بازگشت

وصاياه و رسائله


أما وصايا الامام الحسن العسكري عليه السلام فقد حفلت بروائع التربية الاسلامية و المواعظ الحكيمة التي ترفد الشخصية المسلمة و ترفعها الي ذروة الفضيلة و الكمال، فهي تشتمل علي ذخائر الآداب الاسلامية الداعية الي تقوي الله، و الورع عن محارم الله، و صدق الحديث، و أداء الأمانة، و حسن الجوار، و حسن السلوك، و طيب المعاشرة، و الاكثار من ذكر الله و ذكر الموت و تلاوة القرآن، فجدير بمن يسمعها أن يأخذها بمحمل الجد و التطبيق و يخرجها الي حيز العمل.

و للامام عليه السلام رسائل كثيرة الي شيعته و أصحابه من مختلف الأقطار و البلدان و هي تحمل في طياتها دعوة للاسلام و تعاليمه السامية و الحث علي العمل بها، و تحتوي علي كثير من الوصايا التوجيهية و التربوية، و في ما يلي أهم وصايا الامام العسكري عليه السلام و رسائله:

1- كتب اليه بعض شيعته يعرفه اختلاف الشيعة، فكتب عليه السلام: انما خاطب الله العاقل، و الناس في علي طبقات: المستبصر علي سبيل نجاة، متمسك بالحق، متعلق بفرع الأصل، غير شاك و لا مرتاب، لا يجد عني ملجأ. و طبقة لم تأخذ الحق من أهله، فهم كراكب البحر يموج عند موجه و يسكن عند سكونه. و طبقة استحوذ عليهم الشيطان، شأنهم الرد علي أهل الحق و دفع الحق بالباطل حسدا من عند أنفسهم، فدع من ذهب يمينا و شمالا، و اياك و الاذاعة و طلب الرئاسة، فانهما



[ صفحه 165]



يدعوان الي الهلكة [1] .

2- و قال عليه السلام لشيعته: اوصيكم بتقوي الله و الورع في دينكم، و الاجتهاد لله و صدق الحديث، و أداء الأمانة الي من ائتمنكم من بر أو فاجر، و طول السجود، و حسن الجوار، فبهذا جاء محمد صلي الله عليه و آله، صلوا في عشائرهم، و اشهدوا جنائزهم، و عودوا مرضاهم، و أدوا حقوقهم، فان الرجل منكم اذا ورع في دينه و صدق في حديثه و أدي الأمانة و حسن خلقه مع الناس، قيل: هذا شيعي، فيسرني ذلك.

اتقوا الله و كونوا زينا، و لا تكونوا شينا، جروا الينا كل مودة، و ادفعوا عنا كل قبيح، فانه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله، و ما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك، لنا حق في كتاب الله، و قرابة من رسول الله صلي الله عليه و آله، و تطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا الا كذاب.

أكثروا ذكر الله و ذكر الموت و تلاوة القرآن و الصلاة علي النبي صلي الله عليه و آله، فان الصلاة علي رسول الله صلي الله عليه و آله عشر حسنات، احفظوا ما وصيتكم به و أستودعكم الله و أقرأ عليكم السلام [2] .

3- و جاء في كتابه عليه السلام الي اسحاق بن اسماعيل النيشابوري:

سترنا الله و اياك بستره، و تولاك في جميع امورك بصنعه، فهمت كتابك يرحمك الله، و نحن بحمد الله و نعمته أهل بيت نرق علي أوليائنا، و نسر بتتابع احسان



[ صفحه 166]



الله اليهم و فضله لديهم، و نعتد بكل نعمة ينعمها الله تبارك و تعالي عليهم، فأتم الله عليك يا اسحاق و علي من كان مثلك - ممن قد رحمه الله و بصره بصيرتك - نعمته، و قدر تمام نعمته دخول الجنة، و ليس من نعمة و ان جل أمرها و عظم خطرها الا و «الحمد لله» تقدست أسماؤه عليها مؤد شكرها.

و أنا أقول: الحمد لله أفضل ما حمده حامده الي أبد الأبد بما من الله عليك من رحمته، و نجاك من الهلكة، و سهل سبيلك علي العقبة، و ايم الله انها لعقبة كؤود، شديد أمرها، صعب مسلكها، عظيم بلاؤها، قديم في الزبر الاولي ذكرها، و لقد كانت منكم في أيام الماضي عليه السلام الي أن مضي لسبيله، و في أيامي هذه امور كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي و لا مسددي التوفيق.

فاعلم يقينا يا اسحاق أنه من خرج من هذه الدنيا أعمي فهو في الآخرة أعمي و أضل سبيلا.

يا اسحاق، ليس تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور، و ذلك قول الله في محكم كتابه حكاية عن الظالم اذ يقول: (رب لم حشرتني أعمي و قد كنت بصيرا - قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسي) [3] ، و أي آية أعظم من حجة الله علي خلقه و أمينه في بلاده و شهيده علي عباده من بعد من سلف من آبائه الأولين و النبيين و آبائه الآخرين الوصيين عليهم أجمعين السلام و رحمة الله و بركاته؟

فأين يتاه بكم، و أين تذهبون كالأنعام علي وجوهكم؟ عن الحق تصدفون، و بالباطل تؤمنون، و بنعمة الله تكفرون، أو تكونون ممن يؤمن ببعض الكتاب



[ صفحه 167]



و يكفر ببعض! فما جزاء من يفعل ذلك منكم و من غيركم الا خزي في الحياة الدنيا و طول عذاب في الآخرة الباقية، و ذلك و الله الخزي العظيم.

ان الله بمنه و رحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه اليكم، بل برحمة منه - لا اله الا هو - عليكم ليميز الخبيث من الطيب، و ليبتلي ما في صدوركم، و ليمحص ما في قلوبكم و لتسابقوا الي رحمة الله، و لتتفاضل منازلكم في جنته.

ففرض عليكم الحج و العمرة و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة و الصوم و الولاية، و جعل لكم بابا تستفتحون به أبواب الفرائض و مفتاحا الي سبيله، لولا محمد صلي الله عليه و آله و الأوصياء من ولده لكنتم حياري كالبهائم لا تعرفون فرضا من الفرائض، و هل تدخل مدينة الا من بابها؟

فلما من عليكم باقامة الأولياء بعد نبيكم قال الله في كتابه: (اليوم أكلمت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا) [4] ففرض عليم لأوليائه حقوقا أمركم بأدائها ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم و أموالكم و مآكلكم و مشاربكم، قال الله: (قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي) [5] و اعلموا أن من يبخل فانما يبخل عن نفسه و الله الغني و أنتم الفقراء، لا اله الا هو، و لقد طالت المخاطبة فيما هو لكم و عليكم.

و لولا ما يحب الله من تمام النعمة من الله عليكم لما رأيتم لي خطا، و لا سمعتم مني حرفا من بعد مضي الماضي عليه السلام، و أنتم في غفلة مما اليه معادكم، و من بعد



[ صفحه 168]



اقامتي لكم ابراهيم بن عبدة و كتابي الذي حمله اليكم محمد بن موسي النيسابوري [6] و الله المستعان علي كل حال.

اياكم أن تفرطوا في جنب الله فتكونوا من الخاسرين، فبعدا و سحقا لمن رغب عن طاعة الله و لم يقبل مواعظ أوليائه، فقد أمركم الله بطاعته و طاعة رسوله و طاعة اولي الأمر، رحم الله ضعفكم و غفلتكم و صبركم علي أمركم، فما أغر الانسان بربه الكريم، و لو فهمت الصم الصلاب بعض ما هو في هذا الكتاب لتصدعت قلقا و خوفا من خشية الله و رجوعا الي طاعة الله.

اعملوا ما شئتم (فسيري الله عملكم و رسوله و المؤمنون و ستردون الي عالم الغيب و الشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) [7] و الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آل أجمعين [8] .

4- و من وصاياه عليه السلام ما كتبه الي أهل قم و آبة: ان الله تعالي بجوده و رأفته قد من علي عباده بنبيه محمد صلي الله عليه و آله بشيرا و نذيرا و وفقكم لقبول دينه، و أكرمكم بهدايته، و غرس في قلوب أسلافكم الماضين (رحمة الله عليه) و أصلابكم الباقين



[ صفحه 169]



(تولي كفايتهم، و عمرهم طويلا في طاعته حب العترة الطاهرة) فمضي من مضي علي و تيرة الصواب و منهاج الصدق و سبيل الرشاد، فوردوا موارد الفائزين، و اجتنوا ثمرات ما قدموا و وجدوا غب ما أسلفوا.

و منها: فلم تزل نيتنا مستحكمة، و نفوسنا الي طيب آرائكم ساكنة، و القرابة الواشجة بيننا و بينكم قوية، وصية أوصي بها أسلافنا و أسلافكم، و عهد عهد الي شباننا و مشايخكم، فلم يزل علي جملة كاملة من الاعتقاد، لما جعلنا الله عليه من الحال القريبة و الرحم الماسة، يقول العالم (سلام الله عليه) اذ يقول: «المؤمن أخو المؤمن لامه و أبيه» [9] .

5- و منها ما كتبه الي علي بن الحسين بن بابويه: اعتصمت بحبل الله، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله رب العالمين، و العاقبة للمتقين، و الجنة للموحدين، و النار للملحدين، و لا عدوان الا علي الظالمين، و لا اله الا الله أحسن الخالقين، و الصلاة علي خير خلقه محمد و عترته الطاهرين.

اوصيك بتقوي الله و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة فانه لا تقبل الصلاة من مانع الزكاة، و اوصيك بمغفرة الذنب و كظم الغيظ و صلة الرحم و مواساة الاخوان و السعي في حوائجهم في العسر و اليسر و الحلم عند الجهل و التفقه في الدين و التثبت في الامور، و التعاهد للقرآن، و حسن الخلق، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، قال الله تعالي: (لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس) [10] و اجتناب الفواحش كلها، و عليك بصلاة الليل فان النبي



[ صفحه 170]



صلي الله عليه و آله أوصي عليا عليه السلام فقال: يا علي، عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، و من استخف بصلاة الليل فليس منا، فاعمل بوصيتي، و أمر جميع شيعتي بما أمرتك به حتي يعملوا عليه.

عليك بالصير و انتظار الفرج [فقد] قال النبي صلي الله عليه و آله: أفضل أعمال امتي انتظار الفرج، و لا يزال شيعتنا في حزن حتي يظهر ولدي الذي بشر به النبي صلي الله عليه و آله فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما، فاصبر يا شيخي يا أباالحسن علي، و أمر جميع شيعتي بالصبر، فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين [11] .

الي غير ذلك من وصاياه و نصائحه عليه السلام و التي كان لها الدور في تربية و توجيه تلامذته و شيعته علي مكارم الأخلاق و قيم و مثل الاسلام العليا، ليكونوا قدوة في العلم و الزهد و العبادة و الخلق القويم، و ليصنع منهم تلامذة لمدرسة أهل البيت عليهم السلام مدرسة الاسلام الأصيل.

و لمزيد من الاطلاع علي رسائل الامام الهادي عليه السلام الي أصحابه و شيعته راجع كتاب معادن الحكمة 2: 274 - 250.



[ صفحه 171]




پاورقي

[1] تحف العقول: 486، اثبات الوصية: 239 بتفصيل أكثر.

[2] تحف العقول: 487.

[3] طه: 125 و 126.

[4] المائدة: 3.

[5] الشوري: 23.

[6] ابراهيم بن عبدة و محمد بن موسي النيسابوري، كلاهما من أصحاب الامام الهادي و العسكري عليهماالسلام، راجع كتابنا (الهادي علي عليه السلام)، و الفصل الخاص بأصحاب الامام العسكري عليه السلام من هذا الكتاب.

[7] التوبة: 105.

[8] تحف العقول: 484، علل الشرائع 1: 247، بحارالأنوار319: 78 / 16، رجال الكشي: 485 -481.

[9] المناقب 4: 425، بحارالأنوار 78: 317 / 14.

[10] النساء: 114.

[11] المناقب 4: 425، الأنوار البهية: 264، بحارالأنوار 78: 317 / 14.