بازگشت

ومع «المعتز»


«المعتز» مغتر كغيره ممن سلفه و خلفه!.

نعم قد اعتز بغير الله عزوجل و اغتر بالملك و المجد، وخالف فعله اسمه الذي انتحه كآبائه و أبنائه حين تسموا بالضد.. و اغتر بأبهة السلطان، و بالتاج و الصولجان بدليل سيرته حين رصد اهتمامه في قهر أهل الحق؛ اذ يظهر من التاريخ أنه، في غضون أقل من ثلاث سنوات تأمر فيها كان امامنا عليه السلام أثناءها يقضي معظم أوقاته ضيفا كريما في سجنه، الي جانب الاقامة الجبرية التي كانت مفروضة عليه بشدة تصل الي مراقبة الداخلين و الخارجين الي بيته، رغم علمه بأن الامام عليه السلام منصرف الي العبادة ليله و نهاره، بعيدا عن النشاطات المعادية للسلطان و أهل الدنيا عامة..

قد بويع «المعتز» و له ثمان و عشرون سنة، بعد خلع «المستعين» و قتله بأمره، كفاتحة شر لبدء سلطانه!.

و كانت بيعته يوم الخميس لليلتين خلتا من المحرم سنة اثنتين و خمسين و مائتين. ثم دفع ثمن جريمته مع «المستعين» فأمر بخلع نفسه مثله يوم الاثنين لثلاث بقين من رجب سنة خمس و خمسين و مائتين، ومات بعد أن خلع نفسه بستة أيام [1] ، و كان قد استوزر جعفر بن محمد، و كانت الكتب تخرج من القصر باسم صالح بن وصيف كأنه مرسوم بالوزارة لشدة ما أطلق يده [2] .

و كذلك قال عنه ابن الجوزي و لم يذكر كيفية قتله بالتفصيل. و لكن



[ صفحه 146]



المسعودي قال: «منهم من قال: منع في حبسه من الطعام و الشراب فمات؛ و منهم من قال: انه حقن بالماء الحار المغلي، فمن أجل ذلك حين أخرج الي الناس وجدوا جوفه وارما. و الأشهر عند العباسيين أنه أدخل حماما و أكره علي دخوله اياه و كان الحمام محميا، ثم منع من الخروج منه. ثم تنازع هؤلاء فمنهم من قال: ترك في الحمام حتي فاضت نفسه، و منهم من ذكر أنه أخرج من بعدما كادت نفسه أن تتلف، فأسقي شربة من ماء بثلج فتناثر كبده فخمد من فوره!. و قيل مات في الحبس حتف أنفه.

فموته علي كل حال من ابتكارات أسرته المتخصصة بفنون القتل و التعذيب..

و بالأمس أرسل هو خادمه ليحتز رأس سلفه «المستعين»..

و اليوم أدخل هو في حمام «مسجور» و بؤسي له، و لسلفه، في الموقف يوم النشور!.

و نعود بك الي قصة الأمر بحمل الامام عليه السلام الي الكوفة - لقتله هناك أو في الطريق - و أنه قد صدر عن «المعتز» يقينا، فنقول:

قال أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد:

أخبرني أبوالهيثم بن سيابة أنه كتب اليه - عليه السلام - لما أمر «المعتز» بدفعه الي سعيد الحاجب عند مضيه الي الكوفة، و أن يحدث فيه ما يحدث في الناس - أي يقتله - بقصر ابن هبيرة:

جعلني الله فداك، بلغنا خبر قد أقلقنا و بلغ منا!.

فكتب عليه السلام اليه: بعد ثالث يأتيكم الفرج.



[ صفحه 147]



فخلع «المعتز» اليوم الثالث» [3] و هذا هو ما روي عن محمد بن عبدالله سابقا.

و روي مثله عن محمد بن عبدالله بن بليل - و قيل بلبل خطأ - الذي قال:

«تقدم - أي أمر - «المعتز» الي سعيد الحاجب أن أخرج أبامحمد الي الكوفة، ثم اضرب عنقه في الطريق.

فجاء توقيعه عليه السلام الينا: الذي سمعتموه تكفونه.

فخلع «المعتز» بعد ثلاث، و قتل» [4] .

و قال محمد بن علي الصيمري:

«كتب الي أبومحمد عليه السلام: فتنة تظلكم، فكونوا علي أهبة!.

فلما كان بعد ثلاثة أيام وقع بين بني هاشم و كانت لهم هنة لها شأن. فكتبت اليه: هذه هي؟.

قال: لا. و لكن غير هذه، فاحترسوا.

فلما كان بعد أيام، كان من أمر «المعتز» ما كان» [5] .

و كذلك قال محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن موسي بن جعفر:

«كتب أبومحمد، الحسن، الي أبي القاسم، اسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت «المعتز» بنحو عشرين يوما: الزم بيتك حتي يحدث الحادث.



[ صفحه 148]



فلما قتل «بريحة» كتب اليه: قد حدث الحادث، فما تأمرني؟.

فكتب اليه: ليس هذا الحادث. [هو] الحادث الآخر.

فكان من «المعتز» ما كان» [6] .

و السؤال الذي يمكن طرحه الآن هو: هل يعلم الامام الغيب فيوقت للأمور بهذه الدقة العجيبة حتي لكأنه شارك الله تعالي في علمه؟!.

و الجواب هو: نعم، ان الامام يعلم بعض الغيب، و لكن لا يشارك الله تعالي لي علمه أحد. و الامام يعلم ذلك الغيب باذن ربه عزوجل، و باقداره علي ذلك؛ لأن البريد السماوي - الدبلوماسي - يأتيه تباعا بلا رقيب، فلا ينزل قضاء هام الي الأرض الا عرفه الامام قبل وقوعه. و قد سبق أن تحدثنا عن هذا الموضوع بتفصيل في كتابنا «الامام المعجزة» و أشرنا اليه هنا - سابقا، و نكتفي الآن بايراد حديثين اثنين فقط في هذا الموضوع:

أولهما: ما جاء عن أبي ربيع الشامي الذي قال:

«قال أبوعبدالله عليه السلام: العالم - أي الامام - اذا شاء أن يعلم، علم» [7] .

و ثانيهما: ما رواه عمار الساباطي الذي قال: «سألت أباعبدالله عليه السلام عن الامام، أيعلم الغيب؟!

قال: لا، و لكن اذا أراد أن يعلم الشي ء، أعلمه الله ذلك» [8] .



[ صفحه 149]



أفتري أن حكومة السماء أعجز من حكومات الأرض في ادارة ملكوتها؟!.

أم تظن أن سفير الله عزوجل، أقل شأنا من سفراء دولنا، و أضيق صلاحية، و أفقر أجهزة و وسائل اتصال؟!!

اذا تخيلت ذلك، أسأت الظن بقدرة ربك عزت قدرته!.

أجل أيها «المعتز» ببريق تاج السلطنة: ان من حفر بئرا لأخيه، وقع فيها!.

فأمرك لخادم شقي عندك «لا سعيد» بحمل الامام عليه السلام الي الكوفة، و قطع عنقه في الطريق أو في قصر بني هبيرة، جر عليك ويل الحمام، و أذاقك مر الحمام، و غضب السماء، قبل أن تشفي غليلك من سبط الرسول و ابن البتول، و برد غليل قلبك بشربة ماء بالثلج فطرت كبدك و جعلتك تلفظها قطعا قطعا لتري موتك بعينيك فتتضاعف عليك غصصه و آلامه و سكراته!.

و لأنت من ذرية بعضها من بعض في الولوغ بدماء الأبرار..

و الامام عليه السلام من ذرية بعضها من بعض في انتجاب الواحد القهار. فمن رأيت أقهر لعدوه؟!. الله، أم أنت؟!.

قال ربك أيها «المعتز» بغيره (ا دعوني أستجب لكم) [9] فدعا عليك الامام لما أمرت بضرب عنقه.. فدق الله عنقك في غضون ثلاثة أيام..

و حين يدعو الامام، يهدم الله تعالي بدعائه عز كل ظالم متجبر يؤذي



[ صفحه 150]



عباده الصالحين، لأن بيده اسم الله الأعظم الذي يرديك به قبل أن تفتح فمك اذا أردت أن تتكلم!.

فالأئمة عليهم السلام ليسوا أربابا و لا آلهة، و لا ادعوا ذلك لأنفسهم، بل عاقبوا من ادعاه بالقتل و الحرق و اللعن. و نحن لا ننظر اليهم بهذا المنظار، و لا يرضون لأحد من مواليهم أن ينسب اليهم ما ليس فيهم. بل يريدوننا معتدلين نقول كانوا عبادا مكرمين.. لا أكثر و لا أقل..

و كشاهد علي ذلك نذكر لك ما حدث به اسماعيل بن عبدالعزيز الذي قال:

«قال لي أبوعبدالله عليه السلام: ضع لي في المتوضا ماء - أي في المرحاض و بيت الطهور -.

فقمت، فوضعت له.. فدخل.

فقلت في نفسي: أنا أقول فيه كذا و كذا، و يدخل المتوضأ؟!. أي أنه يغالي فيه و يعتقد بأنه لا يأكل و لا يشرب، و لا يبول و لا يتغوط، و أنه فوق البشر -!.

فلم يلبث أن خرج فقال: يا اسماعيل بن عبدالعزيز: لا ترفعوا البناء فوق طاقتنا، فينهدم، - أي لا تجعلونا أربابا من دون الله فينهدم ايمانكم -. و اجعلونا عبادا، عبيدا مخلوقين، و قولوا فينا ما شئتم.

قال اسماعيل: كنت أقول فيه و أقول!» [10] - أي أنه كان يضعه فوق مرتبة العبودية لله، و العياذ بالله من ذلك - فعرف الامام ذلك منه دون أن ينطق به و من غير أي تنويه..



[ صفحه 151]



فعلم الأئمة من علم ربهم، و مواهبهم من عطاياه و أفضاله.. و هم من خيرة خلقه في أرضه بلا جدال..


پاورقي

[1] مروج الذهب ج 4 ص 80 و غيره من مصادر التاريخ.

[2] المصدر السابق ج 4 ص 84.

[3] بحارالأنوار ج 50 ص 251 نقلا عن الغيبة للطوسي ص 134 و هو في مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 432 - 431 عن محمد بن بلبل، و في المحجة البيضاء ج 4 ص 328.

[4] المصدر السابق.

[5] كشف الغمة ج 3 ص 207 و بحارالأنوار ج 50 ص 298 و اثبات الهداة ج 6 ص 331.

[6] الكافي ج 1 ص 506 و بحارالأنوار ج 50 ص 277 و كشف الغمة ج 3 ص 200 و الارشاد ص 320 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 437 - 436 و المحجة البيضاء ج 4 ص 323 و اثبات الهداة ج 6 ص 281.

[7] بصائرالدرجات ج 7 ص 315.

[8] المصدر السابق.

[9] سورة المؤمن: 60.

[10] بصائرالدرجات ج 5 ص 241.