بازگشت

المعتز


و يقال له الزبير بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد، بويع له عند خلع المستعين في سنة 252 ه و له تسع عشرة سنة، و لم يل الخلافة قبله أحد أصغر منه.

و لقد تقدم في كتابنا (الهادي علي عليه السلام) أن المعتز قد اغتال الامام الهادي عليه السلام بتصريح كثير من المحدثين و المؤرخين منهم الشبلنجي و ابن الصباغ المالكي و الشيخ أبوجعفر الطبري الامامي و الشيخ ابراهيم الكفعمي و غيرهم [1] .

و لقد كان المعتز شابا نزقا سفاكا للدماء، و لم يتحرج عن القتل، ففي أول جلوسه علي سرير الحكم بعث الي أخويه المؤيد و أبي أحمد المتوكل، فأخذهما و حبسهما و قيد المؤيد و ضربه أربعين مقرعة، و خلعه من ولاية العهد، ثم قتله في السجن، و جعل أخاه أباأحمد في محبسه [2] .

و بعث سعيد بن صالح الي المستعين الذي كان خليفة قبله، فدخل سعيد منزل



[ صفحه 455]



المستعين و ضربه حتي مات، و قيل: جعل في رجله حجرا و ألقاه في دجله، و حمل رأسه الي المعتز و هو يلعب بالشطرنج، فقيل له: هذا رأس المخلوع، فقال: ضعوه حتي أفرغ من الدست، فلما نظر اليه و أمر بدفنه، أعطي سعيد خمسين ألف درهم و ولاه معونة البصرة [3] .

فهذا بعض فعله مع اخوته و أبناء عمومته العباسيين، أما مع الطالبيين فقد كانت أفعاله أشد قسوة و أكثر مرارة، و هي تقع بين الابعاد و التشريد و الحبس و القتل، و قد قدمنا صورا منها في أول هذا الفصل.

و لا يخفي أن المعتز قد ورث العداء و النصب لآل البيت عليهم السلام من آبائه، و من مظار عدائه للامام عليه السلام أنه أصدر أمره باعتقال الامام عليه السلام فأودعه في السجن بيد أشد و أعتي الناس عداوة لآل البيت عليهم السلام كعلي بن أوتامش و صالح بن وصيف و غيرهما، و ذلك حقدا علي هذا البيت الكريم الذي ميزه الله تعالي بالتقدم في العلم و الفضل و التقوي و العصمة و الامامة، فضلا عن أن المعتز و غيره من الحكام العباسيين كانوا يعلمون أن الامام الثاني عشر الحجة المهدي عليه السلام هو ابن الامام الحسن العسكري عليه السلام و أنه سوف يقضي علي دعائم الظلم و الجور و يطيح بدولة الظالمين و ينشر العدل و القسط، و لهذا أودعوا أباه الامام العسكري عليه السلام السجن و هجموا علي داره بعد وفاته في زمان المعتمد ظنا منهم بأنهم يستطيعون النيل من حجة الله المودع بعين الله و حفظه.

و الظاهر أن المرة الاولي التي حبس فيها الامام عليه السلام كانت مع عيسي بن صبيح، حيث ذكر في حديث أنه دخل الحسن العسكري عليه السلام علينا الحبس و كنت



[ صفحه 456]



به عارفا [4] .

.... و كان ذلك قبل النصف من شعبان من سنة 225 ه، حيث ان عيسي ابن صبيح في الحديث المتقدم سأل الامام عليه السلام: ألك ولد؟ فقال عليه السلام: سيكون لي ولد، يملأ الأرض قسطا و عدلا، فأما الآن فلا... الحديث، و عليه فان الامام عليه السلام كان في سجن المعتز في أول امامته عليه السلام أي في الفترة الواقعة بين الثالث من رجب سنة 254 ه و هي أول بداية امامته عليه السلام و بين 15 شعبان من سنة 255 ه و هي ولادة الامام الحجة عليه السلام.

و كان معه عليه السلام في هذه الفترة جماعة من شيعته و غيرهم في سجن الجوسق، و كان المتولي للسجن صالح بن وصيف، و من هؤلاء الذين كانوا معه أبوهاشم داود ابن القاسم الجعفري، و القاسم بن محمد العباسي، و محمد بن عبيدالله، و محمد بن ابراهيم العمري، و غيرهم [5] .

لقد أودع المعتز الامام عليه السلام في سجن علي بن أوتامش و كان من أشد الناس عداوة لآل البيت عليهم السلام، فضلا عن أنه اوصي بأن ينكل بالامام عليه السلام و يضيق عليه، و مع ذلك فقد تأثر بهدي الامام عليه السلام و عبادته، فنزع ما في قلبه من حقد و غل فكان يضع خده علي الأرض تواضعا له، و لا يرفع بصره اجلالا و اعظاما له.

فقد روي بالاسناد عن محمد بن اسماعيل العلوي، قال: حبس أبومحمد عليه السلام عند علي بن أوتامش و كان شديد العداوة لآل محمد عليهم السلام غليظا علي آل أبي طالب، و قيل له: افعل به و افعل، قال: فما أقام الا يوما حتي وضع خده له، و كان لا يرفع بصره اليه اجلالا و اعظاما، و خرج من عنده و هو أحسن الناس



[ صفحه 457]



بصيرة و أحسنهم قولا فيه [6] .

و عن محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن موسي، قال: دخل العباسيون علي صالح بن وصيف عندما حبس أبومحمد عليه السلام فقالوا له: ضيق عليه و لا توسع، فقال لهم صالح: ما أصنع به، قد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه، فقد صاروا من العبادة و الصلاة و الصيام الي أمر عظيم، ثم أمر باحضار الموكلين فقال لهما: و يحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا له: ما نقول في رجل يصوم النهار و يقوم الليل كله، لا يتكلم و لا يتشاغل بغير العبادة، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا و داخلنا ما لا نملكه من أنفسنا؟ فلما سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين [7] .

و من مظاهر التضييق و المراقبة دس الجواسيس في داخل السجن الذي فيه الامام عليه السلام و أصحابه، فقد روي بالاسناد عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت في الحبس مع جماعة، فحبس أبومحمد عليه السلام... الي أن قال: و كان المتولي حبسه صالح ابن وصيف، و كان معنا في الحبس رجل جمحي يدعي أنه علوي، فالتفت أبومحمد عليه السلام و قال: لولا أن فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متي يفرج الله عنكم، و أومأ الي الجمحي فخرج.

فقال أبومحمد عليه السلام: هذا الرجل ليس منكم فاحذروه، فان في ثيابه قصة قد كتبها الي السلطان يخبره بما تقولون، فقام بعضهم ففتش ثيابه، فوجد فيها القصة يذكرنا فيها بكل عظيمة، و يعلمه أنا نريد أن ننقب الحبس و نهرب [8] .



[ صفحه 458]



و لم تقف محاولات السلطة العباسية في التضييق علي الامام و حبسه في زمان المعتز عند هذه الحدود، بل انه حاول قتله و الفتك به حيث أوعز الي سعيد الحاجب أن يحمل الامام عليه السلام الي الكوفة و أن يفتك به في الطريق ولكن الله تعالي بتر عمره قبل أن ينال منه ما يريد.

فقد روي ابن شهر آشوب بالاسناد عن أبي طاهر، قال: قال محمد بن بلبل: تقدم المعتز الي سعيد الحاجب أن أخرج أبامحمد الي الكوفة، ثم اضرب عنقه في الطريق، فجاء توقيعه عليه السلام الينا: الذي سمعتموه تكفونه، فخلع المعتز بعد ثلاث و قتل [9] .

و يبدو أن نبأ محاولة المعتز القاضية باغتيال الامام عليه السلام قد تسرب في أوساط الشيعة ففزعوا الي الامام عليه السلام يستوضحونه عن الأمر، و كتب اليه عدة منهم، فبشرهم الامام عليه السلام أنه لا خوف عليه و أن عدوه الباغي سوف يخلع قبل تنفيذ ما يريده.

قال المعلي بن محمد: أخبرني محمد بن عبدالله، قال: لما امر سعيد الحاجب بحمل أبي محمد عليه السلام الي الكوفة، كتب أبوالهيثم اليه: جعلت فداك، بلغنا خبر أقلقنا، و بلغ منا كل مبلغ؟

فكتب عليه السلام: بعد ثلاث يأتيكم الفرج، فقتل الزبير - أي المعتز - يوم الثالث [10] .



[ صفحه 459]



و كان خلع المعتز يوم الأربعاء لثلاث بقين من رجب، و ظر موته لليلتين خلتا من شعبان سنة 255 ه، و كان سبب خلعه و موته أن قادة الأتراك طلبوا منه مالا، فاعتذر اليهم، و قال: ليس في الخزائن شي ء، فاتفقوا علي خلعه و قتله، و اتفق معهم الفراغنة و المغاربة، فساروا اليه و صاحوا به، و دخلوا عليه بالسلاح، و جلسوا علي بابه، فجروه برجله الي باب الحجرة، و ضربوه بالدبابيس، و خرقوا قميصه، و أقاموه في الشمس في الدار، فكان يرفع رجلا و يضع اخري لشدة الحر، و كان بعضهم يلطمه و هو يتقي بيده، و أدخلوه حجرة، و أحضروا ابن أبي الشوارب و جماعة آخرين أشهدوهم علي خلعه، ثم سلموه الي من يعذبه، فمنعه الطعام و الشراب ثلاثة أيام، فطلب حسوة من ماء البئر فمنعوه، ثم أدخلوه سردابا و جصصوا عليه حتي مات، فلما مات أشهدوا علي موته العباسيين و القواد و أنه لا أثر و دفنوه مع المنتصر [11] ، و هكذا كانت عاقبة الظالمين الذين لا يرجون لله وقارا.


پاورقي

[1] راجع نور الأبصار: 83، الفصول المهمة: 279، دلائل الامامة: 409، بحارالأنوار 50: 117.

[2] تأريخ الخلفاء للسيوطي: 360.

[3] الكامل في التأريخ 6: 187.

[4] بحارالأنوار 50: 275.

[5] راجع بحارالأنوار 50: 306 / 2، و 312 / 10.

[6] الكافي 1: 425 / 8، الارشاد 2: 329، اعلام الوري: 359، بحارالأنوار 50: 307 / 4.

[7] الكافي 1: 429 / 23، الارشاد 2: 334، بحارالأنوار 50: 308 / 6.

[8] بحارالأنوار 50: 254 / 10، و 312 / 10.

[9] مسند الامام العسكري عليه السلام: 92 / 43.

[10] غيبة الطوسي: 208 / 177، الخرائج و الجرائح 1: 451 / 36، مهج الدعوات: 274، دلائل الامامة: 427 / 391.

[11] الكامل في التأريخ 6: 200، الفخري: 243.