بازگشت

و قال طبرسي في ذكر الامام الحسن العسكري


و قال الطبرسي في كتابه اعلام الوري: الباب العاشر في ذكر الامام الزكي أبي محمد الحسن بن علي عليهماالسلام، أربعة فصول:

الفصل الأول

في تاريخ مولده و مبلغ سنه و وقت وفاته عليه السلام

كان مولده بالمدينة يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين و ثلاثين و ماءتين، و قبض بسر من رأي لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين و ماءتين، و له يومئذ ثمان و عشرون سنة و أمه أم ولد، يقال لها حديث، و كانت مدة خلافته ست سنين، و لقبه الهادي و السراج و العسكري، و كان هو عليه السلام و أبوه وجده يعرف كل منهم في زمانه بابن الرضا، و كانت في سني امامته بقية ملك المعتز أشهر، ثم ملك المهتدي أحد عشر شهرا و ثمانية و عشرين يوما، ثم ملك أحمد المعتمد علي الله ابن جعفر المتوكل عشرين سنة و أحد عشر شهرا، و بعد مضي خمس سنين من ملكه قبض الله أبامحمد عليه السلام، و دفن في داره بسر من رأي في البيت الذي دفن فيه أبوه، و ذهب كثير من أصحابنا الي أنه عليه السلام مضي مسموما، و كذلك أبوه و جده و جميع الأئمة عليهم السلام خرجوا من الدنيا بالشهادة و استدلوا علي ذلك بما روي عن الصادق عليه السلام و الله ما منا الا مقتول أو شهيد و الله أعلم بحقيقة ذلك.

قلت: قد تقدم قبل هذا أنه عليه السلام كتب اني نازلت الله في هذا الطاغي يعني المستعين، و الطبرسي لم يعد المستعين من الخلفاء الذين كانوا في زمانه عليه السلام، و كان هذا و أمثاله من غلط الرواة و النساخ، فان المستعين بويع له في أوائل ربيع الآخر سنة ثمان و أربعين و ماءتين، و كانت مدة ملكه ثلاث سنين و تسعة أشهر، و قيل ثمانية أشهر، فلا يكون ملكه في أيام امامة أبي محمد عليه السلام، فكيف ينازل الله فيه، فاما أن يكون غير المستعين، أو يكون المنازل أبوالحسن أبوه عليه السلام و للتحقيق حكم.



[ صفحه 935]



الفصل الثاني

في ذكر النصوص الدالة علي امامته عليه السلام

يدل علي امامته بعد طريقي الاعتبار و التواتر الذين ذكرناهما في امامة من تقدمه من آبائه عليه السلام و ذكر النصوص التي تقدم ذكرها من تعيين أبيه عليه عليهماالسلام.

الفصل الثالث

في ذكر طرف من آياته و معجزاته عليه السلام

قلت: أذكر من هذا الفصل ما لم أكن ذكرته فيما تقدم، فمن ذلك ما قال أبوهاشم الجعفري: كنت عند أبي محمد عليه السلام فاستؤذن لرجل من أهل اليمن، فدخل رجل جميل طويل جسيم، فسلم عليه بالولاية فرد عليه بالقبول، و أمره بالجلوس، فجلس الي جنبي فقلت في نفسي: ليت شعري من هذا؟ فقال أبومحمد: هذا من ولد الأعرابية صاحبة الحصاة التي طبع آبائي فيها، ثم قال: هاتها، فأخرج حصاة في جانب منها موضع أملس فأخذها و أخرج خاتمه و طبعها فانطبع، و كأني أقرأ الخاتم الساعة: الحسن بن علي، فقلت لليماني: ما رأيته قط قبل هذا؟ فقال: لا و الله، و اني منذ دهر حريص علي رؤيته حتي كأن الساعة أتاني شاب لست أراه فقال: قم فادخل فدخلت، ثم نهض و هو يقول: رحمة الله و بركاته عليكم أهل البيت ذرية بعضها من بعض، أشهد أن حقك الواجب كوجوب حق أميرالمؤمنين و الأئمة من بعده صلوات الله عليهم أجمعين، و اليك انتهت الحكمة و الامامة، و انك و الله لا عذر لأحد في الجهل به، فسألت عن اسمه فقال: اسمي مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم بن أم غانم الأعرابية اليمانية صاحبة الحصاة التي ختم بها أميرالمؤمنين.

و قال أبوهاشم الجعفري في ذلك:



بدرب الحصا مولي لنا يختم الحصا

له الله أصفي بالدليل و أخلصا



و أعطاه آيات الامامة كلها

كموسي و فلق البحر واليد و العصا



و ما قمص الله النبيين حجة

و معجزة الا الوصيين قمصا



فمن كان مرتابا بذاك فقصره

من الأمر أن يتلو الدليل و يفحصا





[ صفحه 936]



قال أبوعبدالله بن عياش: هذه أم غانم صاحبة الحصاة غير تلك صاحبة الحصاة و هي أم الندي حبابة بنت جعفر الوالبية الأسدية، و الثالثة التي طبع فيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أميرالمؤمنين عليه السلام فهي أم سليم، و كانت وارثة الكتب، و لكل واحدة منهن خبر قد رويته و لم أطل الكتاب بذكره.

قلت: و انما ذكرت هذه لأنه أتم مما تقدم.

و حدث أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري قال: كنت في الحبس المعروف بحبس حسيس [1] في الجوسق الأحمر، أنا و الحسن بن محمد العقيقي و محمد بن ابراهيم العمري و فلان و فلان، اذ دخل علينا أبومحمد الحسن و أخوه جعفر، فخفنا له [2] و كان المتولي لحبسه صالح بن وصيف، و كان معنا في الحبس رجل جمحي يقول: انه علوي، قال: فالتفت أبومحمد فقال: لو لا أن فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متي يفرج عنكم، و أومأ الي الجمحي أن يخرج فخرج، فقال أبومحمد: هذا ليس منكم فاحذروه، فان في ثيابه قصة قد كتبها الي السلطان يخبره فيها بما تقولون فيه.

فقام بعضهم ففتش ثيابه فوجد القصة يذكرنا فيها بكل عظيمة.

و كان الحسن عليه السلام يصوم فاذا أفطر أكلنا معه من طعام كان يحمله غلامه اليه في جونة [3] مختومة، و كنت أصوم معه، فلما كان ذات يوم ضعفت فأفطرت في بيت آخر علي كعكة [4] و ما شعر و الله به أحد، ثم جئت فجلست معه، فقال لغلامه: أطعم أباهاشم شيئا فانه مفطر، فتبسمت، فقال: ما يضحكك يا أباهاشم اذا أردت القوة فكل اللحم فان الكعك لا قوة فيه، فقلت: صدق الله و رسوله و أنتم، فقال لي: أفطر ثلاثا فان المنة [5] لا ترجع اذا نهكها الصوم في أقل من ثلاث.

فلما كان في اليوم الذي أراد الله أن يفرج عنه جاءه الغلام فقال: يا سيدي أحمل فطورك؟ فقال: احمل و ما أحسب انا نأكل منه، فحمل الغلام الطعام للظهر و أطلق عنه عند العصر و هو صائم، و قال: كلوا هنا كم الله.



[ صفحه 937]



قال: و كان مرضه الذي توفي فهي في أول شهر ربيع الأول سنة ستين و ماءتين، و توفي عليه السلام يوم الجمعة لثمان خلون من هذا الشهر، و خلف ولده الحجة القائم المنتظر لدولة الحق، و كان قد أخفي مولده لشدة طلب السلطان له و اجتهاده في البحث عنه و عن أمره، فلم يره الا الخواص من شيعته علي ما نذكره بعد، و تولي أخوه جعفر أخذ تركته و سعي الي السلطان بمخلفيه كما تقدم فيما أورده الشيخ المفيد رحمه الله تعالي.

قلت: مناقب سيدنا أبي محمد الحسن العسكري دالة علي أنه السري بن السري، فلا يشك في امامته أحد و لا تمتري، و اعلم أنه متي بيعت مكرمة أو اشتريت فسواه بايعها و هو المشتري، يضرب في السورة و الفخار بالقداح الفايزة، و اذا أجيز كريم للشرف و المجد فاز بالجائزة، واحد زمانه غير مدافع، و نسيج وحده غير منازع، و سيد أهل عصره و امام أهل دهره، فالسعيد من وقف عند نهيه و أمره، فله العلاء الذي علا علي النجوم الزاهرة، و المحتد الذي قرع العظماء عند المنافرة و المفاخرة، و المنصب الذي ملك به معادتي الدنيا و الآخرة، فمن الذي يرجو اللحاق بهذه الخلال الفاخرة، و المزايا الظاهرة، و الأخلاق الشريفة الطاهرة، أقواله سديدة، و أفعاله رشيدة، و سيرته حميدة، و عهوده في ذات الله و كيدة، فالخيرات منه قريبة، و الشرور عنه بعيدة، اذا كان أفاضل زمنه قصيدة كان عليه السلام بيت القصيدة، و ان انتظموا عقدا كان مكان الواسعة و الفريدة، و هذه عادة قد سلكها الأوائل و جري علي منهاجها الأفاضل، و الا كيف تقاس النجوم بالجنادل، و أين فصاحة قس من فهاهة باقل؟

فارس العلوم الذي لا يجاري، و مبين غامضها فلا يجادل و لا يماري، كاشف الحقائق بنظره الصائب، مظهر الدقائق بفكره الثاقب، المطلع بتوقيف الله علي أسرار الكائنات، المخبر بتوفيق الله عن الغائبات، المحدث في سره بما مضي و بما هو آت، الملهم في خاطره بالامور الخفيات، الكريم الأصل و النفس و الذات، صاحب الدلائل و الآيات و المعجزات، مالك أزمة الكشف و النظر، مفسر الآيات مقرر الخبر وارث السادة الخير، ابن الأئمة أبوالمنتظر، فانظر الي الفرع و الأصل، وجدد النظر و اقطع بأنهما عليهماالسلام أضوأ من الشمس و أبهي من القمر، و اذا تبين زكاء الأغصان تبين طيب الثمر، فأخبارهم و نعوتهم عليهم السلام عيون التواريخ و عنوان السير.



شرف تتابع كابر عن كابر

كالرمح أنبوبا علي أنبوب



و والله أقسم قسما برا أن من عد محمدا جدا و عليا أبا و فاطمة أما و الأئمة آباءا



[ صفحه 938]



و المهدي ولدا لجدير أن يطول السماء علاء و شرفا، و الأملاك سلفا و ذاتا و خلفا، و الذي ذكرته من صفاته دون مقداره، فكيف لي باستقصاء نعوته و أخباره، و لساني قصير و طرف بلاغتي حسير، فلهذا يرجع عن شأو صفاته كليلا، و يتضاءل لعجزه و قصوره و ما كان عاجزا و لا ضئيلا، و ذنبه أنه وجد مكان القول ذا سعة فما كان قؤولا و رأي سبيل الشرف واضحا، و ما وجد الي حقيقة مدحه سبيلا فقهقر، و كان من شأنه الاقدام، و أحجم مقرا بالقصور و ما عرف منه الاحجام، ولكن قوي الانسان لها مقادير تنتهي اليها، و حدود تقف عندها، و غايات لا تتعداها، يفني الزمان و لا يحيط بوصفهم، أيحيط ما يفني بما لا ينفد؟ و قد نظمت علي العادة شعرا في مدحه غرضي فيه ما قدمته في مدح آبائه عليهم السلام، و لأخلد لي ذكرا مع ذكرهم علي بقايا الأيام و هو:



يا راكبا يسري علي جسرة

قد غبرت في أوجه الضمر



عرج بسامراء و الثم ثري

أرض الامام الحسن العسكري



عرج علي من جده صاعد

و مجده عال علي المشتري



علي الامام الطاهر المجتبي

علي الكريم الطيب العنصر



علي ولي الله في عصره

و ابن خيار الله في الأعصر



علي كريم صوب معروفه

يربي علي صوب الحيا الممطر



علي امام عدل أحكامه

يسلط العرف علي المنكر



و بلغا عن عبد آلائه

تحية أزكي من العنبر



و قل سلام الله وقف علي

ذاك الجناب الممرع الأخضر



دار بحمدالله قد أسست

علي التقي و الشرف الأظهر



من جنة الخلد ثري أرضها

و ماؤها من نهر الكوثر



حل بها شخصان من دوحة

أغصانها طيبة المكسر



العسكريان هما ما هما

فطول التقريض أو قصر



غصنا علاء قمرا سدقة

شمسا نهار فارسا منبر



من معشر فاقوا جميع الوري

جلالة ناهيك من معشر



هم الاولي شادوا بناء العلي

بالأبيض الباتر و الأسمر



هم الاولي لولاهم في الوري

لم يعرف الحق و لم ينكر



هم الاولي لولاهم في الوري

لم يؤمن العبد و لم يكفر





[ صفحه 939]





هم الاولي سنوا لنا منهجا

بواضح من سعيهم نير



هم الاولي دلوا علي مذهب

مثل الصباح الواضح المسفر



فاتضح الحق لوراده

ولاح قصد الطالب المبصر



أخلاقهم أني أتي سائل

مثل الربيع اليانع المزهر



يا سادتي ان ولائي لكم

من خير ما قدمت للمحشر



أرجوبكم نيل الأماني غدا

في مبعثي و الأمن في مقبري



فأنتم قصدي وحبي لكم

تجارتي و الربح في متجري



و الحمدلله علي أنه

وفقني للفرض الأكبر


پاورقي

[1] و في بعض النسخ «حبيس» و نسخة المصدر خلت من اللفظة رأسا.

[2] أي أسرعنا الي خدمته، و في بعض النسخ «فحففنا به» بالحاء المهملة من قولهم حف له أي أطاف به.

[3] الجونة: الخابية المطلية بالغار.

[4] الكعكة واحدة الكعك: خبز يعمل مستديرا من الدقيق و الحليب و السكر أو غير ذلك معرب «كاك».

[5] المنة - بالضم -: القوة.