بازگشت

سورة البقرة


في معني الحروف المقطعة:

11- روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن أبي يعقوب يوسف بن محمد ابن زياد و أبي الحسن علي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي ابن محمد بن علي عليه السلام أنه قال: كذبت قريش و اليهود بالقرآن و قالوا: سحر مبين تقوله، فقال الله: (ألم ذلك الكتاب) أي يا محمد، هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك هو الحروف المقطعة التي منها (ألف، لام، ميم) و هو بلغتكم و حروف هجائكم فأتوا بمثله ان كنتم صادقين، و استعينوا علي ذلك بسائر شهدائكم.

ثم بين أنهم لا يقدرون عليه بقوله: (قل لئن اجتمعت الانس و الجن علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا) [1] .

ثم قال الله تعالي: (ألم) هو القرآن الذي افتتح ب (ألم) هو (ذلك الكتاب) الذي أخبرت به موسي فمن بعده من الأنبياء، فأخبروا بني اسرائيل أن سانزل عليك يا محمد كتابا عزيزا (لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه



[ صفحه 185]



تنزيل من حكيم حميد) [2] .

(لا ريب فيه) لا شك فيه لظهوره عندهم، كما أخبرهم به أنبياؤهم أن محمدا ينزل عليه كتاب لا يمحوه الباطل، يقرؤه هو و امته علي سائر أحوالهم (هدي) بيان من الضلالة (للمتقين) الذين يقتون الموبقات و يتقون تسليط السفه علي أنفسهم حتي اذا علموا ما يجب عليهم علمه، عملوا بما يوجب لهم رضا ربهم.

قال: و قال الصادق عليه السلام: ثم (الألف) حرف من حروف قول الله، دل بالألف علي قولك (الله) و دل باللام علي قولك (الملك العظيم القاهر للخلق أجمعين) و دل بالميم علي أنه المجيد المحمود في كل أفعاله.

و جعل هذا القول حجة علي اليهود، و ذلك أن الله لما بعث موسي بن عمران، ثم من بعده من الأنبياء الي بني اسرائيل، لم يكن فيهم أحد الا أخذوا عليهم العهود و المواثيق ليؤمنن بمحمد العربي الامي المبعوث بمكة الذي يهاجر الي المدينة، يأتي بكتاب من الحروف المقطعة افتتاح بعض سوره، تحفظه امته فيقرؤونه قياما و قعودا و مشاة و علي كل الأحوال، يسهل الله عزوجل حفظه عليهم، و يقرنون بمحمد صلي الله عليه و آله أخاه و وصيه علي بن أبي طالب عليه السلام الآخذ عنه علومه التي علمها، و المتقلد عنه الأمانة التي قلدها، و مذلل كل من عاند محمدا صلي الله عليه و آله بسيفه الباتر، و يفحم كل من جادله و خاصمه بدليله الظاهر، يقاتل عباد الله علي تنزيل كتاب الله حتي يقودهم الي قبوله طائعين و كارهين، ثم اذا صار محمد صلي الله عليه و آله الي رضوان الله عزوجل، و ارتد كثير ممن كان أعطاه ظاهر الايمان، و حرفوا تأويلاته و غيروا معانيه و وضعوها علي



[ صفحه 186]



خلاف وجوهها، قاتلهم بعد ذلك علي تأويله حتي يكون ابليس الغاوي لهم هو الخاسر الذليل المطرود المغلول.

قال: فلما بعث الله محمدا و أظهره بمكة ثم سيره منها الي المدينة و أظهره بها، ثم أنزل اليه الكتاب، و جعل افتتاح سورته الكبري ب (ألم) يعني (ألم ذلك الكتاب) و هو ذلك الكتاب الذي أخبرت أنبيائي السالفين أني سانزله عليك يا محمد (لا ريب فيه).

فقد ظهر كما أخبرهم به أنبياؤهم أن محمدا صلي الله عليه و آله ينزل عليه كتاب مبارك لا يمحوه الباطل، يقرؤه هو و امته علي سائر أحوالهم، ثم اليهود يحرفونه عن جهته، و يتأولونه علي غير وجهه، و يتعاطون التوصل الي علم ما قد طواه الله عنهم من حال آجال هذه الامة و كم مدة ملكهم، فجاء الي رسول الله صلي الله عليه و آله منهم جماعة، فولي رسول الله صلي الله عليه و آله عليا عليه السلام فخاطبهم، فقال قائلهم: ان كان ما يقول محمد حقا لقد علمناكم قدر ملك امته، هو احدي و سبعون سنة، (الألف) واحد، و (اللام) ثلاثون، و (الميم) أربعون.

فقال علي عليه السلام: فما تصنعون ب (المص) و قد انزل عليه؟ قالوا: هذه احدي و ستون و مائة سنة.

قال: فماذا تصنعون ب (ألر) و قد انزلت عليه؟ فقالوا: هذه أكثر، هذه مائتان و احدي و ثلاثون سنة.

فقال علي عليه السلام: فما تصنعون بما انزل عليه (ألمر)؟ قالوا: هذه مائتان و احدي و سبعون سنة.

فقال علي عليه السلام: فواحدة من هذه له أو جميعها له؟ فاختلط كلامهم؛ فبعضهم قال له: واحدة منها، و بعضهم قال: بل تجمع له كلها، و ذلك سبعمائة و أربع و ثلاثون



[ صفحه 187]



سنة، ثم يرجع الملك الينا - يعني الي اليهود -.

فقال علي عليه السلام: أكتاب من كتب الله نطق بهذا، أم آراؤكم دلتكم عليه؟ فقال بعضهم: كتاب الله نطق به، و قال آخرون منهم: بل آراؤنا دلت عليه.

فقال علي عليه السلام: فأتوا بالكتاب من عند الله ينطق بما تقولون، فعجزوا عن ايراد ذلك، و قال للآخرين: فدلونا علي صواب هذا الرأي. قالوا: صواب رأينا دليله أن هذا حساب الجمل.

فقال علي عليه السلام: كيف دل علي ما تقولون و ليس في هذه الحروف الا ما اقترحتم بلابيان؟ أرأيتم ان قيل لكم: ان هذه الحروف ليست دالة علي هذه المدة لملك امة محمد صلي الله عليه و آله، ولكنها دالة علي أن كل واحد منكم قد لعن بعدد هذا الحساب، أو أن عدد ذلك لكل واحد منكم و منا بعدد هذا الحساب دراهم أو دنانير، أو أن لعلي علي كل واحد منكم دين عدد ماله مثل عدد هذا الحساب؟

قالوا: يا أباالحسن، ليس شي ء مما ذكرته منصوصا عليه في (ألم) و (ألمص) و (ألر) و (ألمر).

فقال علي عليه السلام: و لا شي ء مما ذكرتموه منصوص عليه في (ألم) و (ألمص) و (ألر) و (ألمر) فان بطل قولنا لما قلنا بطل قولك لما قلت.

فقال خطيبهم و منطيقهم: لا تفرح يا علي بأن عجزنا عن اقامة حجة علي دعوانا، فأي حجة لك في دعواك؟ الا أن تجعل عجزنا حجتك، فاذن مالنا حجة فيما نقول، و لكم حجة فيما تقولون.

قال علي عليه السلام: لا سواء، ان لنا حجة هي المعجزة الباهرة [3] ، الي آخر



[ صفحه 188]



الحديث و هو طويل.

12- قال الامام العسكري عليه السلام في قوله تعالي (الذين يؤمنون بالغيب) [4] : وصف هؤلاء المتقين الذين هذا الكتاب هدي لهم فقال: (الذين يؤمنون بالغيب) يعني بما غاب عن حواسهم من الامور التي يلزمهم الايمان بها، كالبعث و النشور و الحساب و الجنة و النار، و توحيد الله تعالي و سائر ما لايعرف بالمشاهدة.

و انما يعرف بدلائل قد نصبها الله عزوجل عليها كآدم و حواء و ادريس و نوح و ابراهيم و الأنبياء الذين يلزمهم الايمان بهم، و بحجج الله تعالي و ان لم يشاهدوهم، و يؤمنون بالغيب، و هم من الساعة مشفقون [5] .

13- و في قوله تعالي (و يقيمون الصلاة) [6] قال الامام العسكري عليه السلام: ثم وصفهم بعد ذلك فقال: (و يقيمون الصلاة) يعني باتمام ركوعها و سجودها و حفظ مواقيتها و حدودها، و صيانتها عما يفسدها و ينقضها [7] .

14- و في قوله تعالي (و مما رزقناهم ينفقون) [8] قال الامام



[ صفحه 189]



العسكري عليه السلام: و مما رزقناهم من الأموال و القوي في الأبدان و الجاه و المقدار ينفقون، يؤدون من الأموال الزكوات، و يجودون بالصدقات، و يحتملون الكل [9] ، و يؤدون الحقوق اللازمات: كالنفقة في الجهاد اذا لزم، و اذا استحب، و كسائر النفقات الواجبات علي الأهلين و ذوي الأرحام القريبات و الآباء و الامهات، و كالنفقات المستحبات علي من لم يكن فرضا عليهم النفقة من سائر القرابات، و كالمعروف بالاسعاف و القرض، و الأخذ بأيدي الضعفاء و الضعيفات.

و يؤدون من قوي الأبدان المعونات كالرجل يقود ضريرا و ينجيه من مهلكة، أو يعين مسافرا أو غير مسافر علي حمل متاع علي دابة قد سقط عنها، أو كدفع عن مظلوم قد قصده ظالم بالضرب أو بالأذي.

و يؤدون الحقوق من الجاه بأن يدفعوا به عن عرض من يظلم بالوقيعة فيه، أو يطلبوا حاجة بجاههم لمن قد عجز عنها بمقداره، فكل هذا انفاق مما رزقه الله تعالي [10] .

15- قال الامام العسكري عليه السلام: فلما ذكر الله هؤلاء المؤمنين و مدحهم، ذكر الكافرين المخالفين لهم في كفرهم، فقال: (ان الذين كفروا) بالله و بما آمن به هؤلاء المؤمنون بتوحيد الله تعالي، و بنبوة محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و بوصيه علي عليه السلام ولي الله و وصي رسول الله و بالأئمة الطاهرين الطيبين خيار عباده الميامين، القوامين بمصالح خلق الله (سواء عليهم ءأنذرتهم) خوفتهم (أم لم تنذرهم) لم تخوفهم،



[ صفحه 190]



فهم (لا يؤمنون) أخبر عن علمه فيهم، و هم الذين قد علم الله عزوجل أنهم لا يؤمنون [11] .

16- و روي الطبرسي بالاسناد عن الامام العسكري عليه السلام في قوله تعالي: (ختم الله علي قلوبهم و علي سمعهم و علي أبصارهم غشاوة و لهم عذاب عظيم) [12] ، قال عليه السلام:

أي و سمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته اذا نظروا اليها بأنهم لما أعرضوا عن النظر فيما كلفوه، و قصروا فيما اريد منهم، و جهلوا ما لزمهم الايمان به، فصاروا كمن علي عينيه غطاء لا يبصر ما أمامه، فان الله عزوجل يتعالي عن العبث و الفساد و عن مطالبة العباد بما منعهم بالقهر منه، فلا يأمرهم بمغالبته، و لا بالمصير الي ما قد صدهم بالقسر عنه، ثم قال: (و لهم عذاب عظيم) يعني في الآخرة العذاب المعد للكافرين، و في الدنيا أيضا لمن يريد أن يستصلحه بما ينزل به من عذاب الاستصلاح لينبهه لطاعته أو من عذاب الاصلاح ليصيره الي عدله و حكمته [13] .

17- و في قوله تعالي: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم و الذين



[ صفحه 191]



من قبلكم لعلكم تتقون) [14] قال الامام الحسن العسكري عليه السلام: قال علي بن الحسين عليه السلام في قوله تعالي: (يا أيها الناس) يعني سائر الناس المكلفين من ولد آدم عليه السلام (اعبدوا ربكم) أي أطيعوا ربكم من حيث أمركم من أن تعتقدوا أن لا اله الا الله وحده لا شريك له و لا شبيه و لا مثل، عدل لا يجور، جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حكيم لا يخطل، و أن محمدا عبده و رسوله صلي الله عليه و آله، و أن آل محمد أفضل آل النبيين، و أن عليا أفضل آل محمد، و أن أصحاب محمد المؤمنين أفضل صحابة المرسلين، و أن امة محمد أفضل امم المرسلين [15] .

ثم قال الله عزوجل: (الذي خلقكم) اعبدوا الذي خلقكم من نطفة من ماء معين، فجعله في قرار مكين، الي قدر معلوم، فقدره فنعم القادر الله رب العالمين.

قال رسول الله صلي الله عليه و آله: ان النطفة تثبت في قرار الرحم أربعين يوما نطفة، ثم تصير علقة أربعين يوما، ثم مضغة أربعين يوما، ثم تجعل بعده عظاما، ثم تكسي لحما، ثم يلبس الله فوقه جلدا، ثم ينبت عليه شعرا، ثم يبعث الله عزوجل اليه ملك الأرحام فيقال له: اكتب أجله و عمله و رزقه، و شقيا يكون أو سعيدا، فيقول الملك: يا رب، أني لي بعلم ذلك؟ فيقال له: استمل ذلك من قراء اللوح المحفوظ، فيستمليه منهم [16] .



[ صفحه 192]



18- و روي الطبرسي بالاسناد عن الامام العسكري عليه السلام في تفسير قوله تعالي: (الذي جعل لكم الأرض فراشا) أنه قال عليه السلام: جعلها ملائمة لطبايعكم موافقة لأجسادكم، لم يجعلها شديدة الحمي و الحرارة فتحرقكم، و لا شديدة البرودة فتجمدكم، و لا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم، و لا شديدة النتن فتعطبكم، و لا شديدة اللين كالماء فتغرقكم، و لا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في حرثكم و أبنيتكم و دفن موتاكم، ولكنه جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به و تتماسكون و تتماسك عليها أبدانكم و بنيانكم، و جعل فيها من اللين ما تنقاد به لحرثكم و قبوركم و كثير من منافعكم، فلذلك جعل الأرض فراشا لكم.

ثم قال: (و السماء بناها) يعني سقفا من فوقكم محفوظا يدير فيها شمسها و قمرها و نجومها لمنافعكم.

ثم قال: (و أنزل من السماء ماء) يعني المطر ينزله من علو، ليبلغ قلل جبالكم و تلالكم و هضابكم و أوهادكم، ثم فرقه رذاذا و وابلا و هطلا و طلا لتنشفه أرضكم، و لم يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة، ليفسد أرضكم و أشجاركم و زروعكم و ثماركم.

ثم قال: (و أخرج به من الثمرات رزقا لكم) يعني مما يخرجه من الأرض رزقا لكم (فلا تجعلوا لله أندادا) أشباها و أمثالا من الأصنام التي لا تعقل و لا تسمع و لا تصبر و لا تقدر علي شي ء (و أنتم تعلمون) [17] أنها لا تقدر علي شي ء



[ صفحه 193]



من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربكم [18] .

19- و قال الامام العسكري عليه السلام: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) لتعتبروا و تتوصلوا به الي رضوانه و تتوقوا به من عذاب نيرانه (ثم استوي الي السماء) أخذ في خلقها و اتقانها (فسواهن سبع سماوات و هو بكل شي ء عليم) [19] و لعلمه بكل شي ء علم المصالح، فخلق لكم كل ما في الأرض لمصالحكم يا بني آدم [20] .

20- و في قوله تعالي (و اذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم و يستحيون نساءكم و في ذلكم بلاء من ربكم عظيم) [21] ، قال الامام العسكري عليه السلام: قال الله تعالي: و اذكروا يا بني اسرائيل (اذ نجيناكم) أنجيناكم، أنجينا أسلافكم (من آل فرعون) و هم الذين كانوا يدنون اليه بالقرابة و بدينه و مذهبه (يسومونكم) كانوا يعذبونكم (سوء العذاب) شدة العذاب، كانوا يحملونه عليكم... (يذبحون أبناءكم) و ذلك لما قيل لفرعون انه يولد في بني اسرائيل مولود يكون علي يده هلاكك و زوال ملكك. فأمر بذبح



[ صفحه 194]



أبنائهم، و كانت الواحدة منهن تصانع القوابل عن نفسها، لئلا ينم عليها حملها، ثم تلقي ولدها في صحراء أو غار جبل أو مكان غامض... (و يستحيون نساءكم) يبقونهن و يتخذونهن اماء، فضجوا الي موسي و قالوا: يفترعون بناتنا و أخواتنا... ثم قال الله عزوجل: (و في ذلكم) أي في ذلك الانجاء الذي أنجاكم منهم ربكم (بلاء) نعمة (من ربكم عظيم) كبير [22] .

21- و في قوله تعالي (و ظللنا عليكم الغمام و أنزلنا عليكم المن و السلوي كلوا من طيبات ما رزقناكم و ما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) [23] ، قال الامام العسكري عليه السلام: قال الله عزوجل: (و) اذكروا يا بني اسرائيل اذ (ظللنا عليكم الغمام) لما كنتم في التيه يقيكم حر الشمس و برد الفجر (و أنزلنا عليكم المن و السلوي) المن: الترنجبين، كان يسقط علي شجرهم فيتناولونه، و السلوي: السماني طير، أطيب طير لحما، يسترسل لهم فيصطادونه.

قال الله عزوجل: (كلوا من طيبات ما رزقناكم) و اشكروا نعمتي و عظموا من عظمته، و وقروا من وقرته... قال الله عزوجل: (و ما ظلمونا) لما بدلوا، و قالوا غير ما امروا به و لم يفوا بما عليه عوهدوا، لأن كفر الكافر لا يقدح في سلطاننا و ممالكنا، كما أن ايمان المؤمن لا يزيد في سلطاننا (ولكن كانوا أنفسهم



[ صفحه 195]



يظلمون) يضرون بها بكفرهم و تبديلهم [24] .

22- روي الطبرسي في (الاحتجاج) بالاسناد عن الامام أبي محمد العسكري عليه السلام في قوله تعالي: (و منهم اميون لايعلمون الكتاب الا أماني) [25] ، قال عليه السلام: ان الامي منسوب الي (امه) أي هو كما خرج من بطن امه لا يقرأ و لا يكتب (لا يعلمون الكتاب) المنزل من السماء و لا المتكذب به، و لا يميزون بينهما (الا أماني) أي الا أن يقرأ عليهم و يقال لهم: ان هذا كتاب الله و كلامه، لا يعرفون ان قري ء من الكتاب خلاف ما فيه (و ان هم الا يظنون) أي ما يقرأ عليهم رؤساؤهم من تكذيب محمد صلي الله عليه و آله في نبوته و امامة علي عليه السلام سيد عترته، و هم يقلدونهم مع أنه (حرم عليهم) تقليدهم (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله) [26] هؤلاء القوم اليهود كتبوا صفة زعموا أنها صفة محمد صلي الله عليه و آله و هي خلاف صفته، و قالوا للمستضعفين منهم: هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان: انه طويل عظيم البدن و البطن، أهدف [27] أصهب الشعر، و محمد صلي الله عليه و آله بخلافه، و هو يجي ء بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة، و انما أرادوا بذلك أن تبقي لهم علي ضعفائهم رئاستهم، و تدوم لهم اصابتهم، و يكفوا أنفسهم مؤونة خدمة رسول الله



[ صفحه 196]



صلي الله عليه و آله و خدمة علي عليه السلام و أهل بيته و خاصته، فقال الله عزوجل: (فويل لهم مما كتبت أيديهم و ويل لهم مما يكسبون) من هذه الصفات المحرفات و المخالفات لصفة محمد صلي الله عليه و آله و علي عليه السلام، [يكسبون] الشدة لهم من العذاب في أسوء بقاع جهنم، و ويل لهم الشدة في العذاب ثانية مضافة الي الاولي بما يكسبونه من الأموال التي يأخذونها اذا ثبتوا عوامهم علي الكفر بمحمد رسول الله صلي الله عليه و آله و الحجة لوصيه و أخيه علي بن أبي طالب ولي الله.

ثم قال الامام العسكري عليه السلام: قال رجل للصادق عليه السلام: فاذا كان هؤلاء القوم من اليهود لا يعرفون الكتاب الا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم الي غيره، فكيف ذمهم بتقليدهم و القبول من علمائهم، و هل عوام اليهود الا كعوامنا يقلدون علماءهم؟

فقال عليه السلام: بين عوامنا و علمائنا و عوام اليهود و علمائهم فرق من جهة و تسوية من جهة، أما من حيث استووا فان الله تعالي ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما ذم عوامهم، و أما من حيث افترقوا فلا.

قال: بين لي يابن رسول الله.

قال عليه السلام: ان عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح و بأكل الحرام و الرشاء، و بتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات و العنايات و المصانعات، و عرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم، و أنهم اذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه، و أعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم، و ظلموهم من أجلهم، و عرفوهم يقارفون المحرمات، و اضطروا بمعارف قلوبهم الي أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق، لا يجوز أن يصدق علي الله و لا علي الوسائط بين الخلق و بين الله تعالي، فلذلك ذمهم لما قلدوا من قد عرفوه و من قد علموا أنه لا



[ صفحه 197]



يجوز قبول خبره و لا تصديقه في حكايته، و لا العمل بما يؤديه اليهم عمن لم يشاهدوه، و وجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلي الله عليه و آله اذ كانت دلائله أوضح من أن تخفي و أشهر من أن لا تظهر لهم.

و كذلك عوام امتنا اذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر و العصبية الشديدة و التكالب علي حطام الدنيا و حرامها و اهلاك من يتعصبون عليه و ان كان لاصلاح أمره مستحقا، و بالترفرف بالبر و الاحسان علي من تعصبوا له، و ان كان للاذلال و الاهانة مستحقا، فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقها، فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة فقهائهم، فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه، مخالفا علي هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، و ذلك لا يكون الا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فانه من ركب من القبائح و الفواحش مراكب فسقة العامة فلا تقبلوا منا عنه شيئا و لا كرامة، و انما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك، لأن الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه بأسره بجهلهم، و يضعون الأشياء علي غير وجهها لقلة معرفتهم، و آخرون يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم الي نار جهنم.

و منهم قوم نصاب لا يقدرون علي القدح فينا، يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا، و ينتقصون بنا عند نصابنا، ثم يضيفون اليه أضعافه و أضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن براء منها، فيتقبله المستسلمون من شيعتنا علي أنه من علومنا، فضلوا و أضلوا، و هم أضر علي ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد علي الحسين بن علي عليه السلام و أصحابه، فانهم يسلبونهم الأرواح و الأموال، و هؤلاء علماء السوء الناصبون المتشبهون بأنهم لنا موالون و لأعدائنا معادون، و يدخلون الشك و الشبهة علي ضعفاء شيعتنا فيضلونهم



[ صفحه 198]



و يمنعونهم من قصد الحق المصيب.

لا جرم أن من علم الله من قلبه - من هؤلاء القوم - أنه لا يريد الا صيانة دينه و تعظيم وليه لم يتركه في يد هذا المتلبس الكافر، ولكنه يقيض له مؤمنا يقف به علي الصواب، ثم يوفقه الله للقبول منه، فيجمع الله له بذلك خير الدنيا و الآخرة، و يجمع علي من أضله لعنا في الدنيا و عذاب الآخرة.

ثم قال عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: أشرار علماء امتنا المضلون عنا، القاطعون للطريق الينا، المسمون أضدادنا بأسمائنا، الملقبون أندادنا بألقابنا، يصلون عليهم و هم للعن مستحقون، و يلعنوننا و نحن بكرامات الله مغمورون، و بصلوات الله و صلوات ملائكته المقربين علينا عن صلاتهم مستغنون.

ثم قال عليه السلام: قيل لأميرالمؤمنين عليه السلام: من خير خلق الله بعد أئمة الهدي و مصابيح الدجي؟ قال: العلماء اذا صلحوا.

قيل: فمن شرار الخق بعد ابليس و فرعون و نمرود و بعد المتسمين بأسمائكم و المتلقبين بألقابكم و الآخذين لأمكنتكم و المتأمرين في ممالككم؟

قال: العلماء اذا فسدوا، هم المظهرون للأباطيل الكاتمون للحقائق، و فيهم قال الله عزوجل: (اولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون الا الذين تابوا) [28] الآية.

23- في قوله تعالي: (و قولوا للناس حسنا) [29] ، قال الامام العسكري



[ صفحه 199]



عليه السلام: قال الصادق عليه السلام: (و قولوا للناس) كلهم (حسنا) مؤمنهم و مخالفهم، أما المؤمنون فيبسط لهم وجهه و بشره، و أما المخالفون فيكلمهم بالمداراة لاجتذابهم الي الايمان، فان ييأس من ذلك يكف شرورهم عن نفسه و عن اخوانه المؤمنين [30] .

24- و في قوله تعالي: (و اذ أخذنا ميثاقكم) الي قوله تعالي: (فلا يخفف عنهم العذاب و لا هم ينصرون) [31] ، قال الامام العسكري عليه السلام: (و اذ أخذنا ميثاقكم) و اذكروا يا بني اسرائيل حين أخذنا ميثاقكم علي أسلافم و علي كل من يصل اليه الخبر بذلك من أخلافهم الذين أنتم منهم (لا تسفكون دماءكم) لا يسفك بعضكم دماء بعض (و لا تخرجون أنفسكم من دياركم) و لا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم (ثم أقررتم) بذلك الميثاق كما أقر به أسلافكم و التزمتموه كما التزموه (و أنتم تشهدون) بذلك علي أسلافكم و أنفسكم (ثم أنتم) معاشر اليهود (تقتلون أنفسكم) يقتل بعضكم بعضا (و تخرجون فريقا منكم من ديارهم) غصبا و قهرا (تظاهرون عليهم) تظاهر بعضكم بعضا علي اخراج من تخرجونه من ديارهم و قتل من تقتلونه منهم بغير حق (بالاثم و العدوان) بالتعدي تتعاونون و تتظاهرون (و ان يأتوكم) يعني هؤلاء الذين تخرجونهم - أن تروموا اخراجهم و قتلهم ظلما - ان يأتوكم (اساري) قد أسرهم أعداؤكم و أعداؤهم (تفادوهم) من الأعداء



[ صفحه 200]



بأموالكم (و هو محرم عليكم اخراجهم) أعاد قوله عزوجل (اخراجهم) و لم يقتصر علي أن يقول: (و هو محرم عليكم) لأنه لو قال ذلك لرأي أن المحرم انما هو مفاداتهم.

ثم قال عزوجل: (أفتؤمنون ببعض الكتاب) و هو الذي أوجب عليكم المفادات (و تكفرون ببعض) و هو الذي حرم قتلهم و اخراجهم، فقال: فاذا كان قد حرم الكتاب قتل النفوس و الاخراج من الديار كما فرض فداء الاسراء، فما بالكم تطيعون في بعض و تعصون في بعض؟ كأنكم ببعض كافرون و ببعض مؤمنون.

ثم قال عزوجل: (فما جزاء من يفعل ذلك منكم) يا معاشر اليهود (الا خزي) ذل (في الحياة الدنيا) جزية تضرب عليه يذل بها (و يوم القيامة يردون الي أشد العذاب) الي جنس أشد العذاب، يتفاوت ذلك علي قدر تفاوت معاصيهم (و ما الله بغافل عما تعملون) يعمل هؤلاء اليهود.

ثم وصفهم فقال عزوجل: (اولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة) رضوا بالدنيا و حطامها بدلا من نعيم الجنان المستحق بطاعات الله (فلا يخفف عنهم العذاب و لا هم ينصرون) لا ينصرهم أحد يرفع عنهم العذاب [32] .

25- و في قوله تعالي: (و ما انزل علي الملكين ببابل هاروت و ماروت) [33] ، روي الطبرسي بالاسناد عن أبي يعقوب يوسف بن محمد بن زياد



[ صفحه 201]



و أبي الحسن علي بن محمد بن سيار، أنهما قالا: قلنا للحسن أبي القائم عليهماالسلام: ان قوما عندنا يزعمون أن هاروت و ماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر بنو آدم و أنزلهما الله مع ثالث لهما الي الدنيا، و أنهما افتتنا بالزهرة و أرادا الزنا بها، و شربا الخمر، و قتلا النفس المحرمة، و أن الله يعذبهما ببابل، و أن السحرة منهما يتعلمون السحر، و أن الله مسخ هذا الكوكب الذي هو الزهرة.

فقال الامام عليه السلام: معاذ الله من ذلك، ان ملائكة الله معصومون محفوظون من الكفر و القبائح بألطاف الله، فقال عزوجل فيهم: (لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون) [34] ، و قال: (و له من في السماوات و الأرض و من عنده) يعني الملائكة (لا يستكبرون عن عبادته و لا يستحسرون - يسبحون الليل و النهار لا يفترون) [35] ، و قال في الملائكة: (بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون) الي قوله تعالي: (مشفقون) [36] كان الله سبحانه قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاءه في الأرض، و كانوا كالأنبياء في الدنيا و كالأئمة، أفيكون في الأنبياء و الأئمة قتل النفس و الزنا و شرب الخمر.

ثم قال عليه السلام: أولست تعلم أن الله لم يخل الدنيا من نبي أو امام من البشر؟ أو ليس يقول: (و ما أرسلنا من رسلنا) يعني الي الخلق (الا رجالا نوحي اليهم من أهل القري) [37] ، فأخبر أنه لم يبعث الملائكة الي الأرض ليكونوا أئمة و حكاما،



[ صفحه 202]



و انما ارسلوا الي أنبياء الله [38] .

26- و في قوله تعالي: (و قالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصاري تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) [39] ، قال الامام العسكري عليه السلام: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: (و قالوا) يعني اليهود و النصاري، قالت اليهود (لن يدخل الجنة الا من كان هودا) أي يهوديا، و قوله: (أو نصاري) يعني و قالت النصاري: لن يدخل الجنة الا من كان نصرانيا.

قال أميرالمؤمنين عليه السلام: و قد قال غيرهم، قالت الدهرية: الأشياء لا بدء لها، و هي دائمة، و من خالفنا في هذا ضال مخطي ء، و قالت الثنوية: النور و الظلمة هما المدبران، و من خالفنا في هذا ضل، و قال مشركو العرب: ان أوثاننا آلهة، من خالفنا في هذا ضل.

فقال الله تعالي: (تلك أمانيهم) التي يتمنونها (قل) لهم (هاتوا برهانكم) علي مقالتكم (ان كنتم صادقين) [40] .


پاورقي

[1] الاسراء: 88.

[2] فصلت: 42.

[3] معاني الأخبار: 25 / 4، تأويل الآيات 1: 32 / 3، بحارالأنوار 92: 215 / 18.

[4] البقرة: 2.

[5] التفسير المنسوب الي الامام العسكري عليه السلام: 68، بحارالأنوار 68: 285 / 42.

[6] البقرة: 3.

[7] التفسير المنسوب الي الامام العسكري عليه السلام: بحارالأنوار 84: 231 / 5.

[8] البقرة: 3.

[9] أي: المشقة.

[10] التفسير المنسوب الي الامام العسكري عليه السلام: 75، بحارالأنوار 96: 168 / 14.

[11] تأويلات الآيات 1: 34 / 6، بحارالأنوار 68: 286، التفسير المنسوب الي الامام العسكري عليه السلام: 91.

[12] البقرة: 7.

[13] الاحتجاج: 456، بحارالأنوار 9: 173 / 2.

[14] البقرة: 21.

[15] تأويل الآيات 1: 40 / 13، بحارالأنوار 68: 286.

[16] التفسير المنسوب الي الامام العسكري عليه السلام: 135، بحارالأنوار 38: 66 / 6، و 60: 360 / 49.

[17] البقرة: 22.

[18] الاحتجاج: 456، بحارالأنوار 3: 25 / 10، 60: 82 / 9، عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 112 / 36.

[19] البقرة: 29.

[20] بحارالأنوار 3: 40 / 14.

[21] البقرة: 49.

[22] التفسير المنسوب الي الامام العسكري عليه السلام: 243، بحارالأنوار 13: 47 / 16، و 94: 61، 48.

[23] البقرة: 57.

[24] التفسير المنسوب الي الامام العسكري عليه السلام: 258، تأويل الآيات 1: 61 / 38، بحارالأنوار 13: 182 / 19.

[25] البقرة: 78.

[26] البقرة: 79.

[27] أي: جسيم.

[28] الاحتجاج: 459 -457، و الآية من سورة البقرة: 159.

[29] البقرة: 83.

[30] التفسير المنسوب الي الامام العسكري عليه السلام: 353، بحارالأنوار 71: 309 و 75: 401 / 42.

[31] البقرة: 86 -84.

[32] التفسير المنسوب الي الامام العسكري عليه السلام: 367، بحارالأنوار 9: 180 / 8 و 75: 316 / 40.

[33] البقرة: 102.

[34] التحريم: 6.

[35] الأنبياء: 19 و 20.

[36] الأنبياء: 27 و 28.

[37] يوسف: 109.

[38] الاحتجاج: 458.

[39] البقرة: 111.

[40] التفسير المنسوب الي الامام العسكري عليه السلام: 526، بحارالأنوار 9: 255 / 1.