بازگشت

الثورات الداخلية


انطلقت كثيرة من الثورات الداخلية منتفضة في وجه الحكم العباسي، و كانت تلك الثورات نتيجة طبيعية لاستئثار العباسيين بمقدرات الناس و انتشار الظلم و الجور و كثرة الفتن و الاضطرابات و ما الي ذلك من الأوضاع المتدهورة التي أشرنا اليها مجملا فيما تقدم، و قد اتخذت الثورات الداخلية أشكالا مختلفة و جميعها تدل علي حالة الضعف العام التي تعانيها دولة بني العباس و علي عدم الاستقرار السياسي و الأمني في ذلك العصر.

ففي سنة 254 ه خرج بديار ربيعة رجل من الخوارج الشراة يقال له مساور ابن عبدالحميد، و يعرف بأبي صالح، من بني شيبان، ثم صار الي الموصل، فطرد عاملها، و سار حتي قرب من سر من رأي و نزل في المحمدية، ثلاثة فراسخ من قصور الخليفة، فدخل القصر، و جلس علي الفرش، و دخل الحمام، و ندب له المعتز قائدا و جيشا بعد قائد و جيش و هو يهزمهم، حتي كثف جمعه و اشتدت شوكته [1] .

و في سنة 255 ه قوي أمر يعقوب بن الليث الصفار، فسار الي فارس و بها علي بن الحسين بن قريش متغلب، فهزم جيشه و أسره، و تغلب علي فارس [2] .

و في سنة 255 ه كان أول ظهور صاحب الزنج في البصرة، و ثورة صاحب الزنج تعد من أشد الثورات التي عصفت بالحكم العباسي و دوخت سلطته طيلة خمسة



[ صفحه 434]



عشر عاما، و قد تزعمها رجل يقال له علي بن عبدالرحيم و هو من عبدالقيس، و ادعي كونه علويا، و أن نسبه ينتهي الي الشهيد زيد بن علي عليه السلام، و الظاهر أن هذا الادعاء هو لحصول التأييد الجماهيري لثورته، و ذلك لأن الانتساب الي هذه الاسرة الكريمة يعد رمزا للكرامة و الثورة علي الظلم و العدوان.

و قد تحدثت المصادر التأريخية و بشكل مفصل عن تفاصيل تلك الثورة و أهدافها و كيفية سقوطها و ما أدت اليه من القتل الجماعي و السلب للأموال و الاحراق للمدن و غيرها [3] .

و قد نقل ابن الطقطقا مختصرا عن هذه الثورة، جاء فيه: ظهر في تلك الأيام رجل يقال له: علي بن محمد بن أحمد بن عيسي بن زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليه السلام، فأما نسبه فليس عند النسابين بصحيح، و هم يعدونه من الأدعياء، و أما حاله فانه كان رجلا فاضلا فصيحا بليغا لبيبا، استمال قلوب العبيد من الزنج بالبصرة و نواحيها، فاجتمع اليه منهم خلق كثيرون، و ناس آخرون من غيرهم، و عظم شأنه و قويت شوكته.

و كان في مبدأ حاله فقيرا لا يملك سوي ثلاثة أسياف، حتي انه اهدي له فرس فلم يكن له لجام و لا سرج يركبه بهما، فركبه بحبل، فاتفقت له حروب و غزوات نصر فيها، فأثري بسببها، و عظم حاله و نهبه، و انبث عسكره السودان في البلاد العراقية و البحرين و هجر، و نهد اليه الموفق - طلحة - بعساكر كثيفة فالتقيا بين البصرة و واسط، و دامت الحرب بينهما سنين كثيرة، و بنوا مدائن هناك، و أقام كل من الفريقين يرابط الفريق الآخر، و في آخر الأمر كانت الغلبة للجيش العباسي



[ صفحه 435]



فأبادهم قتلا و أسرا، و قتل صاحب الزنج و انتهبت مدينته، و كان قد بناها و سماها المختارة، و حمل رأسه الي بغداد، و كان يوما مشهودا.

و قيل: ان عدد القتلي في تلك الوقائع كان ألفي ألف و خمسمائة ألف انسان [4] .

و لقد سئل الامام العسكري عليه السلام عن صاحب الزنج، سأله محمد بن صالح الخثعمي، فقال عليه السلام: صاحب الزنج ليس منا أهل البيت [5] و هذا التصريح يدل علي كون صاحب الزنج دعيا و ليس علويا، و لو افترضنا صحة نسبه فان معني الحديث أنه ليس منا في أعماله الشائنة و تصرفاته المنافية لمبادي ء الاسلام و اصوله.

و اذا تجاوزنا كثيرا من الأحداث التأريخية التي تدل علي الفوضي و الاضطراب، لنصل الي سنة 257 ه و فيها خرج علي بن مساعد الخارجي و خارجي آخر اسمه طوق من بني زهير، فاجتمع اليه أربعة آلاف، فسار الي أذرمة فحاربه أهلها فظفر بهم فدخلها بالسيف [6] .

و في سنة 259 ه غلب شكرت الحمار علي مرو و ناحيتها و نهبها [7] ، و في سنة 260 ه أخذت الروم بلدة لؤلؤة [8] .



[ صفحه 436]




پاورقي

[1] تأريخ اليعقوبي 2: 502، و راجع الكامل في التأريخ 6: 195.

[2] تأريخ اليعقوبي 2: 504، و راجع الكامل في التأريخ 6: 197.

[3] راجع الكامل في التأريخ 6: 206.

[4] الفخري: 251 - 250.

[5] مسند الامام العسكري عليه السلام: 90 / 32.

[6] الكافي في التأريخ 6: 234.

[7] الكامل في التأريخ 6: 244.

[8] الكامل في التأريخ 6: 364.