بازگشت

احكامه و سننه و سيرته


لا يخفي أن عطاء أهل البيت الطاهرين عليهم السلام في مجال التعليم و الحديث و الافتاء يختلف بحسب الظروف السياسية التي كانت تحيط بكل واحد منهم.

و الملاحظ أنه علي الرغم من حالة الاقصاء المتعمد لمدرسة أهل البيت عليهم السلام عن موقعها الريادي و القيادي، فانهم عليهم السلام أدوا دورهم الرسالي في ايصال سنن جدهم المصطفي صلي الله عليه و آله الي الامة في أحلك الظروف و أقساها، و ساهموا في انقاذ الامة من حالة التعثر في مهاوي الضلال و الانحراف بسبب تسلط حكام الجور و سلاطين الباطل.

و لقد استمرت هذه المدرسة منذ عهد أميرالمؤمنين عليه السلام و الي زمان الصادقين عليهماالسلام تسير بخطي وئيدة لترفد الامة بالفكر الأصيل و السنة الصحيحة، فاكتملت معالمها و أبعادها من حيث المنهج و المادة، و انبثقت عنها مدرسة الفقهاء الرواة من أصحابهم عليهم السلام الذين كانوا يعيشون في أوساط الناس و ينقلون اليهم الأحكام و السنن و العقائد الاسلامية الصحيحة.

يقول الدكتور عبدالهادي الفضلي: و استمرت مدرسة الفقهاء الرواة تسير علي الخط الذي رسمه الصادقان عليهماالسلام لتتكامل في عطائها، و تكتمل في هذا العهد



[ صفحه 222]



- أي عهد الامام العسكري عليه السلام - مستوفية كل متطلبات المدرسة العلمية من حيث المنهج و المصدر و المادة، ممهدة به لعهد الغيبة الصغري الآتي، لتنبثق عنها مدرسة الفقهاء المحدثين [1] .

ان العطاء العلمي لهذه المدرسة سيما في مجال النصوص الشرعية كان بالقدر الكافي و المقدار الوافي بتزويد الفقيه بالمادة العلمية في مجال الاستنباط لاستخلاص الأحكام الشرعية الفرعية منها.

و مما لا ريب فيه أن كثرة الرواة عن أهل البيت عليهم السلام يدل بوضوح علي مدي اهتمام الأئمة عليهم السلام بأمر التشريع و الأحكام و السنن، فقد أوصل الشيخ الطوسي رحمه الله عدد الرواة عن الامام العسكري عليه السلام الي (103)، و أوصلناه نحن في الفصل الخاص بأصحابه عليه السلام و الرواة عنه الي (215)، و هو عدد كبير قياسا الي قسوة الظروف السياسية المحيطة بالامام عليه السلام المتمثلة بالاقامة الجبرية و المراقبة الشديدة و التي أوضحناها في فصل خاص.

و من أقطاب مدرسة الفقهاء الرواة الثقات في عهد الامام العسكري عليه السلام الذين ذكرهم ابن شهر آشوب في مناقبه: علي بن جعفر قيم أبي الحسن عليه السلام، و أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري، و قد رأي خمسة من الأئمة عليه السلام، و داود بن أبي يزيد النيسابوري، و محمد بن علي بن بلال، و عبدالله بن جعفر الحميري القمي، و أبوعمرو عثمان بن سعيد العمري الزيات و السمان، و اسحاق بن الربيع الكوفي، و أبوالقاسم جابر بن يزيد الفارسي، و ابراهيم بن عبيدالله بن ابراهيم النيسابوري. و من الوكلاء: محمد بن أحمد بن جعفر، و جعفر بن سهيل الصيقل، و قد أدركا



[ صفحه 223]



أباه و ابنه عليهماالسلام.

و من الأصحاب: محمد بن الحسن الصفار، و عبدوس العطار، و سري بن سلامة النيسابوري، و أبوطالب الحسن بن جعفر الفافاني، و أبوالبختري مؤدب ولد الحجاج [2] ، و غيرهم كثير.

و لقد كان من جملة أقطاب هذه المدرسة المؤلفون و المصنفون في مجال الأحكام و السنن و العقائد و غيرها، و هم الذين أصبحت كتبهم في ذلك الزمان مصادر يستقي منها العلم و مناهل تؤخذ منها المعرفة.

و قد ذكرنا هؤلاء و كتبهم في الفصل الخاص بالرواة و الأصحاب، و نورد هنا نموذجا منهم، و هو أحمد بن اسحاق الأشعري، و الذي كان من خواص الامام العسكري عليه السلام و له كتاب علل الصلاة كبير، و مسائل الرجال لأبي الحسن الثالث عليه السلام [3] .

و محمد بن الحسن بن فروخ الصفار المتوفي سنة 290 ه، و كان من أصحاب الامام العسكري عليه السلام و له كتب مثل كتب الحسين بن سعيد [4] ، و زيادة كتاب (بصائر الدرجات) [5] و غيره، و له مسائل كتب بها الي أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام [6] ، وعد النجاشي 25 كتابا من كتبه.



[ صفحه 224]



و قد كان بعض أصحابه المصنفين يعرضون كتبهم عليه عليه السلام فينظر فيها و يتصفحها ليقول رأيه بشأنها، فقد عرض عليه أبوجعفر الجعفري و بورق النوشجاني كتاب (يوم و ليلة) الذي ألفه يونس بن عبدالرحمن فقال عليه السلام: هذا ديني و دين آبائي، و هو الحق كله.

و في حديث آخر قال عليه السلام: أعطاه الله بكل حرف نورا يوم القيامة.

و سئل عليه السلام عن كتب بني فضال فقال: خذوا بما رووا، و ذروا ما رأوا.

و سيأتي مزيد من الأحاديث في هذه الدلالة مع تخريج الأحاديث المتقدمة التي ذكرناها آنفا، و ذلك في (باب القضاء) من هذا الفصل.

و فضلا عما ذكرناه كان الامام عليه السلام صاحب تصنيف في مجال الأحكام و الشرائع، فقد روي النجاشي بالاسناد عن الحسن بن محمد بن الوجناء، قال: كتبنا الي أبي محمد عليه السلام نسأله أن يكتب أو يخرج لنا كتابا نعمل به، فأخرج لنا كتاب عمل [7] .

و قال العلامة ابن شهر آشوب: و خرج من عند أبي محمد عليه السلام في سنة 255 كتابا ترجمته (رسالة المقنعة) يشتمل علي أكثر علم الحلال و الحرام، و أوله: أخبرني علي بن محمد بن علي بن موسي.

قال: و ذكر الخيبري في كتاب سماه (مكاتبات الرجال عن العسكريين عليهماالسلام) قطعة من أحكام الدين [8] .

و في هذا الفصل حاولنا أن نقدم مجموعة منتقاة من بعض الأحكام و السنن



[ صفحه 225]



و الأدعية الواردة عن الامام العسكري عليه السلام و قد رتبناها وفقا لترتيب أبواب الفقه و موضوعاته، و لا ندعي الاحاطة فيما أوردناه لأننا اعتمدنا الكتب الأربعة و الوسائل و بعض مصادر الحديث المتفرقة، و لم ننظر في جميع الكتب الحديثية، لأن غرضنا هنا ليس الاحاطة بكل أطراف الموضوع، بل اننا بصدد تقديم النماذج، كما أننا لاندعي بصحة جميع ما أوردناه لأننا لم نحقق في الأسناد، فذلك أمر متروك لرواده و لمقتضي الحاجة اليه.

و في ما يلي أهم الأحاديث الواردة عن الامام العسكري عليه السلام في هذا المجال مرتبة موضوعيا.



[ صفحه 226]




پاورقي

[1] تأريخ التشريع الاسلامي: 194، دار الكتاب الاسلامي.

[2] المناقب 4: 423.

[3] الفهرست: 54.

[4] بلغت كتب الحسين بن سعيد (30) كتابا، كما في الفهرست للطوسي: 87.

[5] هذا الكتاب مطبوع و متداول في عصرنا هذا.

[6] الفهرست للطوسي: 174.

[7] رجال النجاشي: 312، الوسائل 27: 102 / 80.

[8] المناقب 4: 424.