بازگشت

في مجال القرآن


و من المسائل التي اثيرت منذ عهد المأمون العباسي هي مسألة خلق القرآن، و قد انقسم العلماء في الجواب علي هذه المسألة - أي هل ان القرآن مخلوق أم قديم - الي قسمين، و قد أدي ذلك الي حدوث فتنة راح ضحيتها بعض الأعلام.

و قد كان جواب أهل البيت عليهم السلام واضحا من هذه المسألة، و ذلك بالتفريق بين كلام الله تعالي و علمه، فعلمه تعالي قديم قدم ذاته المقدسة، و هو من الصفات التي هي عين الذات، و هو سبحانه عالم الغيب و الشهادة، و يستوي لديه الماضي و الحاضر و المستقبل، فهو العالم بالأشياء قبل حدوثها، كما هو عالم بها حال حدوثها



[ صفحه 329]



و استمرار بقائها، و كل ذلك جار بعلمه و تقديره سبحانه، أما كلامه تعالي فحادث و ليس بقديم، قال تعالي: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث الا استمعوه و هم يلعبون) [1] .

و قد سأل أبوهاشم الجعفري الامام العسكري عليه السلام عن هذه المسألة فأجابه عليها بايضاح موجز: يا أباهاشم، الله خالق كل شي ء، و ما سواه مخلوق [2] .

و في عصر الامام العسكري عليه السلام عاش الفيلسوف المعروف يعقوب بن اسحاق الكندي، و كان فيلسوف العراق في زمانه، و أخذ في تأليف كتاب يتهم فيه الكتاب الكريم الذي لا يأتيه الباطل بالتناقض، فأشغل نفسه بهذا الأمر، و أشاع في الأوساط العلمية ذلك، حتي بلغ الخبر الي الامام عليه السلام فالتقي ببعض تلامذة الكندي، و هداه الامام عليه السلام الي طريقة يتوصل من خلالها الي ردع الكندي عما ذهب اليه.

قال ابن شهر آشوب: ان اسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه، أخذ في تأليف تناقض القرآن، و شغل نفسه بذلك، و تفرد به في منزله، و ان بعض تلامذته دخل يوما علي الامام الحسن العسكري عليه السلام، فقال له أبومحمد عليه السلام: أما فيكم رجل رشيد، يردع استاذكم الكندي عما أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟

فقال التلميذ: نحن من تلامذته، كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره؟

فقال له أبومحمد عليه السلام: أتودي الي ما ألقيته اليك؟ قال: نعم.

قال: فصر اليه و تلطف في مؤانسته و معونته علي ما هو بسبيله، فاذا وقعت



[ صفحه 330]



الانسة في ذلك فقل: قد حضرتني مسألة أسألك عنها، فانه يستدعي ذلك منك، فقل له: ان أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن، هل يجوز أن يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت اليها؟

فانه سيقول لك: انه من الجائز، لأنه رجل يفهم اذا سمع، فاذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعله قد أراد غير الذي ذهبت أنت اليه، فتكون واضعا لغير معانيه.

فصار الرجل الي الكندي، و تلطف الي أن ألقي عليه هذه المسألة، فقال له: أعد علي، فأعاد عليه، فتفكر في نفسه، و رأي ذلك محتملا في اللغة و سائغا في النظر، فقال: أقسمت عليك الا أخبرتني من أين لك؟

فقال: انه شي ء عرض بقلبي فأوردته عليك، فقال: كلا ما مثلك من اهتدي الي هذا، و لا من بلغ هذه المنزلة، فعرفني من أين لك هذا؟

فقال: أمرني به أبومحمد، فقال: الآن جئت به، و ما كان ليخرج مثل هذا الا من ذلك البيت، ثم انه دعا بالنار و أحرق جميع ما كان ألفه [3] .

و هكذا كان للامام عليه السلام موقف علمي، و باسلوب و طريقة مؤثرة في شخصية الكندي، تمكن من تغيير قناعاته، و اصلاح تفكيره، و استئصال فتنة عقائدية، كان من الممكن أن تنشب لو أنه أخرج تلك التصورات المنحرفة الي الوجود.


پاورقي

[1] الأنبياء: 2.

[2] المناقب 4: 436.

[3] المناقب 4: 414.