بازگشت

في مجال التصدي لبعض التيارات المنحرفة


فقد تصدي الامام العسكري عليه السلام لبعض الغلاة الذين كانوا في زمانه،



[ صفحه 331]



اولئك الذين خرجوا عن الجادة و وصفوا الأئمة عليهم السلام بصفات الالوهية، فتبرأ أهل البيت عليهم السلام منهم و لعنوهم و حاربوا مقولاتهم و اتجاهاتهم المنحرفة.

و قد أشرنا الي هذا الاتجاه في أكثر من موضع في هذه الموسوعة، و نورد هنا بعض ما ورد عن الامام العسكري عليه السلام في بيان حقيقة الأئمة عليهم السلام و أنهم عباد الله يأتمرون بأمره، فقد روي بالاسناد عن ادريس بن زياد، قال: كنت أقول فيهم قولا عظيما، فخرجت الي العسكر للقاء أبي محمد عليه السلام، فقدمت و علي أثر السفر و وعثاؤه، فألفيت نفسي علي دكان حمام، فذهب بي النوم، فما انتبهت الا بمقرعة أبي محمد عليه السلام قرعني بها حتي استيقظت فعرفته، فقمت قائما، فكان أول ما تلقاني به أن قال: يا ادريس (بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون).

فقلت: حسبي يا مولاي، و انما جئت أسألك عن هذا، قال: فتركني و مضي [1] .

و يظهر من بعض الروايات الواردة عنه عليه السلام أنه كان لا يترحم علي الغلاة و لو كانوا من الوالدين، و ذلك تأديبا لأصحابه في الوقوف بصلابة ضد هذه النزعة الهدامة.

فقد نقل الحميري في (الدلائل) عن أبي سهل البلخي، قال: كتب رجل الي أبي محمد عليه السلام يسأله الدعاء لوالديه، و كان الام غالية، و الأب مؤمنا، فوقع عليه السلام: رحم الله والدك [2] .



[ صفحه 332]



و في مجال التصدي للتيارات العقائدية المنحرفة و الفرق الضالة، يمكن أن نضيف موقفا آخر للامام عليه السلام في هذا الاتجاه، ألا و هو تصديه للواقفة الذين توقفوا علي الامام الكاظم عليه السلام بسبب بعض النوازع المادية حيث تجمعت لديهم أموال طائلة من الحقوق المترتبة من الزكوات و الأخماس، في وقت كان الامام عليه السلام مودعا في سجون الرشيد (لعنه الله)، و هكذا أصبح الموقف بعد ذلك علي بعض الأئمة عليهم السلام تيارا فكريا يتبناه البعض ممن لم تترسخ لديه مبادي ء العقيدة الحقة، و من ثم لا يلبث أن يزول ذلك الاعتقاد المنحرف فيحل محله اصول الاعتقاد الصحيح، و ذلك بمجرد أن يلمس معتنقوه بعض دلائل الامام عليه السلام الواضحة و علومه الباهرة و مكارم أخلاقه و قد تعرضنا لكثير من الأمثلة لذلك في كتابنا (الكاظم موسي عليه السلام) و (الرضا علي عليه السلام) و غيرهما من هذه الموسوعة.

و كان من مواقف الامام العسكري عليه السلام من هذا التيار ما رواه القطب الراوندي بالاسناد عن أحمد بن محمد بن مطهر، قال: كتب بعض أصحابنا الي أبي محمد عليه السلام من أهل الجبل، يسأله عمن وقف علي أبي الحسن موسي، أتولاهم أم أتبرأ منهم؟

فكتب عليه السلام:... أنا الي الله منهم بري ء، فلا تتولاهم، و لا تعد مرضاهم، و لا تشهد جنائزهم، و لا تصلي علي أحد منهم مات أبدا [3] .

و روي الكشي بالاسناد عن ابراهيم بن عقبة، قال: كتبت الي العسكري عليه السلام: جعلت فداك، قد عرفت هؤلاء الممطورة، فأقنت عليهم في الصلاة؟ قال عليه السلام: نعم، اقنت عليهم في الصلاة [4] .



[ صفحه 333]



و واجه الامام عليه السلام بعض الوضاعين و الكذابين و الصوفية المتصنعين و غيرهم، و قد تقدم ذكر بعضهم في فصل أصحابه و الرواة عنه عليه السلام، و كان من أشهر الوضاعين و الكذابين عروة بن يحيي الدهقان البغدادي، و أحمد بن هلال، و غيرهما.

أما عروة بن يحيي الدهقان فقد كان يكذب علي أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام و علي أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام من بعده، و كان يختلس الأموال التي ترد للامام من شيعته، فلعنه الامام عليه السلام و أمر الشيعة بلعنه و البراءة منه لئلا يفسد عقيدتهم.

روي ابن شهر آشوب بالاسناد، قال: كان عروة الدهقان كذب علي علي بن محمد بن الرضا، و علي أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام بعده، ثم انه أخذ بعض أمواله، فلعنه أبومحمد عليه السلام، فما امهل يومه ذلك و ليلته حتي قبض الي النار [5] .

و روي الكشي بالاسناد عن علي بن سليمان بن رشيد العطار البغدادي أنه قال في عروة: كان يلعنه أبومحمد عليه السلام، و ذكر أنه كانت لأبي محمد عليه السلام خزانة، و كان يليها أبوعلي بن راشد رضي الله عنه فسلمت الي عروة، فأخذ منها لنفسه، ثم أحرق باقي ما فيها، يغايظ بذلك أبامحمد عليه السلام، فلعنه و برأ منه و دعا عليه، فما أمهله يومه ذلك و ليلته حتي قبضه الله الي النار.

فقال عليه السلام: جلست لربي في ليلتي هذه كذا و كذا جلسة، فما انفجر عمود الصبح و لا انطفأ ذلك النار حتي قتل الله عروة لعنه الله [6] .



[ صفحه 334]



أما أحمد بن هلال، فقد روي الكشي بالاسناد عن أحمد بن ابراهيم المراغي، قال: ورد علي القاسم بن العلاء نسخة ما كان خرج من لعن ابن هلال، و كان ابتداء ذلك أن كتب عليه السلام الي قوامه بالعراق: احذروا الصوفي المتصنع.

و قد راجع أصحاب الامام عليه السلام القاسم بن العلاء مرتين لانكارهم ما خرج في أمره، و ذلك لما كان يتصنع به أحمد بن هلال من اظهار التدين و الورع و اخفاء الانحراف في العقيدة و العمل، فكتب الامام عليه السلام لأصحابه موضحا سوء سيرة ابن هلال و فساد مذهبه [7] .

و في هذا الصدد أيضا وقف الامام عليه السلام متصديا و كاشفا لواحد من أهم وسائل التمويه و التلبيس علي أذهان العامة، حيث حاول أحد الرهبان المشعوذين أن يضلل بعض العقول الضعيفة و يشككهم في دينهم، فكشف الامام عليه السلام زيف ذلك الراهب و كذبه.

فقد روي ابن الصباغ المالكي و الشبلنجي و السمهودي و ابن حجر الهيتمي و القندوزي و البدخشي و ابن شهاب الشافعي، بالاسناد عن أبي هاشم الجعفري، قال: ثم لم تطل مدة أبي محمد الحسن عليه السلام في الحبس الا أن قحط الناس بسر من رأي قحطا شديدا، فأمر الخليفة المعتمد علي الله ابن المتوكل بخروج الناس الي الاستسقاء، فخرجوا ثلاثة أيام يستسقون و يدعون فلم يسقوا.

فخرج الجاثليق في اليوم الرابع الي الصحراء، و خرج معه النصاري و الرهبان، و كان فيهم راهب كلما مد يده الي السماء و رفعها هطلت بالمطر، ثم خرجوا في اليوم الثاني، و فعلوا كفعلهم أول يوم، فهطلت السماء بالمطر، و سقوا سقيا



[ صفحه 335]



شديدا حتي استعفوا، فعجت الناس من ذلك، و داخلهم الشك، وصغا بعضهم الي دين النصرانية، فشق ذلك علي الخليفة، فأنفذ الي صالح بن وصيف أن أخرج أبامحمد الحسن بن علي من السجن و ائتني به.

فلما حضر أبومحمد الحسن عليه السلام عند الخليفة قال له: أدرك امة محمد فيما لحق بعضهم في هذه النازلة.

فقال أبومحمد عليه السلام: دعهم يخرجون غدا اليوم الثالث.

قال: قد استغني الناس من المطر و استكفوا فما فائدة خروجهم؟!

قال عليه السلام: لازيل الشك عن الناس و ما وقعوا فيه من هذه الورطة التي أفسدوا فيها عقولا ضعيفة.

فأمر الخليفة الجاثليق و الرهبان أن يخرجوا أيضا في اليوم الثالث علي جاري عادتهم، و أن يخرجوا الناس، فخرج النصاري، و خرج لهم أبومحمد الحسن و معه خلق كثير، فوقف النصاري علي جاري عادتهم يستسقون، الا ذلك الراهب قد مد يده رافعا لهما الي السماء، و رفعت النصاري و الرهبان أيديهم علي جاري عادتهم، فغيمت السماء في الوقت و نزل المطر، فأمر أبومحمد الحسن عليه السلام القبض علي يد الراهب و أخذ ما فيها، فاذا بين أصابعه عظم آدمي، فأخذه أبومحمد عليه السلام، و لفه في خرقة و قال: استسق، فانكشف السحاب، و انقشع الغيم، و طلعت الشمس، فعجب الناس من ذلك. و قال الخليفة: ما هذا يا أبامحمد؟

فقال عليه السلام: عظم نبي من أنبياء الله عزوجل، ظفر به هؤلاء من بعض قبور الأنبياء، و ما كشف عظم نبي تحت السماء الا هطلت بالمطر. و استحسنوا ذلك، فامتحنوه، فوجدوه كما قال.

فرجع أبومحمد الحسن عليه السلام الي داره بسر من رأي، و قد أزال عن الناس



[ صفحه 336]



هذه الشبهة، و قد سر الخليفة و المسلمون بذلك، و كلم أبومحمد الحسن عليه السلام الخليفة في أخراج أصحابه الذين كانوا معه في السجن، فأخرجهم و أطلقهم له، و أقام أبومحمد الحسن عليه السلام بسر من رأي بمنزله بها معظما مكرما مبجلا [8] .

و هذا آخر ما أردنا ايراده من بحوث الامام العسكري عليه السلام العقائدية و تصديه لبعض المظاهر المنحرفة في هذا الصدد.



[ صفحه 337]




پاورقي

[1] المناقب 4: 428، بحارالأنوار 50: 283.

[2] بحارالأنوار 50: 294 / 69، عن كشف الغمة 3: 306.

[3] بحارالأنوار 50: 274 / 46.

[4] مسند الامام العسكري عليه السلام: 153 / 20.

[5] مسند الامام العسكري عليه السلام: 95 / 55 و 145 / 11 عن الكشي بالاسناد عن محمد بن موسي الهمداني.

[6] مسند الامام العسكري عليه السلام: 145 / 12.

[7] راجع بحارالأنوار 50: 318 / 15.

[8] احقاق الحق 12: 464 عن الفصول المهمة: 269، و نور الأبصار: 225، و ينابيع المودة: 396، و الصواعق المحرقة: 124، و مفاتيح النجا: 189، و رشفة الصادي: 196.