فاتحة الكتاب
6- روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن محمد بن القاسم الاسترآبادي المفسر، قال: حدثني يوسف بن محمد بن زياد، و علي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد عليه السلام، في قوله تعالي: (اهدنا الصراط المستقيم).
قال عليه السلام: أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ماضي أيامنا حتي نطيعك
[ صفحه 177]
كذلك في مستقبل أعمارنا.
و الصراط المستقيم هو صراطان: صراط في الدنيا، و صراط في الآخرة، و أما الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلو و ارتفع عن التقصير و استقام فلم يعدل الي شي ء من الباطل، و أما الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين الي الجنة الذي هو مستقيم لا يعدلون عن الجنة الي النار و لا الي غير النار سوي الجنة.
قال عليه السلام: و قال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في قوله عزوجل: (اهدنا الصراط المستقيم) قال: يقول ارشدنا الصراط المستقيم، ارشدنا للزوم الطريق المؤدي الي محبتك و المبلغ دينك، و المانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب، أو نأخذ بآرائنا فنهلك.
ثم قال عليه السلام: فان من اتبع هواه و أعجب برأيه، كان كرجل سمعت غثاء العامة تعظمه و تصفه، فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره و محله، فرأيته و قد أحدق به خلق كثير من غثاء العامة، فوقفت منتبذا عنهم متغشيا بلثام أنظر اليه و اليهم، فما زال يراوغهم حتي خالف طريقهم و فارقهم و لم يقر، فتفرقت العوام عنه لحوائجهم، و تبعته أقتفي أثره، فلم يلبث أن مر بخباز فتغفله، فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة، فتعجبت منه، ثم قلت في نفسي: لعله معاملة، ثم أقول في نفسي: و ما حاجته اذن الي المسارقة؟ ثم لم أزل أتبعه حتي مر بصاحب دكان فسرق منه رمانتين، فتعجبت ثم مر بمريض فوضع الرغيفين و الرمانتين بين يديه و مضي، و تبعته حتي استقر في بقعة من الصحراء، فقلت له: يا عبدالله، لقد سمعت بك و أحببت لقاءك، فلقيتك ولكني رأيت منك ما شغل قلبي؟ و اني سائلك عنه ليزول به شغل قلبي.
قال: ما هو؟ قلت: رأيتك مررت بخباز و سرقت منه رغيفين، ثم بصاحب
[ صفحه 178]
الرمان و سرقت منه رمانتين؟ قال: فقال لي: قبل كل شي ء حدثني من أنت؟ قلت: من ولد آدم عليه السلام من أمة محمد صلي الله عليه و آله. قال: حدثني من أنت؟ قلت: رجل من أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله. قال: أين بلدك؟ قلت: المدينة. قال: لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب؟ قلت: بلي.
فقال لي: فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به و تركك علم جدك و أبيك لئلا تنكر ما يجب أن يحمد و يمدح عليه فاعله؟ قلت: و ما هو؟ قال: القرآن كتاب الله. قلت: و ما الذي جهلت منه؟ قال: قول الله عزوجل: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها و من جاء بالسيئة فلا يجزي الا مثلها) [1] ، و اني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين، و لما سرقت الرمانتين كانت سيئتين، فهذه أربع سيئات. فلما تصدقت بكل واحد منهما كان لي بها أربعين حسنة، فانتقص من أربعين حسنة أربع بأربع سيئات، بقي لي ست و ثلاثون حسنة.
قلت: ثكلتك امك، أنت الجاهل بكتاب الله، أما سمعت أنه عزوجل يقول: (انما يتقبل الله من المتقين) [2] ؟ انك لما سرقت رغيفين كانت سيئتين، و لما سرقت رمانتين كانت أيضا سيئتين، و لما دفعتهما الي غيرك صاحبيهما بغير أمر صاحبيهما كنت انما أضفت أربع سيئات الي أربع سيئات، و لم تضف أربعين حسنة الي أربع سيئات، فجعل يلاحظني فانصرفت و تركته.
قال الصادق عليه السلام: بمثل هذا التأويل القبيح المستكره يضلون و يضلون، و هذا نحو تأويل معاوية لما قتل عمار بن ياسر رحمه الله فارتعدت فرائص خلق كثير،
[ صفحه 179]
و قالوا: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «عمار تقتله الفئة الباغية» فدخل عمرو علي معاوية و قال: يا أميرالمؤمنين، قد هاج الناس و اضطربوا. قال: لماذا؟ قال: قتل عمار.
فقال معاوية: قتل عمار فماذا؟ قال: أليس قد قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «عمار تقتله الفئة الباغية»؟ قال له معاوية: دحضت في قولك، أنحن قتلناه؟! انما قتله علي بن أبي طالب لما ألقاه بين رماحنا. فاتصل ذلك بعلي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: اذن رسول الله صلي الله عليه و آله هو الذي قتل حمزة لما ألقاه بين رماح المشركين!
ثم قال الصادق عليه السلام: طوبي للذين هم كما قال رسول الله صلي الله عليه و آله: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، و انتحال المبطلين، و تأويل الجاهلين [3] .
7- و روي الشيخ الصدوق بنفس الاسناد المتقدم، قال: قال الحسن بن علي ابن محمد عليه السلام في قوله تعالي: (صراط الذين أنعمت عليهم) أي قولوا: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك و طاعتك، و هم الذين قال الله عزوجل: (و من يطع الله و الرسول فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقا) [4] .
و حكي هذا بعينه عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال: ثم قال: ليس هؤلاء المنعم عليهم بالمال و صحة البدن، و ان كان كل هذا نعمة من الله ظاهرة، ألا ترون أن هؤلاء قد يكونون كفارا أو فساقا؟ فما ندبتم الي أن تدعو بأن ترشدوا الي
[ صفحه 180]
صراطهم، و انما امرتم بالدعاء بأن ترشدوا الي صراط الذين أنعم الله عليهم بالايمان بالله و تصديق رسوله و بالولاية لمحمد و آله الطاهرين و أصحابه الخيرين المنتجبين، و بالتقية الحسنة التي يسلم بها من شر عباد الله، و من الزيادة في آثام أعداء الله و كفرهم، بأن تداريهم و لا تغريهم بأذاك و أذي المؤمنين، و بالمعرفة بحقوق الاخوان من المؤمنين.
فانه ما من عبد و لا أمة و الي محمد و آل محمد عليهم السلام و عادي من عاداهم الا كان قد اتخذ من عذاب الله حصنا منيعا و جنة حصينة، و ما من عبد و لا أمة داري عباد الله فأحسن المداراة فلم يدخل بها في باطل، و لم يخرج بها من حق الا جعل الله عزوجل نفسه تسبيحا، و زكي عمله، و أعطاه بصيرة علي كتمان سرنا و احتمال الغيظ لما يسمعه من أعدائنا ثواب المتشحط بدمه في سبيل الله.
و ما من عبد أخذ نفسه بحقوق اخوانه فوفاهم حقوقهم جهده و أعطاهم ممكنه، و رضي عنهم بعفوهم، و ترك الاستقصاء عليهم فيما يكون من زللهم و اغتفرها لهم، الا قال الله له يوم يلقاه: يا عبدي قضيت حقوق اخوانك، و لم تستقص عليهم فيما لك عليهم، فأنا أجود و أكرم و أولي بمثل ما فعلته من المسامحة و الكرم، فاني أقضيك اليوم علي حق ما وعدتك به، و أزيدك من فضلي الواسع، و لا أستقصي عليك في تقصيرك في بعض حقوقي، قال: فيلحقهم بمحمد و آله عليهم السلام و يجعله في خيار شيعتهم.
ثم قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبدالله أحب في الله، و أبغض في الله، و وال في الله، و عاد في الله، فانه لا تنال ولاية الله الا بذلك، و لا يجد رجل طعم الايمان و ان كثرت صلاته و صيامه حتي يكون كذلك، و قد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا، عليها يتوادون، و عليها يتباغضون،
[ صفحه 181]
و ذلك لا يغني عنهم من الله شيئا.
فقال الرجل: يا رسول الله، فكيف لي أن أعلم أني قد واليت و عاديت في الله، و من ولي الله حتي اواليه؟ و من عدوه حتي اعاديه؟ فأشار له رسول الله صلي الله عليه و آله الي علي عليه السلام فقال: أتري هذا؟ قال: بلي. قال: ولي هذا ولي الله فواله، و عدو هذا عدو الله فعاده، و وال ولي هذا و لو أنه قاتل أبيك و ولدك، و عاد عدو هذا ولو أنه أبوك أو ولدك [5] .
8- و روي و رام عن الامام الحسن بن علي العسكري عليه السلام في قوله تعالي: (اياك نعبد و اياك نستعين) قال: قال الله عزوجل: قولوا يا أيها الخلق المنعم عليهم: اياك نعبد أيها المنعم علينا، نطيعك مخلصين مع التذلل و الخشوع بلا رياء و لا سمعة (و اياك نستعين) منك نسأل المعونة علي طاعتك لنؤديها كما أمرت، و نتقي في دنيانا عما عنه نهيت، و نعتصم من الشيطان و من سائر مردة الانس من المضلين و من المؤذين الظالمين بعصمتك [6] .
9- و عن الامام أبومحمد الحسن العسكري عليه السلام في قوله تعالي: (غير المغضوب عليهم) قال عليه السلام: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: أمر الله عزوجل عباده أن يسألوه طريق المنعم عليهم، و هم: النبيون و الصديقون و الشهداء و الصالحون، و أن
[ صفحه 182]
يستعيذوا به من طريق المغضوب عليهم، و هم اليهود الذين قال الله تعالي فيهم: (قل هل انبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله و غضب عليه) [7] ، و أن يستعيذوا به من طريق الضالين، و هم الذين قال الله تعالي فيهم: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق و لا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل و أضلوا كثيرا و ضلوا عن سواء السبيل) [8] ، و هم النصاري.
ثم قال أميرالمؤمنين عليه السلام: كل من كفر بالله فهو مغضوب عليه و ضال عن سبيل الله عزوجل.
و قال الرضا عليه السلام كذلك و زاد فيه فقال: و من تجاوز بأميرالمؤمنين عليه السلام العبودية، فهو من المغضوب عليهم و من الضالين [9] .
10- قال الامام أبومحمد الحسن العسكري عليه السلام: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: فاتحة الكتاب هذا أعطاها الله محمدا صلي الله عليه و آله و امته، بدأ فيها بالحمد لله و الثناء عليه، ثم ثني بالدعاء لله عزوجل.
و لقد سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: قال الله عزوجل: قسمت الحمد بيني و بين عبدي نصفين، فنصفها لي و نصفها لعبدي، و لعبدي ما سأل، اذا قال العبد (بسم الله الرحمن الرحيم) قال الله عزوجل: بدأ عبدي باسمي حق علي أن اتمم له اموره،
[ صفحه 183]
و ابارك له في أحواله.
فاذا قال: (الحمدلله رب العالمين) قال الله عزوجل: حمدني عبدي، و علم أن النعم التي له من عندي، و أن البلايا التي اندفعت عنه فبتطولي، اشهدكم يا ملائكتي أني اضيف له نعيم الدنيا الي نعيم الآخرة، و أدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا.
فاذا قال: (الرحمن الرحيم) قال الله عزوجل: شهد لي عبدي بأني الرحمن الرحيم، اشهدك لاوفرن من رحمتي حظه، و لاجزلن من عطائي نصيبه.
فاذا قال: (مالك يوم الدين) قال الله تعالي: اشهدكم كما اعترف بأني أنا المالك ليوم الدين، لامهلن يوم الحساب عليه حسابه، و لأتقبلن حسناته و لأتجاوزن عن سيئاته.
فاذا قال العبد: (اياك نعبد) قال الله تعالي: صدق عبدي اياي يعبد، اشهدكم لاثيبنه علي عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي، فاذا قال: (و اياك نستعين) قال الله عزوجل: بي استعان عبدي، و الي التجأ، اشهدكم لاعيننه علي أمره، و لأغيثنه في شدائده، و لآخذن بيده يوم نوائبه.
فاذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم) الي آخرها، قال الله عزوجل: هذا لعبدي، و لعبدي ما سأل، و قد استجبت لعبدي، و أعطيته ما أمل، و آمنته مما منه و جل.
قيل: يا أميرالمؤمنين، أخبرنا عن (بسم الله الرحمن الرحيم) أهي من فاتحة الكتاب؟
فقال: نعم، كان رسول الله صلي الله عليه و آله يقرؤها و يعدها آية منها، و يقول: فاتحة
[ صفحه 184]
الكتاب هي السبع المثاني، فضلت ب (بسم الله الرحمن الرحيم) و هي الآية السابعة منها [10] .
پاورقي
[1] الأنعام: 160.
[2] المائدة: 27.
[3] معاني الأخبار: 33 / 4، بحارالأنوار 92: 254.
[4] النساء: 69.
[5] معاني الأخبار: 36 / 9، عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 226 / 41، أمالي الصدوق: 19 / 7، علل الشرائع: 140 / 1.
[6] مجموعة ورام 2: 94، تأويل الآيات 1: 27 / 7، بحارالأنوار 70: 216 و 92: 251.
[7] المائدة: 60.
[8] المائدة: 77.
[9] التفسير المنسوب للامام العسكري عليه السلام: 50، تأويل الآيات 1: 30 / 15، بحارالأنوار 25: 273 / 20.
[10] التفسير المنسوب الي الامام العسكري عليه السلام: 58، بحارالأنوار 85: 59 / 47، عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 234 / 59، أمالي الصدوق: 147 / 1.