بازگشت

علمه بما في النفوس!


عن الحرث النضري قال:

«قال أبوعبدالله - الصادق - عليه السلام: اتقوا الكلام فانا نؤتي به!» [1] .

و أن يعرف الانسان بالحدس شيئا خفيا، فذلك شي ء معقول نلاحظه في حياتنا العامة.

و أن يعلم بالفراسة أمرا غامضا مكتوما عن الآخرين، فحالة تقع كثيرا من متفرسين يصيبون كبد الحقيقة غالبا.

و لكن أن يعلم واحد من البشر ما في نفس انسان، حاضر أو غائب، كائنا من كان، بالتفصيل التام، و ينقل ذلك بالدقة الحرفية، و يترجم الأفكار، و يبين الأحاسيس، و يلفظ الكلام بمعناه و مبناه دون اختلاف - فذلك علم غير مقدور الا عن طريق مواهب الله عزوجل، لأن ذلك من الغيب بلا شك و لا ريب!. صدق بذلك المكابرون أو كذبوا.

بقي أن نسأل: هل يهب الله سبحانه ذلك لأحد من عباده؟.

و نجيب بنعم، اذ قال تعالي: (و ما هو علي الغيب بضنين) [2] فلا يبخل



[ صفحه 235]



به علي عباده المختارين.. فهو سبحانه (عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحدا، الا من ارتضي من رسول فانه يسلك من بين يديه و من خلفه رصدا) [3] يطلع عبده المنتجب علي شي ء من غيبه ثم يوكل به حرسة من الملائكة يحفظونه و يحوطونه بعنايته تبارك و تعالي.

و مثل هذا الغيب العجيب الغريب - بنظرنا - يعلمه الامام - كل امام - باذن ربه، فيحكي عن كل ما يدور في نفس جليسه - أو من شاءه - اذا أراد؛ فتظن كأن الجليس يحكي ما في نفسه فلا يزيد و لا ينقص لا من حيث الفكرة، و لا من حيث التعبير، حتي أنه لا يختلف لفظه عن اللفظ الذي فكر به جليسه، و لا يختلف معناه عن معناه!.

و من غير المطلوب أن يقتنع كل الناس بهذا الواقع حتي يصير حقيقيا، فان انكار وجود الشي ء لا ينفي وجوده و لا يمحو واقعه. و لكن المأمول أن يعترف به سائر المؤمنين بقدرة الله، و لا يهمنا اذا أنكرت الكثرة الكاثرة وجود الله تبارك و تعالي رغم آثار وجوده و قدرته العظيمة الظاهرة في مخلوقاته الحية و الجامدة، و بله ملكوته الواسع اللامحدود، و لا اذا أنكرت الغيب مطلقا، و ما وراء الغيب..

و بزعمي أن الشيطان الذي يلعنه جميع الناس - برهم و فاجرهم - هو أعقل من سائر من يطغيهم و يضلهم، و أقل منهم عنادا و استكبارا علي الحق اذا ظهر جليا أو اتضح بآثاره!. ذلك أن الشيطان اعترف بالله ربا، خالقا، رازقا، واحدا، قهارا لا يفوت قدرته شي ء؛ اذ حين أمره بالسجود لآدم عليه السلام، و عصاه، لعنه الله و طرده و قرر عقابه، (قال - الشيطان - رب



[ صفحه 236]



فأنظرني الي يوم يبعثون) [4] فاعترف بربوبيته سبحانه و بعدله و قدرته، و آمن - كذلك - باستحقاقه للجزاء علي معصيته، و طلب النظرة و تأجيل التنفيذ، و (قال أنظرني الي يوم يبعثون) [5] فلم ينكر البعث و لا شك في حدوثه، بل اعترف بالنشور، و باحياء من في القبور، و صدق بالحساب و الثواب و العقاب حين قال ذلك القول.. أما الله عز اسمه، الذي لا يدع حجة عليه لمخلوق، ليثيب و يعاقب باستحقاق، ف (قال - لابليس - انك من المنظرين) [6] (الي يوم الوقت المعلوم) [7] لأنه تعالي لا يفوته فوت.

أما أبالسة الناس فمساكين هم و حمقي.. - اذ يرون الحق و يفارقونه، بل و يعارضونه و يحاربونه بوسوسة من عدوهم - ابليس - الذي ما أنكر حقا لله عز و جل، مع أنه صاحب المعصية الكبري!. و ستبدو مسكنتهم، و يظهر حمقهم و خذلانهم حين يرفض ابليس مناقشتهم و يوبخهم علي اطاعة همزه و لمزه و وسوسته و انحرافهم عن الحق.. فيوبخهم قائلا: «ان الله وعدكم وعد الحق و وعدتكم فأخلفتكم و ما كان لي عليكم من سلطن الا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني و لوموا أنفسكم) [8] مما يزيد في عذابهم.

فأمر الامام من أمر الله عز و علا، و سره من سره، و ان كان فهم ذلك غير ميسور بالدقة التي يدركه بها كل انسان ببساطة و يأخذه أخذ المسلمات، لأن تهضم ذلك يحتاج الي مقدمات ايمانية عالية.

لقد قال الله تعالي: (و لقد خلقنا الانسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب



[ صفحه 237]



اليه من حبل الوريد!) [9] و هو قادر علي ذلك بلا أدني ريب لأنه سبحانه أصدق القائلين؛ ثم هو قادر - الي جانب ذلك - علي أن يعلم ذلك لمن شاء اذا شاء، اذ قال عز من قائل: (.. يعيسي ابن مريم:

اذكر نعمتي عليك و علي ولدتك اذ أيدتك بروح القدس،

تكلم الناس في المهد و كهلا،

و اذ علمتك الكتاب و الحكمة و التورية و الانجيل،

و اذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني،

و تبري ء الأكمه و الأبرص باذني،

و اذ تخرج الموتي باذني!.) [10] .

فقد علمه ما لم يعلم و هو في سن الطفولة المبكرة، فكان يتكلم في العقائد و يبين الأحكام، و يرد قول المفترين من الأحبار و الكهان، بل صار بعدئذ يخلق باذن ربه، و يبري ء من المرض.. و يحيي الموتي باذن الله جل و عز!. و الذي أقدر عبدا - طفلا - علي ذلك، و علمه علما بهر به العقول و فتن الألباب، يستطيع أن يقدر غيره علي ما شاء اذا شاء، لمصلحة عباده الذين خلقهم و كان أرأف بهم من أنفسهم و من آبائهم و أمهاتهم!.

و اذا نقول للمنكرين: أنتم أحرار في انكاركم.. و قد سبقكم في العناد ملايين و ملايين، بل مليارات و فئام و فئام من الأنام، و ستلتقون معهم بأجسادكم كما التقيتم بأفكاركم..



[ صفحه 238]



قال سليمان الجعفري:

«كنت عند أبي الحسن عليه السلام، قال:

يا سليمان اتق فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله!.

فسكت حتي أصبت خلوة فقلت: جعلت فداك، سمعتك تقول: اتق فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله!.

قال: نعم، يا سليمان. ان الله خلق المؤمنين من نوره، و صبغهم في رحمته، و أخذ ميثاقهم لنا بالولاية، و المؤمن أخو المؤمن لأبيه و أمه. أبوه النور، و أمه الرحمة!. و انما ينظر بذلك النور الذي خلق منه» [11] .

فاذا كان المؤمن - الراسخ الايمان - يتيسر له أن ينظر بنور الله و يجب اتقاء فراسته الصادقة، و الحذر منها، فكيف بأولياء الله المقربين الذين خلقهم سبحانه من نور عظمته، و أعطاهم القدرة التي تفوق قدرات سائر البشر؟!. انهم قد برأهم الله تعالي أهلا للاتيان بما هو عجيب عندنا و غريب علينا.. و هم مخلوقون ليكونوا - هكذا - جديرين بحمل كلمته و أعباء رسالته التي لا تستغني عن الآيات و المعجزات للوقوف بوجه الصادين عن الله و عن سماع كلمته.

و ان من يعجب من قدرة الامام علي ذلك، ينكر أمرا من البديهيات التي نراها بيننا في كل زمان و مكان، لأنه سبحانه خلق الطويل و القصير و المتوسط، و جعل منهم القوي و الضعيف، و الذكي و الأحمق، و الذكر و الأنثي، و طبع علي كل واحد من مخلوقاته سمات خاصة من اللون، و الذوق، و المزاج، و العلامات الفارقة، حتي أنك لا تجد بصمات أحد من الناس تشبه بصمات غيره في سائر المعمورة. أفيعييه أن يخلق من شاء كما



[ صفحه 239]



شاء؟!. لا، و الاعتراض علي ذلك موجه لتحدي قدرته تعالي و مشيئته و اختياره في خلقه ليس الا!!!

ان التصديق بأن الامام يعلم ما في النفوس، أمر من المعضلات التي لا تلج الي العقل الا بضخ شديد.. و كذلك كل ما هو من الغيب و مما وراء الغيب، فان العلم الحديث لا يطاله لأنه لا يقع تحت مقدور المجهر و المختبر العلمي.. و لكنه يصدق بالايمان الذي يقذفه الله تعالي في قلوب عباده الصالحين فقط.

و قد روي محمد بن مسلم، أن أباجعفر - الباقر - عليه السلام قال:

«كان علي يعمل بكتاب الله و سنة رسوله. فاذا ورد عليه شي ء، و الحادث ليس في الكتاب و لا في السنة، ألهمه الله الحق فيه الهاما. و ذلك والله من المعضلات!» [12] .

و كونه من المعضلات يدل علي صعوبة التصديق به: لأنه لا يدخل الآذان دون استئذان، و لكنه يدخلها بعد التفكر و التدبر، ثم يستقر في القلوب و العقول حقيقة لا مراء فيها، لأنه يقع تحت مقدرة الله تعالي بلا ريب و لا شبهة.

قال الامام الصادق عليه السلام: (انا أنزلنه) نور كهيئة العين علي رأس النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و الأوصياء، لا يريد أحد منا علم أمر من أمر الأرض، أو أمر من أمر السماء الي الحجب التي بين الله و بين العرش، الا رفع طرفه الي ذلك النور فرأي تفسير الذي أراد فيه مكتوبا!» [13] .



[ صفحه 240]



أفيعجز النور الذي يخترق المسافة ما بين الأرض و السماء و الحجب، أن يخترق الكثافة ما بينه و بين صدري و صدرك، و يطلع علي ما في فؤادي و فؤادك من وسوسة و هنبسة؟!.

لا.. و ان انكارنا ذلك علي أوصياء خاتم النبيين و سيد المرسلين، ظلم لهم، و سوء ظن بقدرة ربهم، لأننا نعلم أنهم أولي به من برخيا وصي سليمان عليه السلام، الذي نقل عرش بلقيس ملكة سبأ من اليمن الي القدس قبل أن يرتد الي سليمان طرفه!.

و اذا أنكرناه عليهم أنكرنا معه قدرة ربهم و ارادته المطلقة و حريته في صنع ما يشاء كما يشاء، مع أن بقدرته قامت السماوات و الأرض و الكواكب و المجرات.. بل الكون بما فيه!. فانه سبحانه قادر مريد، لا يكون الا ما يريد.. و نحن - بعقولنا القاصرة عن الاحاطة بمثل هذه الأمور - لا يستطيع خيالنا أن ينفذ من أطراف هذا الكون الهائل - مع سرعة قطعه للمسافات - بل يرتد خاسئا عن تخيل ما وراء مدارات تلك الأطراف و يتقوقع خائبا داخل جمجمة محكمة الاقفال، صلبة العظام، حبسها خالقها عن أن تطال شيئا مما وراء الطبيعة و الكائنات.

.. فأنتم يا أولياء الله و نجباءه، بورك لكم بمواهب ربكم التي لا يلغيها عجزنا عن فهمها!. و تعسا و عثارا لمن هلك فيكم قاليا أو غاليا!.

و ندخل في الموضوع الذي عنوناه بعد هذا التمهيد المقتضب، فنقف علي باب هيكل قدس امامنا العظيم عليه السلام متأملين عظمة الله تعالي الذي ألبسه من رداء عظمته، و أطلعه علي أسرار بريته!.

قال أحمد بن محمد بن الأقرع:



[ صفحه 241]



«كتبت الي أبي محمد أسأله عن الامام هل يحتلم؟.

و قلت في نفسي بعدما فصل الكتاب: الاحتلام شيطنة، و قد أعاذ الله تبارك و تعالي أولياءه من ذلك.

فورد الجواب: حال الأئمة في المنام، حالهم في اليقظة، لا يغير النوم منهم شيئا.

و قد أعاذ الله أولياءه، من لمة الشيطان كما حدثتك نفسك» [14] .

و لمة الشيطان مسه. و مس الشيطان يكون بينه و بين الامام سد منيع، لأنه معاذ منه بمعاذ قوي عزيز، و حصن من ربه حصين.. و قد قال عز من قائل: (.. ان النفس لأمارة بالسوء الا ما رحم ربي..) [15] فأكد سبحانه أن النفس كثيرة الأمر بالسوء باستعمال صيغة المبالغة و استعمال ان، ولام التوكيد فهي تدعو الي المساوي ء و تميل الي الشهوات. و لكنه استثني من ذلك من رحمهم من خلقه و جعلهم معصومين عن كبائر المعاصي و صغائرهم، بعيدين عن السقوط في الزلل كالآخرين، ليكونوا أطهارا مأمونين مصدقين.

و لن أذهب في بيان ذلك بعد أن عرضت اليه، و لا أحب أن ألهيك عن المقابلة بين ما دار في نفس ابن الأقرع، و بين ما أجاب به الامام عليه السلام، مترجما به ما دار في نفس السائل حرفا حرفا.. و ذلك واضح غاية الوضوح. فكيف عرف ما انعقد عليه ضمير سائله، فأوضحه له معني و لفظا؟!.



[ صفحه 242]



فكر، و تدبر.

و حدث سفيان بن محمد الضبيعي فقال:

«كتبت الي أبي محمد أسأله عن الوليجة، و هو قول الله تعالي: (و لم يتخذوا من دون الله و لا رسوله و لا المؤمنين وليجة؟) قلت في نفسي - لا في الكتاب - من تري المؤمنين هاهنا؟!.

فرجع الجواب: الوليجة: الذي يقام دون ولي الأمر.

و حدثتك نفسك عن المؤمنين من هم في هذا الموضوع؟. فهم الأئمة الذين يؤمنون علي الله، فيجيز أمانهم، فنحن اياهم» [16] .

فالوليجة: هي الوسيلة، أو الواسطة، بأبسط تعبير. و الأئمة عليهم السلام هم الشفعاء الذين يطلبون لأوليائهم العفو و الأمان من عذاب الله و نقمته، فيشفعون و يقبل أمانهم.

فهل اقتنع القاري ء بعلم الامام بما في نفس سفيان كما اقتنع سفيان بذلك؟.

اذا حصل له ذلك، عرف أنهم عباد مكرمون، أغدق عليهم بارئهم فيضا من قدرته فجعلهم أصفياءه المعبرين عن أنه قادر أن يجعل ما أراد كما أراد؛ و اقتنع بأن الامام غير المأموم، كما أن العالم غير الجاهل تماما و كمالا. فالامام مسلح بقوي خارقة لا يقف بوجهها شي ء باذن ربه و المأموم أعزل من تلك القوي كليا، أو جزئيا في أحسن تقدير.. و مرتبة الامامة



[ صفحه 243]



يواكبها الكثير الكثير من مقومات الشخصية الفذة و سمو المعني و الذات، و من مختلف الطاقات الفائقة التي تخوله ابتداع العجائب و الغرائب. و لولا ذلك لكانت الامامة سلطة مدعاة لا برهان عليها.

و ان الخالق سبحانه حين استخلف أولياءه في أرضه، ميزهم عن سائر عباده خلقا و خلقا و قدرة و تمكنا، ليستطيعوا الثبات في ساحة عناد المكابرين، و لينتصروا - باذنه تعالي - في مواقفهم مع المارقين. و قد قال تعالي اسمه: (انا لننصر رسلنا و الذين ءامنوا في الحياة الدنيا و يوم يقوم الأشهد) [17] و المؤمنون - في الآية الكريمة - هم الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم كما لا يخفي، لأنهم في قمة الهرم من الايمان.

لقد كان امامنا العسكري عليه السلام - هو و شيعته من ذوي الأقدار - في ضيق شديد من ظلم تلك العهود الغاشمة التي لم تترك كرامة لكريم كما تري في مكان آخر من هذا الكتاب. و لذلك كانت اتصالات الشيعة و نشاطاتهم كلها، تتم بكمال السرية و التكتم، لأن سيوف ظلم معاصريهم من السلاطين كانت مصلتة فوق رؤوسهم لا ترحم أحدا من أهل الحق يقف في وجه باطلهم..

فعن محمد بن عبدالعزيز البلخي، قال:

«أصبحت يوما، و جلست في شارع - سوق - الغنم، فاذا أنا بأبي محمد عليه السلام قد أقبل من منزله يريد دار العامة - أي قصر السلطان - فقلت في نفسي: تري ان صحت: أيها الناس، هذا حجة الله عليكم، فاعرفوه، يقتلونني؟!.



[ صفحه 244]



فلما دنا مني، و نظرت اليه، أومأ باصبعه السبابة و وضعها علي فيه، أن اسكت!.

و رأيته تلك الليلة - في المنام - يقول: انما هو الكتمان أو القتل، فأبقوا علي أنفسكم!» [18] .

وننبه في هذه الحادثة الي نقاط عجيبة في بابها:

فامامنا عليه السلام علم ما نواه صاحبه، فأشفق عليه من تلك المبادرة التي تودي بحياته.

ثم لما اقترب منه ألقي عليه التفاتة خاطفة لئلا يكشف عن سر ولائه له، وأومأ اليه باصبعه الشريفة ايماء، لأنه لا يريد مكالمته علي مسمع من الناس الذين يندس بينهم كثير من الرقباء..

و بعد ذلك أراد أن يقف بوجه ولائه المتحمس الذي ربما رماه في المهالك، فزاره في المنام و أفهمه أن المجاهرة بعقيدته المذهبية تجعل رأسه ينداح عن جسده بأهون حال. فما عليه الا أن يبقي علي نفسه و نفوس أصحابه لأن لله أمرا هو بالغه.

و لا يفوتن قارئي الكريم أن الامامة قضية ربانية لا شأن فيها للعباد. و لولا ذلك لتمكن كثير من المتحذلقين أن يدعوا امامة الناس لو كان يستقيم لهم الأمر.. و لكن لا، فان الامامة كالقرآن الذي نزل من عند الرحمان، و لم ينزل قرآن غيره من عند غيره، مع أنه تحدي العقول علي مدي الأزمان، فلا تقيسنها بمقاييس غيرها لأنها من صنع الله عز و علا.



[ صفحه 245]



و قال محمد بن الربيع السائي:

«ناظرت رجلا من الثنوية في الأهواز. ثم قدمت سر من رأي و قد علق بقلبي شي ء من مقالته.

فاني لجالس علي باب أحمد بن الخضيب اذ أقبل أبومحمد عليه السلام من دار العامة - دار الخلافة - يوم الموكب. فنظر الي و أشار بسبابته: أحد، أحد - فرد - فوحده!. فسقطت مغشيا علي!» [19] .

و الثنوية فرقة تقول بالهين اثنين: واحد للخير، و واحد للشر.

و محمد بن الربيع ناظر واحدا من هذه الفرقة في الأهواز التي يفصلها عن سر من رأي مئات الكيلومترات، ثم علق بقلبه شي ء من مقالة ذلك المبطل لم يطلع عليه أحد، و لا هو جاهر به.

فقل لي بربك كيف تسني للامام أن يعرف جملة أشياء:

منها: المناظرة التي جرت بين الرجلين.

و منها: ما علق بقلب الرجل من رأي الثنويين.

و منها معرفة الامام للرجل و هو في مزدحم الناس علي باب الوزير ابن الخضيب، و اشارته اليه بسبابته دون غيره من الحاضرين و قوله له: أحد أحد، فوحده!.

فصدقني أن الامام يؤتي بالكلام كما بين الامام الصادق عليه السلام ذلك. يحمله اليه ملائكة يعملون بين يديه، هم موظفو السفارة السماوية الذين



[ صفحه 246]



ينقلون الأخبار و المعلومات بأسرع مما يرتد الطرف، و بأسرع من سرعة النور!. و أنا واثق كل الثقة أن امام الزمان - صاحب العصر عجل الله تعالي فرجه - يعلم الآن أنك تقرأ هذه القصة و يعرف ما يدور في نفسك من تعليق علي ما تقرأه..

كما أنك تري و تسمع ما تريد في أطراف الأرض بمجرد أن تدير زر التلفزيون بين المحطات العالمية ساعة تشاء.

و فيما جاء عن الحرث بن المغيرة، و أبي بكر الحضرمي، قولهما:

«ان أباعبدالله - الصادق - عليه السلام قال: ما يحدث فيكم حدث الا علمناه.

قلت: و كيف ذلك؟!.

قال: يأتينا به راكب يضرب!» [20] - أي يقطع المسافات و يضرب راحلته لتسرع!.

و قال علي بن محمد بن الحسن:

«وافت جماعة من الأهواز من أصحابنا، و كنت معهم. - أي وصلوا الي سامراء -.

و خرج السلطان يريد صاحب البصرة - أي لحرب صاحب الزنج - فخرجنا نريد النظر الي أبي محمد عليه السلام، فنظرنا اليه ماضيا معه. - لوداع الجيش فقط -.

و قعدنا بين الحائطين بسر من رأي ننتظر رجوعه.



[ صفحه 247]



فرجع، فلما حاذانا و قرب منا، وقف و مد يده الي قلنسوته، فأخذها عن رأسه و أمسكها بيده، و أمر يده الأخري علي رأسه، و ضحك في وجه رجل منا.

فقال الرجل مبادرا: أشهد أنك حجة الله و خيرته!.

فقلنا: يا هذا، ما شأنك؟!.

قال: كنت شاكا فيه، فقلت في نفسي: ان رجع و أخذ القلنسوة عن رأسه، قلت بامامته» [21] .

و نقول: ربما كانت بعض هذه الظواهر الخارقة للطبيعة و العادة، غنية عن التعليق؛ لأنها من شدة وضوحها يشوش التعليق بهاءها و وقعها المدهش في النفس!. و هذه الظاهرة من ذلك النوع الآخذ بمجامع القلب.. و علي كل حال كيف أفلسف لك علم الامام عليه السلام بما انعقدت عليه نية هذا الشاك في امامته من جهة، و بأنه طلب ظاهرة تبدو من الامام، عينها هو بنفسه، فأدركها الامام و نفذ رغبته لينقذه من التردد و الضياع من جهة ثانية؟!.

لا فلسفة عندي، و لا أي تعليق.. فابق مع رونق الحادثة و أثرها الأخاذ في نفسك، اذ مهما قلت لك لا أزيدك علما بأن معاجز الأولياء لا تعلل و لا تحلل، و اذا دخل القلم ليحكي فيها، بطل كونها معجزة، و صارت قضية يمكن وضعها علي وضم التشريح ككل المسائل التي يبرهن عليها.



[ صفحه 248]



و حدث يحيي بن المرزبان النقيب قائلا:

«التقيت مع رجل من أهل السيف - أي جيران الشواطي ء - سيماه الخير، فأخبرني أنه كان له ابن عم ينازعه في الامامة و القول في أبي محمد عليه السلام و غيره. فقلت: لا أقول به أو أري منه علامة.

فوردت العسكر - أي سامراء - في حاجة، فأقبل علي أبومحمد عليه السلام، فقلت في نفسي متعنتا: ان مد يده الي رأسه فكشفه ثم نظر ورده، قلت به.

فلما حاذاني مد يده الي رأسه فكشفه، ثم برق عينيه في، ثم ردهما، ثم قال: يا يحيي ما فعل ابن عمك الذي تنازعه في الامامة؟!.

قلت: خلفته صالحا.

قال: لا تنازعه، ثم مضي» [22] .

و يبدو في هذه الحادثة - المشابهة لما سبقها - ما هو أدل علي قدرة الامام علي معرفة وساوس الصدور.

فقد نظر الي يحيي مغضبا، ثم سأله عن ابن عمه، ليضعه في جو خصومته معه بشأن الامامة التي لا تخفي علي أحد.. و بعد ذلك أمره بعدم منازعته في الموضوع بعد أن دل علي ذاته بذاته و برهن علي أنه حجة الله علي الخلق بلا جدال. و ان الأئمة عليهم السلام هم أبلغ الناس بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في القول. و كلامهم ينصرف علي سبعين وجها مقنعا لمن كان عنده المام بفقه اللغة و أصولها. و هم أهل الفصاحة و البلاغة و البيان



[ صفحه 249]



لأنهم عدل القرآن الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) [23] و الأئمة عليهم السلام كذلك.

و شبيه بما سبق ما روي عن أبي سهل البلخي الذي قال:

«كتب رجل الي أبي محمد يسأله الدعاء لوالديه، و كانت الأم غالية، و الأب مؤمنا. - أي أن الأم ترفع الامام الي ما فوق مرتبته -.

فوقع: رحم الله والدك.

و كتب آخر يسأله الدعاء لوالديه،و كانت الأم مؤمنة، و الأب ثنويا.

فوقع: رحم الله والدتك» [24] .

ذلك أن شيعتهم مكتوبة أسماؤهم عندهم في سجل النفوس الرباني، و محفوظة في ملفات منسقة في أدراج مكاتب السفارة الالهية علي الأرض.

فالأم المغالية في تقدير الامام، القائلة بأنه من غير البشر، و أنه - و العياذ بالله - يخلق و يرزق و يقدر الأقدار، لم يكن لها نصيب من الرحمة التي طلبها الامام عليه السلام من ربه، لأنها من الهالكين.

و كذلك الأب الثنوي الذي آمن بآلهين: أحدهما للخير، و الثاني للشر، حرم هذه النعمة لأنه من المشركين الضالين.

فالعب مع من شئت و استعمل الفتل و الدوران، ألا مع ثلاثة، هم: الله تبارك و تعالي، و النبي، و الوصي!. فهؤلاء يؤدي اللعب معهم الي الخسران المبين..



[ صفحه 250]



قال أبوبكر الفهفكي:

أردت الخروج من سر من رأي لبعض الأمور، و قد طال مقامي بها، فخرجت يوم الموكب، و جلست في شارع أبي قطيعة بن داود، اذ طلع أبومحمد عليه السلام يريد دار العامة - أي مجلس السلطان -.

فلما رأيته قلت في نفسي: أقول له: يا سيدي، اذا كان الخروج من سر من رأي خيرا، فأظهر التبسم في وجهي.

فلما دنا مني تبسم تبسما جيدا.

فخرجت من يومي. فأخبرني أصحابي أن غريما كان له عندي مال قدم يطلبني. ولو ظفر بي يهتكني لأن ماله لم يكن عندي شاهدا» [25] .

- أي لم يكن موجودا -.

ما أجمل هذا التبسم المنبعث من رجل الغيب، عن علم الغيب!.

و ان فيه لمعني خفيا يصعب ادراكه. و هو غير أن الامام عليه السلام ابتسم في وجه الفهفكي، ليشير اليه أن في خروجه من البلد خيرا له. بل هو أنه تبسم تبسما جيدا. من جراء ما قد يصيبه اذا تأخر و تعرض للهتك.. فكأنه عليه السلام قال له: اهرب من المأزق الذي ينتظرك، و أطلق ساقيك للريح.. لتستريح!.

و قال شاهويه بن عبد ربه:

«كان أخي صالح محبوسا. فكتبت الي سيدي أبي محمد عليه السلام أسأله أشياء.



[ صفحه 251]



فأجابني عنها، و كتب: ان أخاك يخرج من الحبس يوم يصلك كتابي هذا. و قد كنت أردت أن تسألني عن أمره فأنسيت.

فبينا أنا أقرأ كتابه، اذا أناس جاؤوني يبشرونني بتخلية أخي!. فتلقيته و قرأت عليه الكتاب» [26] .

ألا انها شاهت وجوه الكثيرين و عميت أبصارهم عن حقيقة ما هم عليه أئمة الهدي من الفضل الرباني يا شاهويه!.

فان أبامحمد عليه السلام أجابك عن مسائلك، و زاد بأنه كتب لك عما نسيت أن تسأله عنه من أمر أخيك، ثم طابق بين وصول رسالته، و وصول أخيك من الحبس، في يوم واحد!. و هذه من المفارقات العجيبة التي لا تحصل علي يد غير ولي الله المصطفي لأن يكون علما لقدرة الله تعالي، و دليلا علي عظمته و حكمته و اختياره الجميل لبريته، كيلا يضلوا الصراط السوي الذي أراده لهم في دنياهم، ليفوزوا بالنعيم في أخراهم.

و حدث أبويوسف الشاعر القصير، شاعر «المتوكل»، فقال:

«ولد لي غلام، و كنت مضيقا، فكتبت رقاعا الي جماعة أسترفدهم، فرجعت بالخيبة.

قلت: أجي ء فأطوف حول الدار طوفة - أي دار الامام عليه السلام - و صرت الي الباب.

فبينا أنا متفكر اذ جاء أبوحمزة و معه صرة سوداء فيها أربعمائة درهم، و قال:



[ صفحه 252]



يقول لك سيدي الحسن بن علي عليه السلام: أنفق هذا علي المولود، بارك الله لك فيه» [27] .

لقد خسرت صفقة مداح «المتوكل» و مداح كل سلطان ظالم!.

و اذا كان «متوكلك» قد حشا فمك درا حين مدحته و قلت فيه ما ليس فيه، فان خزنة الناس سيحشونه جمرا جزاء كل كلمة باطل قلتها في حضرته.

و أين ذهب الدر الذي كان ينثره علي مداحيه؟. و لم لم تأت القصر حين ولد لك المولود لينثر عليك الدر و المرجان نقطة.. للغلام؟!.

فمساكين هم جميع لحسة قصاع الملوك، القانعون من دنياهم بالضحك علي ذقونهم الي أن يتم استهلاك نشاطاتهم في القصور، فيلقون الي المشانق أو المهالك!. و طويل العمر - أيها الشاعر القصير - من خرج من القصر سالما يستجدي الناس ويسترفدهم بعد أن صفقوا له حين كان يوطد لسلطان الظلم!.

انك لو طفت من أول أمرك بكعبة الآمال و محط الرحال، لما احتجت معها الي استرفاد و لا سؤال.

و أنا أهمس في أذنك - يا أبايوسف -: هل سألت أباحمزة عمن أخبر الامام بوجودك علي بابه، و بحاجتك الي العطاء و الرفد للانفاق علي مولودك الجديد؟!.

بل هل فكرت و أنت تتناول الصرة السوداء، كيف علم الامام بمولودك و بحاجتك فبعث اليك ببغيتك، أم بقي قلبك أسود كسواد الصرة؟!.



[ صفحه 253]



لا، لا بد أنك أرعويت.. و يدهشني من يحور و يدور، و اذا ظهر له الحق انحاز الي صف الباطل و الزور!. فان آيات أهل هذا البيت الطاهر تبدو ظاهرة لكل عين، و لكن حبالة الشيطان تلتف من حول أعناق أهل الباطل كالأرسان!.

و بعد هزة البدن التي لقيتها أيها الشاعر «القصير» التفكير، بورك لك بغلامك الذي لا بد أنه كان من أتباع الحق بعد أن دعا الامام عليه السلام له بالبركة و اليمن.

قال أحمد بن محمد الأنصاري:

«وجه قوم من المفوضة و المقصرة كامل بن ابراهيم المدني الي أبي محمد عليه السلام.

قال كامل: فقلت في نفسي: أسأله: لا يدخل الجنة الا من عرف معرفتي و قال بمقالتي؟.

فلما دخلت علي سيدي أبي محمد نظرت الي ثياب بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: ولي الله و حجته يلبس الناعم من الثياب، و يأمرنا بمواساة الاخوان، و ينهانا عن لبس مثله؟!.

فقال مبتسما: يا كامل!. و حسر عن ذراعيه، فاذا مسح أسود خشن علي جلده، فقال: هذا لله، و هذا لكم» [28] .

حقا ان من يعلم ما في السرائر يحير العقول!.



[ صفحه 254]



و لأول وهلة يعذر المفوضة اذا ضلوا برأيهم و بالغوا في الأئمة عليهم السلام، و زعموا أنهم ذوو قدرة فائقة ليست بذات حدود!. فقد كان يصدر من الأئمة ما يفتن الألباب من الآيات التي تجري علي أيديهم فتذهل من لا يتسلح بايمان قوي و عقيدة راسخة، و لا يفرق بين الرب و المربوب، و بين الفرد العادي و السفير السماوي الموهوب..

أنت - يا كامل بن ابراهيم - من مشايخ المفوضة و حاملي لواء مقالتهم في الأئمة عليهم السلام، و قد كررت سؤالك هذا علي مسمع أكثر من امام، و سمعت من كل منهم ما يقنع بالحق من دلائل الصدق، فما بالك لا تقلع عما أنت فيه من رأي المفوضين، أو رأي المقصرين عن معرفة حقيقة الامام المختار من الله؟!.

ان البراهين علي صدق امامة الامام لا تخفي علي عالم و لا جاهل، و لا يحجبها سر عن أن تتراءي للعيون فيراها الكل، ما عدا العمش الغبش الذين يخالفون الحق حسدا من عند أنفسهم، و ما عدا المتهربين من العمل بأوامر الله تعالي و نواهيه، و من جهاد الكفر و هوي النفس، من الذين قال الله تعالي عنهم لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم: (الذين في قلوبهم مرض ينظرون اليك نظر المغشي عليه من الموت فأولي لهم، طاعة و قول معروف!) [29] .

و قانا الله تعالي من أن نضل أو نضل عن الحق.

و قال أبوهاشم الجعفري:

«كنت عند أبي محمد عليه السلام، و كنت في اضاقة. فأردت أن أطلب منه دنانير فاستحييت.



[ صفحه 255]



فلما صرت الي منزلي وجه الي بمائة دينار و كتب الي: اذا كانت لك حاجة فلا تستحي و لا تحتشم، و اطلبها يأتك ما تحب ان شاء الله» [30] .

و كذلك جاء عن أبي هاشم نفسه، قوله:

ما دخلت قط علي أبي الحسن و أبي محمد عليه السلام هما الا رأيت منهما دلالة و برهانا!. فدخلت علي أبي محمد يوما و أنا أريد أن أسأله ما أصوغ به خاتما أتبرك به. فجلست، و أنسيت ما جئت له.

فلما ودعته ونهضت، رمي الي بالخاتم و قال لي: أردت فضة فأعطيناك خاتما. ربحت الفص و الكراء!. هناك الله يا أباهاشم.

فقلت: يا سيدي، أشهد أنك ولي الله و امامي الذي أدين الله بفضله و طاعته!.

فقال: يغفر الله لك يا أباهاشم» [31] .

أجل، يغفر الله لك!. و ما دخل أحد غيرك يا أباهاشم الي حظيرة قدس أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و عليهم، الا رأي منهم دلالة واضحة و برهانا ساطعا، فان شذا النبوة و الوحي في أردانهم، و عطر الامامة في أعطافهم!. و لو أنصفهم الناس ما اختلف فيهم اثنان، و لكن قاتل الله غرور الدنيا كم أركض البشر وراء هوي النفس، و صرفهم عن آل الله و آل



[ صفحه 256]



رسوله الأطهار مع أنهم من خير من طلعت عليه الشمس!.

فقد علم أبومحمد عليه السلام بحاجة ابن عمه الذي كتمها عنه خجلا من هيبته، فابتدره بمائة دينار وصلته الي البيت، و كتب اليه يأمره بأن لا يخجل و لا يحتشم اذا كانت له حاجة من الحاجات. ثم خلع عليه خاتما مصنوعا حين حدثته نفسه بطلب الفص، و وفر عليه الصياغة و الكراء كرما منه عليه السلام و تلطفا بابن عمه الجليل النبيل؛ ثم برهن بالدليلين أنه مل ء مركزه السماوي الممنوح اليه من ربه عز و سما.. و كلا الأمرين من عجائب الوقائع.

و عن أبي هاشم الجعفري - أيضا - قال:

«قلت في نفسي: أشتهي أن أعلم ما يقول أبومحمد في القرآن، أهو مخلوق، أم غير مخلوق؟.

فأقبل علي فقال: أما بلغك ما روي عن أبي عبدالله عليه السلام، لما نزلت (قل هو الله أحد) خلق له أربعة آلاف جناح، فما كانت تمر بملأ من الملائكة الا خشعوا لها؟!.

و قال: هذه نسبة الرب تبارك و تعالي!» [32] .

و عنه - كذلك - في رواية ثانية: «خطر ببالي أن القرآن مخلوق، أم غير مخلوق؟.

فقال أبومحمد عليه السلام: يا أباهاشم، الله خالق كل شي ء، و ما سواه مخلوق [33] .



[ صفحه 257]



فتبارك الله العزيز الوهاب الذي اختار لأمره أمناء في خلقه، و جعلهم عيبة علم و خزنة معرفة!. فان امامنا عليه السلام أشار في الرواية الأولي الي خلق القرآن من ناحيتين في جوابه البليغ، اذ أومأ من جهة الي أن سورة الاخلاص المباركة التي يوازي فضلها ثلث فضل القرآن بكامله، هي مخلوقة، محدثة، و لما أنزلها الله تعالي جعل لها أجنحة نورانية لعظم شأنها، ثم أشار من جهة ثانية الي أن هذه السورة هي نسبة الرب سبحانه اذ لم يكن له كفوءا أحد، و هو القديم المتفرد بوحدانيته، و لا يشاركه في قدمه شي ء.. أما في الرواية الثانية فصرح عليه السلام بأن كل ما سوي الله مخلوق بقدرته و تقديره عزوجل، و لا حاجة للبحث في قدم شي ء غيره سبحانه و تعالي.

و قال أبوهاشم الجعفري رحمه الله:

«قال أبومحمد عليه السلام: اذا خرج القائم يأمر بهدم المنائر و المقاصير التي في المساجد. - أي المآذن و الشرف -.

فقلت في نفسي: لأي معني هذا؟!.

فأقبل علي و قال: معني هذا أنها محدثة مبتدعة، لم يبنها نبي و لا حجة» [34] .

و ليس عجيبا أن يعلم الامام عليه السلام الاشكال الذي عرض لجليسه فيما بينه و بين نفسه، فأجابه بما رفع الشبهة من نفسه. و لكن العجيب الغريب أنه قد أجاب باللفظ و المعني، و قال له: معني ذلك كذا و كذا!.



[ صفحه 258]



فهل يصل الفكر الي تعليل علم الامام و فلسفة معرفته الدقيقة الي هذا الحد؟!.

يقينا لا.. فانه اذا كان التعليل هنا مستطاعا، فلا فرق اذا بين الامام و بين أي واحد من الأنام. أما اذا امتنع التعليل، و خرست الفلسفة، و عجز الفكر عن البيان، فان ذلك يكون من دلائل الامامة، و من بعض خصائص سفير السماء، و من الشواهد علي قدرة الله العظمي التي بها منح سفراءه العلم بما أراد، و العمل بما قدر و شاء!.

لقد كانت المساجد في زمن النبي صلي الله عليه و آله و سلم عريشا كعريش موسي عليه السلام، أي بلا شرف و لا مقاصير و بلا مآذن، لأنها أمكنة للعبادة لا للمظاهر فهي مساجد متواضعة يدخلها المسلم خاشعا كأنه يخرج من دنيا الترف و الأبهة، ليدخل الي محراب كأنه باب الخروج من الدنيا، أو باب التوبة و الانابة و الخضوع لله العزيز القدير. و قد ابتدع المسلمون لمساجدهم زخارف و مشارف، و حلوها بفنون التزيين و التلوين، فخرجت عن كونها جوامع تصفو فيها النفس و يخشع فيها القلب.. فلما أحري مساجدنا بأن تعود الي سابق عهدها لتكون باحات تواضع لعظمة الله، و هياكل خضوع لملكوته الكبير، و محاريب صلاة و دعاء و مناجاة تصدر عن القلب و تدخل الي رحاب الرب عز و علا، بدلا من أن تبقي مراكز للضجيج و العجيج و هدير الخطب و الأقوال التي لا يعمل بها قائلوها.. و نحن بانتظار اليوم الميمون الذي يقوم فيه الحق، و يبطل الباطل بكل مظاهره و أشكاله، علي يد نجل بيت النبوة، و موضع الرسالة، و معدن العلم، عجل الله تعالي فرجه و سهل مخرجه..

ثم لا نزال مع أبي هاشم الجعفري رضوان الله عليه، فقد قال:



[ صفحه 259]



«سأل محمد بن صالح الأرميني أبامحمد عليه السلام عن قوله تعالي: (لله الأمر من قبل و من بعد..) [35] .

فقال عليه السلام: له الأمر من قبل أن يأمر به، و له الأمر من بعد أن يأمر به.

فقلت في نفسي: هذا قول الله: (ألا له الخلق و الأمر تبارك الله رب العالمين) [36] .

فنظر الي، و تبسم، ثم قال: هو كما أسررت في نفسك: (له الخلق و الأمر..) [37] .

قلت: أشهد أنك حجة الله، و ابن حجته في أرضه» [38] .

سبحان الله! (فانه - وحده - يعلم السر و أخفي) [39] من السر!.

و تعظيما له تعالي اذ منح خيرة خلقه أن يعلموا - باذنه - السر و ما هو أخفي من السر، و أعطاهم ما لم يعط أحدا من العالمين!.

ف (له الخلق و الأمر) [40] و من لم يعجبه ذلك فليدخل الي مهوي الكفر من باب واسع، و لن يضر الانفسه.. و ان لم يكن له سبحانه الخلق، و الأمر، فكيف يستطيع واحد من خلقه أن يطلع علي خفايا الصدور



[ صفحه 260]



و مضمرات النفوس و كأنه يقرأها في كفه واضحة السطور؟!.

هذه من مميزات حججه من أهل طاعته و قرباه.. و ليست لغيرهم.. و لا تجرأ أن يدعيها أحد غيرهم.

و مع أبي هاشم الجعفري أيضا في قوله:

«سأل محمد بن صالح الأرمني أبامحمد عن قول الله: (يمحوا الله ما يشآء و يثبت و عنده أم الكتاب)؟ [41] .

فقال: هل يمحو الا ما كان؟!. و هل يثبت الا ما لم يكن؟!.

فقلت في نفسي: هذا خلاف قول هشام بن الحكم بأنه لا يعلم الشي ء حتي يكون.

فنظر الي أبومحمد شزرا، و قال: تعالي الله الجبار، الحاكم العالم بالشي ء قبل كونه فهو الخالق اذ لا مخلوق و الرب اذ لا مربوب، و القادر قبل المقدور عليه!.

فقلت: أشهد أنك ولي الله و حجته، و القائم بقسطه، و أنك علي منهاج أميرالمؤمنين عليه السلام و علمه!» [42] .

فمن يقدر أن يفلسف كيف عرف الامام ما جاش به صدر أبي هاشم من ذكر هشام بن الحكم و ما نسب اليه من قول - هو بري ء منه -؟!. انه لا يقدر أحد علي ذلك، و لا يعرفه الا من يعترف بأن الامام يكون هكذا، لأنه حامل



[ صفحه 261]



مواريث السماء و ما نزل علي الأنبياء و الأوصياء.

و أيضا و أيضا، قال أبوهاشم الجعفري:

«سمعته يقول: ان في الجنة بابا يقال له: المعروف - لا يدخله الا أهل المعروف.

فحمدت الله في نفسي، و فرحت بما أتكلف من حوائج الناس.

فنظر الي أبومحمد و قال: يا أباهاشم، فدم علي ما أنت عليه، فان أهل المعروف في الدنيا، أهل المعروف في الآخرة. جعلك الله منهم يا أباهاشم، و رحمك!» [43] .

فمرحي لتلك النظرة الشريفة الصائبة التي تخترق حجب النفس و شغاف القلب بقدرة ربها عزوجل، و تدرك ما يدور في الأفكار!.

و ان عينا تمتد قوة رؤيتها الي ما وراء ذلك، لحرية أن تقدس من الناس كما بوركت من خالقها تعالي، اذ تظهر فيها آثار عظمته سبحانه و مظاهر نعمه التي أفاضها علي صاحبها!.

و لو أن الناس أنصفوا الحق لرأوا فيها آيات عجبا، و لكن أبالسة الدنيا لم يدعو امرءا و شأنه في المجاهرة بالكلمة الصادقة التي تهدي الي الحق و الي طريق مستقيم، فبقي ظلم أهل الحق قائما مازال سلطان الباطل رافعا ذيله يجمع أهله من حوله علي موائد الطعام و الشراب، و في مقاصير اللهو و الطرب، و دهاليز الفسق و الفجور!.



[ صفحه 262]



و أنت يا باب المعروف في الجنة، لن يكون الداخلون اليك كثيرين!. لأن أكثر المتكلفين لحوائج الناس انما يتكلفونها لمصالحهم الشخصية، لا لوجه الله الكريم!.

و عن أبي هاشم الجعفري كذلك قال:

«سأله الفهفكي: ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا، و يأخذ الرجل سهمين؟!.

فقال: لأن المرأة ليس عليها جهاد، و لا نفقة، و لا عليها معقلة - أي ليس عليها غرم مما يلحق القريب من دية الدم حين القتل - انما ذلك علي الرجال.

فقلت في نفسي: قد كان قيل لي: ان ابن أبي العوجاء سأل أبا عبدالله عليه السلام عن هذه المسألة، فأجابه بمثل هذا الجواب.

فأقبل أبومحمد عليه السلام علي، فقال: نعم، هذه مسألة ابن أبي العوجاء، و الجواب منا واحدا اذا كان معني المسألة واحدا، جري لآخرنا ما جري لأولنا؛ و أولنا و آخرنا في العلم و الأمر سواء، و لرسول الله عليه و آله السلام، و لأميرالمؤمنين فضلهما» [44] .

نعم، ان لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و لأميرالمؤمنين عليه السلام، فضلا علي سائر من برأ الله تعالي و ذرأ من العالمين.

و نعم، و بلي، ان ما أجراه الله تعالي لأولكم، قد أجراه لآخركم - يا



[ صفحه 263]



سادة الخلق؛ و آخركم و أولكم في العلم و الفضل سواء.. و بؤسي لمن جهل أمركم، و ضل عن التمسك بحبل ولائكم، و وقف في وجه حقكم المعطي اليكم من ربكم!.

و مما لا شك فيه، أن التعليق علي هذه الرواية يشوه رونقها الفتان بعد أن نري الامام عليه السلام يدرك ما جال بفكر صاحبه و يعلم اسم ابن أبي العوجاء من جهة، و يعرف مسألته للامام الصادق عليه السلام من جهة ثانية، دون أن ينبس صاحبه ببنت شفة!. فتأمل، و احكم.. و اعتقد بما شئت فأنت مخير..

و روي سعد، عن أبي هاشم الجعفري، قال:

«سمعت أبامحمد عليه السلام يقول: من الذنوب التي لا تغفر، قول الرجل: ليتني لا أؤاخذ الا بهذا الذنب!.

فقلت في نفسي: ان هذا لهو النظر الدقيق!. ينبغي للرجل أن يتفقد من أمره و من نفسه كل شي ء.

فأقبل علي أبومحمد عليه السلام، فقال: يا أباهاشم، صدقت، فالزم ما حدثت به نفسك، فان الاشراك في الناس أخفي من دبيب النمل علي الصفا في الليلة الظلماء، أو من دبيب الذر علي المسح الأسود!» [45] .

و دبيب النمل، و الذر، هو خطاه التي لا تترك أثرا غالبا.

و الصفا هو الصخر الصلب الأملس.



[ صفحه 264]



و المسح هو الثوب الصفيق المصنوع من الشعر.

فهل يمكن أن يري أثر دبيب النمل علي الصخر الصلب الأملس، في الليلة الشديدة الظلام؟!.

و هل يمكن أن يري خطو الذر علي ثوب من الشعر الأسود؟!.

لا، لا.. و هكذا الشرك بالله - و العياذ بالله منه - يدخل في كثير من أعمالنا و أقوالنا بشكل خفي يحتاج الي الحيطة و الورع.

و كما أن دبيب النمل، و خطو الذر، لا يظهران علي الصفا و علي المسح الأسود، فان نظر الامام يستطيع أن ينفذ الي النفوس و يطلع علي خفاياها بلا تكلف و لا جهد؛ بل يستطيع أن يري ما نحن عليه من حال في بيوتنا و لو كانت تفصلنا عنه مئات و آلاف الكيلومترات بمشيئة الله تبارك و تعالي، و بما خوله من آلة الامامة و مستلزمات السفارة الأرضية لرب الأرباب الذي يعلم (ما نخفي و ما نعلن و ما يخفي علي الله من شي ء في الأرض و لا في السمآء!) [46] .

فالامامة مرتبة الهية يختار لها الخالق سبحانه صفوة عباده في كل زمن، و يجهزه بالمعقول و باللامعقول في العرف، ليكون علي مستوي تلك المرتبة، و لتظهر علي يديه آيات تثبت كونه الحجة علي الخلق. و لولا ذلك لصح ما يختاره البشر. و لما افتضحت سيرة كل من اختاروهم لامامتهم و امارتهم عبر الأزمنة و الأمكنة.

بورك للامامية الاثني عشرية بمثل امامة أوصياء نبيهم محمد صلي الله عليه و عليهم.. فان محاولة وصفهم غير ممكنة، و التعبير يقصر عن ايضاح



[ صفحه 265]



ما هم عليه، و لا يصل الي نعتهم بما هم أهله في موازين الاعتبار و التقدير!. و ليس علي القلم بأس ان نبا، و لا علي الكاتب حيف ان كبا، لأن سمو ذواتهم لا يحتويه معني، و لا يتحمله لفظ، و لا يسعه فكر!. قد صنعهم الخالق آية من الآيات لا تفسر، و جعلهم لعظمته و قدرته من أوضح الدلالات التي لا تنكر.. و هنيئا لمن والاهم و فاز برضاهم الذي فيه رضي الله تعالي و رضي رسوله صلي الله عليه و آله و سلم.

أما الذنب الذي يستهين به صاحبه و يقول: يا ليتني لم أرتكب غيره، فربما كان من المحقرات من الذنوب التي تؤدي بمرتكبها الي الخسار، اذ لا يتوب العبد منها و لا يقلع عنها لاستهانته بها، فتتراكم عليه السيئات التي ينوء بها ظهره!. و قد قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: اياكم و المحقرات من الذنوب!.

فما أحرانا بتفقد أمورنا، و التوبة من صغائر ذنوبنا، و بأن لا نقول: يا ليتنا لا نؤاخذ الا بهذه الصغائر!.

و قال محمد بن صالح الخثعمي:

«كتبت الي أبي محمد أسأله عن البطيخ، و كنت به مشغوفا.

فكتب الي: لا تأكله علي الريق، فانه يولد الفالج.

و كنت أريد أن أسأله عن صاحب الزنج الذي خرج بالبصرة، فنسيت حتي نفذ كتابي اليه.

فوقع: صاحب الزنج ليس منا أهل البيت» [47] .



[ صفحه 266]



و انه لا يروق لي شي ء من دلائل امامة أهل البيت عليهم السلام، أكثر مما يروق لي كلامهم في الطب و الكيمياء و مختلف العلوم التي يتخصص بدراستها المتعلمون عشرات السنين، و مدي العمر.. ثم اذا قال الأئمة في ذلك شيئا، كان قولهم فوق كل قول و قطعت جهينة قول كل خطيب!.

فكيف يتسني لهم ذلك، و لم يدرسوا شيئا علي أستاذ؟.

و من أين لهم هذه المعرفة بكل علم، كل علم بلا استثناء؟!.

و لماذا لم يضع معاصروهم علامات استفهام حول ما قالوه في سائر العلوم، و لا أنكروا عليهم شيئا؟.

و بنفس الوقت نقول: لم أغمض التاريخ عينيه، و أصم سمعه عن ذلك، و لم يصلنا منه سوي النزر اليسير؟!.

لا تتعب نفسك يا قارئي الكريم باستعمال علامات الاستفهام و التعجب، فان علم الأئمة عليهم السلام موهوب غير مكسوب.. و أستاذهم هو خالقهم عز و علا الذي أعطاهم العلم، و الفهم، و الحكمة، و علمهم ما لم يكونوا يعلمون. و قد أعطاهم خلقا و ابتداء، و كما أعطانا الدم الذي يجري في عروقنا، و الحواس التي نتمتع بأحاسيسها، و وهبهم ذلك كما وهبنا مئات الأجهزة التي تعمل لمصلحة حياة أجسامنا.. و يغلبك من يقول: وهبني الله العزيز الوهاب!. و العاقل من يختار لنفسه طريق السلامة.. كي لا يقع في الندامة يوم القيامة.



[ صفحه 267]



و قال أبوهاشم الجعفري الذي كان مقربا من الامام عليه السلام:

«سمعت أبامحمد يقول: ان الله ليعفو يوم القيامة عفوا لا يحيط علي العباد حتي يقول أهل الشرك: (و الله ربنا ما كنا مشركين!) [48] .

فذكرت حديثا حدثني به رجل من أصحابنا من أهل مكة، أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قرأ: (ان الله يغفر الذنوب جميعا) [49] فقال الرجل: و من أشرك.

فأنكرت ذلك، و تنمرت للرجل.

فأنا أقول في نفسي اذ أقبل عليه السلام علي فقال: (ان الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشآء) [50] بئس ما قال هذا - الرجل - و بئس ما روي!» [51] .

أرأيت كيف يستجلي الامام عليه السلام ما في نفس صاحبه و يجيب عليه بلا أدني تكلف؟.

و هل رأيت - أيضا - كيف يكتشف كذب الرواية من صدقها بعرضها علي كتاب الله و سنة رسوله دون أن يحتاج الي علم رجال، و الي ما قيل لا من قال؟!.

ان الامام عليه السلام يضع جميع الأمور علي المحك القرآني الكريم، و السنة النبوية الشريفة.. و ما لم يوافقهما يضرب به عرض الجدار، لأنه من



[ صفحه 268]



البيت المستأمن علي وحي الله تعالي و عزائم أمره. هذا مضافا الي أن الملائكة كانت - و ما زالت - تهبط عليه مراويد من الملأ الأعلي، تحمل التنزيل و أوامر الخالق الجليل الي الملأ الأدني لتسدده و تؤيده في قول الحق، و ليفوز من اتبع أوامره، و يخسر المعاندون.. فلا جرم أن يكون الامام مل ء كرسي الانتداب الرباني العظيم للأمر العظيم، و ليكون من بيت السماء و زيته.

و عن أبي هاشم الجعفري - أيضا - قال:

«كتب اليه بعض مواليه يسأله أن يعلمه دعاء.

فكتب اليه أن ادع بهذا الدعاء:

يا أسمع السامعين، و يا أبصر المبصرين، و يا أعز الناظرين، و يا أسرع الحاسبين، و يا أرحم الراحمين، و يا أحكم الحاكمين، صل علي محمد و آل محمد و أوسع لي في رزقي، و مد لي في عمري، و امنن علي برحمتك، و اجعلني ممن تنتصر به لدينك، و لا تستبدل بي غيري.

قال أبوهاشم: فقلت في نفسي: اللهم اجعلني في حزبك، و في زمرتك.

فأقبل علي أبومحمد عليه السلام، و قال: أنت في حزبه، و في زمرته اذ كنت بالله مؤمنا، و لرسوله مصدقا، و لأوليائه عارفا، و لهم تابعا. فأبشر، ثم أبشر» [52] .



[ صفحه 269]



أجل، و ليبشر كل من قدر أن يكون مؤمنا بالله تعالي، و بما جاء عنه علي لسان رسوله الكريم، و بهذه العترة الطاهرة التي تحمل هذه القدرة العظيمة علي معرفة ما في النفوس باذن ربها، فان ايمانه بذلك يجعله في حزب الله، و في زمرة الأبرار الأطهار.

روي سعد بن عبدالله، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن داود بن القاسم الجعفري، قال:

«سئل أبومحمد عليه السلام عن قوله تعالي: (ان يسرق فقد سرق أخ له من قبل) [53] و السائل رجل من قم، و أنا حاضر.

فقال عليه السلام: ما سرق يوسف. انما كان ليعقوب منطقة ورثها من ابراهيم، وكانت تلك المنطقة لا يسرقها أحد الا استعبد. و كان اذا سرقها انسان نزل جبرائيل فأخبره بذلك، فأخذت، و صار عبدا.

و ان المنطقة كانت عند سارة بنت اسحاق بن ابراهيم، و كانت سمية أمه. و ان سارة أحبت يوسف و أرادت أن تتخذه ولدا لها. و انها أخذت المنطقة فربطتها علي وسطه ثم أسدلت عليه سرباله، و قالت ليعقوب: ان المنطقة مع يوسف، و لم يخبره بما صنعت صارة لما أراد الله.

فقام يعقوب الي يوسف ففتشه، و هو يومئذ غلام يافع، و استخرج المنطقة.

فقالت سارة بنت اسحاق: متي سرقها يوسف؟ و أنا أحق بها.

فقال لها يعقول: فانه عبدك، علي أن لا تبيعيه و لا تهبيه.



[ صفحه 270]



قالت: فأنا أقبله، علي أن لا تأخذه مني، و أعتقه الساعة.

فأعطاها اياه، فأعتقته.

و لذلك قال اخوة يوسف: (ان يسرق فقد سرق أخ له من قبل) [54] .

قال أبوهاشم: فجعلت أخيل في نفسي، أفكر و أتعجب من هذا الأمر مع قرب يعقوب من يوسف، و حزن يعقوب عليه حتي ابيضت عيناه من الحزن، و المسافة قريبة.

فأقبل علي أبومحمد عليه السلام فقال: يا أباهاشم، نعوذ بالله مما جري في نفسك من ذلك، فان الله لو شاء يرفع الساتر من الأعلي ما بين يعقوب و يوسف، حتي كانا يتراءيان ان فعل. و لكن له أجل هو بالغه، و معلوم ينتهي اليه؛ ما كان من ذلك فالخيار من الله لأوليائه» [55] .

فأبومحمد صلي الله عليه من أهل التفسير و التأويل، و من الأبيات التي نزل فيها جبرائيل الأمين عليه السلام، و نفث في قلوب سكانها الوحي و الايمان، و نفض زغب ريشه علي زرابيها و نمارقها و الجدران!. فهؤلاء لا يبارون في تفسير و لا تأويل، و اذا قالوا لا يرضخ قولهم الي جرح و لا تعديل، لأنهم بالحق ينطقون، و عن ربهم تعالي و جدهم صلي الله عليه و آله و سلم يروون، و لا واسطة بينهم و بينهما تتناولها الأقاويل.. فبوركوا من أولياء أصفياء يعلمون كيف يبرئون أولياء الله و أصفياءه مما اتهمهم به أهل الافك و التضليل، و يعرفون الكثير من وجوه حكمة الله تبارك و تعالي التي لا يدركها أحد غيرهم من العالمين.



[ صفحه 271]



قال عيسي بن مهدي الجوهري:

«خرجت أنا و الحسين بن غياث، و الحسن بن مسعود، و الحسين بن ابراهيم، و حنان بن حنان، و طالب بن ابراهيم بن حاتم، و الحسن بن محمد بن سعيد، و محجل بن محمد بن أحمد بن الخصيب، من حلا الي سر من رأي، في سنة سبع و خمسين و مائتين. فعدنا من المدائن الي كربلاء فزرنا أباعبدالله عليه السلام في ليلة النصف من شعبان، فتلقينا اخواننا المجاورين لسيدنا أبي الحسن و أبي محمد عليه السلام بسر من رأي. و كنا خرجنا للتهنئة بمولد المهدي عليه السلام، فبشرنا اخواننا بأن المولود كان قبل طلوع الفجر يوم الجمعة لثمان خلون من شعبان [56] و هو ذلك الشهر، فقضينا زيارتنا و دخلنا بغداد فزرنا أباالحسن موسي، و أباجعفر الجواد محمد بن علي عليه السلام هما، و صعدنا الي سر من رأي.

فلما دخلنا علي سيدنا أبي محمد، الحسن عليه السلام، بدأنا بالتهنئة قبل أن نبدأه بالسلام، فجهرنا بالبكاء بين يديه و نحن نيف و سبعون رجلا من أهل السواد.

فقال: ان البكاء من السرور بنعم الله مثل الشكر لها. فطيبوا نفسا، و قروا عينا. فوالله انكم لعلي دين الله الذي جاءت به الملائكة و الكتب. و انكم لكما قال جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: اياكم أن تزهدوا في فقراء الشيعة، فان لفقيرهم المحسن المتقي، عند الله يوم القيامة شفاعة يدخل فيها مثل ربيعة و مضر. فان كان هذا من فضل الله عليكم و علينا فيكم. فأي شي ء بقي لكم؟!.



[ صفحه 272]



فقلنا بأجمعنا: الحمد لله، والشكر لكم يا ساداتنا. فيكم بلغنا هذه المنزلة.

فقال: بلغتموها بالله و بطاعتكم و اجتهادكم في عبادته، و موالاتكم أولياءه، و معاداتكم أعداءه.

فقال عيسي بن مهدي الجوهري: فأردنا الكلام و المسألة، فقال لنا قبل السؤال:

فيكم من أضمر مسألتي عن ولدي المهدي عليه السلام، و أين هو؟. و قد استودعته الله كما استودعت أم موسي حيث قذفته في التابوت في اليم الي أن رده الله اليها.

فقال طائفة منا: اي والله يا سيدنا، كانت هذه المسألة في أنفسنا.

قال: و فيكم من أضمر عن الاختلاف بينكم و بين أعداء الله و أعدائنا من أهل القبلة والاسلام. فاني منبئكم بذلك فافهموه.

فقالت طائفة أخري: والله يا سيدنا لقد أضمرنا ذلك.

فقال: ان الله عز و جل أوحي الي جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: اني خصصتك و عليا و حججي منه الي يوم القيامة و شيعتكم بعشر خصال: صلاة احدي و خمسين، و تعفير الجبين، و التختم باليمين، و الأذان و الاقامة مثني و مثني، و حي علي خير العمل، و الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين، و القنوت في ثاني كل ركعتين، و صلاة العصر و الشمس بيضاء، و صلاة مغلسة، و خضاب الرأس و اللحية بالوسمة. فخالفنا من أخذ حقنا و حزبه..

فقال أكثرنا: فرجت عنا يا سيدنا.

قال: نعم، و في أنفسكم ما لم تسألوا عنه، و أنا أنبئكم عنه. و هو التكبير علي الميت، كيف كبرنا خمسا، و كبر غيرنا أربعا.



[ صفحه 273]



فقلنا: نعم يا سيدنا هذا مما أردنا نسأل عنه.

فقال عليه السلام: أول من صلي عليه من المسلمين عمنا حمزة بن عبدالمطلب، أسد الله و أسد رسوله، فانه لما قتل قلق رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و حزن و عدم صبره و عزاءه علي عمه حمزة فقال، و كان قوله حقا: لأقتلن بكل شعرة من عمي حمزة سبعين رجلا من مشركي قريش. فأوحي اليه: (و ان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصبرين) [57] و انما أحب الله جل اسمه أن يجعل ذلك سنة في المسلمين، لأنه لو قتل بكل شعرة من عمه حمزة سبعين رجلا من المشركين، ما كان في قتله حرج، و أراد دفنه، و أحب أن يلقاه الله مضرجا بدمائه، و كان قد أمر أن تغسل موتي المسلمين، فدفنه بثيابه فكان سنة في المسلمين أن لايغسل شهيدهم، و أمر الله أن يكبر خمس و سبعون تكبيرة، يستغفر له بين كل تكبيرتين منها؛ فأوحي الله اليه: اني فضلت حمزة بسبعين تكبيرة لعظمه عندي و بكرامته علي، و لك يا محمد فضل علي المسلمين، و كبر خمس تكبيرات علي كل مؤمن و مؤمنة، فاني أفرض خمس صلوات في كل يوم و ليلة، و الخمس تكبيرات عن خمس صلوات الميت في يومه و ليلته أورده ثوابها و أثبت له أجرها.

فقام رجل منا و قال: يا سيدنا، فمن صلي الأربعة؟.

فقال: أول من كبرها طريد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فان طريده مروان بن الحكم. لأن معاوية وصي يزيد بأشياء كثيرة منها أن قال: اني خائف عليك يا يزيد من أربعة: عمر بن عثمان، و مروان بن الحكم، و عبدالله بن الزبير،



[ صفحه 274]



و الحسين بن علي، و ويلك يا يزيد فيه. فأما مروان فاذا مت و جهزتموني و وضعتموني علي نعشي للصلاة، فسيقولون لك: تقدم فصل علي أبيك، فقل: ما كنت لأعصي أمره. أمرني أن لا يصلي عليه الا شيخ بني أمية الأعمي مروان. فقدمه؛ فتقدم الي ثقات موالينا يحملوا سلاحا مجردا تحت أثوابهم، فاذا تقدم للصلاة و كبر أربع تكبيرات و اشتغل بدعاء الخامسة، فقبل أن يسلم فيقتلوه فانك تراح منه، و هو أعظمهم عليك. فنم الخبر الي مروان فأسرها في نفسه.

و توفي معاوية، و حمل علي سريره، و جعل للصلاة. فقالوا ليزيد: تقدم،فقال لهم ما وصاه أبوه معاوية.

فقدموا مروان، فكبر أربعا و خرج عن الصلاة قبل دعاء الخامسة؛ فاشتغل الناس الي أن كبروا الخامسة و أفلت مروان بن الحكم منهم. و بقي أن التكبير علي الميت أربع تكبيرات لئلا يكون مروان مبتدعا.

فقال قائل منا: يا سيدنا، فهل يجوز لنا أن نكبر أربعا تقية.

فقال عليه السلام: هي خمس لا تقية فيها: التكبير خمسا علي الميت، و التعفير في دبر كل صلاة، و تربيع القبور، و ترك المسح علي الخفين، و شرب المسكر.

فقام ابن الخليل القيسي فقال: يا سيدنا، الصلوات الخمس أوقاتها سنة من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أو منزلة في كتاب الله تعالي؟.

فقال: رحمك الله، ما استن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الا ما أمره الله به. فأما أوقات الصلوات، فهي عندنا، أهل البيت، كما فرض الله علي رسوله. و هي احدي و خمسين ركعة في ستة أوقات، أبينها لكم في كتاب الله عز



[ صفحه 275]



و جل في قوله: (و أقم الصلوة طرفي النهار و زلفا من الليل) [58] و طرفاه: صلاة الفجر، و صلاة العصر. و التزليف من الليل: ما بين العشاءين. و قوله عزوجل: (يا أيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمنكم و الذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلث مرات من قبل صلوة الفجر و حين تضعون ثيابكم من الظهيرة و من بعد صلوة العشاء) [59] بين صلاة الفجر و حد صلاة الظهر، و بين صلاة العشاء الآخرة لأنه لا يضع ثيابه للنوم الا بعدها. و قال الله تعالي: (يا أيها الذين ءامنوا اذا نودي للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا الي ذكر الله) [60] و أجمع الناس علي أن السعي هو صلاة الظهر. ثم قال تعالي: (أقم الصلوة لدلوك الشمس الي غسق اليل) [61] فأكد بيان الوقت و صلاة العشاء من أنها في غسق الليل، و هو سواده، فهذه أوقات الخمس الصلوات، فأمره عليه السلام بصلاة الوقت السادس، و هو صلاة الليل فقال عزوجل: (يا أيها المزمل، قم اليل الا قليلا، نصفه أو انقص منه قليلا) [62] أو زد عليه الآية، و بين النصف في الزيادة فقال عزوجل: (ان ربك يعلم أنك تقوم أدني من ثلثي الليل و نصفه و ثلثه و طآئفة من الذين معك و الله يقدر الليل و النهار علم ألن تحصوه فتاب) [63] فالله تبارك و تعالي فرض الوقت السادس مثل الأوقات الخمسة. و لولا ثمان ركعات من صلاة الليل لما تمت احدي و خمسون ركعة.

فضججنا بين يديه بالشكر و الحمد علي ما هدانا اليه.

فقال عليه السلام: زيدوا في الشكر، تزدادوا في النعم» [64] .



[ صفحه 276]



و مما لا شك فيه أن هذه العناية التامة بفقراء الشيعة لا تخفي علي القاري ء أثناء مطالعة هذه الحادثة، و انها لم تصدر عن الامام عليه السلام مداراة و لا تلطفا، بل هي عناية حقيقية لأن الموالي الفقير القائم بأمور دينه، خير عند ربه من أغنياء الأرض المقصيرين في أمور الدين.. و لأن الفقر مع الأئمة عليهم السلام، خير من الغني مع غيرهم كما قالوا في أكثر من مناسبة.

و مما يلفت النظر فيها أيضا، أنه - صلوات الله عليه - قد كشف للوافدين عليه جميع ما أضمروه، و قد أطلعهم علي تفاصيل ذلك و علي تفسيره و تأويله قبل أن يطلبوا ذلك منه، كما هي عادة كل امام.. و لو أنصف الناس أنفسهم لما تولوا عن ولاة أمرهم، أحدا، ولما انصرف واحد منهم عن طريق الهدي الي طريق الضلال. و لكن... ستقول نفس: واحسرتا علي ما فرطت في جنب الله!.

و سيندم الكثيرون يوم لا ينفع الندم و لا الحسرة!.

و عن أبي العيناء، محمد بن القاسم الهاشمي، أنه قال:

«كنت أدخل علي أبي محمد عليه السلام، فأعطش و أنا عنده، و أجله أن يدعو بالماء. فيقول: يا غلام اسقه.

و ربما حدثت نفسي بالنهوض؛ فأفكر في ذلك. فيقول: يا غلام، دابته!» [65] .

و ورد الخبر في مكان آخر هكذا:

«قال أبوالعباس، محمد بن القاسم:



[ صفحه 277]



«عطشت عند أبي محمد و لم تطب نفسي أن يفوتني حديثه، و صبرت علي العطش.

فقطع الكلام، و قال: يا غلام اسق أباالعباس، ماء» [66] .

و حق لك يا ابن القاسم أن تجل هذا الامام العظيم و تهابه. فان من كان من شأنه العلم بما في النفوس يهاب و يجل و يرهب! بل يرعب أي جليس لا يحمل نفسا صافية صفاء الزجاجة النقية!.

و أكرم به - و هو في هذه الحال - أن يتخذ وليا و اماما سديدا هاديا الي صراط ربه، يكون نعم الهادي، و شفيعا لمواليه نعم الشفيع، يقدمهم الي جنة عالية في اليوم الموعود، في حين أن فرعون كل زمن (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار و بئس الورد المورود!) [67] .

فأوصياء محمد صلي الله عليه و عليهم، لا يصح معهم الا الصحيح و من لعب معهم أحرق أصابعه بالنار!. بل أحرق نفسه في الجحيم.. و هم يريدون أتباعهم أصفياء أنقياء أتقياء غاية في الصفاء و التقي و النقاء، ليكونوا شيعتهم بحق و حقيقة، و أما غير المستجمع لهذه الصفات العالية فيعد من مواليهم، لا أكثر.. و هنيئا لمن خرج عن سلطان نفسه و مواريث عصبيته و رواسب أهوائه، و أخلص للحق و اتبع أهله.

و ان من يعلم أنني عطشان فيسقيني، أو أنني محتاج فيرفدني، أو أنني مريض النفس فيشفيني، أو ضال فيهديني، لهو - و أيم الله - أولي بأن يكون امامي و سيدي المطاع، و قائدي الحكيم الأحري بالاتباع.



[ صفحه 278]



قال محمد بن علي بن ابراهيم بن موسي بن جعفر عليه السلام هما:

«ضاق بنا الأمر فقال لي أبي: امض بنا الي هذا الرجل، يعني أبامحمد عليه السلام، فانه قد وصف عنه سماحة.

فقلت: تعرفه؟

فقال: ما أعرفه، و لا رأيته قط.

فقصدناه. فقال لي أبي و هو في طريقه: ما أحوجنا الي أن يأمر لنا بخمسمائة درهم: مائتا درهم للكسوة، و مائتا درهم للدين - و قيل للدقيق - و مائة للنفقة.

و قلت في نفسي: ليته أمر لي بثلاثمائة درهم: مائة أشتري بها حمارا، و مائة للنفقة، و مائة للكسوة، فأخرج الي الجبل. - أي الي همدان و قزوين و غيرهما من البلدان الجبلية في فارس -.

قال: فلما وافينا الباب، خرج علينا غلامه فقال: يدخل علي بن ابراهيم، و محمد، ابنه.

فلما دخلنا عليه و سلمنا، قال لأبي: يا علي، ما خلفك عنا الي هذا الوقت؟!.

فقال: يا سيدي، استحييت أن ألقاك علي هذا الحال.

فلما خرجنا من عنده، جاءنا خادمه فناوي أبي صرة فقال: هذه خمسمائة درهم: مائتان للكسوة، ومائتان للدين، و مائة للنفقة. و أعطاني صرة فقال: هذه ثلاثمائة درهم: اجعل مائة في ثمن حمار، و مائة للكسوة، و مائة للنفقة، و لا تخرج الي الجبل، و صر الي سوراء.

فصار الي سوراء، و تزوج بامرأة، فدخله اليوم ألفا دينار؛ و مع هذا يقول بالوقف.



[ صفحه 279]



فقال محمد بن ابراهيم: فقلت له: ويحك، أتريد أمرا أبين من هذا؟!.

فقال: هذا أمر قد جرينا عليه» [68] .

و قال علي بن عيسي في «كشف الغمة» عند رواية هذا الحديث - في آخره -:

«و قال محمد بن ابراهيم الكردي: فقلت له: ويحك، أتريد أمرا أبين من هذا؟!.

فقال: صدقت، و لكنا علي أمر قد جرينا عليه» [69] .

ثم عقب قائلا: هذا هو التقليد الذي ذمه الله في كتابه، فقال حكاية عن الكفار: (انا وجدنآء ءابآءنا علي أمة و انا علي ءاثارهم مقتدون) [70] و لا شبهة أن عذاب هؤلاء الذين بلغتهم الدعوة و رأوا الأدلة و المعجزات، أشد بأضعاف مضاعفة؛ بل لا نسبة لهم مع من لم تبلغهم الدعوة، و لا قامت عليهم الحجة. و هذا العلوي لو لم ير امارة، و لا سمع دلالة، كان أحسن حالا منه بعد ذلك!. و (يهدي الله لنوره من يشآء) [71] .

و أنا أقول: ان الأقارب كالعقارب، ليس فيهم غير لازب!. - غالبا -. و البغض في الأهل، و الحسد في الجيران!. - في أكثر الأحيان -.



[ صفحه 280]



و المثل نبي لشدة صدقه و انطباقه علي الواقع. و من لم يصدق فليسأل أبالهب و أباسفيان، و سائر الأمويين و العباسيين، و الكثيرين من العلويين، عن بعض ما فعلوه مع أبناء عمومتهم من أجل سلطة زمنية زالت نعمتها عنهم و حملوا معهم أوزارها.. و لبسوا عارها.

و هولاء - علي كل حال - جافوا أبناء عمومتهم من أجل حكم و سلطان، و نافسوهم للوجاهة و الظهور.. فما بال حفيدي الامام موسي بن جعفر عليه السلام - اللذين مر ذكرهما - يقفان من الامامة هذا الموقف، مع أن جل أملهما كان ينحصر في تأمين حمار و لقمة عيش؟!. و لم يؤملا شيئا لآخرتهما.

فيا من كانت غاية طموحه أن يملك حمارا.. فملكه اياه الامام دون أن يفوه بكلام! أما ارعويت بعد الدلالة التي رأيت؟!.

لقد تمنيت جملة أشياء حققها لك بتمامها و سماها لك كما عينتها ليظهر لك صدق امامته بأوضح برهان، فما باليت.. و بقيت متوقفا علي امامة غيره و جريت علي ما جريت!.

فاغرب عن وجوه الناس و ارض بمرافقة الحمار الذي تمنيت.. و الذي بعثك الامام راكبا عليه الي سوراء فتزوجت و استغنيت.. و ما اهتديت!.

و خذ مكانك الي جانب حمارك بعد أن حرمت نفسك شفاعة ابن عمك.. (فاذا نفخ في الصور فلآ أنساب بينهم يومئذ و لا يتسآءلون!) [72] .

أنت و أبوك في هذه السن المتقدمة، و ما عرفتما الامام و لا رأيتماه قط الا عندما طمعتما بكرمه، فما الجواب الذي أعددتماه اذا سئلتما عن هذا



[ صفحه 281]



التقصير مع نفسكما، و مع ابن عمكما، امام زمانكما؟!.

و قال الحسن بن طريف:

«اختلج في صدري مسألتان أردت الكتابة فيهما الي أبي محمد عليه السلام؛ فكتبت أسأله عن القائم عليه السلام اذا قام بم يقضي؟. و أين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس؟. و أردت أن أسأله عن شي ء لحمي الربع [73] فأغفلت خبر الحمي.

فجاء الجواب: سألت عن القائم، فاذا قام قضي بين الناس بعلمه، كقضاء داود عليه السلام، لا يسأل بينة.

و كنت أردت أن تسأل لحمي الربع فأنسيت. فاكتب علي ورقة و علقه علي المحموم: (ينار كوني بردا و سلاما علي ابراهيم) [74] فانه يبرأ باذن الله.

فكتبت ذلك، و علقته علي محموم، فبري ء و أفاق» [75] .

ان الامام القائم من آل محمد عجل الله تعالي فرجه، حجة الله علي خلقه بعد أبيه العسكري عليه السلام؛ و هو عالم من علماء أهل هذا البيت الكريم الذي يفوح منه عبق الوحي و يحتوي لديه تراث السماء من سائر الأنبياء. و قد بينا - أكثر من مرة - أن الامام اذا شاء يعلم شيئا أعلمه الله اياه. و من كانت هذه حاله فلا يحتاج الي بينة و لا الي شهود. و قد رأيت آية ذلك في مختلف الفصول السابقة، و في هذا الموضوع بالذات، كما أنك تراه في هذه الرواية



[ صفحه 282]



حيث وصف الامام لصاحبه دواء لحمي الربع مع أنه لم يطلب ذلك بل نسيه.

فسبحان الملك القدوس الذي له في كل شي ء آية تدل علي وحدانيته و قدرته!. فقد جعل أهل هذا البيت الكريم آية من آياته ظاهرة البرهان، تمتد مع الزمان و مدي الدوران!. و لو كان أمرهم مصطنعا لزيفته الأيام، و فضحته التجارب علي أيدي جهابذة الفكر و الكلام.

و قال محمد بن الحسن بن ميمون:

«لقيت من علة عيني شدة، فكتبت الي أبي محمد عليه السلام أسأله أن يدعو لي، فلما نفذ الكتاب قلت في نفسي: ليتني كنت سألته أن يصف لي كحلا أكحلها!.

فوقع بخطه يدعو لي بسلامتها، اذ كانت احداهما ذاهبة.

و كتب بعده: أردت أن أصف لك كحلا، عليك أن تصير مع الاثمد كافورا و توتياء، فانه يجلو ما فيها من الغشاء، و ييبس الرطوبة.

فاستعملت ما أمرني به عليه السلام، فصحت و الحمد لله» [76] .

ان أستاذك في مختبر التحليل و التركيب للعلاجات الطبية لم يصرح عن نفسه يا سيدي، يا أبامحمد!. و لكنك أنت دللت عليه ذوي الأبصار و الأفكار.. لو كانوا يعقلون!.

فتبارك الواحد الأحد الذي حين اختارك لأمره في أرضه، و زقك العلم زقا، و علمك ما لم تكن تعلم، لتكون الحجة البالغة التي تدفع كل باطل و تزهقه!.



[ صفحه 283]



و لأنت و آلك، كحل البصائر ضد عمي القلوب و مرض النفوس!.

هدي الله تعالي الناس جميعا - و هدانا - بهداكم، لنكون ذوي بصيرة في أمور ديننا و دنيانا، و أخذ بيد الكل لما فيه رضاه في الدارين.

قال جعفر بن محمد بن موسي:

«كنت جالسا في الشارع بسر من رأي، فمر بي أبومحمد عليه السلام و هو راكب، و كنت أشتهي الولد شهوة شديدة.

فقلت في نفسي: تري أني أرزق ولدا؟.

فأومأ برأسه: نعم.

فقلت: ذكرا؟.

فقال برأسه: لا.

فحمل لي حمل، و ولدت، لي بنت» [77] .

بشرت بخير يا جعفر ولو كانت المولودة أنثي!. فقد حقق الله تعالي أملك و أشبع شهوتك للأولاد. و أنا - حين أكتب حادثتك مع الامام عليه السلام - أغبطك علي ايمانك بالايماءة المباركة التي بدت من ذلك الرأس الشريف الذي بادلك حديث الأفكار و لغة الأبصار، و بادرك بالجواب الذي ما فيه ارتياب! و هنيئا لناظريك اللذين اكتحلا بالطلعة الكريمة التي هي باب الاطلالة السماوية علي أهل الأرض بالبركة و الرحمة!.



[ صفحه 284]



و أخيرا قال هارون بن مسلم:

«ولد لا بني أحمد ابن، فكتبت الي أبي محمد عليه السلام، و ذلك بالعسكر، لليوم الثاني من ولادته، أسأله أن يسميه و يكنيه. و كانت محبتي أن أسميه جعفرا، و أن أكنيه بأبي عبدالله.

فوافاني رسوله في اليوم السابع، و معه كتاب: سمه جعفرا، و كنه بأبي عبدالله، ودعا لي» [78] .

أنا أتمني أن يدعو لي الامام عليه السلام كما دعا لك يا ابن مسلم بعد أن عرف برغبتك في الاسم و الكنية و حققها لك.. و أستغفر الله سبحانه مما أسأت، فان الامام عليه السلام يدعو لسائر الناس بالهداية اذ خلقه الله تعالي طاهر الذات، كامل الصفات، يدعو لسائر العالمين، شأنه مع أهل عصره كشأن النبي في قومه، يقول: اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون..

قد آمنتم يا هارون بعدما سمعتم و رأيتم، و نحن انما رأينا سوادا في بياض فآمنا.. فاللهم اكتبنا مع الشاهدين، و اجعلنا في عبادك المؤمنين.. و ويل لحكام الظلم الذين رأوا و سمعوا، و ما وعوا!.



[ صفحه 285]




پاورقي

[1] بصائر الدرجات ج 8 ص 396.

[2] سورة التكوير: 24.

[3] سورة الجن: 26 و 27.

[4] سورة الحجر: 36 و ص: 79.

[5] سورة الأعراف: 14.

[6] سورة الأعراف: 15 و الحجر: 37 و ص: 80 و 81.

[7] سورة الحجر: 38 و ص: 81.

[8] سورة ابراهيم: 22.

[9] سورة ق: 16.

[10] سورة المائدة: 110.

[11] بصائر الدرجات ج 2 ص 80.

[12] المصدر السابق ج 2 ص 231.

[13] بصائرالدرجات ج 9 ص 442.

[14] الكافي ج 1 ص 509 و كشف الغمة ج 3 ص 213 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 431 و الأنوار البهية ص 257 و بحارالأنوار ج 50 ص 290 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح، و هو في اثبات الوصية ص 214 و اثبات الهداة ج 6 ص 287.

[15] سورة يوسف: 53.

[16] اثبات الوصية ص 214 - 213 و الآية الكريمة في براءة: 16 و هو في الكافي ج 1 ص 508 و بحارالأنوار ج 50 ص 295 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 432 و مدينة المعاجز ص 563 و اثبات الهداة ج 6 ص 285.

[17] سورة المؤمن: 51.

[18] بحارالأنوار ج 50 ص 290 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح، و هو في كشف الغمة ج 3 ص 213 - 212 و الكافي ج 1 ص 509 و المحجة البيضاء ج 4 ص 329 و اثبات الهداة ج 6 ص 322، قال: في شارع القمر، و هو كذلك في مدينة المعاجز ص 576.

[19] الكافي ج 1 ص 511 و قد ورد في غيره من المصادر اسم الشيباني، و الشامي، خطأ، فهو السائي، نسبة الي ساية التي هي قرية من قري مكة، أو واد بين الحرمين، و هو أيضا في مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 426 و بحارالأنوار ج 50 ص 293 و كشف الغمة ج 3 ص 215 و هو في مدينة المعاجز ص 564 عن السائي.

[20] بصائرالدرجات ج 8 ص 396.

[21] كشف الغمة ج 3 ص 216 - 215 و بحارالأنوار ج 50 ص 294 و اثبات الوصية ص 216 و المحجة البيضاء ج 4 ص 330 - 329 و اثبات الهداة ج 6 ص 321 - 320 و مدينة المعاجز ص 568.

[22] بحارالأنوار ج 50 ص 270 و كشف الغمة ج 3 ص 219 - 218 و المحجة البيضاء ج 40 ص 332 و مدينة المعاجز ص 572 و ص 78 و اثبات الهداة ج 6 ص 260.

[23] سورة فصلت: 42.

[24] كشف الغمة ج 3 ص 216 و بحارالأنوار ج 50 ص 294 و هو في اثبات الهداة ج 6 ص 336.

[25] بحارالأنوار ج 50 ص 253 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح ص 215 و هو في مدينة المعاجز ص 576 و اثبات الهداة ج 6 ص 332 - 321.

[26] بحارالأنوار ج 50 ص 288 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 438.

[27] حليةالأبرار ج 2 ص 494 - 493 و الكافي ج 1 ص 512 و بحارالأنوار ج 50 ص 294 و كشف الغمة ج 3 ص 216 مع اختلاف يسير في اللفظ في بعض المصادر، و هو في اثبات الهداة ج 6 ص 337 - 336.

[28] بحارالأنوار ج 50 ص 253 نقلا عن الغيبة للطوسي و هو في اثبات الهداة ج 6 ص 311 - 310 و في مدينة المعاجز ص 271 - 263.

[29] سورة محمد: 20 و 21.

[30] اثبات الوصية ص 213 و اعلام الوري ص 354 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 439 و الأنوارالبهية ص 252 و مدينة المعاجز ص 263 و ص 571 و اثبات الهداة ج 6 ص 286.

[31] كشف الغمة ج 3 ص 212 - 211 و المحجة البيضاء ج 4 ص 329 و اثبات الهداة ج 6 ص 3 و مدينة المعاجز ص 564 و ص 577 و حلية الأبرار ج 2 ص 493 - 492 مكررا برواية ثانية، و بحارالأنوار ج 50 ص 254 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 437 و اعلام الوري ص 356 و الكافي ج 1 ص 514 ما عدا العبارة الأولي، و هو في الأنوار البهية ص 222 - 221 و ص 255 أوله.

[32] بحارالأنوار ج 50 ص 254 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح ص 239.

[33] بحارالانوار ج 50 ص 258 و مناقب آل ابي طالب ج 4 ص 436 و مدينة المعاجز ص 577 و اثبات الهداة ج 6 ص 325.

[34] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 437 و بحارالأنوار ج 50 ص 250 نقلا عن الغيبة للطوسي ص 132 و هو في كشف الغمة ج 3 ص 208 و اعلام الوري ص 355 و اثبات الوصية ص 215 و اثبات الهداة ج 6 ص 306 و مدينة المعاجز ص 566 و مصادر أخري.

[35] سورة الروم: 4.

[36] سورة الأعراف: 54.

[37] سورة الأعراف: 54.

[38] كشف الغمة ج 3 ص 209 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 436 و بحارالأنوار ج 50 ص 257 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح ص 239 باختلاف يسير و هو من اثبات الهداة ج 6 ص 316 و مدينة المعاجز ص 577.

[39] سورة طه: 7.

[40] سورة الأعراف: 54.

[41] سورة الرعد: 34.

[42] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 436 و كشف الغمة ج 3 ص 120 و بحارالأنوار ج 50 ص 257 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح ص 299 باختلاف يسير في بعض الألفاظ، و اثبات الهداة ج 6 ص 312، و هو في مدينة المعاجز ص 577 و ص 578 مع زيادة.

[43] كشف الغمة ج 3 ص 210 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 432 و اعلام الوري ص 356 و الفصول المهمة ص 285 و الأنوارالبهية ص 253 و بحارالأنوار ج 50 ص 258 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح ص 239 و اثبات الهداة ج 6 ص 315 و مدينة المعاجز ص 567.

[44] اعلام الوري ص 355 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 437 و الأنوارالبهية ص 253 - 252 و كشف الغمة ج 3 ص 211 - 210 و بحارالأنوار ج 50 ص 256 - 255 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح ص 239 و اثبات الهداة ج 6 ص 296 و مدينة المعاجز ص 566.

[45] كشف الغمة ج 3 ص 210 و بحارالأنوار ج 50 ص 250 عن الغيبة للطوسي ص 133 و هو في مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 439 و مدينة المعاجز ص 567 و اثبات الهداة ج 6 ص 306 و اثبات الوصية ص 212 و اعلام الوري ص 356- 355 و الأنوار البهية ص 253 و ص 256 أوله، و كذلك هو في تحف العقول ص 361 و في الفصول المهمة ص 285 و هو في مدينة المعاجز ص 278.

[46] سورة ابراهيم: 38.

[47] بحارالأنوار ج 50 ص 293 و كشف الغمة ج 3 ص 215 - 214 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 429 - 428 و صاحب الزنج كان يزعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسي بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام. و قد تحدث عنه أميرالمؤمنين عليه السلام قبل مولده، و وصف حركته و فعله بالبصرة، و تكلم عن جيشه. فانظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 ص 311 و الخبر في مدينة المعاجز أيضا ص 579 و اثبات الهداة ج 6 ص 336.

[48] سورة الأنعام: 23.

[49] سورة الزمر: 53.

[50] سورة النساء: 48.

[51] بحارالأنوار ج 50 ص 257 - 256 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح ص 239 و اثبات الهداة ج 6 ص 326 - 325 و مدينة المعاجز ص 17.

[52] بحارالأنوار ج 50 ص 299 - 298 و اعلام الوري ص 355 و كشف الغمة ج 3 ص 211 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 439 و اثبات الهداة ج 6 ص 315 و مدينة المعاجز ص 567 - 566.

[53] سورة يوسف: 77.

[54] سورة يوسف: 77.

[55] مدينة المعاجز ص 583 - 582 و اثبات الهداة ج 6 ص 328 - 327.

[56] هذا خطأ في التحديد، فقد ولد ليلة الجمعة في الخامس عشر من شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين.

[57] سورة النحل: 127 - 126.

[58] سورة هود: 114.

[59] سورة النور: 58.

[60] سورة الجمعة: 9.

[61] سورة الاسراء: 78.

[62] سورة المزمل: 3 - 1.

[63] سورة المزمل: 20.

[64] مدينة المعاجز ص 585 - 584.

[65] بحارالأنوار ج 50 ص 272 و الكافي ج 1 ص 512 و مدينة المعاجز ص 564 و اثبات الهداة ج 6 ص 294 - 293.

[66] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 439 و بحارالأنوار ج 50 ص 288 و مدينة المعاجز ص 580.

[67] سورة هود: 98.

[68] كشف الغمة ج 3 ص 201 - 200 و الكافي ج 1 ص 507 و وفاة العسكري ص 27 - 26 و الأنوارالبهية ص 259 - 258 و حلية الأبرار ج 2 ص 491 - 490 و الارشاد ص 321 - 320 و المحجة البيضاء ج 4 ص 324 - 323 و مدينة المعاجز ص 12 و اثبات الهداة ج 6 ص 282.

[69] المصدر السابق.

[70] سورة الزخرف: 23.

[71] سورة النور: 35.

[72] سورة المؤمنون: 101.

[73] حمي الربع تأخذ يوما و تدع يومين، ثم تجي ء في اليوم الرابع.

[74] سورة الأنبياء: 69.

[75] الكافي ج 1 ص 509 و كشف الغمة ج 3 ص 203 و بحارالأنوار ج 50 ص 264 و اعلام الوري ص 357 و الارشاد ص 323 و المحجة البيضاء ج 4 ص 326 و مدينة المعاجز ص 563 و اثبات الهداة ج 6 ص 288 - 287.

[76] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 435 و بحارالأنوار ج 50 ص 299 و اثبات الهداة ج 6 ص 341 و مدينة المعاجز ص 573.

[77] كشف الغمة ج 3 ص 216 و اثبات الوصية ص 217 و روي مثله عن أبي سليمان، داود بن عبدالله، نقلا عن المالكي، عن ابن الفرات في كشف الغمة ج 3 ص 206 و بحارالأنوار ج 50 ص 268 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح ص 314 و هو كذلك في اثبات الهداة ج 6 ص 320 - 319 و في مدينة المعاجز ص 574.

[78] كشف الغمة ج 3 ص 206 و بحارالأنوار ج 50 ص 296 و المحجة البيضاء ج 4 ص 328 و اثبات الهداة ج 6 ص 332 - 331.