بازگشت

من اجوبته و كلماته القصار


لقد جاء عنه في تفسير قوله تعالي: (ختم الله علي قلوبهم و علي سمعهم و علي أبصارهم غشاوة و لهم عذاب عظيم)، أنه سبحانه و سم قلوبهم و سمعهم بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته اذا نظروا اليها و جعل علي ابصارهم غشاوة، و ذلك لما اعرضوا عن النظر فيما كلفوه و قصروا فيما اريد منهم و جهلوا ما لزمهم الايمان به، فصاروا بذلك كمن علي عينيه غطاء لا يبصر ما امامه، فان الله عزوجل يتعالي عن البعث و الفساد و عن مطالبة العباد بما منعهم بالقهر منه فلا يأمرهم بمغالبته و لا بالمصير الي ما قد صدهم بالقسر عنه ثم قال: و لهم عذاب عظيم اي لهم العذاب المعد للكافرين في الآخرة.

و جاء عنه ايضا في تفسير قوله تعالي: (الذي جعل لكم الأرض فراشا) انه قال: لقد جعلها ملائكة لطبائعكم موافقة لاجسادكم لم يجعلها شديدة الحرارة فتحرقكم و لا شديدة البرودة فتجمدكم و لا شديدة في روائحها الطيبة فتصدع هاماتكم، و لا في روائحها النتنة فتعطبكم، و لا شديدة اللين كالماء فتغرقكم، و لا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في حرثكم و بنائكم، ولكنه جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به و تتماسك عليها ابدانكم و بنيانكم،



[ صفحه 502]



و جعل فيها من الليونة ما تنقاد به لحرثكم و منافعكم، فلذلك جعلها لكم فراشا، و جعل السماء بناء يعني سقفا من فوقكم محفوظا يدير فيها الشمس و القمر و الكواكب لمنافعكم، و أنزل من السماء المطر، انزله من جهة العلو ليبلغ قمم الجبال و تلالكم و هضابكم و اوهادكم ثم فرقه رذاذا و وابلا و هطلا و طلالا لاصلاح ارضكم و أشجاركم و ثماركم و أخرج بالمطر الذي ارسله بهذا النحو من كل الثمرات رزقا لكم، فلا تجعلوا لله اندادا و أشباها تعبدونها و هي لا تقدر علي شي ء من تلك النعم الجليلة التي انعمها عليكم.

و جاء عنه في تفسير قوله تعالي: (و منهم اميون لا يعلمون الكتاب الا اماني)، ان الامي منسوب الي امه اي هو كما خرج من بطن امه لا يقرأ و لا يكتب لا يعلمون الكتاب المنزل من السماء و لا الكتاب الذي وضعوه و لا يميزون بينهما الا اماني، اي الا ان يقرأ عليهم و يقال لهم هذا كتاب الله و كلامه، و ان هم الا يظنون، أي ما يقرأ عليهم رؤساؤهم من تكذيب محمد في نبوته و يقلدونهم مع انه محرم عليهم تقليدهم (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيدهم ثم يقولون هذا من عندالله)، هؤلاء قوم من اليهود كتبوا صفة زعموا انها صفة محمد (ص) و هي خلاف صفته و قالوا للمستضعفين منهم هذه صفة النبي المبعوث في آخرالزمان انه طويل عظيم البدن و البطن اصهب اشعر، و محمد )ص( بخلاف ذلك و يجي ء بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة، و انما ارادوا بذلك ان تبقي لهم علي ضعفائهم رياستهم و تدوهم لهم، و قد قال الله سبحانه: (فويل لهم مما كتبت ايديهم و ويل لهم مما يكسبون).

و قال له رجل كما يدعي الراوي: فاذا كان هؤلاء القوم من اليهود لا يعرفون الكتاب الا بما يسمعونه من علمائهم و لا سبيل لهم الي غيره، فكيف ذمهم بتقليدهم و القبول من علمائهم، و هل عوام اليهود الا كعوامنا يقلدون علماؤهم، فقال (ع): بين عوامنا و علمائنا و عوام اليهود و علمائهم فرق من جهة و تسوية من جهة، اما من حيث استووا فان الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما ذم عوامهم، و أما من حيث افترقوا فان عوام اليهود كانوا قد عرفوا



[ صفحه 503]



علماءهم بالكذب و أكل الحرام و الرشا و تغيير الاحكام عن واقعها بالشفاعات و المصانعات و عرفوا بالتعصب الشديد الذي يفارقون به اديانهم و غير ذلك مما عرفوهم به فلذلك ذمهم لما قلدوا من عرفوه و علموا انه لا يجوز عليهم قبول خبره و تصديقه فيما جاءهم به ووجب عليهم النظر بأنفسهم في امر رسول الله (ص) اذ كانت دلائله اوضح من ان تخفي و كذلك عوام امتنا اذا علموا من فقهائهم الفسق و العصبية الشديدة و التكالب علي حطام الدنيا و حرامها، فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة فقهائهم، اما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه، و ذلك لا يكون الا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فان من ركب من القبائح و الفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منه عنا شيئا و لا كرامة، و أنما كثر التخليط فيما يتحمل عنا اهل البيت لذلك لأن الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه لجهلهم و يضعون الاشياء علي غير وجهها لقلة معرفتهم.

و آخرون يعتمدون الكذب علينا ليجنوا من عرض الدنيا ما هو زادهم الي نار جهنم، و منهم قوم نصاب لا يقوون علي القدح فينا يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا ثم يضيفون اليه أضعاف و أضعاف أضعافه من الاكاذيب علينا التي نحن براء منها فيتقبله المستسلمون من شيعتنا علي أنه من علومنا فضلوا و أضلوا و هم أضر علي ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد علي الحسين بن علي (ع) و أصحابه.

و أضاف الي ذلك ان رسول الله (ص) قال: اشرار علماء امتنا المضلون عنا القاطعون الطرق الينا المسمون اضدادنا بأسمائنا الملقبون اندادنا بألقابنا يصلون عليهم و هم للعن مستحقون و يلعنونا و نحن بكرامات الله مغمورون، و بصلوات الله و صلوات ملائكته المقربين علينا عن صلواتهم مستغنون، و مضي الامام العسكري كما يزعم الراوي يقول: قيل لأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (ع) من خير خلق الله بعد أئمة الهدي و مصابيح



[ صفحه 504]



الدجي، فقال: العلماء اذا صلحوا، قبل له: فمن شرار خلق الله بعد ابليس و فرعون و النمرود و بعد المتسمين بأسمائكم و الملقبين بألقابكم و المتآمرين علي الناس، فقال (ع): العلماء اذا فسدوا و هم المظهرون للاباطيل و الكاتمون للحقائق و فيهم قال الله: اولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون.

و روي يوسف بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن سيار انهما قالا للحسن ابي القائم (ع): ان قوما عندنا يزعمون ان هاروت و ماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم و أنزلهما الله مع ثالث لهما الي الدنيا و انهما افتتنا بالزهرة و أرادا الزنا بها و شربا الخمر و قتلا النفس المحرمة و ان الله يعذبهما ببابل و ان السحرة يتعلمون السحر منهما، و ان الله مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزهة، فقال (ع): معاذ الله من ذلك ان الملائكة معصومون من الكفر و القبائح بألطاف الله، و قد قال سبحانه فيهم: (لا يعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون). و قال: و له من في السموات والأرض و من عنده لا يستكبرون عن عبادته.

و قال في الملائكة: بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون، و مضي يقول: ان الله لم يبعث الملائكة الي الارض ليكونوا ائمة و حكاما و انما ارسلوا الي انبياء ليبلغوهم رسالات ربهم، فقال له السائل: فعلي هذا لم يكن ابليس ملكا، فقال لا بل كان من الجن، الم تسمع قول الله: (و اذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس كان من الجن).

و جاء عنه انه كان يقول: اعرف الناس بحقوق اخوانه و أشدهم قضاء لها اعظمهم عندالله شأنا، و من تواضع في الدنيا لاخوانه فهو عندالله من الصديقين و من شيعة علي بن ابي طالب حقا، و من رضي بدون الشرف من المجالس لم يزل الله و الملائكته يصلون عليه حتي يقوم.

و قال (ع): الاشراف في الناس اخفي من دبيب النمل علي المسح



[ صفحه 505]



الاسود في الليلة المظلمة، وحب الابرار للابرار ثواب للابرار وحب الفجار للابرار فضيلة للابرار و بغض الفجار للابرار زين للابرار و بغض الأبرار للفجار خزي عن الفجار.

من التواضع السلام علي من تمر به و الجلوس دون شرف المجلس، و من الجهل الضحك من غير عجب.

و قال لجماعة من شيعته: اوصيكم بتقوي الله و الورع في دينكم و صدق الحديث و اداء الامانة الي من ائتمنكم من بر او فاجر و طول السجود و حسن الجوار فبهذا جاء محمد (ص): صلوا في عشائركم واشهدوا جنائزكم و عودوا مرضاكم و أدوا للناس حقوقهم، فان الرجل منكم اذا ورع في دينه و صدق في حديثه و أدي للناس الامانة و حسن خلقه معهم و قيل هذا شيعي يسرني ذلك، اتقوا الله و كونوا لنا زينا و لا تكونوا شينا جزوا الينا كل مودة وادفعوا عنا كل قبيح فما قيل فينا من خير فنحن اهله، و ما قيل فينا من سوء فنحن منه براء لنا حق في كتاب الله و قرابة من رسول الله و ولادة طيبة لا يدعي ذلك غيرنا الا كذاب.

و قال لهم: ليس العبادة كثرة الصيام والصلاة و انما هي كثرة التفكر في امر الله، بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين يطري اخاه شاهدا و يأكله غائبا ان اعطي حسده و ان ابتلي خذله، والغضب مفتاح كل شي ء و أقل الناس راحة الحقود، و أزهد الناس من ترك الحرام، من يزرع خيرا يحصد غبطة و من يزرع شرا يحصد الندامة، قلب الاحمق في فمه وفم الحكيم في قلبه.

و قال لبعض اصحابه: لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض، و من تعدي في طهوره كان كناقضه، و ما ترك الحق عزيز الا ذل و لا اخذ به ذليل الا عز، خصلتان ليس فوقهما شي ء الايمان بالله و نفع الاخوان، و جرأة الولد علي والده في صغره تدعوا الي العقوق في كبره، و ليس من الادب اظهار



[ صفحه 506]



الفرح عند المحزون.

و قال (ع): من وعظ اخاه سرا فقد زانه و من وعظه علانية فقد شانه، و ما اقبح بالمؤمن ان تكون له رغبة تذله و لا يعرف النعمة الا الشاكر و لا يشكرها الا العارف، وادفع المسألة ما وجدت التحمل يمكنك فان لكل يوم رزقا جديدا، و الالحاح في الطلب يسلب البهاء و يورث التعب و العناء فاصبر حتي يفتح الله لك بابا يسهل الدخول فيه فلا تعجل علي ثمرة لم تدرك، واعلم ان المدبر لك اعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه فثق بخبرته في جميع امورك يصلح حالك، و لا تعجل بحوائجك قبل وقتها فيضيق قلبك و صدرك و يغشاك القنوط.

و كان يقول: من ركب ظهر الباطل نزل به دارالندامة، و المقادير الغالبة لا تدفع بالمغالبة، والارزاق المكتوبة لا تنال بالشره و لا تدفع بالامساك عنها، و كفاك ادبا تجنبك ما تكره من غيرك، و خير اخوانك من نسبي ذنبك و ذكر احسانك و أضعف الأعداء كيدا من أظهر عداوته، و من انس بالله استوحش من الناس و علامة الانس بالله الوحشة من الناس، و جعلت الخبائث في بيت و مفتاحه الكذب.

الي غير ذلك من وصاياه و نصائحة التي كان يوجهها لعامة الناس و أصحابه في محاولة منه لبيان ما يجب ان يكون عليه المسلم من الاخلاق و الصفات التي هي ابلغ في الدعوة الي الاسلام من كل ما يمكن ان يستعمل في سبيل ذلك، و في الوقت ذاته فان هذه الواجهة التي برزت في اخلاق اهل البيت و تعاليمهم و سيرتهم تكشف زيف و واقع اولئك الذين حكموا باسم الاسلام و كانوا واجهته عند بقية الامم التي كانت تنظر اليه من زاويتهم و لا اكون مغاليا اذا قلت بأن تعثر الاسلام في مسيرته و تأخر المسلمين عن غيرهم في الماضي و الحاضر ناتج عن تلك الصور القاتمة التي تركها اولئك الطغاة و توارثها من جاء بعدهم من الادعياء حتي عصرنا الحالي فحكموا باسم الاسلام و يتكلمون باسم الدين و الاسلام و هم من ألد اعدائه و خصومه.



[ صفحه 507]