بازگشت

حول موضوعنا


رب متسائل يقول: لم نزل هذا الكاتب في محطة أئمة أهل البيت عليهم السلام و لم يغادرها الي ما هو أجدي لحياتنا و أولي؟

و هل قعد به الفكر عن ابتكار مواضيع ذات مساس بحياة الناس الحاضرة، فعكف علي نبش تراث عفت عليه السنون. و نسيه العالمون؟!.

أو أنه أفلس عن وضع لبنة حيوية يضعها في مدماك صرح التقدم، فقبع يجتر ماضيا بعيدا لا علاقة له بعصرنا الحاضر المتحضر؟!.

فلهذا المتسائل أقول:

أولا: أنا ما علي ممن ينظر الي الأمور بمنظار ذي غبشة؟.

و ما علي ممن يريد أن يمشي علي يديه - مقلوبا - و رجلاه في الهواء؟.

ثم اذا ما قلت له ما قال الله عزوجل: (أفمن يمشي مكبا علي وجهه أهدي أمن يمشي سويا علي صراط مستقيم (22) ( [1] قال: الأهدي أن يمشي مكبا علي وجهه اذا قرر ذلك العلم الحديث في حضارتنا الحديثة الضالة.. و أن يرفض كل غيب لا يقع تحت الحس و اللمس..



[ صفحه 8]



فلا علي اذا، و لا عليك ممن مشوا في غبشة الليل و أخذوا مقاعدهم في صفوف المكابرين لله عزوجل، و رضوا برب صنم لأنه محسوس ملموس يقره العلم الحديث.

و ثانيا: خل في بالك أنني نزلت في هذه المحطة مختارا، و عن تبصر و تصميم، و ما قعد بي الفكر و لا خانني، بل - علي العكس - هداني الي موضوع مصيري يترتب عليه فلاحنا و نجاحنا في الدارين، و لذلك نشطت الي العمل لكشف الأسس المتينة لأصول العقيدة الصحيحة التي يقوم عليها بناؤنا الاجتماعي المتكامل، لأن أي مجتمع بلا عقيدة يكون مجتمعا مفكك الأوصال، ضعيف الحال، تنعدم فيه القيم و تتدهور الأخلاق..

و ثالثا: أنا لا أكتب عن مجهولين منسيين، و لا عن تراث يمكن أن تمحوه العصور، بل أكتب عن متجاهلين متناسين مظلومين، و أحدث عن سادة قادة خافهم سلاطين الزمان الظالمون، و حكامهم و قضاتهم الجهلة، فلم يعبأوا بسلطان الأرض لأنهم سفراء سلطان السماء، قد قالوا كلمة العدل بوجه الحاكم الظالم و مضوا أنقياء أتقياء أبرارا.

و لا يضيرني أن يطلع قارئي فلا يقتنع، بعد أن خلقه الله مخيرا لا مسيرا، ولكنه - في كل حال - سيجد في قراءة هذه الصفحات المشرقة راحة و متعة ان كان لا ينشد الفائدة الجوهرية. فانا قد وفقني الله عزوجل لنزول هذه المحطة الآمنة لأقول للناس: قفوا قليلا و تفكروا كثيرا، و أعيدوا النظر فيما أنتم عليه من السير الذي لا تذرون نهاية مطافه.. فانكم عما قليل موقوفون، و بين يدي ربكم مسؤولون، و لا مفر لكم من مواجهة صعبة تنتهي الي الخلود في النعيم، أو الخلود في العذاب الأليم!.

ان اللبنة الأولي في بناء صرح التقدم، هي العقيدة التي بدونها تنعدم



[ صفحه 9]



شخصية الفرد، و يتهدم كيان المجتمع، و تقترب الانسانية من الحيوانية السافلة. فالعقيدة السليمة من كل شائبة - بعد الايمان بالله و رسوله - هي أن أهل البيت عليهم السلام، هم سفراء الله في أرضه، و حججه علي عباده - رضينا أم أبينا - و قد فرض الله سبحانه طاعتهم و ولايتهم علي الناس، كما فرض توحيده و التصديق برسوله، و كما أوجب الصلاة و الصوم و غيرهما و الفرض لا يلغيه عدم رضانا به، و لا يجعله تزويق الكلام باطلا.

و أنا - بالحقيقة - لا أكتب لأدعو الآخرين لتبني عقيدتي، و لا للأخذ برأيي، و لكنني أكشف عن آثار مجيدة، و أنبش عن تراث شريف مشرف، وأبسط حقائق لا يضرها تكذيب من كذب بها، و لا يبطلها انكار من أنكرها. فقارئي مخير بين الايمان بها و بين اعتبارها ألهية كاتب تريح الأعصاب.. فليقرأني - اذا - و ليعتبرني محققا أو منمقا، محللا أو مضللا، فسيواجه في قراءتي هدأة نفسية ربما وجد فيها مائدة جلي، و عقيدة مثلي، وأئمتنا عليهم السلام أشهر من أن يعرفوا، و أسمي من أن يقرظوا، و من يكن فكره أنفذ من فكري و أقدر، و قلمه أرقي من قلمي و أمهر، يعجز أن يحيط بمعانيهم، و يخفق حين محاولة صياغة اللفظ المعبر عما هم عليه في واقع أحوالهم، لأنهم فوق ما نفكر و أسمي مما نتصور!. و لم يكونوا في يوم من الأيام بحاجة الي من يعرف الناس بهم فان عبق الرسالة يفوح من أردانهم، و يدل متنشق نسيم الحق علي أنهم مرتبطون بالسماء ارتباط أولياء أصفياء مختارين، ممتازين عن سائر العالمين.

أما الوقوف منهم علي الحياد فانه لا ينجي العباد من سخط الله تعالي، و لا ينجي من سوء المعاد، فلابد من توليهم أو مجافاتهم كما هي الحال في الموالين و المخالفين، و لا أمر بين الأمرين اذ لا يكفي أن يحبهم الانسان و لا يتولاهم و يعمل بعملهم، سأل بعض الأصحاب امامنا الحسن العسكري عليه السلام عن الذين وقفوا علي امامة أبي الحسن، موسي الكاظم عليه السلام، و لم يعترفوا بخلف



[ صفحه 10]



من بعده هل يتوالاهم أم يتبرأ منهم، فكتب عليه السلام:

«لا تتوالاهم، و لاتعد مرضاهم، و لا تشهد جنائزهم، (و لا تصل علي أحد منهم مات أبدا) [2] سواء من جحد اماما من الله أو زاد اماما ليست امامته من الله، كان كمن قال: (ان الله ثالث ثلاثة) [3] ان الجاحد أمر آخرنا، جاحد أمر أولنا، و الزائد فينا كالناقص الجاحد أمرنا» [4] .

فالمنكر لامامة الامام المنصب من الله، كالمشرك مع الله آلهة أخري و كذلك من زاد اماما غير منصوص عليه.

فلا ينظر الي الامام كما ينظر الي الأخ و الصديق و الجار و الحبيب، و لا كما ينظر الي الملك و الحاكم و الرئيس أو أي واحد من البشر،لأن الامام قد برأه الله تعالي بحسب مشيئته لا بحسب مشيئة الآخرين، و صنعه علي عينه، و اصطنعه لنفسه، و جعله مميزا عن بني جنسه، مزودا بالعلم و الحكمة ليكون حجته علي المخلوقين، و قد قال الامام الصادق عليه السلام:

«ان الله عزوجل اذا أراد أن يخلق الامام، بعث ملكا فأخذ شربة من تحت العرش، ثم دفعها الي الامام فشربها.

فيمكث في الرحم أربعين يوما لا يسمع الكلام، ثم يسمع الكلام بعد ذلك.

فاذا وضعته أمه بعث الله اليه ذلك الملك الذي أخذ الشربة فكتب علي عضده الأيمن (و تمت كلمت ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته و هو السميع العليم) [5] .



[ صفحه 11]



فاذا قام بهذا الأمر - أي بالامامة - رفع الله في كل بلدة منارا ينظر به الي أعمال العباد» [6] .

فهل ولد أحد منا - نحن - من شربة صافية من تحت العرش، أم من مني...؟!

و هل نسمع الكلام بعد أربعين يوما من وضع نطفنا في أرحام أمهاتنا، و أنت تجد بيننا من لا يسمع الكلام و لا يذعن للحق و هو ابن أربعين سنة؟!.

ثق و صدق يا قارئي الكريم أن الأئمة عليهم السلام غيرنا، و أنهم يختلفون عنا لأنهم مجهزون بكفاءات و بطاقات ربانية ليست من لوازم حياتنا. و نحن لا تعرف من مواهب الله تعالي لهم الا ما كشفوا لنا عنه، و ما وراء ذلك - مما لم يتوهوا به - فهو أجل و أعظم!. و من أنكر عليهم ما هم فيه و عليه،فليفعل، و ما وجدنا مكابرا عرض السماء لفرط عناده، و لا قدر معاند أن... نور الشمس بمكابرته و يجعل الليل سرمدا.

ودعنا من الذين يرفضون ما أراد الله اذا لم يكن ما أراده موافقا لارادتهم!.فان أعجب العجب أن ينكر المسلمون ما أعطاه الله سبحانه لذرية نبيهم صلي الله عليه و آله و سلم و علي خلفائه.

و لا أدري ما هو الجواب الذي أعدوه لربهم اذا سألهم عن رفض اختياره، أو اذا سألهم نبيهم عن انكار ولاية أبنائه و مودتهم بعد أن أمره الله تعالي بطلب مودتهم من الناس!. (قل لآ أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربي) [7] فما وادوهم، بل قتلوهم!.



[ صفحه 12]



ان الذين عاصروا الأئمة عليهم السلام و عاشروهم، كانوا أشد معرفة بهم منا، و بمقدار ما عرفوا من فضلهم بمقدار ما حقدت عليهم فئة مسلمة و ناصبتهم العداء طلبا للسلطان الغاشم المغتصب منهم، و طمعا في المناصب الدنيوية التي عاشوا بها علي هواهم من غير دين و لا يقين و أكلوا الأخضر و اليابس و خضموا مال الله خضما، فذلك شأن جميع الذين داروا في فلك السلطان، و أطمعهم الشيطان في العيش و الطيش.

و نحن بأي منطق نصد مشيئة الله بمشيئتنا؟. و هل ينجينا في الآخرة أن نقول:(انا وجدنآ ءابآءنا علي أمة - أي طريقة - و انا علي ءاثارهم مهتدون [8] لا، و كلا فان الله تبارك و تعالي قد أمر نبيه صلي الله عليه و آله و سلم بجواب هؤلاء المقلدين مسبقا: (- قل - يا محمد - أولو جئتكم بأهدي مما وجدتم عليه ءابآءكم) [9] ؟ و بذلك تنقطع الحجة و يعيا الجواب.

أئمة أهل البيت - يا صاحبي - خلقوا علماء حكماء، ليكونوا مل ء سفارة السماء، و ليتمكنوا من حمل ثقل مسؤولية رسالتها و أعبائها. فلا تقايسهم بغيرهم، و لا تجعلهم كسائر الناس، فتتعدي بذلك علي ارادة الله عز و علا، و تكون قد تجاوزت مشيئته في خلقه، و قد نبهونا الي كثير مما كانوا عليه لئلا نضل و نضيع. فمن ذلك أن جعيد الهمداني قال:

قلت للحسين عليه السلام: جعلت فداك، بأي شي ء تحكمون؟.

قال: يا جعيد، نحكم بحكم آل داود - أي بغير بينة و لا شهود - فاذا عيينا عن شي ء تلقانا به روح القدس» [10] .



[ صفحه 13]



و هذا واحد من ألف مما قالوه عن أنفسهم و مما ستراه طي كتابنا هذا، و هم فوق ذلك كله قطعا، ونحن نخطي ء كثيرا حين نقومهم كما نقوم البشر العاديين، فان الطبيب غير المهندس، و المحامي غير المعلم، و المزارع غير التاجر، و الحداد غير النجار.. و العالم غير الجاهل.. و كلهم من البشر في ميزان الخلقة و أطوار الحياة، و هكذا الأئمة المصطفون فانهم غير الآخرين اذ خلقوا معلمين، مفهمين، ملهمين [11] الي جانب أنهم معصومون عن الزلل، مبرؤن من العيب، يحملون كلمة الله الي عباده، و يريدون الخير للكل، و يمحضون النصح للجميع كدعاة للحق و الخير يعملون بما يرضي الرب سبحانه في دار فناء، من أجل نعيم دائم في دار بقاء. و الدنيا عندهم دار ممر و امتحان و موتان، و الآخرة - بنظرهم - هي الحيوان من غير زولان..

قال الامام زين العابدين عليه السلام:

«الامام منا لايكون الا معصوما. و ليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، و كذلك لا يكون الا معصوما.

فقيل له: يابن رسول الله، فما معني المعصوم؟.

فقال: هو المعتصم بحبل الله. و حبل الله هو القرآن، لا يفترقان الي يوم القيامة. و الامام يهدي الي القرآن، و القرآن يهدي الي الامام، و ذلك قول الله عزوجل: (ان هذا القرءآن يهدي للتي هي أقوم..)» [12] .

فعصمة الامام ملكة ذاتية يفسرها اعتصامه بأحكام القرآن، و عدم مفارقته له. الأمر الذي يحجزه عن مخالفة أوامر الله تعالي و نواهيه، و عن



[ صفحه 14]



اقتراف صغائر المعاصي أو العمل خلاف الأولي، فضلا عن اعتصامه عن الكبائر مطلقا. و القرآن هو الامام الصامت، و الامام هو القرآن الناطق الذي يفسر و يبين و يهدي الي الأحكام، و بيان الحلال و الحرام.

و قد عرف الامام الصادق عليه السلام المعصوم بقوله:

«المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله، و قد قال الله تبارك و تعالي: (و من يعتصم بالله فقد هدي الي صراط مستقيم» [13] .

و لأن أئمتنا هكذا، فانك لا تجد ذاما لهم و.... بل الذم و الشنآن كانا - و مازالا - ينصبان علي أشياعهم و أتباعهم - أحيانا - من أهل العصبية العمياء لا من المنصفين، و لذا قال الامام الصادق عليه السلام: «ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت، لأنك لا تجد أحدا يقول: أنا أبغض محمدا و آل محمد، و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم أنكم تتولوننا وتتبرأون من أعدائنا» [14] .

فالناصب بنظري مقصر عن التوصل الي معرفة الحق، و مسي ء الي نفسه لأنه قادر علي أن يتولي: عترة نبيه صلوات الله عليه و آله، و أن يتمسك بذلك الحبل الممدود من السماء الي الأرض، فيتمسك بالعروة الوثقي التي لا انفصام لها، ليتربع في الصف الأمامي من عباد الله الصالحين، و لا يناصب أحدا العداء بعدها لغير أعداء الله تعالي و أعداء رسوله صلي الله عليه و آله و سلم.

أما امامنا أبومحمد الحسن العسكري عليه السلام الذي عاصر عدة سلاطين ظالمين من العباسيين عصوا الله و أطاعوا شهواتهم، فلم يتركه سلطان آخر



[ صفحه 15]



زمانه يعيش تمام الثماني و العشرين سنة، بل اغتاله في آخرها ليطفي ء نار حقد أسرته علي بني علي عليه السلام، و ليقطع نسله و يقف بوجه ولادة ابن يولد من صلبه يدمر الظلم و الظالمين!. و لكنه عليه السلام خرج من الدنيا بعد هذا العمر القصير - ريعان الشباب - عن ارهاصتين عظيمتين هما:

- الأمجاد الباهرة التي تركها و العمل الجليل الذي قام به بموجب وظيفته الربانية.

- و الخلف الصالح الذي ولد خفية عن الأنظار و المترصدين له ليقتلوه فور ولادته، و شاءه الله سيفا صارما يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد أن ملئت ظلما و جورا.

و قد غادر - سلام الله عليه - الحياة تاركا آثارا مشرفة بهر بها العقول و فتن الألباب، و دل علي ذاته بذاته، و برز سيد عصره رغم قيود السلطان و سدوده، فبالغ أعداؤه في مدحه و اطرائه أكثر مما بالغ بذلك محبوه و موالوه. و ستري في هذا الكتاب المتواضع أشياء من سيرته الكريمة تترك العاقل مفكرا بقدرة الله و بجليل عطاياه لأهل بيت النبوة.

فاقرأ - يا عزيزي - كتابي هذا وثائق و حقائق لا خرافات و مسليات، و قل لي بعد ذلك: شكرا لتحفتك، أو عثرا لقضيتك.. و لكن لا تنس أنني لم أقبع سنين طوالا بين الكتب الا من أجلك و لصالحك، و أتمني للناس - جميعا - الهدي الي ما يرضي المولي سبحانه، و أسأله المعونة علي قول الحق للخلق بمنه و كرمه.

البياض في آخر سنة 1917 هجرية

و سنة 1997 ميلادية



[ صفحه 17]




پاورقي

[1] سورة الملك: 22.

[2] سورة التوبة: 84.

[3] سورة المائدة: 73.

[4] كشف الغمة ج 3 ص 220 - 219 و بحارالأنوار ج 50 ص 275 - 274 و هو مروي عن أحمد بن مطهر، و هو كذلك في اثبات الهداة ج 6 ص 329.

[5] سورة الأنعام: 115.

[6] حليةالأبرار ج 2 ص 480 و بصائرالدرجات ج 9 ص 439 و اثبات الوصية ص 118 اختلاف يسير في اللفظ و هو في أكثر مصادر بحثنا.

[7] سورة الشوري: 23.

[8] سورة الزخرف: 22.

[9] سورة الزخرف: 24.

[10] بصائرالدرجات ج 9 ص 423.

[11] عقدنا فصلا خاصا بهذا الموضوع في كتابنا «الامام المعجزة».

[12] معاني الأخبار ص 132 و الآية الكريمة في الاسراء: 9.

[13] معاني الأخبار ص 132 و الآية الكريمة في آل عمران: 101.

[14] معاني الأخبار ص 365.