بازگشت

الأوضاع العامة


بعد هذا التمهيد الذي يكشف لنا عن تواريخ الحكام العباسيين المعاصرين للامام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام منذ ولادته الي شهادته، و سنركز الحديث في هذا الفصل علي الحكام العباسيين الذين عاصروا الامام عليه السلام



[ صفحه 419]



في زمان امامته.

لقد تغطرس جبابرة حكام بني العباس و طغوا في البلاد و علي الامة بصورة عامة، و علي أئمة أهل البيت عليهم السلام و التابعين لهم بصورة خاصة، و أمعنوا في التنكيل و أسرفوا في القتل و الحبس و التشريد، و قطع الأيدي و الأرجل و سمل العيون، و بقر بطون الحوامل من النساء المؤمنات، و البناء علي رجالهم داخل اسطوانات الأبنية، و رميهم في بركة السباع، الي غير ذلك من سبل الابادة التي فاقت ممارسات الامويين بحق السادة العلويين ابان حكمهم، بحيث قال شاعرهم:



ليت ظلم بني مروان دام لنا

و ظلم بني العباس ما كانا



و اشتد ذلك الظلم علي الامام الهادي عليه السلام و ابنه أبي محمد الحسن العسكري لا سيما ابتداء من حكم المتوكل العباسي، حيث جلبهم مخفورين من مدينة جدهم صلي الله عليه و آله الي سامراء، و أسكنهم في ثكناته العسكرية تحت خفارة جنده الأتراك.

و قد عاني الامامان الهادي و العسكري عليهماالسلام صنوفا من المحن و البلوي، و اليك بعضا منها.

تقلد المتوكل العباسي الملك و السلطان في سنة 232 ه [1] ، و هي السنة التي ولد فيها الامام أبومحمد الحسن الزكي عليه السلام في المدينة المنورة [2] ، و لما ولي الأمر اصيب الناس بكارثة سماوية، و لم يعهد مثلها قبل ذلك، فقد هبت بالعراق ريح شديدة الحر و السموم بحيث أحرقت الزرع في الكوفة و البصرة و بغداد، و قتلت الناس من قاطنين و مسافرين، و دامت خمسين يوما، كما قتلت المواشي، و منعت الناس من



[ صفحه 420]



الخروج الي أعمالهم و معاشهم و عطلت الأسواق، و حتي المشي في الأزقة و الطرقات، و أهلكت خلقا عظيما [3] ، و لعلها كانت انذارا من السماء بشؤم ملكه و عهده.

و من أعماله التي يندي لها جبين الانسانية و التأريخ هدم الضريح المطهر للامام السبط الحسين الشهيد عليه السلام.

قال السيوطي في تأريخ الخلفاء:

فتألم المسلمون من ذلك، و كتب أهل بغداد شتمه - أي المتوكل - علي الحيطان و المساجد، و هجاه الشعراء، و مما قيل في ذمه:



تالله ان كانت امية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما



فلقد أتي بنو أبيه بمثله

هذا لعمري قبره مهدوما



أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا

في قتله فتتبعوه رميما [4] .



هذا مثلا من أعمال حكام بني العباس، فقس علي ما سواها.

و لقد سبقهم في الاجرام، السفاح، و المنصور، و هارون (غير الرشيد)، و نظائرهم.

و مما عاناه الامام الهادي و العسكري، تهجيره من مدينة جده صلي الله عليه و آله و حمله الي سامراء، و فرض الاقامة الجبرية عليه، و الحصار الاقتصادي، و مداهمة داره، و زجهما في قعر السجون و ظلم المطامير، الي غير ذلك من المعاناة، كما ذكرنا ذلك سلفا.



[ صفحه 421]



أما في زمان امامة العسكري عليه السلام فبادي ء ذي بدء لابد من بيان الأوضاع العامة التي مرت بها الامة الاسلامية آنذاك و طبيعة الظروف التي سيطرت علي الحكم العباسي، و التي تنعكس سلبا و ايجابا علي الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية السائدة في البلاد، و من ثم نبين موقف السلطة العباسية - المتمثلة بالمعتز و المهتدي و المعتمد - من الامام عليه السلام و أصحابه، و بالمقابل موقف الامام عليه السلام من تلك السلطة و من الأوضاع العامة.

فاذا أحطنا بجانب من أوضاع السلطة العباسية التي عاصرها الامام الحسن العسكري عليه السلام تبدو لنا عمق معاناة الامام عليه السلام و الامة من تلك الأوضاع المأساوية المتدهورة التي انعكست علي الوضع الاقتصادي و الصحي و الاستقرار الأمني بشكل مباشر.


پاورقي

[1] تأريخ الخلفاء: 346.

[2] أخبار الدول: 117.

[3] تأريخ الخلفاء للسيوطي: 346.

[4] تأريخ الخلفاء: 278، و قد نسب هذا الشعر للبسطامي، و قيل: لابن السكيت.