في ذكر شي ء من معجزات الحسن العسكري
قال أبوجعفر الهاشمي: [1] كنت في الحبس مع جماعة، فجلس أبومحمد
[ صفحه 743]
و أخوه جعفر، فخففنا له، و قبلت وجه الحسن و أجلسته علي مضربة كانت تحتي، و جلس جعفر قريبا منه، و كان المتولي لحبسه صالح بن وصيف، و كان معنا في الحبس رجل جمحي يقول انه علوي، فالتفت أبومحمد عليه السلام و قال: لو لا أن فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متي يفرج الله عنكم. و أومأ الي الجمحي، فخرج فقال أبومحمد: هذا الرجل ليس منكم فاحذروه و أن في ثيابه قصة قد كتبها الي السلطان يخبره بما تقولون فيه. فقام بعضهم ففتش ثيابه، فوجد فيها القصة قد ذكرنا فيها بكل عظيمة و يعلمه أننا نريد ننقب و نهرب. [2] .
و قال أبوهاشم: كان أبومحمد عليه السلام يصوم، فإذا أفطر أكلنا معه ما كان يحمله إليه غلامه في خونة مختومة، و كنت أصوم معه، فلما كان بعض الأيام ضعفت فأفطرت في بيت آخر علي كعكة و ما شعر بي أحد، ثم جئت فجلست معه، فقال لغلامه: أطعم أباهاشم شيئا فإنه مفطر، فتبسمت، فقال: ما يضحكك يا اباهاشم، إذا أردت القوة فكل اللحم فإن الكعك لا قوة فيه. فقلت: صدق الله و رسوله و أنتم عليكم السلام، فأكلت. فقال: أفطر ثلاثا فإن المنة لا ترجع إذا نهكه الصوم في أقل من ثلاث.
فلما كان في اليوم الذي أراد الله أن يفرج عنا جاءه الغلام فقال: يا سيدي احمل. فقال: أحمل و ما أحسبنا نأكل منه. فحمل الطعام الظهر و اطلق عنه عند العصر و هو صائم، فقال: كلوا هداكم الله. [3] .
و قال يوسف بن محمد بن زياد و علي بن سيار، قالا: حضرنا ليلة علي عرفة لأبي محمد الحسن بن علي الزكي، و قد كان الوالي في ذلك الوقت معظما له، إذ جاء الي البلد و معه رجل مكتوف فقال: يابن رسول الله أخذت هذا علي باب حانوت صيرفي فلما هممت بضربه قال: إني من شيعة علي وشيعتك فكففت عنه، فهل هو كذلك؟ فقال عليه السلام: معاذ الله ما هذا من شيعة علي؟ فنحاه و قال: ابطحوه، فبطحوه فأقام عليه جلادين و قال: أوجعاه، فأهويا بعصيهما، فكان لا يصيبانه
[ صفحه 744]
و إنما يصيبان الأرض. قال: فرده الوالي الي الإمام أبي محمد عليه السلام فقال: عجبا لقد رأيت له من المعجزات ما لا يكون إلا للأنبياء فقال الحسن بن علي: أو للأوصياء. فقال: خل عنه إنما هي لنا و هو لنا محب. فقال الوالي: ما الفرق بين الشيعة و المحبين؟ فقال: شيعتنا هم الذين يتبعون آثارنا و يطيعوننا في جميع امورنا و أوامرنا و نواهينا، و من خالفنا في كثير مما فرض الله فليس من شيعتنا. [4] .
و قال أبوهاشم: إني قلت في نفسي: أشتهي أن أعلم ما يقول أبومحمد في القرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ و القرآن سوي الله؟ فأقبل علي فقال: أما بلغك ماروي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: لما نزلت (قل هو الله أحد) خلق الله لها أربعة آلاف جناح، فما كانت تمر بملأ من الملائكة إلا خشعوا لها، و قال: هذه نسبة الرب تبارك و تعالي. [5] .
و قال أبوهاشم: سمعت أبامحمد عليه السلام يقول: إن الله ليعفو يوم القيامة عفوا لا يخطر علي بال العباد حتي يقول أهل الشرك: (و الله ربنا ما كنا مشركين) [6] فذكرت في نفسي حديثا حدثني به رجل من أصحابنا من أهل مكة أن رسول الله صلي الله عليه و آله قرأ (إن الله يغفر الذنوب جميعا) [7] فقال رجل: و من أشرك، فأنكرت ذلك و تنمرت في قلبي و أنا أقوله في نفسي، إذ أقبل علي فقال: (إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [8] بئس ما قال هذا و بئس ما روي. [9] .
و قال أبوهاشم: سأل محمد بن صالح الأرمني أبامحمد عليه السلام عن قوله تعالي: (لله الأمر من قبل و من بعد). [10] .
قال: له الأمر من قبل أن يأمر به، و له الأمر من بعد أن يأمر به بما شاء. فقلت في نفسي: هذا مثل قول الله: (ألا له الخلق و الأمر تبارك الله رب العالمين) [11] .
[ صفحه 745]
و أقبل علي فقال: هو كما أسررت في نفسك (ألا له الخلق و الأمر تبارك الله رب العالمين) قلت: أشهد أنك حجة الله و ابن حججه في عباده. [12] .
و قال أبوهاشم أنه سأله عن قوله تعالي: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات) [13] قال: كلهم من آل محمد، الظالم لنفسه: الذي لا يقر بالإمام، و المقتصد: العارف بالإمام، و السابق بالخيرات: الإمام.
فجعلت افكر في نفسي عظم ما أعطي الله آل محمد و بكيت. فنظر إلي فقال: الأمر أعظم مما حدثتك به نفسك من عظم شأن آل محمد، فاحمد الله فقد جعلك متمسكا بحبلهم، تدعي يوم القيامة بهم إذا دعي كل اناس بإمامهم، إنك علي خير. [14] .
و قال أبوهاشم: سأله محمد بن صالح الأرمني عن قوله تعالي: (يمحوا الله ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب) [15] .
فقال: هل يمحو إلا ما كان؟ و هل يثبت إلا ما لم يكن؟ فقلت في نفسي: هذا خلاف قول هشام بن الحكم أنه لا يعلم بالشي ء حتي يكون. فنظر إلي و قال: تعالي الجبار العالم بالأشياء قبل كونها. قلت: أشهد أنك حجة الله. [16] .
و قال أبوهاشم: سمعته يقول: الذنوب التي لا تغفر قول الرجل ليتني لا او آخذ إلا بهذا. فقلت في نفسي: إن هذا لهو التدقيق، و ينبغي للرجل أن يتفقد من نفسه كل شي ء. فقال: صدقت يا اباهاشم إلزم ما حدثتك به نفسك، فإن الشرك في الناس أخفي من دبيب الذر علي الصفاء في الليلة الظلماء. [17] .
و قال أبوجعفر: دخل علي الحسن بن علي عليهماالسلام قوم من سواد العراق يشكون قلة الأمطار، فكتب لهم كتابا فأمطروا. ثم جاؤوا يشكون كثرته، فختم في الأرض فأمسك المطر.
[ صفحه 746]
و قال علي بن محمد الصيمري: كتب إلي أبومحمد عليه السلام: فتنة تظلكم فكونوا علي هبة [18] منها. قال: فلما كان بعد ثلاثة أيام وقع بين بني هاشم ما وقع و كانت فتنة، فكتبت إليه: هي هي. قال: لا ولكن غير هذه، فاحترسوا. فلما كان بعد ثلاثة أيام كان من أمر المعتز ما كان. [19] .
پاورقي
[1] في المصدر: أبوهاشم الجعفري.
[2] الخرائج و الجرائح: ج 2 ص 682 ح 1.
[3] الخرائج و الجرائح: ج 2 ص 683 ح 2.
[4] الخرائج و الجرائح: ج 2 ص 683 -684 ح 3.
[5] الخرائج و الجرائح: ج 2 ص 686 ح 6.
[6] الأنعام: 23.
[7] الزمر: 53.
[8] النساء: 48.
[9] الخرائج و الجرائح: ج 2 ص 686 ح 7.
[10] الروم: 4.
[11] الأعراف: 54.
[12] المناقب لابن شهرآشوب: ج 4 ص 436.
[13] فاطر: 32.
[14] الخرائج و الجرائح: ج 2 ص 687 ح 10.
[15] الرعد: 39.
[16] الخرائج و الجرائح: ج 2 ص 687 ح 10.
[17] المناقب لابن شهرآشوب: ج 4 ص 439.
[18] كذا، و الظاهر: اهبة.
[19] كشف الغمة: ج 2 ص 417.