بازگشت

نبذة تأريخية


كانت بغداد دار الملك و بها سرير الملك بعد المنصور، الا أن هارون الرشيد



[ صفحه 497]



أحب الرقة بالشام فأقام بها، و مع ذلك فكانت الرقة له كالمتنزه، و قصوره و خزائنه في بغداد بقصر الخلد، و من ولي بعده من خلفاء بني العباس كان سرير ملكهم ببغداد.

فلما كنت أيام المعتصم خاف من بها من العسكر، و لم يثق بهم، فقال: اطلبوا لي موضعا أخرج اليه، و أبي فيه مدينة و اعسكر به، فانه رابني من عساكر بغداد حوادث، و كنت قادرا علي أن آتيهم في البر و في الماء، فوقع اختياره علي سامراء فبناها و خرج اليها.

و قيل: ان المعتصم استكثر من المماليك، فضاقت بهم بغداد، و تأذي بهم الناس، و زاحموهم في دورهم، و تعرضوا للنساء، فكان في كل يوم ربما قتل منهم جماعة، فركب و صلي بالناس العيد، و سار الي موضع سامراء، فارتادها للأجناد و اختارها [1] .

ثم انه بني ما شاء من دساكر، فسر من رأي من العساكر، فسميت سر، و سر من رأي، و سامرا، و سري، و سميت عسكر، و معناها مجتمع الجنود، و سميت ساء من رأي بعدما انهدم البناء بها، عمرت سنة 221 ه، و هدمت سنة 279 ه، فكان عمر ازدهارها لا يتجاوز الستين عاما.

و لما صفا الهواء للمتوكل، و استوي علي عرش الملك في سامراء، أصغي الي و شاية الأعادي، و استقدم الامام علي بن محمد الهادي عليه السلام، فجاء هو و ابنه الامام من بعده الحسن العسكري عليه السلام، و ظلل يعفي تارة و يسجن اخري، حتي سمه المعتز سنة 254 ه، و كان المهدي المنتظر لاقامة دولة الحق (سلام الله عليه) قد ولد في سنة



[ صفحه 498]



255 ه، ثم قضي الامام الحسن العسكري عليه السلام سنة 260 ه و قد سمه المعتمد [2] و دفن مع أبيه الامام الهادي عليه السلام في داره بسر من رأي.

و بعد وفاة الامامين العسكريين اتخذ شيعتهما مرقديهما مزارين، فبنوا حولهما العمارات، و أنشأوا الدور و المنازل العامة، فحافظت المدينة علي عمرانها و وضعها الي ما بعد انقراض دولة بني العباس.

ثم شيد ناصر الدولة الحمداني الدار و الجدث، و كلل الضريح بالستور، و حاط سر من رأي بسور سنة 333 ه.

ثم شاده معز الدولة البويهي، فأسس الدعائم، و عمر القبة و السرداب، و رتب القوام و الحجاب، و رفع الضريح بالأخشاب، و ملأ الحوض بالتراب، اذ صار كالبئر، لأن الناس كانوا يأخذون التراب منه للبركة، و ذلك لأن العسكري عليه السلام كان يتوضأ به أحيانا، و جدد الصحن و سوره، و طرز البناء، و أكمل عمارته الحمداني سنة 337 ه.

ثم سيج عضد الدولة البويهي الروضة بالساج، و ستر الضريح بالديباج، و عمر الأروقة، و وسع الصحن، و شيد السور، و ذلك في سنة 368 ه.

ثم ترك الأمير أرسلان بغداد، و حل تكريت، و عمر القبة و الضريح، و عمل الصندوق من الساج، و جعل الرمان فيه من ذهب، و ذلك في سنة 445 ه.

ثم جدد بركيا روت السلجوقي الأبواب، و سيج الروضة، و رمم القبة و الرواق و الصحن و الدار، علي يد الوزير مجد الدولة في سنة 495 ه.

ثم عمر الناصر العباسي القبة و المآذن، و زين الروضة، و عقد السرداب،



[ صفحه 499]



و منع أن يأخذ أحد ترابا من الحوض، و كتب أسماء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام علي نطاق العقد، علي يد الشريف معد بن محمد بن معد سنة 606 ه [3] .

و في سنة 640 ه وقع حريق في المشهد المقدس، فأتي علي ضريحي علي الهادي و الحسن العسكري عليهماالسلام، فتقدم الخليفة المستنصر بالله بعمارة المشهد المقدس و الضريحين الشريفين، و اعادتهما الي أجمل حالاتهما، و كان الضريحان مما أمر بعملهما أرسلان البساسيري [4] .

ثم أبدل المستنصر الصندوق بعد الحريق، و جعله من الساج، و عمر الروضة و السياج علي يد السيد جمال الدين أحمد بن طاووس رحمه الله سنة 640 ه.

ثم زين أبواويس حسن الجلائري الضريح، و شيد القبة، و عمل البهو، و شاد الدار، و نقل المقابر التي في الصحن الي الصحراء، و ذلك في سنة 750 ه.

ثم زين الشاه حسين الصفوي الروضة بالساج، و دعم البناء، و عمل الشباك من الفولاذ، و رخم الأرض و الدور، سنة 1106 ه [5] .

و ذكر العلامة المجلسي في البحار ما حاصله أنه في سنة 1106 ه وقعت داهية عظيم و فتنة كبري في المشهد المقدس بسامراء، و ذلك أنه لغلبة ملوك الترك العثمانيين و أجلاب الأعراب علي سر من رأي و قلة اعتنائهم بأمر المشهد المقدس و جلاء السادات و الأشراف عن سامراء بسبب ظلم العثمانيين، و ضعوا في ليلة من الليالي سراجا دخل المشهد في غير الموضع المناسب له فسقطت منه نار علي الفرش، و لم



[ صفحه 500]



يكن أحد داخل المشهد ليطفئها، فاحترقت الفرش و الصناديق التي علي القبور الشريفة و الأخشاب و الأبواب.

ثم ان هذا الخبر الموحش - يعني الخبر باحتراق المشهد في سامراء - لما وصل الي السلطان ناصرالدين نجل السلطان حسين - و هو السلطان حسين الصفوي الموسوي - عد ترميم تلك الروضة البهية و تشييدها فرض العين، فأمر بعمل أربعة صناديق و ضريح مشبك في غاية الاتقان و أرسلها الي المشهد المشرف بسامراء [6] .

و بعد هذا التأريخ عمر أحمد الدنبلي البرمكي الروضة و السرداب، و بدل بابه و أخشابه بالحجر الصوان و الرخام، و كان وكيله الميرزا السلماسي، و توفي الخان الدنبلي و لما يكمل البناء، و بقي السلماسي ينفق عليه، و ذلك سنة 1200 ه.

ثم واصل البناء ابنه حسين الدنبلي، و أكمل البهو و الأبواب، و زين جامع السرداب، و كتب الآيات علي الأركان، و زين القبة بالكاشي، و حفر قبرا له مع أبيه في الرواق، و ذلك علي يد الميرزا السلماسي أيضا، سنة 1225 ه.

ثم جدد ناصرالدين شاه القاجاري الشباك، و ذهب القبة، و عمر الضريح و الرواق و القبة و الصحن و المآذن و الدار، و رخم الروضة و الرواق و البهو و الصحن، و شرع الأبواب و رمم السور - الذي بناه الدنبلي من قبل - و ذلك علي يد شيخ العراقين الشيخ عبدالحسين الرازي سنة 1285 ه.

و وسعت في زمان الملك فيصل الأول الطرق بين الدور، و ذلك سنة 1341 ه.



[ صفحه 501]



و هكذا في زمان الملك غازي الأول سنة 1352 ه، و فيصل الثاني سنة 1359 ه.

و نورت الروضة بالكهرباء سنة 1349 ه، و عملت اسالة الماء سنة 1343 ه [7] .

و قال السيد محسن الأمين رحمه الله: و في أواخر سنة 1355 ه سطا جماعة ليلا علي المشهد المقدس مشهد العسكريين عليهماالسلام، فاقتلعوا عدة ألواح من الذهب المذهبة به القبة الشريفة.

و في شهر صفر سنة 1356 ه سطا جماعة ليلا علي المشهد فكسروا القفل الموضوع علي باب المشهد، و أخذوا شمعدانين من الفضة الخاصة و زنهما ثمانون كيلو غنيمة باردة [8] .

و علي الرغم من جميع محاولات الطمس و التغيير التي تعرضت لها مشاهد أهل البيت عليهم السلام من قبل بعض الحاقدين و النواصب، فقد بقيت منارا للقاصدين و هدي للمحبين، الذين يقصدونها و لسان حالهم يقول:



أمر علي الديار ديار ليلي

أقبل ذا الجدار و ذا الجدارا



و ما حب الديار شغفن قلبي

ولكن حب من سكن الديارا



فها هو قبر الامام العسكري و أبيه الهادي عليهماالسلام ينافس السماء رفعة و ازدهارا، و يزدحم فيه المسلمون من شرق الأرض و غربها للزيارة و التسليم عليهما و الصلاة عندهما و الدعاء في مرقدهما المقدس.



[ صفحه 502]




پاورقي

[1] الفخري: 231.

[2] موسوعة العتبات المقدسة 12: 139.

[3] موسوعة العتبات المقدسة 12: 142 - 141.

[4] موسوعة العتبات المقدسة 12: 142.

[5] موسوعة العتبات المقدسة 12: 142.

[6] بحارالأنوار 50: 339 - 337، في رحاب أئمة أهل البيت عليهم السلام 4: 194.

[7] موسوعة العتبات المقدسة 12: 142.

[8] في رحاب أئمة أهل البيت عليهم السلام 4: 195.