هيبته و مكانته الاجتماعية
علي الرغم من الارهاب الذي مارسته السلطة السياسية تجاه الامام عليه السلام و أصحابه و المعاداة لهم و ملاحقتهم و زجهم في السجون، فلقد كان الامام عليه السلام يحظي بوافر التعظيم و التبجيل، و كان غالب الناس يمنحونه الولاء و التكريم، فكان عليه السلام علما لا يخفي و اماما لا يجهله أحد من أهل عصره، فلم يستطع خلفاء الجور اخفاء شخصيته أو تحجيم دوره السياسي و العلمي و مكانته الاجتماعية، بل ان هيبته و جلالته فرضت حتي علي خصومه و مناوئيه.
و قد بلغت هيبته في نفوس الناس حدا لا يوصف، بحيث ان ساجنه بمجرد أن ينظر اليه الامام عليه السلام يرتعد خوفا و فزعا، و لا تفسير لذلك الا هيبة الامام عليه السلام و الا رئاسته الحقة التي تفرض نفسها علي الناس أجمعين.
و لا يخفي أن من ينقطع الي الله تعالي تهابه الملوك و الجبابرة فضلا عن الوحوش الكاسرة، و قد جاء في الحديث: «ان المؤمن يخشع له كل شي ء، و أن من يخاف الله يخاف منه كل شي ء، حتي هوام الأرض و سباعها، و طيور السماء».
و من مظاهر جلالته و هيبته في نفوس الناس حتي رجال السلطة ما روي عن الوزير عبيدالله بن خاقان أنه كان يكني الامام عليه السلام بحضرته، و لم يجسر أحد أن يكني أحدا بحضوره الا الخليفة أو ولي عهده، و كان يعانقه و يقبل وجهه و صدره، و يأخذ بيده حتي يجلسه علي مصلاه و يكلمه و يفديه بنفسه [1] .
و وصفه ولده أحمد بن عبيدالله بن خاقان بقوله: ما سألت أحدا من بني
[ صفحه 89]
هاشم و القواد و الكتاب و القضاة و الفقهاء و سائر الناس الا وجدته عنده في غاية الاجلال و الاعظام و المحل الرفيع و القول الجميل و التقديم له علي جميع أهل بيته و مشايخه، فعظم قدره عندي اذ لم أر له وليا و لا عدوا الا و هو يحسن القول فيه و الثناء عليه [2] .
و يصف أحمد بن عبيدالله بن خاقان جانبا من مكانة الامام و مقامه الاجتماعي و تعلق الناس به و احترامهم له، حيث قال: فلما ذاع خبر وفاته صارت سر من رأي ضجة واحدة، و عطلت الأسواق، و ركب بنوهاشم و القواد و الكتاب و القضاة و المعدلون و سائر الناس الي جنازته، فكانت سر من رأي يومئذ شبيهة بالقيامة [3] .
و هذا هو التعظيم الذي لم يفرض بقوة السلاح و صولة السلطان، بل يأتي من فضل المعظم و مكارم أخلاقه و حسن سمعته كما وصفه القلب الراوندي بقوله: له جلالة و هيبة حسنة، يعظمه العامة و الخاصة اضطرارا، يعظمونه لفضله و يقدمونه لعفافه و صيانته و زهده و عبادته و صلاحه و اصلاحه [4] .
و قد وصفه الموكلون به في سجن صالح بن وصيف: ما نقول في رجل يصوم النهار و يقوم الليل كله، و لا يتكلم و لا يتشاغل بغير العبادة، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا و داخلنا ما لا نملكه من أنفسنا [5] .
[ صفحه 90]
پاورقي
[1] الارشاد 2: 321.
[2] الارشاد 2: 323.
[3] الارشاد 2: 324.
[4] الأنوار البهية: 251.
[5] الكافي 1: 429، الارشاد 2: 334، بحارالأنوار 50: 308 / 6.