بازگشت

مظاهر من التدهور


لقد بلغت مظاهر الفساد و التدهور أوجها في هذه الفترة، و من أمثلة ما نقله المؤرخون من انتشار الظلم و الفقر و الاضطراب، قال اليعقوبي في حوادث أيام المعتز: لما كثر الاضطراب تأخرت أموال البلدان، و نفد ما في بيوت الأموال، فوثب الأتراك بكرخ سر من رأي، فخرج اليهم وصيف ليسكنهم، فرموه فقتلوه و حزوا رأسه في سنة 253 ه، و تفرد بغا بالتدبير، ثم تحرك صالح بن وصيف، و اجتمع اليه أصحاب أبيه، فصار في منزلته، و ضعف أمر المعتز حتي لم يكن له أمر و لا نهي، و انتقضت الأطراف [1] .

و من مظاهر سيطرة مقدم امراء الأتراك علي جميع أفراد الدولة بما فيهم الخليفة، قال اليعقوبي: وثب صالح بن وصيف التركي علي أحمد بن اسرائيل الكاتب، وزير المعتز، و علي الحسن بن مخلد صاحب ديوان الضياع، و علي عيسي ابن ابراهيم بن نوح و علي بن نوح، فحبسهم و أخذ أموالهم و ضياعهم، و عذبهم بأنواع العذاب و غلب علي الأمر، فهم المعتز بجمع الأتراك، ثم دخل اليه - أي الي المعتز - فأزاله من مجلسه و صيره في بيت، و أخذ رقعته بخلع نفسه، و توفي بعد يومين، و صلي عليه المهتدي [2] .

و قد بلغ تدهور الأوضاع أوجه في زمان المعتمد، فقد ذكر اليعقوبي في



[ صفحه 425]



أحداث سنة 258 ه و فيها وقع الوباء بالعراق، فمات خلق من الخلق، و كان الرجل يخرج من منزله، فيموت قبل أن ينصرف، فيقال: انه مات ببغداد في يوم واحد اثنا عشر ألف انسان [3] .

و في أحداث سنة 260 ه قال الطبري: و في هذه السنة اشتد الغلاء في عامة بلاد الاسلام فانجلي فيما ذكر عن مكة من شدة الغلاء من كان بها مجاورا الي المدينة و غيرها من البلدان، و رحل عنها العامل الذي كان بها مقيما، و هو بريه، و ارتفع السعر ببغداد، فبلغ الكر الشعير عشرين و مائة دينار، و الحنطة خمسين و مائة، و دام ذلك شهورا [4] .

و في هذه السنة أيضا وقع وباء و طاعون عظيم هلك فيه كثير من الناس [5] .


پاورقي

[1] تأريخ اليعقوبي 2: 502، دار صادر - بيروت.

[2] تأريخ اليعقوبي 2: 504.

[3] تأريخ اليعقوبي 2: 510.

[4] تأريخ الطبري 8: 17.

[5] الكامل في التأريخ 6: 249، دار الكتب العلمية.