بازگشت

الارشاد و التوجيه


لقد كان الامام العسكري عليه السلام علي جانب عظيم من سمو الأخلاق، و كان ذلك من أبرز مكوناته النفسية، و قد أثر الامام عليه السلام بحسن سمته و مكارم أخلاقه علي أعدائه و ساجنيه، فانقلبوا من بغضه و الحقد عليه الي حبه و الاخلاص له.

فقد اودع الامام عليه السلام في سجن علي بن اوتامش، و كان من أشد الناس عداوة لآل البيت عليهم السلام و فوق ذلك اوصي بأن ينكل بالامام، لكنه تأثر بهدي الامام و عبادته و مكارم أخلاقه، ليأتي الي ساحل الأمان واضعا خده علي الأرض تواضعا للامام عليه السلام، و لا يرفع بصره اليه هيبة و جلالا.

روي الشيخ الكليني و غيره بالاسناد عن محمد بن اسماعيل العلوي، قال: حبس أبومحمد عليه السلام عند علي بن اوتامش، و كان شديد العداوة لآل محمد عليهم السلام غليظا علي آل أبي طالب، و قيل له: افعل به و افعل، قال: فما أقام الا يوما حتي وضع خده له، و كان لا يرفع بصره اليه اجلالا و اعظاما، و خرج من عنده و هو أحسن الناس بصيرة و أحسنهم قولا فيه [1] .

و عن محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن موسي، قال: دخل العباسيون علي صالح بن وصيف عندما حبس أبومحمد عليه السلام فقالوا له: ضيق عليه و لا توسع، فقال لهم صالح: ما أصنع به، قد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه، فقد صاروا من العبادة و الصلاة و الصيام الي أمر عظيم [2] .



[ صفحه 91]



و قد وصل تأثير الامام عليه السلام بسيرته العملية الي قاعدة واسعة من طبقات الامة، فهذه امرأة نحرير الموكل بسجن الامام عليه السلام في زمان المعتمد تحذر زوجها من الاساءة الي الامام عليه السلام و تذكره بصلاحه و عبادته [3] .

و اهتدي به عليه السلام أحد النواصب و اعتقد الحق لما رأي من دلائله و مكارم أخلاقه [4] .

و أسلم علي يده من النصاري صاعد بن مخلد، لما رأي من حسن سمته و دلائله [5] .

أما توجيه أصحابه و نصحهم و رفع معنوياتهم، فقد ورد الكثير من ذلك، ذكرنا أكثره في حكمه و نصائحه و مواعظه، (و كانت تلك التوجيهات تشكل حجر الزاوية في تأجيج نار الايمان و نور الاخلاص و عاطفة العقيدة عند أصحابه و مواليه، و زرع روح التضحية و الجهاد فيهم، و هم أحوج ما يكونون الي التضحية و الجهاد. و هذا التعليم و التوجيه كان مستمرا من كل امام من آبائه عليهم السلام تجاه مواليه و أصحابه في عصره، بالشكل الذي يتلائم و حوادث و متطلبات ذلك العصر، و من هنا نجد أن الامام العسكري عليه السلام يشارك آباءه في هذا التعليم الايماني و التوجيه الجهادي، حفاظا علي الخط العريض، و سيرا علي المخطط الكبير الذي التزموه عليهم السلام) [6] .



[ صفحه 92]



و من أقرب المصاديق علي ما ذكرناه وصاياه التي جاءت في كتابه الي اسحاق بن اسماعيل و علي بن بابويه و سنذكرها في حكمه و مواعظه، و كان عليه السلام يدعوهم الي الابتعاد عن الغلو و محاربته، مؤكدا بأنهم عليهم السلام عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون [7] .

تلك مقتطفات موجزة تحدث بها الرواة و المؤرخون عن مكارم أخلاق الامام عليه السلام و فضائله و مناقبه من العبادة و التقوي و الزهد و الانقطاع الي الله تعالي، تضي ء لنا الطريق السوي في الحياة و تعلمنا دروسا في الصبر و الثبات و التوجه الي الله في أحلك الظروف و أشدها.



[ صفحه 93]




پاورقي

[1] الارشاد 2: 329، الكافي 1: 425 / 8، بحارالأنوار 50: 307 / 4.

[2] الارشاد 2: 334، الكافي 1: 429 / 23، بحارالأنوار 50: 308 / 6.

[3] الكافي 1: 430 / 26، اعلام الوري: 360، بحارالأنوار 50: 309 / 7.

[4] مسند الامام العسكري عليه السلام: 99 / 70.

[5] بحارالأنوار 50: 281.

[6] الغيبة الصغري؛ للسيد الصدر: 207.

[7] مسند الامام العسكري عليه السلام: 90 / 31.