بازگشت

تمهيد


قبل الخوض في ايراد النصوص علي امامة الامام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام لابد من القاء بعض الضوء علي حال الجماعة الذين شذوا عن أصل الامامة بعد شهادة الامام أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام فتمسكوا ببعض المقالات الباطلة التي أجاب عنها الشيخ المفيد رحمه الله حيث قال:

ثم ثبتت الامامية القائلون بامامة أبي جعفر الجواد عليه السلام بأسرها علي القول بامامة أبي الحسن علي بن محمد الهادي من بعد أبيه عليهماالسلام، و نقل النص عليه، الا فرقة قليلة العدد شذوا عن جماعتهم، فقالوا بامامة موسي بن محمد أخي أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام، ثم انهم لم يثبتوا علي هذا القول الا قليلا حتي رجعوا الي الحق و دانوا بامامة علي بن محمد الهادي عليه السلام، و رفضوا القول بامامة موسي بن محمد.

فلما توفي الامام أبوالحسن الهادي تفرقوا بعد ذلك، فقال الجمهور منهم بامامة أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام و نقلوا النص عليه و أثبتوه.

و قال فريق منهم: ان الامام بعد أبي الحسن محمد بن علي عليه السلام أخو أبي محمد عليه السلام و زعموا أن أباه عليا عليه السلام نص عليه في حياته، و محمد هذا كان قد توفي في



[ صفحه 38]



حياة أبيه، فدفعت هذه الفرقة وفاته، و زعموا أنه لم يمت، و أنه حي و هو الامام المنتظر.

و قال نفر من الجماعة شذوا أيضا عن الأصل: ان الامام بعد محمد بن علي بن موسي عليه السلام أخوه جعفر بن علي، و زعموا أن أباه نص عليه بعد مضي محمد و أنه القائم بعد أبيه.

قال الشيخ المفيد رحمه الله: فيقال للفرقة الاولي: لم زعمتم أن الامام بعد أبي الحسن عليه السلام ابنه محمد؟ و ما الدليل علي ذلك؟ فان ادعوا النص طولبوا بلفظه و الحجة عليه، و لن يجدوا لفظا يتعلقون به في ذلك و لا تواتر يعتمدون عليه، لأنهم في أنفسهم من الشذوذ و القلة علي حد ينفي عنهم التواتر القاطع للعذر في العدد، مع أنهم انقرضوا و لا بقية لهم، و ذلك مبطل لما ادعوه، و يقال لهم في ادعاء حياته ما قيل للكيسانية و الناووسية و الواقفة [1] ، و يعارضون بما ذكرناه و لايجدون فصلا.

فأما أصحاب جعفر فان أمرهم مبني علي امامة محمد، و اذا سقط قول هذا الفريق لعدم الدلالة علي صحته و قيامها علي امامة أبي محمد عليه السلام، فقد بان فساد ما ذهبوا اليه [2] .

و هؤلاء الذين ضلوا عن الطريق و انحرفوا عن سبيل الحق، قد امتحن الامام أبومحمد الحسن العسكري عليه السلام في أمرهم كأشد ما يكون الامتحان، فقد شككوا في امامته عليه السلام و آذوه كما ورد في العديد من الروايات، منها ما رواه الشيخ الصدوق



[ صفحه 39]



بالاسناد عن أحمد بن اسحاق، قال:

خرج عن أبي محمد عليه السلام الي بعض رجاله في عرض كلام له: ما مني أحد من آبائي عليهم السلام بما منيت به من شك هذه العصابة في، فان كان هذا الأمر أمرا اعتقدتموه و دنتم به الي وقت ثم ينقطع فللشك موضع، و ان كان متصلا ما اتصلت امور الله عزوجل، فما معني هذا الشك؟ [3] .

و هكذا يضع الامام عليه السلام النقاط علي الحروف حيث جعل الشك في الامامة علي نوعين: الأول شك مؤقت و محدود الي وقت، حيث يشك البعض ممن لم يصل اليه الخبر عن الثقة شكا محدودا لا يلبث أن يزول بمجرد أن يتبين الحق، و ذلك جار لكثير من الأصحاب الذين تأثروا ببعض المقالات الباطلة في الامامة ثم عرفوا الحق فعرفوا أهله و عادوا الي السبيل السوي، و قد ذكرنا في كتاب (الكاظم موسي عليه السلام) و كتاب (الرضا علي عليه السلام) من هذه السلسلة نماذج من الأصحاب الذين تأثروا بالواقفة ثم عادوا عن شكهم و تمسكوا بحبل الامامة و بولاية الثقلين الحقة.

و في زمان الامام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام شك البعض في امامته بعد شهادة أبيه عليه السلام شكا مؤقتا أيضا ثم عادوا الي الحق، كما يدل علي ذلك رواية الشيخ الصدوق بالاسناد الي أحمد بن اسحاق، قال: دخلت علي مولانا أبي محمد الحسن ابن علي العسكري عليه السلام فقال: يا أحمد، ما كان حالكم فيما كان فيه الناس من الشك و الارتياب؟

فقلت له: يا سيدي لما ورد الكتاب لم يبق منا رجل و لا امرأة و لا غلام بلغ الفهم الا قال بالحق.



[ صفحه 40]



فقال عليه السلام: أحمد الله علي ذلك يا أحمد، أما علمتم أن الأرض لاتخلو من حجة و أنا ذلك الحجة - أو قال: أنا الحجة - [4] .

و للامام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام وصايا و كتب كثيرة أرسلها الي شيعته، دعاهم فيها الي التمسك بالحق و السير علي هدي أهل البيت عليهم السلام سنذكرها في الفصل الخاص بالحكم و الوصايا من هذا الكتاب، و هذه الكتب تدل في ثناياها علي أن بعض الشيعة قد شك في امامته عليه السلام، لكن شكهم كان مؤقتا، و لم يلبث أن زال فتمسكوا بامامته عليه السلام.

أما النوع الثاني من الشك الذي ذكره الامام عليه السلام في حديثه المتقدم، فهو الشك المتصل من قبل اولئك المنحرفين الذين زاغت ضمائرهم و استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، فلم يكن شكهم ينتهي عند امامة الامام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام و حسب، بل يتصل الي الامام من بعده (الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام)، و مثل هذه الثلة المنحرفة كان لها الأثر في اختلاف الشيعة بعد شهادة الامام الحسن العسكري عليه السلام و قد توقع الامام عليه السلام في حياته الكريمة اختلاف شيعته في سنة 260 ه [5] و حدث ذلك بالفعل كما سنأتي علي بيانه في هذا الفصل.


پاورقي

[1] راجع (الصادق جعفر عليه السلام) و (الكاظم موسي عليه السلام) من هذه السلسلة، فقد استوفينا فيهما الردود علي هذه الفرق الشاذة و بينا الدواعي الي نشوئها.

[2] الفصول المختارة: 258 -257.

[3] كمال الدين: 222 / 10.

[4] كمال الدين: 222 / 9.

[5] راجع كمال الدين: 408 / 6.