لله تعالي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو محمود وليس لك ولا لأحد الاعتراض عليه بـ لِمَ وكيف، ألا تري ان الله كيف أفقر بعضاً وأغني بعضاً وأعز بعضاً وأذل بعضاً وأصح بعضاً وأسقم بعضاً وشرف بعضاً ووضع بعضاً، وكلهم ممن يأكل الطعام.

ثم ليس للفقراء أن يقولوا «لم أفقرتنا وأغنيتهم» ولا للوضعاء أن يقولوا «لم وضعتنا وشرفتهم» ولا للزمني والضعفاء أن يقولوا «لم أزمنتنا وأضعفتنا وصححتهم» ولا للأذلاء أن يقولوا «لم أذللتنا وأعززتهم» ولا لقباح الصور أن يقولوا «لم قبّحتنا وجمّلتهم» بل ان قالوا ذلك كانوا علي ربهم رادّين وله في أحكامه منازعين وبه كافرين. ولكان جوابه لهم: أنا الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعز المذل المصحح المسقم وأنتم العبيد ليس لكم إلاّ التسليم لي والانقياد لحكمي، فان سلمتم كنتم عباداً مؤمنين وإن أبيتم كنتم بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين.

ثم أنزل الله عليه: يامحمّد (قل إنّما أنا بشر مثلكم) يعني آ كل الطعام و (يوحي إليّ إنّما إلهكم إله واحد) يعني قل لهم: أنا في البشرية مثلكم ولكن ربي خصّني بالنّبوة دونكم كما يخص بعض البشر بالغني والصحة والجمال دون بعض من البشر، فلا تنكروا أن يخصني أيضاً بالنبوة ]دونكم[.

ثم قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): وأما قولك «هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولاً إلاّ كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده» فان الله له التدبير والحكم لا يفعل علي ظنك وحسبانك ولا باقتراحك بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود.

ياعبد الله انما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلي ربهم ويكدّ نفسه في ذلك آناء الليل ونهاره، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ، أو ما تري الملوك اذا احتجبوا كيف يجري الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون.

ياعبد الله إنّما بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم قدرته وقوته وانه هو الناصر لرسوله ولا تقدرون علي قتله ولا منعه في رسالاته، فهذا بين في قدرته وفي عجزكم وسوف يظفرني الله بكم فأسعكم قتلاً وأسراً ثم يظفرني الله ببلادكم ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم علي دينكم.

ثم قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): وأما قولك لي «لو كنت نبياً لكان معك ملك يصدقك ونشاهده، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبياً لكان إنّما يبعث ملكاً لا بشراً مثلنا» فالملك لا تشاهده حواسكم لأنه من جنس هذا الهواء لا عيان منه، ولو شاهدتموه ـ بأن يزاد في قوي أبصاركم ـ لقلتم ليس هذا ملكاً بل هذا بشر، لأنه انما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي ألفتموه لتفهموا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده.

فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق، بل انما بعث الله بشراً وأظهر علي يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم فتعلمون بعجزكم عما جاء به انه معجزة وان ذلك شهادة من الله بالصدق له، ولو ظهر لكم ملك وظهر علي يده ما ]تعجزون عنه[ يعجز عنه ]جميع[ البشر لم يكن في ذلك ما يدلكم ان ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتي يصير ذلك معجزاً.

ألا ترون أنّ الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز لأن لها أجناساً يقع منها مثل طيرانها، ولو أن آدمياً طار كطيرانها كان ذلك معجزاً، فان الله عزوجل سهل عليكم الأمر وجعله بحيث تقوم عليكم حجته وأنتم تقترحون عمل الصعب الذي لا حجة فيه.

ثم قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): وأما قولك «ما أنت إلاّ رجل مسحور» فكيف أكون كذلك وقد تعلمون اني في صحة التميز والعقل فوقكم فهل جربتم عليّ منذ نشأت إلي أن استكملت أربعين سنة خزية أو زلّة أو كذبة أو خيانة أو خطأ من القول أو سفهاً من الرأي، أتظنّون أن رجلاً يعتصم طول هذه المدّة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته.

وذلك ما قال الله (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً) إلي أن يثبتوا عليك عمي بحجة أكثر من دعاويهم الباطلة التي تبين عليك تحصيل بطلانها.

ثم قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): وأما قولك «لولا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم، الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة ]بن مسعود الثقفي[بالطائف» فان الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت ولا خطر له عنده كما له عندك بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقي كافراً به مخالفاً له شربة ماء وليس قسمة الله إليك بل الله هو القاسم للرحمات والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه.

وليس هو عزّوجلّ ممن يخاف أحداً كما تخافه أنت لماله وحاله فعرفته بالنبوة لذلك، ولا ممن يطمع في أحد في ماله أو في حاله كما تطمع أنت فتخصه بالنبوة لذلك، ولا ممن يحبّ أحداً محبّة الهواء كما تحبّ أنت فتقدم من لا يستحقّ التقديم وإنّما معاملته بالعدل، فلا يؤثر أحداً لأفضل مراتب الدين وخلاله إلاّ الأفضل في طاعته والأجدّ في خدمته، وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وخلاله إلاّ أشدّهم تباطؤاً عن طاعته.

واذا كان هذا صفته لم ينظر الي مال ولا الي حال بل هذا المال والحال من تفضله، وليس لأحد من عباده عليه ضريبة لازب، فلا يقال له: اذا تفضلت بالمال علي عبد فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوة أيضاً، لأنه ليس لأحد اكراهه علي خلاف مراده ولا إلزامه تفضلاً لأنه تفضل قبله بنعمه.

ألا تري ياعبد الله كيف أغني واحداً وقبح صورته، وكيف حسن صورة واحد وأفقره، وكيف شرف واحداً وأفقره، وكيف أغني واحداً ووضعه. ثم ليس لهذا الغني أن يقول «هلا أضيف الي يساري جمال فلان» ولا للجميل أن يقول «هلا أضيف إلي جمالي مال فلان»، ولا للشريف أن يقول «هلا أضيف إلي شرفي مال فلان» ولا للوضيع أن يقول «هلا اضيف الي ضعتي شرف فلان»، ولكن الحكم لله يقسم كيف يشاء ويفعل كما يشاء، وهو حكيم في أفعاله محمود في أعماله وذلك قوله تعالي: (وقالوا لولا نزّل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم) قال الله تعالي (أهم يقسمون رحمة ربك) يامحمّد (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا).

فأحوجنا بعضاً الي بعض، أحوجنا هذا الي مال ذلك، وأحوج ذلك الي سلعة هذا والي خدمته. فتري أجلّ الملوك وأغني الأغنياء محتاجاً الي أفقر الفقراء في ضرب من الضروب: إما سلعة معه ليست معه، وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني إلاّ به، وإما باب من العلوم والحكم هو فقير إلي أن يستفيدها من هذا الفقير، فهذا الفقير يحتاج الي مال ذلك الملك الغني، وذلك الملك يحتاج إلي علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته.

ثم ليس للملك أن يقول هلا اجتمع الي مالي علم هذا الفقير، ولا للفقير أن يقول هلا اجتمع الي رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكمة مال هذا الملك الغني، ثم قال الله: (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً) ثم قال: يامحمّد قل لهم (ورحمة ربك خير مما يجمعون) أي ما يجمعه هؤلاء من أموال الدنيا.

ثم قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): وأما قولك (لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعاً) الي آخر ما قلته، فانك قد اقترحت علي محمّد رسول الله أشياء: منها ما لو جاءك به لم يكن برهاناً لنبوته ورسول الله(صلي الله عليه وآله) يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين ويحتج عليهم بما لا حجة فيه، ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك.

وانما يؤتي بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الايمان بها لا ليهلكوا بها فإنّما قترحت هلاكك وربّ العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما تقترحون، ومنها المحال الذي لا يصح ولا يجوز كونه ورسول رب العالمين يعرفك ذلك ويقطع معاذيرك ويضيق عليك سبيل مخالفته، ويلجئك بحجج الله إلي صديقه حتي لا يكون لك عنه محيد ولا محيص، ومنها ما قد اعترفت علي نفسك أنّك فيه معاند متمرد لا تقبل حجة ولا تصغي إلي برهان، ومن كان كذلك فدواؤه عذاب الله النازل من سمائه في جحيمه أو بسيوف أوليائه.

فأما قولك ياعبد الله: (لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعاً) بمكة هذه فانها ذات أحجار وصخور وجبال تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون فاننا إلي ذلك محتاجون، فانك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله. ياعبد الله أرأيت لو فعلت هذا أكنت من أجل هذا نبياً؟ قال: لا.

قال رسول الله: أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذللتها وكسحتها وأجريت فيها عيوناً استنبطتها؟ قال: بلي. قال: وهل لك في هذا نظراء؟ قال: بلي. قال: فصرت أنت وهم بذلك أنبياء؟ قال: لا.

قال: فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله علي نبوته، فما هو إلاّ كقولك: «لن نؤمن لك حتي تقوم وتمشي علي الأرض كما يمشي الناس أو حتي تأكل الطعام كما يأكل الناس».

وأما قولك ياعبد الله: «أو تكون لك جنّة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا وتفجر الأنهار خلالها تفجيراً» أو ليس لك ولأصحابك جنات من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها وتفجرون الأنهار خلالها تفجيراً، أفصرتم أنبياء بهذا؟ قال: لا.

قال: فما بال اقتراحكم علي رسول الله(صلي الله عليه وآله) أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلت علي صدقه، بل لو تعاطاها دل تعاطيها علي كذبه لأنه يحتج بما لا حجة فيه ويختدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم، ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا.

ثم قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): ياعبد الله وأما قولك «أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً» فانك قلت: «وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم» فان في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم فانما تريد بهذا من رسول الله(صلي الله عليه وآله) أن يهلكك ورسول رب العالمين أرحم من ذلك، لا يهلكك ولكنه يقيم عليك حجج الله، وليس حجج الله لنبيه وحده علي حسب اقتراح عباده، لأن العباد جهال بما يجوز من الصلاح وما لا يجوز منه من الفساد، وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتي يستحيل وقوعه، والله عزّوجلّ طبيبكم لا يجري تدبيره علي ما يلزم به المحال.

ثم قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): وهل رأيت ياعبد الله طبيباً كان دواؤه للمرضي علي حسب اقتراحهم، وانما يفعل به ما يعلم صلاحه فيه احبه العليل أو كرهه؟ فأنتم المرضي والله طبيبكم، فان انقدتم لدوائه شفاكم وإن تمردتم عليه أسقمكم.

وبعد فمتي رأيت ياعبد الله مدعي حق من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضي بينة علي دعواه علي حسب اقتراح المدعي عليه؟ إذاً ما كان يثبت لأحد علي أحد دعوي ولا حق، ولا كان بين ظالم ومظلوم ولا بين صادق وكاذب فرق.

ثم قال رسول الله: ياعبد الله وأما قولك: «أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً يقابلوننا ونعاينهم» فإنّ هذا من المحال الذي لا خفاء به، وانّ ربّنا عزّوجلّ ليس كالمخلوقين يجيء ويذهب ويتحرّك ويقابل شيئاً حتي يؤتي به، فقد سألتم بهذا المحال، وانّما هذا الذي دعوت اليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم ولا تغني عنكم شيئاً ولا عن أحد.

ياعبد الله أو ليس لك ضياع وجنان بالطائف وعقار بمكة وقوّام عليها؟ قال: بلي. قال: أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك؟ قال: بسفراء. قال: أرأيت لو قال معاملوك واكرتك وخدمتك لسفرائك: «لا نصدقكم في هذه السفارة الا ان تأتونا بعبد الله بن أبي اُمية لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاهاً»، كنت تسوغهم هذا أو كان يجوز لهم عندك ذلك؟ قال: لا.

قال: فما الذي يجب علي سفرائك أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم علي صدقهم يجب عليهم أن يصدقوهم؟ قال: بلي. قال: ياعبد الله أرأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا عاد إليك وقال لك: «قم معي فانهم قد اقترحوا عليّ مجيئك معي أليس يكون هذا لك مخالفاً» وتقول له: انما أنت رسول لا مشير ولا آمر؟ قال: بلي.

قال: فكيف صرت تقترح علي رسول ربّ العالمين ما لا تسوغ لأكرتك ومعامليك أن يقترحوه علي رسولك إليهم؟! وكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم الي ربّه بأن يأمر عليه وينهي وأنت لا تسوغ مثل هذا علي رسولك الي أكرتك وقوامك؟! هذه حجة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته ياعبد الله.

وأما قولك ياعبد الله: «أو يكون لك بيت من زخرف» وهو الذهب، أما بلغك أن لعظيم مصر بيوتاً من زخرف؟ قال: بلي. قال: أفصار بذلك نبياً؟ قال: لا. قال: فكذلك لا يوجب لمحمد(صلي الله عليه وآله) نبوّة لو كان له بيوت، ومحمد لا يغنم جهلك بحجج الله.

وأما قولك ياعبد الله: «أو ترقي في السّماء»، ثم قلت: «ولن نؤمن لرقيك حتي تنزل علينا كتاباً نقرؤه» ياعبد الله الصعود الي السّماء أصعب من النزول عنها، واذا اعترفت علي نفسك أنك لا تؤمن اذا صعدت فكذلك حكم النزول، ثم قلت «حتي تنزل علينا كتاباً نقرؤه من بعد ذلك، ثم لا أدري اُؤمن بك أو لا اُؤمن بك»، فأنت ياعبد الله مقرّ بأنك تعاند حجة الله عليك، فلا دواء لك إلاّ تأديبه لك علي يد أوليائه من البشر أو ملائكته الرّبانية، وقد أنزل عليّ حكمة بالغة جامعة لبطلان كل ما اقترحته.

فقال عزوجل: «قل» يامحمّد: (سبحان ربي هل كنت إلاّ بشراً رسولاً) ما أبعد ربي عن أن يفعل الأشياء علي ما يقترحه الجهال مما يجوز ومما لا يجوز، وهل كنت الا بشراً رسولاً لا يلزمني إلاّ إقامة حجة الله التي أعطاني، وليس لي أن آمر علي ربي ولا أنهي ولا أشير فأكون كالرسول الذي بعثه ملك الي قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه.

فقال أبو جهل: يامحمّد ههنا واحدة ألست زعمت: ان قوم موسي احترقوا بالصاعقة لما سألوه أن يريهم الله جهرة؟ قال: بلي. قال: فلو كنت نبياً لاحترقنا نحن أيضاً، فقد سألنا أشدّ ممّا سأل قوم موسي، لأنهم كما زعمت قالوا: «أرنا الله جهرة» ونحن نقول: «لن نؤمن لك حتي تأتي بالله والملائكة قبيلاً» نعاينهم.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): ياأبا جهل أما علمت قصة إبراهيم الخليل لما رفع في الملكوت، وذلك قول ربي: (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) قوّي الله بصره لما رفعه دون السماء حتي أبصر الأرض ومن عليها ظاهرين ومستترين فرأي رجلاً وامرأة علي فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأي آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا.

ثم رأي آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأي آخرين فهم بالدعاء عليهما فأوحي الله إليه: ياإبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فاني أنا الغفور الرحيم، الجبار الحليم، لا يضرّني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم، ولست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك.

فاكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فانما أنت عبد نذير لا شريك في الملك ولا ميهمن عليّ ولا عبادي وعبادي معي بين خلال ثلاث: إما تابوا إليّ فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم، وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون فارفق بالآباء الكافرين وأتأني بالامهات الكافرات وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم.

فاذا تزايلوا حل بهم عذابي وحاق بهم بلائي، وإن لم يكن هذا ولا هذا فان الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم، فان عذابي لعبادي علي حسب جلالي وكبريائي، ياإبراهيم خل بيني وبين عبادي فأنا أرحم بهم منك وخل بيني وبين عبادي فاني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم اُدبّرهم بعلمي وأنفذ فيهم قضائي وقدري [1] .


پاورقي

[1] مسند الإمام الحسن العسكري: 189 ـ 200 عن التفسير المنسوب اليه(عليه السلام): سورة البقرة الآية 108.