بازگشت

المعتمد


و هو أبوالعباس أحمد بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد، بويع سنة 256 ه، و كان المعتمد مستضعفا، و كان أخوه الموفق طلحة الناصر هو الغالب علي اموره، و كانت دولة المعتمد دولة عجيبة الوضع، كان هو و أخوه الموفق طلحة كالشريكين في الخلافة، للمعتمد الخطبة و السكة و التسمي بامرة المؤمنين، و لأخيه طلحة الأمر



[ صفحه 466]



و النهي و قود العساكر و محاربة الأعداء و مرابطة الثغور و ترتيب الوزراء و الامراء، و كان المعتمد مشغولا عن ذلك بلذاته [1] .

أما سيرة المعتمد مع الامام العسكري عليه السلام فلا تختلف عن سيرة من سبقه من الحكام العباسيين، حيث وضعه تحت الرقابة الشديدة الي الحد الذي لم يستطع أحد أن يتصل به الا بالمكاتبة، و الامام عليه السلام كان يجيبهم بالمراسلة و التواقيع الصادرة عنه عليه السلام.

و قد أوكل المعتمد مهمة اعتقال الامام عليه السلام الي أحد رجال الجهاز الحاكم و يدعي نحرير، و كان يضيق عليه، حتي ان المعتمد أذن له بالقاء الامام عليه السلام بين السباع التي كانت آنذاك أحد وسائل التعذيب و القتل التي يتسلي بها رجل السلطة للقضاء علي معارضيها و مخالفيها، و قد تأثر بهدي الامام و صلاحه و كثرة عبادته حتي امرأة الجلاد نحرير، كما يبدو من الحديث التالي:

فقد روي بالاسناد عن جماعة من أصحابنا، قالوا: سلم أبومحمد عليه السلام الي نحرير، و كان يضيق عليه و يؤذيه، فقالت له امرأته: اتق الله، فانك لا تدري من في منزلك، و ذكرت له صلاحه و عبادته، و قالت: اني أخاف عليك منه، فقال: و الله لأرمينه بين السباع، ثم استأذن في ذلك فاذن له، فرمي به اليها و لم يشكوا في أكلها له، فنظروا الي الموضع ليعرفوا الحال، فوجدوه عليه السلام قائما يصلي و هي حوله، فامر باخراجه الي داره [2] .

و حبس عليه السلام أيضا عند علي بن جرين مع أخيه جعفر سنة 260 ه، فقد روي



[ صفحه 467]



المسعودي و ابن طاووس بالاسناد عن محمد بن أبي الزعفران - في حديث - قال: لما كان في صفر سنة 260 ه جعلت ام محمد عليه السلام تخرج في الأحايين الي خارج المدينة تجس الأخبار حتي ورد عليها الخبر حين حبسه المعتمد في يدي علي بن جرين، و حبس أخاه جعفر معه، و كان المعتمد يسأل عليا عن أخباره في كل مكان و وقت فيخبره أنه يصوم النهار و يصلي الليل، فسأله يوما من الأيام عن خبره فأخبره بمثل ذلك.

فقال له: امض الساعة اليه و أقرئه مني السلام، و قل له: انصرف الي منزلك مصاحبا.

قال علي بن جرين: فجئت الي باب الحبس فوجدت حمارا مسرجا، فدخلت عليه فوجدته جالسا و قد لبس خفه و طيلسانه و شاشته، فلما رآني نهض فأديت اليه الرسالة فركب.

فلما استوي علي الحمار وقف فقلت له: ما وقوفك يا سيدي؟ فقال لي: حتي يجي ء جعفر، فقلت: انما أمرني باطلاقك دونه، فقال لي: ترجع اليه فتقول له: خرجنا من دار واحدة جميعا، فاذا رجعت و ليس هو معي، كان في ذلك ما لا خفاء به عليك. ثم مضي و عاد، فقال له: يقول لك: قد أطلقت جعفرا لك، لأني حبسته بجنايته علي نفسه و عليك، و ما يتكلم به، و خلي سبيله، فصار معه الي داره [3] .

و روي الصيمري بالاسناد عن المحمودي، قال: رأيت خط أبي محمد عليه السلام لما خرج من حبس المعتمد: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم و الله متم نوره



[ صفحه 468]



و لو كره الكافرون) [4] .

و ظاهر من الحديث المتقدم مدي عفو الامام و مسامحته لأخيه جعفر علي الرغم من محاولة الأخير لا يذائه عدة مرات و بأشكال مختلفة حتي انتهت أخيرا و بعد شهادة الامام عليه السلام بهجومه مع السلطة علي دار الامام عليه السلام و تفتيشها بيته و القاء القبض علي نساء الدار و منهن ام الحجة عليه السلام و من ثم ادعاؤه الامامة ظلما و عدوانا حتي تبين للشيعة جهله و عدم امتلاكه مؤهلات الامامة فرفضوه و بقي وحيدا يستنجد بالسلطة و التي كانت عاجزة عن فرض امامته علي الشيعة، لأن الامامة لطف من الله سبحانه يؤتيه من يشاء من عباده و ليست هي فرضا بقوة السلاح و جبروت السلطان.

و الحديث المتقدم و الذي سبقه يحكيان عن عبادة الامام عليه السلام و صلاحه و قيامه الليل و صيامه النهار، و هذه الامور جعلت واحدا من أشد وزراء الدولة نصبا و انحرافا عن أهل البيت عليهم السلام و هو عبيدالله بن يحيي بن خاقان و ابنه أحمد يتأثران بهدي الامام و عفافه و نبله، فيتحول بغضه و نصبه الي مدح و اطراء و حب.

روي الشيخ الكليني و الشيخ المفيد بالاسناد عن الحسين بن محمد الأشعري و محمد بن يحيي و غيرهما، قالوا: كان أحمد بن عبيدالله بن يحيي بن خاقان علي الضياع و الخراج بقم، فجري في مجلسه يوما ذكر العلوية و مذاهبهم، و كان شديد النصب و الانحراف عن أهل البيت عليهم السلام، فقال: ما رأيت و لا عرفت بسر من رأي من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هديه و سكونه و عفافه و نبله



[ صفحه 469]



و كبرته عند أهل بيته و بني هاشم كافة، و تقديمهم اياه علي ذوي السن منهم و الخطر، و كذلك كانت حاله عند القواد و الوزراء و عامة الناس.

فأذكر أنني كنت يوما قائما علي رأس أبي و هو يوم مجلسه للناس، اذ دخل حجابه فقالوا: أبومحمد ابن الرضا بالباب، فقال بصوت عال: ائذنوا له، فتعجبت مما سمعت منهم و من جسارتهم أن يكنوا رجلا بحضرة أبي، و لم يكن يكني عنده الا خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكني.

قال: فدخل رجل أسمر حسن القامة جميل الوجه جيد البدن حديث السن، له جلالة و هيئة حسنة، فلما نظر اليه أبي قام فمشي اليه خطي، و لا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم و القواد، فلما دنا منه عانقه و قبل وجهه و صدره، و أخذ بيده و أجلسه علي مصلاه الذي كان عليه، و جلس الي جنبه مقبلا عليه بوجهه، و جعل يكلمه و يفديه بنفسه، و أنا متعجب مما أري منه، اذ دخل الحاجب، فقال: الموفق [5] قد جاء.

و كان الموفق اذا دخل علي أبي يقدمه حجابه و خاصة قواده، فقاموا بين مجلس أبي و بين باب الدار سماطين الي أن يدخل و يخرج. فلم يزل أبي مقبلا علي أبي محمد يحدثه حتي ينظر الي غلمان الخاصة، فقال حينئذ له: اذا شئت جعلني الله فداك، ثم قال لحجابه: خذوا به خلف السماطين لا يراه هذا - يعني الموفق - فقام و قام أبي فعانقه و مضي. فقلت لحجاب أبي و غلمانه: ويلكم من هذا الذي كنيتموه بحضرة أبي و فعل به أبي هذا الفعل؟ فقالوا: هذا علوي يقال له: الحسن بن علي، و يعرف بابن الرضا، فازددت تعجبا.



[ صفحه 470]



و لم أزل يومي ذلك قلقا مفكرا في أمره و أمر أبي و ما رأيته منه حتي كان الليل، و كانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج اليه من المؤامرات و ما يرفعه الي السلطان.

فلما صلي و جلس جئت فجلست بين يديه، و ليس عنده أحد، فقال لي: يا أحمد، ألك حاجة؟ فقلت: نعم يا أبه، فان أذنت سألتك عنها، فقال: قد أذنت. قلت: يا أبه، من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال و الكرامة و التبجيل و فديته بنفسك و أبويك؟

فقال: يا بني، ذاك امام الرافضة الحسن بن علي، المعروف بابن الرضا، ثم سكت ساعة و أنا ساكت، ثم قال: يا بني، لو زالت الامامة عن خلفائنا بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره، لفضله و عفافه و هديه و صيانته و زهده و عبادته و جميل أخلاقه و صلاحه، و لو رأيت أباه رأيت رجلا جزلا نبيلا فاضلا؛ فازددت قلقا و تفكرا و غيظا علي أبي و ما سمعت منه فيه، و رأيت من فعله به، فلم يكن لي همة بعد ذلك الا السؤال عن خبره و البحث عن أمره.

فما سألت أحدا من بني هاشم و القواد و الكتاب و القضاة و الفقهاء و سائر الناس الا وجدته عنده في غاية الاجلال و الاعظام و المحل الرفيع و القول الجميل و التقديم له علي جميع أهل بيته و مشايخه، فعظم قدره عندي اذ لم أر له وليا و لا عدوا الا و هو يحسن القول فيه و الثناء عليه [6] .

و أمام هذا الموقف لم يبق للمعتمد غير الخضوع للامام عليه السلام فيدخل اليه متضرعا و يسأله أن يدعو له بالبقاء عشرين سنة في الخلافة، فقال الامام عليه السلام: مد



[ صفحه 471]



الله في عمرك، فاجيب و توفي بعد عشرين سنة [7] .

و اذا فرضنا صحة دعاء الامام عليه السلام له، فلعلمه أن الخليفة العباسي لا يملك من أجهزة السلطة شيئا و أن طول مقامه في السلطة يعني كثرة ذنوبه و ذلته، و يتضح لك ذلك بمراجعة حياة المعتمد السياسية الطويلة و ما لاقي فيها من ذلة و قهر.

قال السيوطي: و ليس للمعتمد حل و لا ربط، و قال المعتمد في ذلك:



أليس من العجائب أن مثلي

يري ما قل ممتنعا عليه



و تؤخذ باسمه الدنيا جميعا

و ما من ذاك شي ء في يديه



اليه تحمل الأموال طرا

و يمنع بعض ما يجبي اليه



و هو أول خليفة قهر و حجر عليه و وكل به [8] و قال أيضا في حوادث سنة 79 ه: و مات المعتمد بعد أشهر من هذه السنة فجأة، فقيل: انه سم، و قيل: بل نام فغم في بساط، و ذلك ليلة الاثنين لاحدي عشرة ليلة بقيت من رجب، و كانت خلافته ثلاثا و عشرين سنة الا أنه كان مقهورا مع أخيه الموفق لاستيلائه علي الامور، و مات و هو كالمحجور عليه من بعض الوجوه من جهة المعتضد أيضا.

و من شعر المعتمد لما حجز عليه:



أصبحت لا أملك دفعا لما

اسام من خسف و من ذلة



تمضي امور الناس دوني، و لا

يشعرني في ذكرها قلتي



اذا اشتهيت الشي ء و لوا به

عني، و قالوا: ها هنا علتي [9] .



[ صفحه 472]



و للسيد الشهيد محمد الصدر رأي في موضوع دعاء الامام العسكري عليه السلام للمعتمد العباسي يقول فيه: نري للمعتمد موقفا غريبا لم يسبق لأحد من أسلافه أن قام به، و هو موقف التذلل للامام و التضرع اليه، فانه كان يكفي لهذا الرجل أدني تفكير، ليتوصل الي الشك في بقائه في الخلافة يوما أو بعض يوم فضلا عن العام و الأعوام، اذ يكفي أن يستعرض آجال أسلافه من الخلفاء و كيف كتبها الموالي و الأتراك بسيوفهم و آرائهم، ليدرك ضعف موقف الخلافة بشكل عام لا في السيطرة علي الحكم فقط، بل في السيطرة علي الخلافة نفسها، اذن فهو بصفته سائرا في هذا الخط، فلن يكون أحسن حالا من أسلافه، بل قد يكون في نظره أسوأ حالا باعتبار كونه مغلوبا علي أمره مسلوبا عن التصرف بالكلية، علي حين كانوا أقوي منه و أكثر حرية و أنفذ حكما.

لذا فقد وجد أقرب طريق لدفع الشر المستطير عن نفسه و ضمان طول عمره و امتداد حكمه، و لا زال في أول أعوام خلافته، هو أن يقصد الامام عليه السلام في داره و يتضرع اليه و يسأله أن يدعو له بالبقاء عشرين سنة في الخلافة، فيجيبه الامام قائلا: مد الله في عمرك.

انظر الي هذه المدة التي حددها لنفسه، انها أقصي همة المعتمد و أبعد أهدافه، و مهما يكن رأيك في الدعاء، فاننا نجد أن مدة خلافته زادت علي العشرين بثلاث سنين من عام 256 ه الي عام 279 ه، كما يطلعنا علي ذلك التأريخ العام، علي حين لم يبق المتوكل - و هو أقوي خلفاء تلك الفترة - في الحكم غير خمسة عشر عاما، من عام 232 الي عام 247 ه.

و لعل السر في زيادة الثلاث سنين علي العشرين هو أنه عاش بعد دعاء الامام عشرين سنة، و لذلك تشير الرواية قائلة: فاجيب - يعني الامام - و توفي



[ صفحه 473]



المعتمد بعد عشرين سنة، مع افتراض أن المعتمد طلب الدعاء من الامام بعد ثلاث سنين من خلافته، يعني عام 259 ه و هو أول عام لاحساسه بالضعف نتيجة لبدء سيطرة الموفق علي دفة الحكم و الادارة، بعد أن عقد له المعتمد بنفسه و عينه قائدا لحرب صاحب الزنج قبل هذا التأريخ بعام، أي سنة 258 ه، ولكننا نستطيع الآن أن نري بوضوح السر الطبيعي لاستجابة دعاء الامام عليه السلام فان المعتمد كان واهما في كون ضعفه و انصرافه عن الحكم موجبا لقلة مدته و قصر عمره، فان القوم من الأتراك و غيرهم انما كانوا يقتلون أسلافه نتيجة لغضبهم من تصرفاتهم و أقوالهم، و أما اذا كان الخليفة نكرة سلبيا لا قول له و لا فعل، فهو الأمل الأساسي لهم لكي تنثني لهم الوسادة و تنفتح أمامهم الفرصة في التصرف التام في شؤون البلاد.

الي أن قال: و أما موقف الامام عليه السلام في استجابته لطلب المعتمد في الدعاء له، فقد كان واضحا كل الوضوح، فهو:

أولا: لم يرد اعلان التمرد و الخلاف علي الدولة، للذي عرفناه من سياسته و سياسة أبيه عليهماالسلام، و كان رفضه لطلب الخليفة بالدعاء له تجسيدا لموقف التمرد و الخلاف علي الدولة بشكل أو بآخر، و هو ما لا يريده الامام عليه السلام.

ثانيا: كان يريد عليه السلام اثبات الحجة علي هذا الرجل و علي غيره ممن يعرف هذه الواقعة، حين يري الناس، و بخاصة الخليفة نفسه، في نهاية حياته، أنه قد استجيب الدعاء، و قد استمرت مدة حكمه بالفعل عشرين سنة، فيتأكد بذلك من عدالة قضية الامام و انحراف الخط الحاكم.

و قد يخطر في الذهن: ان هذا الدعاء من الامام عليه السلام يستوجب طول عمر شخص يعتقده الامام نفسه ظالما منحرفا.

و جوابه: ان الامام عليه السلام كان يعلم أن المعتمد متي وافته المنية - سواء طال



[ صفحه 474]



زمانه أو قصر - فلن يخلفه الا شخص مثله من حيث الفكرة و الاتجاه، و لم يكن الامام علي ما عرفنا يخطط لنيل الحكم لكي يكون موت المعتمد موجبا لفوز الامة الاسلامية بالحكم الاسلامي بقيادة الامام عليه السلام [10] .

هذه هي أهم الأحداث التأريخية و المواقف المختلفة لسلاطين بني العباس من الامام العسكري عليه السلام و التي انتهت بشهادته مسموما و هو في ريعان شبابه و ذلك سنة 260 ه و لما يبلغ الثامنة و العشرين من عمره الشريف.

و سنعرض لكيفية شهادته و من الذي سمه في الفصل التالي (الحادي عشر).



[ صفحه 475]




پاورقي

[1] الفخري: 250.

[2] الكافي 1: 430 / 26، اعلام الوري: 360، بحارالأنوار 50: 309 / 7.

[3] مهج الدعوات: 343،اثبات الوصية: 245، بحارالأنوار 50: 313.

[4] مهج الدعوت: 344، اثبات الوصية: 247، بحارالأنوار 50: 314.

[5] هو أبوأحمد بن المتوكل العباسي، و أخوالخلفاء المعتز و المهدي و المعتمد.

[6] الارشاد 2: 323 - 321.

[7] المناقب 4: 430، بحارالأنوار 50: 309 / 8 عن يحيي بن قتيبة الأشعري.

[8] تأريخ الخلفاء: 365.

[9] تأريخ الخلفاء: 367.

[10] الغيبة الصغري: 178 - 175.