بازگشت

حول القرآن الكريم


ورد عنه عليه السلام في تفسيره، عن آبائه، عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم - في حديث قال فيه بالنسبة للقرآن الكريم فيما قال:

«أتدرون متي يتوفر علي المستمع و القاري ء هذه المثوبات العظيمة؟.

اذا لم يقل في القرآن برأيه، و لم يجف عنه، و لم يستأكل به، و لم يراء به.

و قال: عليكم بالقرآن، فانه الشفاء النافع، و الدواء المبارك، عصمة لمن تمسك به، و نجاة لمن اتبعه.

ثم قال: أتدرون من المتمسك به الذي له بتمسكه به هذا الشرف العظيم؟.

هو الذي أخذ القرآن و تأويله عنا أهل البيت، و عن وسائطنا السفراء عنا الي شيعتنا، لا عن آراء المجادلين.

أما من قال في القرآن برأيه، فان اتفق له مصادفة صواب، فقد جهل في أخذه من غير أهله، و كان كمن سلك مسبعا من غير حفاظ يحفظونه، فان



[ صفحه 340]



اتفقت له السلامة فهو لا يعدم من العقلاء الذم و التوبيخ، و ان اتفق له افتراس السبع فقد جمع الي هلاكه سقوطه عند الخيرين الفاضلين، و عند العوام الجاهلين.

و ان أخطأ القائل في القرآن برأيه، فقد تبوأ مقعده من النار، و كان مثله مثل من ركب بحرا هائجا بلا ملاح و لا سفينة صحيحة، لا يسمع بهلاكه أحد الا قال: هو أهل لما لحقه، مستحق لما أصابه» [1] .

و اذا أنت أجلت طرفك بين سطور هذا الكلام البليغ، أخذتك الفتنة بضرب المثل و بهرتك الروعة في براعة اختياره، و حسبته منزلا من المنزل لقوة مبناه، و سمو معناه، و لشدة مطابقته للواقع الذي حكاه!.

و ان أنا عمدت الي الكلام حول المثلين اللذين ضربهما بالنسبة لمن يقول في القرآن برأيه - أصاب، أو أخطأ - شوهت بكلامي معني المثلين، و قوضت بناءهما المتين، و أفقدتهما جمال الأداء و حقيقة مطابقتهما للقائل برأيه مخطئا كان أو مصيبا.

فأعد قراءتهما مرة بعد مرة لتشم أريج الفصاحة المحمدية و شذا البلاغة العلوية، و تعيض في جو عبق لا يصدر الا عن السماء.. والحديث السابق صدر عن نبينا العظيم صلي الله عليه و آله و سلم، و هو لا يقول الا عن وحي يوحي..فويل لمن يقول في القرآن: رأيي كذا، و رأيي كذا، فان القرآن الكريم (و ما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم..) [2] .

قال أبوهاشم الجعفري:



[ صفحه 341]



سمعت أبامحمد عليه السلام يقول:

«بسم الله الرحمن الرحيم أقرب الي اسم الله الأعظم من سواد العين الي بياضها» [3] .

و ورد هذا الحديث الشريف عن بعض آبائه عليهم السلام بلفظه، و البسملة خبر ما يبدأ به كل عمل، و لا يحسن بالمسلم أن يشرع بشي ء - مهما كبر أو صغر - الا بعد أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، اذ ورد عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و عن أهل بيته الأطهار عليهم السلام، أن كل عمل لا يبدأ بها يعتبر أبتر أقطع!. فكيف اذا علمنا أنها أقرب الي اسم الله الأعظم من سواد العين الي بياضها؟!.

و اذا قال الامام انها كذلك، فلا ينبئك مثل خبير.

و قد حدثنا أبويعقوب، يوسف بن محمد بن زياد، و أبوالحسن، علي بن محمد بن سيار، و كانا من الشيعة الامامية - عن أبويهما - عن الحسن بن علي بن محمد عليه السلام، في قول الله عزوجل: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال:

الله هو الذي يتأله اليه عند الحوائج و الشدائد كل مخلوق، عند انقطاع الرجاء من كل من هو دونه، و تقطع الأسباب من جميع ما سواه.

نقول: بسم الله الرحمن الرحيم: أي أستعين علي أموري كلها بالله الذي لا تحق العبادة الا له، المغيث اذا استغيث به والمجيب اذا دعي. و هو ما قاله رجل للصادق عليه السلام:



[ صفحه 342]



يابن رسول الله دلني علي الله ما هو؟. فقد كثرت علي المجادلون و حيروني.

فقال له: يا عبدالله، هل ركبت سفينة قط؟.

قال: نعم.

قال: فهل كسر بك، حيث لا سفينة تنجيك، و لا سباحة تغنيك؟!.

قال: نعم.

قال: فهل تعلق قلبك هناك، أن شيئا من الأشياء قادر علي أن يخلصك من ورطتك؟.

قال: نعم.

قال الصادق عليه السلام: فذلك الشي ء هو الله، القادر علي الانجاء حيث لا منجي، و علي الاغاثة حيث لا مغيث.

ثم قال الصادق عليه السلام: و لربما ترك بعض شيعتنا في افتتاح أمره: بسم الله الرحمن الرحيم، فيمتحنه الله بمكروه لينبهه علي شكر الله تبارك و تعالي و الثناء عليه، و يمحق عنه وصمة تقصيره عند تركه قول: بسم الله الرحمن الرحيم» [4] .

و تفسير الامام العسكري عليه السلام لقوله تعالي: بسم الله الرحمن الرحيم الرحيم، هو من خير ما تفسر به البسملة باختصار. فالباء في أولها تعني الاستعانة بذكر اسمه تعالي الذي هو رحمان يعطف علي خلقه، و رحيم شديد الرحمة لهم، اذ يستجيب لدعائهم و يرأف بهم كبارا و صغارا.



[ صفحه 343]



قال محمد بن القاسم الاسترآبادي المفسر:

«حدثني يوسف بن محمد بن زياد، و علي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام في قول: (اهدنا الصراط المستقيم) [5] قال:

أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ماضي أيامنا، حتي نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا.

و الصراط المستقيم هو صراطان: صراط في الدنيا، و صراط في الآخرة.

و أما الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر من الغلو، و ارتفع عن التقصير، و استقام فلم يعدل الي شي ء من الباطل.

و أما الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين الي الجنة، الذي هو مستقيم لا يعدلون عن الجنة الي النار، و لا الي النار سوي الجنة» [6] .

و عنه عليه السلام - أيضا - في قوله سبحانه: (اهدنا الصراط المستقيم) [7] قال باختصار:

«أرشدنا للزوم الطريق المؤدي الي محبتك، و المبلغ الي رضوانك و جنتك، و المانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب، أو نأخذ بآرائنا فنهلك» [8] .

يقول المتفيهقون: كلام الملوك ملوك الكلام.



[ صفحه 344]



و نحن نقول: كيف بالكلام و قد صدر عن ملوك الكلام بين الأنام، و مالكي ناصية العلم وفقه اللغة، و حملة علم التفسير و التأويل عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، عن الرب الجليل عز شأنه؟!.

كلام أهل بيت النبوة امام كل كلام.. و عنده يكل كل كلام و ينقطع كل خصام.. و لن نزيد علي ذلك..

قال محمد بن القاسم الاسترآبادي، المفسر:

«حدثني يوسف بن محمد بن زياد، و علي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام في قول الله عزوجل: (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضآلين) [9] :

أي: قولوا: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك و طاعتك، و هم الذين قال الله عزوجل: (و من يطع الله و الرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهدآء و الصلحين و حسن أولئك رفيقا) [10] و حكي هذا بعينه عن أميرالمؤمنين عليه السلام.

ثم قال: ليس هولاء المنعم عليهم بالمال و صحة البدن، و ان كان كل هذا نعمة من الله ظاهرة، ألا تري أن هؤلاء قد يكونون كفارا أو فساقا؟. فما ندبتم أن تدعوا بأن ترشدوا الي صراطهم، و انما أمرتم بالدعاء بأن ترشدوا الي صراط الذين أنعم الله عليهم بالايمان [بالله] و تصديق رسوله، و بالولاية



[ صفحه 345]



لمحمد و آله الطاهرين، و أصحابه الخيرين المنتجبين، و بالتقية الحسنة التي يسلم بها من شر عباد الله، و من الزيادة في آثام أعداء الله وكفرهم، بأن تداريهم و لا تغريهم بأذاك و أذي المؤمنين، و بالمعرفة بحقوق الاخوان من المؤمنين. فانه ما من عبد و لا أمة والي محمدا و آل محمد عليهم السلام، و عادي من عاداهم، الا كان قد اتخذ من عذاب الله حصنا منيعا و جنة حصينة. و ما من عبد و لا أمة داري عباد الله فأحسن المداراة فلم يدخل بها في باطل، و لم يخرج بها من حق، الا جعل الله عزوجل نفسه تسبيحا، و زكي عمله، و أعطاه بصيرة علي كتمان سرنا، و احتمال الغيظ لما يسمعه من أعدائنا، و ثواب المتشحط بدمه في سبيل الله!. و ما من عبد أخذ نفسه بحقوق اخوانه، فوفاهم حقوقهم جهده، و أعطاهم ممكنه، و رضي عنهم بعفوهم، و ترك الاستقصاء عليهم فيما يكون من زللهم، و اغتفرها لهم، الا قال الله له يوم يلقاه: يا عبدي، قضيت حقوق اخوانك و لم تستقض عليهم فيما لك عليهم، فأنا أجود و أكرم و أولي بمثل ما فعلته من المسامحة و الكرم، فاني أقضيك اليوم علي حق ما وعدتك به، و أزيدك من فضلي الواسع، و لا أستقصي عليك في تقصيرك في بعض حقوقي.. قال: فيلحقه بمحمد و آله، و يجعله في خيار شيعتهم.

ثم قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبدالله، أحب لله، و أبعض في الله، و وال في الله، و عاد في الله!. فانه لا تنال ولاية الله الا بذلك، و لايجد رجل طعم الايمان و ان كثرت صلاته و صيامه حتي يكون كذلك. و قد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا، عليها يتوادون، و عليها يتباغضون، و ذلك لا يغني عنهم من الله شيئا.

فقال الرجل: يا رسول الله، فكيف لي أن أعلم أني قد واليت و عاديت في الله؟. و من ولي الله حتي أواليه، و من عدوه حتي أعاديه؟.



[ صفحه 346]



فأشار له رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الي علي عليه السلام، فقال: أتري هذا؟.

قال: بلي.

قال: ولي هذا ولي الله، فواله. و عدو هذا، عدو الله، فعاده. و وال ولي هذا ولو أنه قاتل أبيك [و ولدك]، و عاد عدو هذا، ولو أنه أبوك و ولدك» [11] .

فالهداية الي طريق المنعم عليهم بالتوفيق لدين الله تعالي و طاعته، لا يؤدي الي غير محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و لا الي غير أهل بيته الأخيار الأبرار الذين اختصهم الله تعالي بالوصية، و حملهم مواريث السماء و تركات الأنبياء. وجعلهم حججه علي البرية، و لا ينتفع من يحور و يدور، لأنه سبحانه لم ينعم نعمة علي أحد كنعمته علي الأنبياء و أوصيائهم، فكيف بمن كانوا خاتمي الأنبياء والأوصياء وسادتهم؟!. و من أذهب الله تعالي عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا!.

و لا أكتم قارئي الكريم، أنه لا قرابة بين الله تعالي و بين أحد من الناس، و لا مناص من وقفة حساب دقيق بين يديه تعالي، بحيث لا تخفي عليه خافية.. (ولتنظر نفس ما قدمت لغد) [12] قبل أن تسأل عن التقصير بحق من اختارهم الله تعالي علي علم لولاية أمور العباد..

«و قال عليه السلام في قوله تعالي: (ختم الله علي قلوبهم و علي سمعهم و علي أبصرهم غشوة و لهم عذاب عظيم) [13] :



[ صفحه 347]



أي وسمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته اذا نظروا اليها، بأنهم - أي الكافرين - لما أعرضوا عن النظر فيما كلفوه، و قصروا فيما أريد منهم، و جهلوا بما لزمهم الايمان به، فصاروا كمن علي عينيه غطاء لا يبصر ما أمامه. فان الله عزوجل يتعالي عن العبث و الفساد، و عن مطالبة عباده بما منعهم بالقهر عنه. فلا يأمرهم بمغالبته، و لا بالمصير الي ما قد صدهم بالقسر عنه.

ثم قال: (و لهم عذاب عظيم): يعني في الآخرة: العذاب المعد للكافرين. و في الدنيا أيضا لمن يريد أن يستصلحه بما ينزل به من عذاب الاستصلاح، لينبهه لطاعته؛ أو عن عذاب الاصلاح، ليصيره الي عدله و حكمته» [14] .

و مجمل ما قصده الامام عليه السلام، هو أن الله سبحانه لم يختم علي قلوب الكافرين و أسماعهم حين خلقهم، و لا جعل علي أبصارهم غشاوة سلفا. بل كان ذلك بعد أن اختبرهم فقصروا في تأدية التكاليف، و كفروا بما أمرهم بالايمان به، و قد تعالي سبحانه عن أن يخلق الكافر كافرا فيكفر مقهورا علي كفره، كما أنه جل و سما عن أن يصد كافرا طلب طريق الايمان و العمل الصالح مقسورا مغلوبا علي أمره.. و لكنه حين يشذ عبده عن طريق أتباع أوامره و نواهيه، شذوذا يعلم سبحانه أن لا عودة له عنه، يختم علي قلبه و سمعه، و يعتبره في حكم المفروغ منه لأنه سادر في غيه و ضلاله.

و أما أنه سبحانه استعمل الفعل: ختم بصيغة الماضي، فهو للدلالة علي أن أمر الختم معلوم عنده تعالي، مؤكد في سابق علمه اذ لا يخفي عليه ما تكون عليه حال ذلك العبد الضال طيلة حياته علي الأرض.



[ صفحه 348]



«و عن يوسف بن محمد بن زياد، و علي بن محمد بن سيار - أيضا - عن أبويهما، عن الحسن - العسكري - بن علي، عن أبيه: علي بن محمد، عن أبيه: محمد بن علي، عن أبيه: علي بن موسي، عن أبيه: موسي بن جعفر، عن أبيه: جعفر بن محمد، عن أبيه: محمد بن علي، عن أبيه: علي بن الحسين عليهم السلام، في قول الله تبارك و تعالي: (الذي جعل لكم الأرض فراشا و السمآء بنآء..) [15] .

قال: جعلها ملائمة لطباعكم، موافقة لأجسادكم، فلم يجعلها شديدة الحمي و الحرارة فتحرقكم، و لا شديدة البرودة فتجمدكم، و لا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم، و لا شديدة النتن فتعطبكم، و لا شديدة اللين كالماء فتغرقكم، و لا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في حرثكم، و أبنيتكم، و قبور موتاكم!.

و لكنه عزوجل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به؛ تتتماسكون، و تتماسك عليها أبدانكم و بنيانكم. و جعل فيها من اللين ما تنقاد به لدوركم و قبوركم و كثير من منافعكم.

فلذلك جعل الأرض فراشا لكم.

ثم قال عزوجل: (والسمآء بنآء) أي سقفا محفوظا من فوقكم، يدير فيها شمسها و قمرها و نجومها لمنافعكم.

ثم قال تعالي: (و أنزل من السمآء مآء) [16] يعني المطر ينزله من علو يبلغ قلل جبالكم، و تلالكم، و هضابكم، و أوهادكم [17] ،، ثم فرقه رذاذا،



[ صفحه 349]



و وابلا، و هطلا - وطلا [18] - لتنشفه أرضوكم. فلم يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة فيفسد أراضيكم، و أشجاركم، و زروعكم، و ثماركم.

ثم قال عزوجل: (فأخرج به من الثمرات رزقا لكم) [19] يعني مما يخرجه من الأرض رزقا لكم (فلا تجعلوا لله أندادا) [20] أي: أشباها و أمثالا من الأصنام التي لا تعقل، و لا تسمع، و لا تبصر، و لا تقدر علي شي ء (و أنتم تعلمون) أنها لا تقدر علي شي ء من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليم ربكم تبارك و تعالي» [21] .

فأنت تري أن أهل بيت الوحي و التنزيل عليهم السلام، هم أهل القرآن و البيان، و مصدر التفسير و التأويل، و لذلك فان قولهم في القرآن لا يجاريه قول انسان، لأنهم لا يبتدعون شيئا من بنات أفكارهم، و لا ينطقون الا عن أمر الله تعالي، أو بما جاء به عنه رسوله الكريم صلي الله عليه و آله و سلم، فالآخذ عنهم مستق من نبع عليين، لأنه آخذ عن رب العالمين و رسوله العظيم الذي لا ينطق عن الهوي، لا عن رأي شخصي يختلط فيه نور هدي القرآن بظلمة نفس الانسان المفسر لكتاب ربه برأيه!. فان معاني القرآن فيها من العمق و الاعجاز ما يستعصي علي الحذلقة و الفذلكة و تفويف الكلام كما لا يخفي.



[ صفحه 350]



«و عنه عليه السلام في قوله تعالي: (و منهم أميون لا يعلمون الكتاب الآ أماني..) [22] .

ان الأمي منسوب الي أمه، أي: هو كما خرج من بطن أمه، لا يقرأ و لا يكتب.. (لا يعلمون الكتب) المنزل من السماء، و لا المتكذب به، و لا يميزون بينهما (الآ أماني) أي: الا أن يقرأ عليهم و يقال لهم: ان هذا كتاب الله و كلامه، لا يعرفون ان قري ء من الكتاب خلاف ما فيه (و ان هم الا يظنون) [23] أي: ما يقرأ عليهم رؤساؤهم من تكذيب محمد صلي الله عليه و آله و سلم في نبوته و امامة علي عليه السلام سيد عترته، و هم يقلدونهم مع أنه محرم عليهم تقليدهم (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله) [24] تعالي!. هؤلاء القوم هم اليهود، كتبوا صفة زعموا أنها صفة محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و هي خلاف صفته؛ و قالوا للمستضعفين منهم: هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان: انه طويل، عظيم البدن و البطن، أهوف - أي جسيم - أصهب الشعر، و محمد صلي الله عليه و آله و سلم بخلافه؛ و هو يجي ء بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة!. و انما أرادوا بذلك أن تبقي لهم علي ضعفائهم رئاستهم، و تدوم لهم اصابتهم، ويكفوا نفوسهم مؤونة خدمة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و خدمة علي عليه السلام و أهل بيته و خاصته، فقال الله عزوجل: (فويل لهم مما كتبت أيديهم و ويل لهم مما يكسبون) [25] من هذه الصفات المحرفات و المخالفات لصفة محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي عليه السلام: الشدة لهم من العذاب في أسوء بقاع جهنم!. و ويل لهم: الشدة في العذاب ثانية، مضافة الي الأولي،



[ صفحه 351]



مما يكسبون من الأموال التي يأخذونها اذا أثبتوا عوامهم علي الكفر بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم، و الحجة لوصية و أخيه علي بن أبي طالب عليه السلام، ولي الله!.

ثم قال عليه السلام: قال رجل للصادق عليه السلام: فاذا كان هؤلاء القوم من اليهود لا يعرفون الكتاب الا بما يسمعونه من علمائهم، لا سبيل لهم الي غيره، فيكف ذمهم بتقليدهم و القبول من علمائهم؟. و هل عوام اليهود، الا كعوامنا يقلدون علماءهم؟!.

فقال عليه السلام: بين عوامنا و علمائنا، و عوام اليهود و علمائهم، فرق من جهة، و تسوية من جهة:

أما من حيث استووا، فان الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما ذم عوامهم.

وأما من حيث افترقوا، فلا.

قال: بين لي يابن رسول الله.

قال عليه السلام: ان عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح، و بأكل الحرام، و الرشي، و بتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات و العنايات و المصانعات؛ و عرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم؛ و أنهم اذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه، و أعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم، و ظلموهم من أجلهم، و عرفوهم يقارفون المحرمات، و اضطروا بمعارف قلوبهم الي أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجزو أن يصدق علي الله، و لا علي الوسائط بين الخلق و بين الله!. فلذلك ذمهم لما قلدوا من قد عرفوه، و من قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره، و لا تصديقه في حكايته، و لا العمل بما يؤديه اليهم عمن لم



[ صفحه 352]



يشاهدوه؛ و وجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، اذ كانت دلائله أوضح من أن تخفي، و أشهر من أن لا تظهر لهم.

و كذلك عوام أمتنا، اذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر، و العصبية الشديدة، و التكالب علي حطام الدنيا و حرامها، و اهلاك من يتعصبون عليه و ان كان لاصلاح أمره مستحقا، و بالترفرف بالبر و الاحسان علي من تعصبوا له و ان كان للاذلال و الاهانة مستحقا، فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء، فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة فقهائهم.

فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا علي هواه، مطعيا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، و ذلك لا يكون الا بعض فقهاء الشيعة، لا جميعهم. فانه من ركب من القبائح و الفواحش مراكب فسقة العامة، فلا تقبلوا منا عنه شيئا، و لا كرامة!.

و انما كثر التخليط فيما يتحمل عنا - أهل البيت - لذلك، لأن الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه بأسره بجهلهم، و يضعون الأشياء علي غير وجهها لقلة معرفتهم. و آخرون يتعمدون الكذب علينا، ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم الي نار جهنم!. و منهم قوم نصاب لا يقدرون علي القدح فينا، يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا، و ينتقصون بنا عند نصابنا ثم يضيفون اليه أضعافه و أضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن براء منها، فيتقبله المستسلمون من شيعتنا علي أنه من علومنا، فضلوا و أضلوا، و هم أضر علي ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد علي الحسين بن علي عليه السلام و أصحابه!. فانهم يسلبونهم الأرواح و الأموال، و هؤلاء هم علماء السوء، الناصبون، المتشبهون بأنهم لنا موالون، و لأعدائنا معادون، و يدخلون الشك و الشبهة علي ضعفاء شيعتنا فيضلونهم و يمنعونهم عن قصد الحق المصيب. لا جرم أن من علم الله من قلبه، من هؤلاء القوم، أنه لا



[ صفحه 353]



يريد الا صيانة دينه، و تعظيم وليه، ثم يتركه في يد هذا المتلبس الكافر، و لكنه يقيض له مؤمنا يقف به علي الصواب، ثم يوفقه الله للقبول منه، فيجمع الله - له - بذلك خير الدنيا و الآخرة، و يجمع علي من أضله لعنا في الدنيا، و عذابا في الآخرة.

ثم قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: أشرار علماء أمتنا: المضلون عنا، القاطعون للطرق الينا، المسمون أضدادنا بأسمائنا، الملقبون أندادنا بألقابنا، يصلون عليهم و هم للعن مستحقون، و يلعنوننا و نحن بكرامات الله مغمورون، و بصلوات الله و صلوات ملائكته المقربين علينا، عن صلواتهم يستغنون!.

ثم قال: قيل لأميرالمؤمنين عليه السلام: من خير خلق الله بعد أئمة الهدي و مصابيح الدجي؟.

قال: العلماء اذا صلحوا.

قيل: فمن شرار خلق الله بعد ابليس، و فرعون، و نمرود، و بعد المتسمين بأسمائكم، و المتلقبين بألقابكم، و الآخذين لأمكنتكم، و المتآمرين - المتأمرين - في ممالككم؟.

قال: العلماء اذا فسدوا. هم المظهرون للأباطيل، الكاتمون للحقائق. و فيهم قال الله عزوجل: (أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللعنون، الا الذين تابوا [26] .. (... [27] .

و لا تشكن بأن أي تعليق علي هذا الكلام يفسد روعته و يشوه بلاغته..

فليترك ليجيل كل قاري ء فيه فكره، و يتمتع بمعناه و بغرر محتواه. و لن



[ صفحه 354]



أرفع يدي عن القول فيه قبل أن أشير الي قول أميرالمؤمنين عليه السلام بأن من شرار خلق الله تعالي هم المسمون بأسمائهم و الملقبون بألقابهم و الآخذون لأمكنتهم، و هم أمراء المؤمنين علي مر زمن الخلافة الاسلامية الذي امتد مئات و مئات السنين..

«و عن أبي يعقوب، يوسف بن محمد بن زياد، و أبي الحسن، علي بن محمد بن سيار، أنهما قالا:

قلنا للحسن، أبي القائم عليهم السلام: ان قوما عندنا يزعمون أن هاروت و ماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم، و أنزلهما الله مع ثالث لهما الي الدنيا، و أنهما افتتنا بالزهرة و أرادا الزني بها، و شربا الخمر، و قتلا النفس المحرمة، و أن الله يعذبهما ببابل، و أن السحرة منهما يتعلمون السحر، و أن الله مسخ هذا الكوكب الذي هو الزهرة!.

فقال الامام عليه السلام: معاذ الله من ذلك!. ان الملائكة معصومون، محفوظون من الكفر و القبائح بألطاف الله!. فقال عزوجل فيهم: (لا يعصون الله مآ أمرهم و يفعلون ما يؤمرون) [28] و قال: (و له من في السموات و الأرض و من عنده - يعني الملائكة - لا يستكبرون عن عبادته و لا يستحسرون، يسبحون الليل و النهار لا يفترون) [29] و قال في الملائكة: (بل عباد مكرمون، لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون، - الي قوله: - مشفقون) [30] .

كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاء في الأرض، و كانوا كالأنبياء



[ صفحه 355]



في الدنيا و كالأئمة، أفيكون من الأنبياء قتل النفس، و الزني، و شرب الخمر؟!.

ثم قال: أولست تعلم أن الله لم يخل الأرض من نبي أو امام من البشر؟. أو ليس يقول: (و مآ أرسلنا من قبلك - يعني الي الخلق - الا رجالا نوحي اليهم من أهل القري) [31] فأخبر أنه لم يبعث الملائكة الي الأرض ليكونوا أئمة و حكاما، و انما أرسلوا الي أنبياء الله.

قال: قلنا له: فعلي هذا لا يكون ابليس ملكا!.

فقال: لا، بل كان من الجن. أما تسمعان الله تعالي يقول: (و اذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا الا ابليس كان من الجن..)؟! [32] فأخبر أنه كان من الجن! و هو الذي يقول: (و الجآن خلقنه من قبل من نار السموم) [33] .

و قال الامام عليه السلام: يحدثني أبي، عن جدي الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليه السلام، عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: أن الله اختارنا، معاشر آل محمد، و اختار النبيين، و اختار الملائكة المقربين، و ما اختارهم الا علي علم منه بهم: أنهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته و ينقطعون به من عصمته و ينضمون به الي المستحقين لعذابه و نقمته.

قالا: فقلنا: فقد روي لنا أن علينا صلوات الله عليه لما نص عليه رسول الله بالامامة، عرض الله ولايته علي فيام و فيام [34] من الملائكة فأبوها، فمسخهم الله ضفادع!.

فقال: معاذ الله!. هؤلاء المكذبون علينا. الملائكة هم رسل الله،



[ صفحه 356]



كسائر أنبياء الله، الي الخلق. أفيكون منهم الكفر بالله؟!.

قلنا: لا.

قال: فكذلك الملائكة، ان شأن الملائكة عظيم، و ان خطبهم لجليل!» [35] .

و ان لقول الامام عليه السلام لشذا يعبق من كلماته و حروفه، فلا تكاد تسمعه حتي تحس بروح و ريحان الوحي ينتشران منه، فتذعن للحق طوعا أو كرها!. ذلك أن المختار لهذا المركز الرباني العظيم، ينسجم دائما مع روح رسالة السماء، و لا يحيد عن دستور ربه قيد شعرة؛ بل يدور - دائما و أبدا - في فلك معين من قبل من اختاره سبحانه لامامة الخلق، بنظام أدق من نظام الكواكب و الأفلاك التي خلقها الرحمان سائرة علي نمط لا يختل نظامه البتة مازالت مأمورة بالدوران!.

و أنت تلاحظ أنه، كما برأ القرآن الكريم مريم العذراء عليهم السلام مما رميت به، برأ الامام عليه السلام هاروت و ماروت مما نسب اليهما من المعاصي الجسام. التي ألصقها بهما المفسرون حين ذكروا قصتهما بشكل تخريف و تجديف!. و ما كان لغيره صلوات الله عليه أن يحتج بمثل ما احتج به من القرآن الكريم و القول السديد الذي يسد فاه كل عنيد.. و الراد علي الامام، كالراد علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.. و كالراد علي الله عزوعلا..

«وعنه عليه السلام:

كذبت قريش و اليهود بالقرآن، و قالوا: (هذا سحر مبين) [36] .



[ صفحه 357]



فقال الله: (الم، ذلك الكتاب..) [37] أي: يا محمد، هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك، هو بالحروف المقطعة التي منها: ألف، لام، ميم!. و هو بلغتكم و حروف هجائكم، فأتوا بمثله ان كنتم صادقين و استعينوا بسائر شهدائكم!. ثم يبين أنهم لا يقدرون عليه بقوله: (قل لئن اجتمعت الانس و الجن

علي أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا) [38] .

ثم قال الله: (الم) هو هذا القرآن الذي افتتح ب: ألم، هو (ذلك الكتاب) الذي أخبرت به موسي عليه السلام فمن بعده من الأنبياء فأخبروا بني اسرائيل أني سأنزل عليك يا محمد كتابا عربيا عزيزا (لا يأتيه البطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد [39] .

(لا ريب فيه) [40] : لا شك فيه لظهوره عندهم، كما أخبرهم أنبياؤهم أن محمدا أنزل عليه كتاب لا يمحوه الباطل، يقرأه هو وأمته علي سائر أحوالهم.

(هدي) [41] بيان من الضلالة (للمتقين) [42] الذين يتقون الموبقات، و يتقون تسليط السفه علي أنفسهم، حتي اذا علموا ما يجب عليهم علمه، عملوا بما يجلب لهم رضا ربهم.

قال: و قال الصادق عليه السلام: ثم الألف حرف من حروف، و قولك



[ صفحه 358]



الله، دل (بالألف) علي قولك: الله، و دل (باللام) علي قولك الملك العظيم المظاهر للخلق أجمعين، و دل (الميم) علي أنه المجيد المحمود في كل أفعاله. و جعل هذا القول حجة علي اليهود، و ذلك أن الله لما بعث موسي بن عمران، ثم من بعده من الأنبياء الي بني اسرائيل، لم يكن فيهم قوم الا أخذوا عليهم العهود و المواثيق: لتؤمنن بمحمد العربي الأمي، المبعوث بمكة، الذي يهاجر الي المدينة، يأتي بكتاب، من الحروف المقطعة افتتاح بعض سوره، تحفظه أمته، فيرأونه قياما و قعودا، و مشاة، و علي كل الأحوال. يسهل الله عزوجل حفظه عليهم، و يعرفون بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم أخاه و وصيه علي بن أبي طالب عليه السلام، الآخذ عنه علومه التي علمها، المتقلد عنه [الأمانة] و الامامة التي قلدها، و مذلل كل من عاند محمدا بسيفه الباتر، و مفحم كل من جادله، و خاصمه بدليله القاهر. يقاتل عباد الله علي تنزيل الكتاب حتي يقودهم الي قبوله طائعين و كارهين.

ثم اذا صار محمد صلي الله عليه و آله و سلم الي رضوان الله عزوجل، وارتد كثير ممن كان أعطاه ظاهر الايمان، و حرفوا تأويلاته، و غيروا معانيه و وضعوها علي خلاف و جوهها، قاتلهم بعد ذلك علي تأويله، حتي يكون ابليس الغاوي لهم هو الخاسي ء الذليل المطرود المغلوب.

قال: فلما بعث الله محمدا و أظهره بمكة، ثم سيره منها الي المدينة و أظهره بها. ثم أنزل عليه الكتاب، و جعل افتتاح سوره الكبري ب: ألم، يعني: (الم، ذلك الكتاب الذي أخبرت أنبيائي السالفين أني سأنزله عليك يا محمد لا ريب فيه) فقد ظهر كما أخبركم به أنبياؤكم أن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم ينزل عليه كتاب مبارك لا يمحوه الباطل، يقرأه هو و أمته علي سائر أحوالهم، ثم اليهود يحرفونه عن جهته، و يتأولونه علي خلاف وجهه، و يتعاطون الي علم ما قد طواه الله عنهم من حال آجال هذه الأمة، وكم مدة ملكهم. فجاء



[ صفحه 359]



الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم جماعة، فولي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليا عليه السلام يخاطبهم. فقال قائلهم:

ان كان ما يقول محمد حقا، فقد علمنا كم قدر ملك أمته؛ هو احدي و سبعون سنة، الألف: واحد، و اللام: ثلاثون، و الميم: أربعون.

قال علي عليه السلام: فما تصنعون ب (المص) و قد أنزلت عليه؟!.

فقالوا: هذه أكثر. هذه احدي و ستون و مائة سنة.

قال: ما تصنعون بما أنزل عليه: (المر)؟!.

قالوا: هذه مئتان و احدي و سبعون سنة.

فقال علي: فواحدة من هذه، أو جميعها، له؟.

فاختلط كلامهم - فبعضهم قال: له واحدة منها. و بعضهم قال: بل يجمع له كلها، و ذلك سبعمائة و أربع سنين، ثم يرجع الملك علينا.

فقال علي عليه السلام: أكتاب من كتب الله عزوجل نطق بهذا، أم آراؤكم دلتكم عليه؟!.

فقال بعضهم: كتاب الله نطق بهذا. و قال آخرون منهم: بل آراؤنا دلتنا عليه.

فقال علي عليه السلام: فأتوا بكتاب من عند الله نطق بما تقولون.

فعجزوا عن ايراد ذلك.

و قال للآخرين: فدلوا علي صواب هذا الرأي.

فقالوا: رأينا دليله علي أن هذا حساب الجمل.

فقال علي عليه السلام: فكيف دل علي ما تقولون و ليس في هذه الأحرف [الا] ما اقترحتم دون بيان؟.



[ صفحه 360]



أرأيتم ان قيل لكم: ان هذه الحروف ليست دالة علي هذه المدة لملك أمة محمد صلي الله عليه و آله و سلم و لكنها دالة علي أن عدد ذلك لكل واحد منكم و منا، بعدد هذا الحساب دراهم أو دنانير؟!. و علي أن لعلي كل واحد منكم دينا عدد ماله مثل عدد هذا الحساب؟!. أو أن كل واحد منكم قد لعن بعدد هذا الحساب؟!.

قالوا: يا أباالحسن، ليس شي ء مما ذكرته منصوصا عليه في (الم) و (المص) و (الر) و (المر). فان بطل قولنا لما قلنا، فاذا بطل قولك لما قلت.

فقال خطيبهم و منطيقهم: لا تفرح يا علي بأن عن اقامة حجة علي دعوانا. فأي حجة علي دعواك، الا أن تجعل عجزنا حجتك؟!. فاذا: مالنا حجة فيما نقول، و لا لكم حجة فيما تقولون.

قال علي عليه السلام: لا سواء!. ان لنا حجة هي المعجزة الباهرة. ثم نادي جمال اليهود:

يا أيها الجمال اشهدي لمحمد و لوصيه عليه السلام هما.

فتبادرت الجمال: صدقت يا وصي محمد، و كذب هؤلاء اليهود!.

فقال علي عليه السلام: هؤلاء جنس من الشهود!. يا ثياب اليهود اشهدي لمحمد و وصيه!.

فنطقت ثيابهم كلها: صدقت صدقت يا علي، نشهد بأن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حقا، و أنك يا علي وصيه حقا!. لم يثبت لمحمد قدم في مكرمة الا و طأت علي موضع قدمه بمثل مكرمته. و أنتما شقيقان من أشرف أنوار الله تعالي؛ تميزتما اثنين، و أنتما في الفضائل شريكان الا أنه لا نبي بعد محمد صلي الله عليه و آله و سلم.



[ صفحه 361]



فعند ذلك خرست اليهود، و آمن بعض النظارة منهم برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و غلب الشقاء علي اليهود و سائر النظارة الآخرين. فذلك ما قال الله تعالي: (لا ريب فيه)؛ انه كما قال محمد، و وصي محمد عن قوله محمد صلي الله عليه و آله و سلم، عن قول رب العالمين.

ثم قال: (هدي): بيان و شفاء (للمتقين) من شيعة محمد و علي، انهم اتقو أنواع الكفر فتركوها، و اتقوا الذنوب الموبقات فرفضوها، واتقوا اظهار أسرار الله تعالي، و أسرار أزكياء عباده الأوصياء بعد محمد صلي الله عليه و آله و سلم فكتموها، و اتقوا سر العلوم عن أهلها المستحقين لها، و فيهم نشروها» [43] .

و علق الصدوق عليه الرحمة و الرضوان علي هذا بقوله: «و الأحاديث في نشر علوم مولانا الامام [الحسن العسكري] عليه السلام، يضيق بها المقام، و كفاك بتفسيره عليه السلام فانه مائة و عشرون مجلدا كما ذكره بعض الأعلام» [44] .

و اذا قال الصدوق لا يبقي لأمثالنا قول في هذا المجال.. و اذا كان تفسير امامنا عليه السلام يبلغ مائة و عشرين مجلدا، فمعني ذلك أن الجوهر صدر من معدنه، فقد روي عن جده أميرالمؤمنين عليه السلام أنه قال: لو شئت لأوقرت أربعين بعيرا في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم. و لا عجب أن يكون ذلك من باب مدينة علم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. غير أن شهادة جمال اليهود و شهادة ثيابهم لا ننكرها اذ جاءت بعد التحدي الوقح و تكذيب القرآن و اللعب بتأويله حسب الأهواء. و قد مر به من هو أسبق منا و أعلي كعبا و لم يعلق عليه بشي ء ألا تري في القرآن الكريم أن الكافرين حين ينكرون سيئاتهم



[ صفحه 362]



يوم القيامة يشهد عليهم سمعهم و أبصارهم و جلودهم. قال تعالي في كتابه العزيز: (حتي اذا ما جآءوها شهد عليهم سمعهم و أبصرهم و جلودهم بما كانوا يعملون) [45] .

«و خرج من عند أبي محمد عليه السلام، في سنة خمس و خمسين و مائتين، كتاب ترجمته - أي اسمه -: كتاب: المنقبة، و قيل كتاب: المقنعة - يشتمل علي أكثر من علم الحلال و الحرام - و أوله: أخبرني علي بن محمد بن علي بن موسي الخ...

و ذكر الخيبري في كتاب سماه: مكاتبات الرجال، عن العسكريين، قطعة من أحكام الدين» [46] .

و ننبه القاري ء الكريم الي أن كتابه - عليه السلام - المذكور في أعلاه، كان أول نموذج للرسائل العملية التي يجب أن يضعها مراجع الشيعة لمقلديهم في مختلف عصور غيبة صاحب الأمر عجل الله تعالي فرجه، ليعملوا بحسب ما فيها من أحكام الدين، فانه يعلم بأنهم قادمون علي غيبة طويلة موحشة، فعلم مراجعهم علي وضع رسائل تلك الأحكام في ما يأتي من الأعوام.


پاورقي

[1] الوسائل م 18 ص 149 و هو في ص 19 منه ما عدا جزءا يسيرا.

[2] سورة آل عمران: 7.

[3] اثبات الوصية ص 212 و تحف العقول ص 361 و الفصول المهمة ص 285 و كشف الغمة ج 3 ص 210.

[4] معاني الأخبار ص 5 - 4 و التوحيد للصدوق ص 231 - 230 و زاد العبارة الختامية فقط.

[5] سورة الفاتحة: 6.

[6] معاني الأخبار ص 33.

[7] سورة الفاتحة: 6.

[8] الوسائل م 18 ص 30.

[9] سورة الفاتحة: 7.

[10] سورة النساء: 69.

[11] معاني الأخبار ص 37 - 36.

[12] سورة الحشر: 18.

[13] سورة البقرة: 7.

[14] الاحتجاج ج 2 ص 456 - 455.

[15] سورة البقرة: 22.

[16] سورة البقرة: 22.

[17] قلل: مفردها: قلة، و هي قمة الجبل، و تلال: مفردها: تلة، و هي ما ارتفع قليلا عن وجه الأرض، و هضاب: جمع هضبة، و هي أرفع من التلة، و الأوهاد: جمع وهدة و هي الأرض المنخفضة عن وجه الأرض أقل من الوادي.

[18] الرذاذ: المطر الضعيف الصغير القطرات، و الوابل: المطر الشديد الكبير القطرات، و الهطل: المطر الدائم الذي ينزل بغزارة و يدوم، و الطل: هو الندي.

[19] سورة البقرة 22.

[20] سورة البقرة: 22.

[21] التوحيد ص 404 - 403 و الاحتجاج ج 2 ص 456.

[22] سورة البقرة: 78.

[23] سورة البقرة: 78.

[24] سورة البقرة: 79.

[25] سورة البقرة: 79.

[26] سورة البقرة: 160 - 159.

[27] الاحتجاج ج 2 من ص 456 الي ص 458.

[28] سورة التحريم: 6.

[29] سورة الأنبياء: 19 و 20.

[30] سورة الأنبياء: 26 و 27 و 28.

[31] سورة يوسف: 109.

[32] سورة الكهف: 50.

[33] سورة الحجر: 27.

[34] الفئام: بفتح الفاء و كسرها: الجماعة الكثيرة جدا من الناس و غيرهم، فوق ألوف المليارات عددا.

[35] الاحتجاج ج 2 ص 459 - 458.

[36] سورة النمل: 13 و الأحقاف: 7 و الصف: 6.

[37] سورة البقرة: 1 و 2.

[38] سورة الاسراء: 88.

[39] سورة فصلت: 42.

[40] سورة البقرة: 2.

[41] سورة البقرة: 2.

[42] سورة البقرة: 2.

[43] حليةالأبرار ج 2 من ص 480 الي ص 482 و معاني الأخبار من ص 24 الي ص 28.

[44] المصدر السابق.

[45] سورة فصلت: 20.

[46] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 424 و بحارالأنوار ج 50 ص 310.