بازگشت

المقدمة


الحمدلله الذي اختار لأوليائه الشهادة، و بوأهم في الآخرة بالحسني و دار السعادة، و الصلاة و السلام علي المبعوث بالرسالة، و آله أرباب النهي و الخير و العبادة، الصابرين في السراء و الضراء، و الشاكرين لله في الشدة و الرخاء.

و بعد:

الامام أبومحمد الحسن العسكري هو الحادي عشر من أئمة الهدي الهداة، الذين تحملوا مسؤولية تبليغ الرسالة، و تعهدوا بنشر أهداف الدين الحنيف، و عرضوا حياتهم في سبيله تثبيتا لاعلاء كلمة الله في أرضه، و وطنوا أنفسهم لمواجهة الطغاة، و تحملوا الشدائد و الصعاب من أجل نشر قيم الاسلام و أهدافه.

لقد كان الامام أبومحمد الحسن العسكري فذا من الأفذاذ، بمواهبه العظيمة و طاقاته الفريدة، كما كان بطلا في صموده أمام مواجهة الأحداث، و بارادته الصلبة تجاه حكم الطغاة المنحرف، ساعيا الي تحقيق العدل و المساواة.

و لقد سار الامام أبومحمد الحسن العسكري كما سار عليه أسلافه من آبائه الطاهرين لنيل أسمي مراتب الفضائل و الكمال، و لقد كان وحيد عصره في وفرة علمه، كما استل اعتراف العلماء المعاصرين له و من جاء بعده بفضله و علمه و قدراته



[ صفحه 8]



الخارقة، حتي قصده القاصدون للانتهال من غير علمه، و مثله العليا، فقد كان أعبد أهل زمانه، و أشدهم حيطة، و أرشدهم في الدين، و أحلمهم خلقا، و أكظمهم للغيظ، كما قابل من أساء اليه بالصفح الجميل و العفو العظيم، و كان من أندي الناس كفا، و أجودهم عطاء، و أسرعهم اسعافا لقضاء حوائج الفقراء و المحتاجين، في حين كان يعيش عيشة الزاهدين من متع الدنيا و ملاذها. شأنه بذلك شأن آبائه الطاهرين الذين أعرضوا عن الدنيا و ما فيها، و اتجهوا الي الله سبحانه و الدار الآخرة.

و يحدثنا التأريخ عن اجماع العلماء و العظماء في عصره علي الاعتراف بفضله و تعظيمه، و من مظاهر ذلك التعظيم أنه لما أشرف علي البلاط العباسي في سامراء لم يبق أحد من شخصيات البلاط و الوزراء الا قام له اكبارا و تكريما، و انحني له تعظيما بما فيهم قادة الجيش و أعضاء الدولة البارزين، و منهم الفتح بن خاقان رئيس وزراء دولة المتوكل يقدم الامام اعترافا بفضله و التفوق عليه بعلمه.

و من الطبيعي تقدير الامة بجميع طبقاتها للامام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام و تعظيمها له، فقد وقفت علي هديه و صلاحه، و عزوفه عن الدنيا، و تفانيه في طاعة الله سبحانه و عبادته، و تبني الامام عليه السلام قضايا المسلمين في عصره، و نادي بحقوقهم، حتي أجمعت الامة علي الاعتراف بقيادته الحكيمة.

و قد شق علي حكام بني العباس ما يرون و يسمعون من تعظيم الامة له عليه السلام و الاعتراف بامامته و فضله، و ايمانهم بأنه أحق بالخلافة من حكام بني العباس الذين لم يتمتعوا بأي صفة أو موهبة تؤهلهم لمركز الخلافة.

كما نخر الحقد قلوب العباسيين علي الامام عليه السلام، فاتخذوا ضده مواقف صعبة و اجراءات قاسية وضيقوا عليه غاية التضييق، منها فرض الحصار الاقتصادي و الاقامة الجبرية في داره بسامراء، و أحاطوا داره بقوة مكثفة من عيون السلطة



[ صفحه 9]



لتحصي عليه أنفاسه، و تسجل كل شاردة و واردة عليه و من يتصل به لتنزل بهم أقسي العقوبات.

و فيما أعتقد أن هذا هو السر في قلة الرواية عنه مباشرة، و كثرة الرواية عنه باسلوب المراسلة.

و مما زاد في شدة المراقبة، لعلمهم بأنه والد الامام المهدي المنتظر عليه السلام الذي بملأ الأرض قسطا و عدلا، و تزول بوجوده دولة الظلم و حكام الجور، فلقد بثوا العيون من النساء في داره و من يدور في فلكه علي من تلد من نسائه لالقاء القبض عليه، غير أن الله سبحانه و تعالي أخفي عليهم أمر الامام المهدي عليه السلام لجهة الحمل به و ولادته، كما أخفي حمل و ولادة رسوله موسي بن عمران عليه السلام الذي قضي علي فرعون زمانه، و أطاح بحكومة الاستبداد التي أذلت الامة من بني اسرائيل.

و قد خصصنا هذا المجلد و هو الخامس عشر من (موسوعة المصطفي و العترة) بدراسة عصر الامام أبي محمد الحسن و ترجمة حياته و ما حصل له من الأحداث الجسام، فانه يستحق أن يكون بحثا من المباحث المنهجية التي لا غني للمتتبع المحقق عنها، لأنها تلقي الضوء علي الحياة الفكرية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية في ذلك العصر الذي عاني الشعب و أكثرية الامة الساحقة من الفقر و الحرمان كما عانت في فرض الضرائب، و ارغامها علي ذل العبودية و الهوان، و من جهة ثانية اختص بالثراء الفاحش أبناء الاسرة الحاكمة العباسية و كبار رجال الدولة، و السائرون في ركابهم من عملائهم، فقد أسرفوا في الترف و البذخ، واستأثروا بجميع خيرات البلاد، كما انقادوا للشهوات، و اقتنوا الجواري و القيان، و كانت لياليهم الحمراء تعج بصنوف المنكرات.

و قد تركوا ما أمر الله به حينما اتخذوا مال الله دولا و عباده خولا، و ساسوا



[ صفحه 10]



الامة سياسة البطش و التنكيل، فسلطوا عليها الأتراك الذين قادوا الامة الي هاوية سحيقة من المحن و الفتن، و استبدوا في الحكم و سخروا الاقتصاد لشهواتهم و ملاذهم، و أشاعوا البؤس و الفقر و الحرمان في أوساط الشعب.

كما تعرضنا في هذا المجلد لترجمة بعض الثقاة من أصحاب الامام عليه السلام و رواته من الفقهاء و العلماء الذين تتلمذوا عليه و أخذوا عنه بعض علومه و معارفه.

و الله أسأل أن يهدي الجميع لما فيه الخير و الصلاح و أن يسدد خطانا، فانه سميع مجيب.

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام علي خير خلقه محمد و آله الطاهرين.

العبد المنيب الراجي عفو ربه

حسين الشاكري

دار الهجرة - قم المقدسة

الفاتح من شهر محرم الحرام سنة 1420 ه -



[ صفحه 11]